أعمال محسن أبو العزم: لوحات ساخرة تخلد عادات وطقوس المصريين

القاهرة ـ «القدس العربي»: تبدو لقطات التشكيلي المصري محسن أبو العزم ــ مواليد عام 1958 ــ وكأنها تذكارات قديمة لأماكن وشخوص لا يمكن مشاهدتها الآن، إلا من خلال فيلم بالأبيض والأسود، أو صور فوتوغرافية تعدّت أكثر من نصف قرن. ومقارنة برسومات تصوّر لقطات ومشاهد من قاهرة المماليك، تأتي أعمال أبو العزم لتنتصر إلى الناس العاديين، […]

أعمال محسن أبو العزم: لوحات ساخرة تخلد عادات وطقوس المصريين

[wpcc-script type=”e89e5bc771979056a6ebdf89-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: تبدو لقطات التشكيلي المصري محسن أبو العزم ــ مواليد عام 1958 ــ وكأنها تذكارات قديمة لأماكن وشخوص لا يمكن مشاهدتها الآن، إلا من خلال فيلم بالأبيض والأسود، أو صور فوتوغرافية تعدّت أكثر من نصف قرن. ومقارنة برسومات تصوّر لقطات ومشاهد من قاهرة المماليك، تأتي أعمال أبو العزم لتنتصر إلى الناس العاديين، أهل الحواري، لتسجل بدقة كل تفاصيل هذه الحياة، بدون سادة وجوار ولوحات أسطرها المستشرقون في الوعي المصري، أما شخوص الرجل فلم تزل متداولة وقريبة إلى المخيلة المصرية بفضل السينما، والأكثر أنه يحاول إظهار روح أصحابها، التي من الممكن أن تجد أشباهها هذه الأيام، إضافة إلى ذلك لا يتأسى أبو العزم لما كان، بل يبرز في لوحاته الحِس الساخر من صفات وأفعال وعادات وطقوس أهل الحارات، بدون محاسبة أو إصدار أحكام على مدى صحة أو صواب هذه الأفعال.

الحكاية

يعتمد أبو العزم في اللوحة على البناء الحكائي، بمعنى تجسيد لقطة غنية توحي بحكاية أو مشاهد سابقة ولاحقة للقطة التي اختارها، موقف حياتي لك أن تتخيل مقدماته وتبعاته، امرأة تتزين، حفل زواج، الطقس الشعبي لفض البكارة ليلة الدُخلة، وجبة إفطار رمضان، نساء يتحادثن عبر شبابيك بيوتهن القريبة، امرأة عليها عفريت يقرأ لها أحد الشيوخ آيات من الذِكر الحكيم، حفلات الزار، أطفال يلعبون نصف عرايا، ومعركة تكاد تنشب، بسبب كوّاء أحرق ملابس أحد زبائنه، والكثير من مواقف وتفاصيل الحارات وأهلها في مصر.

الأسلوب الساخر

يوازن الفنان في خبرة بصرية ما بين الأسلوب الكلاسيكي في رسم اللوحة ـ الإضاءة والتكوين ـ والمبالغة في ملامح وتفاصيل الشخوص، فما نراه حقيقة سنجده في اللوحة، كالشوارع والبنايات، وكل ما يحيط أصحاب الحكاية، الوصف الدقيق للمكان وأكسسواراته، بيت، مقهى، عربة فول، مقام مقدس يتشكّى زوار صاحبه حال الدنيا، لكن وسط كل هذه التفاصيل سنجد الفعل الحركي لا يهدأ، فهؤلاء لا يستكينون لحظة، هناك حالة دائمة من الانفعال، يجتهد الفنان في إظهارها بالقدر نفسه من مبالغته في شخوصه. ومن المفارقة تتولد حالة الكاريكاتير، ليس بشكله المعتاد، كانتقاص من الفعل، بل للاحتفاء بأصحابه، فالرجل بين أسرته كما في معظم البيوت المصرية، يأكل وزوجته وبجوارهما نصف بطيخة، ويُشعل سيجارة، ويضحكان وهما يشاهدان التلفزيون، هو في ملابسه الداخلية، وهي في جلبابها القصير عاري الكتفين. ودائماً ما ترى أفعالاً جانبية في اللوحات ذات الحشد، ففي لوحة فض بكارة العروس ليلة الدُخلة، نجد فتى وفتاة يضحكان في خبث، وينظر كل منهما للآخر. كذلك امرأة دمامتها ظاهرة، إلا أنها لا ترى في المرآة سوى امرأة جميلة، بل تضيف لمساتها من خلال أحمر الشفاه، الذي تضع منه حتى ليكاد يتحول وجهها إلى وجه مهرج في سيرك. مع ملاحظة أن هذه الشخصيات نجدها بيننا الآن في الشارع، ولكن بملابس غاية في التناقض، وربما أكثر سخرية من مخيلة الفنان، كالبنطلون الجينز، والبلوزة القصيرة، والماكياج الثقيل، بدون نسيان الإيشارب ـ الحجاب الشعبي ـ الذي قد تطل منه خصلة شعر مصبوغ بلون أصفر فاقع!

القتامة والحِس الكرنفالي

المفارقة أيضاً هي التي تحكم العمل بالكامل، فألوان البيوت الباهتة، وبعض من الأصفر، الذي يوحي بقِدم اللقطة، وهو ما يتماشى وملامح الشخوص المتوترة، المضغوطة من سوء الأحوال الاقتصادية، والمتأزمة على الدوام، والتي من الممكن أن تتشاجر لأتفه الأسباب، إلا أن كل هذا ينقلب في لحظة من لحظات الفرح، فنجد ابتسامات واسعة، وألوان متداخلة زاهية، يسيطر عليها اللون الأحمر، وملابس مزركشة مُبهجة. هذا الكرنفال الحركي واللوني يخلق بدوره أجواء من الموسيقى، التي يمكن سماعها، والتناغم من خلالها مع تفاصيل وعناصر اللوحة.

أيقونات شعبية

يستمد الفنان تراثه البصري من معايشات ومشاهدات للأفلام المصرية القديمة، وتظهر في لوحاته خبرات حياتية بالشخوص وتفاصيلها، الفئة الاجتماعية، المهنة، أسلوب حديثها، ملامحها الغاضبة أو السعيدة، كل هذا جعله يدرك جيداً روح هؤلاء وكيفية التعبير عنهم في بساطة وبدون تكلف، وقد جعل منهم أيقونات شعبية لا تنكرها عين، ومنه أصبحت أعماله أكثر ألفة وتفاعلاً مع المتلقين، وهذا بدوره يطرح قضية الفن التشكيلي ومدى تواصل الآخرين معه، فالفنان وموضوعاته لا تتعالى على المتلقي، وتجسد جزءاً من تراثه، وتتماس مع ذاكرة البعض، إضافة إلى السخـــــرية التي لا تخــــلو منها تفصيلة واحدة في اللوحة. فأعمال محسن أبو العزم في الأول والأخير تحتفي عن حب بالبسطاء، بدون ادعاء أو تزييف أو متاجرة، بخلاف الكثير من مُدّعي الفن، الذين لا يعرفون الناس، ولا حتى أنفسهم.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!