أمثلة على الاعتدال في العبادة
Share your love
‘);
}
الاعتدال في العبادات البدنية
جاء في الحديث الصحيح عن أنس قَالَ: (جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَته، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ رَسُولِ الله وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنا فَأُصَلّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ الآخَرُ: وأنا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ ولاَ أتزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ الله إلِيْهمْ، فَقَالَ: “أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَالله إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لله وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأتزَوَّجُ النَّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي).[١]
ويدل هذا الحديث الشريف على عتاب النبي الكريم للذين يُشددون على أنفسهم في العبادة بدافع شدة خشية الله والتقوى له سبحانه وتعالى، فإنَّ أحداً لا يمكن أن يدعي أنه أشد حرصاً على خشية الله وتقواه من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يتشدد نبينا الكريم على نفسه أكثر من حد الاعتدال، فلا ينبغي لمسلم أن يشدد على نفسه في العبادة؛ لأن لأنفسكم عليكم حقًّا.[٢]
أمثلة على الاعتدال في العبادات
نستنبط من الحديث الشريف السابق أمثلة ثلاثة على اعتدال النبي صلى الله عيه وسلم في العبادات:[٣]
‘);
}
- التوازن والاعتدال بين حق الله تعالى في قيام الليل وحق البدن في النوم الكافي؛ فلا قيام ليل صحيح إلا بعد نومٍ كاف.
- التوازن والاعتدال بين حق الروح في السمو بالصيام وحق الجسد في تناول المباح من الطعام؛ فلا يُتصوَّر أداء الصيام كما يريد الله إلا من جسد تقوَّى بالسحور على الصوم.
- التوازن والاعتدال بين حق الله تعالى بالتفرغ لطاعته وحق الفرد والمجتمع بإنشاء أسرة صالحة عن طريق الزواج، فلا يتيسر التفرغ لطاعة الله إلا بكسر الشهوة المشغلة عن الطاعة بالمباح.
القواعد الفقهية المتعلقة بالاعتدال في العبادة
أكثر القواعد الفقهية تراعي الاعتدال، كقاعدة: “الضرورات تبيح المحظورات”، وقاعدة: “الضرر يُزال”، وقاعدة: “المشقة تجلب التيسير”، وقاعدة: “إذا ضاق الأمر اتسع”. ومِن تلك القواعد استنبط الفقهاء كثيراً من الرخص الشرعية التي سمحت بارتكاب بعض المحرمات وترك بعض الواجبات؛ لأن “مِن قواعد الشرع الكلية أنه: لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة”.[٤]
ومن الأمثلة على الرخص المشتقة من تلك القواعد:[٥]
- رخص الإسقاط: كإسقاط الصلاة عن الحائض والنفساء.
- رخص التنقيص: كالقصر في السفر.
- رخص الإبدال: كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم عند عدم الماء.
- رخص الاضطرار: كأكل الميتة عند خشبة الموت جوعاً.
والأصل في العبد المسلم أن يراعي التوازن والاعتدال في كل شؤونه حتى في علاقته مع ربه، مقتدياً بوصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو: (صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا).[٦]
المراجع
- ↑رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5063، صحيح.
- ↑مظهر الدين الزيداني، المفاتيح في شرح المصابيح، صفحة 245. بتصرّف.
- ↑فيصل آل مبارك]، تطريز رياض الصالحين، صفحة 115. بتصرّف.
- ↑ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، صفحة 227.
- ↑محمد صدقي آل بورنو، الوجيز في إيضاح قواعد الفقة الكلية، صفحة 229. بتصرّف.
- ↑رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم:1975 ، صحيح.