أهمية العمل الخيري في رمضان

العمل الخيري يشمل كل عمل من أعمال البرّ يقوم به العبد امتثالاً لأمر الله عز وجل وابتغاء مرضاته، وإن كان يطلق عرفاً على عمل البرِّ المنظّم الذي يُهتم فيه بنفع الآخرين، كالصدقة، وتعليم العلم، وتحفيظ القرآن، وأعمال الإغاثة.

ولمَّا كان محلَّ العمل الخيري ومجاله أعمال البرّ والخير، فلا عجب أن يكون جزءاً من عمل المسلم، وأن تأتي النصوص الشرعية بالدعوة إليه، والأمر بالمسارعة فيه، بل جاء الأمر بالدعوة إلى العمل الخيري والدعوة إلى الدعوة إليه، وذلك في نصوص عديدة.

من مثل قول الله عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (الحج 77)، ففيه الأمر بالصلاة وأنواع العبادة، وبفعل الخير الذي يصل نفعه للغير، من صلة الرحم والصدقة ومكارم الأخلاق وغيرها.

وقولِه جل جلاله: “فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ” (البقرة 148)، أي: بادروا بفعل الخيرات، ومن ذلك تقبّل أوامر الله عز جل وتنفيذها.

ومثله قوله سبحانه: “فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ”(المائدة 48) ، أي: ابتدروا الأعمال الصالحة وسارعوا إليها.

وبهذا جاءت هداية الرسل الكرام، ومنه قوله تعالى عن أنبيائه صلواته وسلامه عليهم: “وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ” (الأنبياء 73)، فمن معاني الآية: وجعلناهم أئمة يقتدى بهم، ويهدون الناس بالوحي، ويحثّون الناس على فعل الخيرات، وعلى رأس ذلك فعل الأوامر من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغيرها.

وكانوا قدوة في ذلك بأعمالهم، فقد وصفهم الله عز وجل بذلك في مواضع منها قوله سبحانه: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ” (الأنبياء 90)، أي: إنّهم كانوا يبادرون في عمل القربات، راغبين في رحمتنا راهبين عذابنا. وهو شأن المؤمنين الصادقين.

كما في قوله سبحانه: “أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ” (المؤمنون 61)، فهم يسارعون في نيل خيرات الدارين بفعلهم للأعمال الصالحة مع رغبة شديدة وحب للخير وطيب نفس به، وهم سابقون لها وإليها.

وهذا بعكس أهل النفاق ودعاة الضلالة، فقد وصف الله عز وجل المنافقين بأنّهم ينفرون من العمل الخيري، ويتضايقون منه ويشحون به: “أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا” (الأحزاب 19).

بل وبيّن الله عز وجل أنّ المنافقين يقللون من شأن العمل الخيري، ويحاربون أهله ويشككون في نواياهم، ويسخرون منهم، كما قال عز وجل: “الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (التوبة 79)، فهم يعيبون المتطوعين بالعمل الخيري التطوعي من أهل الإيمان والصلاح، فقد كان المنافقون في العهد النبوي يشوهون أهل الخير وينتقصونهم، فمن بذل خيراً كثيراً قالوا: إنّه يعمل ذلك رياءً، ومن قدم شيئاً يسيراً على قدر حاله وجهده، قالوا عنه: إنّ الله غني عن صدقته، وإنّه إنّما جاء بها ليذكِّر بحاجة نفسه وأنّه فقير ليعطى من الصدقات فيما بعد.

ومجالات العمل الخيري كثيرة، وممّا جاء في ذلك من كتاب الله عز وجل قوله سبحانه: “لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” (البقرة 177).

ومن أهم صور العمل الخيري وأشهرها: النفقة في الخير، قال الله تعالى: “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ “(البقرة 215).

وبيّن الله عز وجل فضل ذلك بعامة، في مثل قوله سبحانه: “مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”(البقرة 261).

وبين سبحانه بعض آداب النفقة والإحسان في مثل قوله: “لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” (آل عمران 92).

وفي الحديث الصحيح عن رسول الله “مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ” رواه مسلم.

أيضاً أنّه قال: “ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاًً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً” متفق عليه.

قال النووي رحمه الله في معنى الحديث: “قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق وعلى العيال والضيفان والصدقات، ونحو ذلك، بحيث لا يُذم ولا يسمى سرفاً، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا” (شرح النووي لصحيح مسلم :7/95).

والآيات والأحاديث في فضل النفقة في وجوه الخير والصدقة على ذوي الحاجة كثيرة جداً، وثواب العمل الخيري يعظم، وترتفع درجات أهله في بعض الأحوال والظروف والأوقات والأزمان أكثر منه في سواها، فهو في أوقات الأزمات وفي ظل التضييق على العمل الخيري مع شدّة الحاجة إليه، وقلّة من يقوم به وقلّة النصير لأهله أعظم أجراً.

قال الله عز وجل: “وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (الحديد10). 

والعمل الخيري في الأوقات الفاضلة والأزمنة المباركة أعظم أجراً منه في غيرها، فالعمل الخيري في رمضان ليس كالعمل الخيري في سواه، وهو في الأمكنة الفاضلة أكثر أجراً منه في غيرها، لفضيلة الزمان في الأول، وفضيلة المكان في الثاني، فإذا اجتمع الفاضلان: الزمان والمكان، كان الفضل مضاعفاً بكل منهما، والله ذو الفضل العظيم.

وللعمل الخيري في شهر رمضان طعم آخر، فمع كونه أعظم أجراً، فللنّفوس في رمضان إقبال على الخير، لا يكون في غيره في العادة، ومن لم يوفّق للعمل فيه فله نصيب من الحرمان والعياذ بالله، فهنيئا لمن تزود فيه من العمل الصالح ما يقرّبه إلى الله سبحانه وتعالى ويكسبه مرضاته في ليله أو نهاره.

فقد جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول للصحابة رضوان الله عليهم في أول رمضان: “أتاكُم رَمضانُ شَهرٌ مبارَك، فرَضَ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ عليكُم صيامَه، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ، وتغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ، للَّهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ” صححه الألباني.

وفي الحديث الآخر: “رَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ” رواه مسلم. 

ويكفي باغي الخير أن يتذكّر أن له في رسول الله صلّى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان صلوات ربي وسلامه عليه يقود العمل الخيري بفعله قبل قوله، فقد (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ) رواه الشيخان.

والله تعالى أعلم وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

المصدر: يوم جديد كنانه أونلاين

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!