“إسرائيل” والعنصرية ضد المهاجرين

إسرائيل والعنصرية ضد المهاجرين بخلاف السائد في كل الدول التي تسعى فيها قوى اليمين إلى إثارة نزعات الكره والعنصرية ضد المهاجرين الأجانب كون ذلك يشكل ورقة رابحة في كسب التأييد الشعبي ولا سيما من قبل الجهات الأفقر في المجتمع التي تعتبر المهاجرين منافسين لها في سوق العمل تراكم الأغلبية السياسية والمجتمعية..

"إسرائيل" والعنصرية ضد المهاجرين

بخلاف السائد في كل الدول التي تسعى فيها قوى اليمين إلى إثارة نزعات الكره والعنصرية ضد المهاجرين الأجانب، كون ذلك يشكل ورقة رابحة في كسب التأييد الشعبي، ولا سيما من قبل الجهات الأفقر في المجتمع التي تعتبر المهاجرين منافسين لها في سوق العمل، تراكم الأغلبية السياسية والمجتمعية في “إسرائيل” مواقفها الفاشية والعنصرية

 ليس فقط ضد العرب والفلسطينيين وحقوقهم الوطنية المشروعة التي تتسارع عملية تصفيتها بشكل جنوني، أو ضد المؤسسات والمنظمات وأصحاب المواقف السياسية التي لا تلائم إرادة وتوجه هذه الأغلبية التي تسرع الخطى نحو تدشين مرحلة جديدة في الدولة العبرية عنوانها قوننة وتشريع السيطرة اليمينية- الدينية على الدولة والمجتمع، وإنما كذلك ضد كل “الأغيار” الذين لم يتورع المستشار القضائي لحكومة نتنياهو، موفاز عن الزعم بعدم وجود داعٍ لتقديم صاحب كتاب “توراة الملك” الذي يبرر قتلهم إلى المحاكمة

والذين يمكن أن يشوهوا “النقاء الإسرائيلي”، وخاصة أولئك المهاجرين الأفارقة الذين باتوا عرضة للطرد بذريعة “خطرهم الديمغرافي على إسرائيل”، و”تهديدهم لمكونات المجتمع “الإسرائيلي” والأمن القومي والهوية الوطنية”، وتحولهم إلى “قنبلة اجتماعية موقوتة” يساهم وجودهم في “تفاقم الجريمة في إسرائيل”.

مشكلة هؤلاء المهاجرين ال 60 ألفاً الذين يعيش 25 ألفاً منهم في مدينة تل أبيب وضواحيها، وحوالي 10 آلاف في مدينة إيلات، على خليج العقبة، وحوالي الألفين في السجون، والباقون ينتشرون في أماكن شتى من فلسطين المحتلة، والذين يحلو “للإسرائيليين” نسبتهم إلى السودان حصرا، هي تابعية هؤلاء الذين بدأ تدفقهم نحو “إسرائيل” في العام 2007، وتواصل بشكل مكثف خلال السنوات الثلاث الأخيرة، عبر طريق شبه جزيرة سيناء المصرية، لعدد من المناطق والدول الإفريقية.

إذ على الرغم من أن غالبيتهم (نحو 40 ألفاً) هم فعلياً من أريتريا التي ترتبط بعلاقات فعلية مع تل أبيب، وهؤلاء يرغبون إما في البقاء في “إسرائيل” أو الذهاب منها إلى أوروبا، وهو ما تتيحه قوانين الأمم المتحدة التي تفرض قيوداً في كل ما يتعلق بإعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية، في حال وجود حرب فيها، إلا أن ثمة أعداداً لا بأس بها منهم هي من جنوب السودان التي طلبت حكومتها من حكومة “إسرائيل” مساعدتها في تأهيل هؤلاء، ومن ثم إعادتهم لاحقاً لمساعدة الدولة الوليدة، وكذلك من منطقة دارفور السودانية التي يصعب إعادة أبنائها إليها، نظراً لانعدام العلاقات مع الحكومة السودانية، ومن ساحل العاج ونيجيريا.

ومع أن الحجج والذرائع التي استخدمت من قبل المحرضين “الإسرائيليين” للانقضاض على هؤلاء المهاجرين كانت، في معظمها، من الطراز الوضيع المتخم بالكذب والافتراء، من نمط اتهام ثلاثة شبان أفارقة، ظلماً وزوراً وفق إفادة التحقيقات، باغتصاب فتاة “إسرائيلية”، ونشر الشرطة إحصاءات تفيد بأن نسبة الجريمة ارتفعت في صفوف الأفارقة في “إسرائيل” بنسبة 40 في المئة خلال السنة الماضية، إلا أن ذلك لم يمنع الحكومة من اتخاذ رزمة من الإجراءات والخطوات التي من شأنها إنهاء ما تسميه “أزمة المتسللين”.

كما لم يحد من انفلات الغرائز العنصرية الفاشية التي باتت تسمى “قبائل إسرائيل” بكل مكوناتها الإثنية والاجتماعية والثقافية: الأشكناز العلمانيون، واليهود المتدينون الصهاينة، واليهود المتدينون من أصول سفاردية، واليهود المتدينون الحريديم والأشكناز، والمهاجرون الروس، ضد المهاجرين الأفارقة، والتي كان تعبيرها الأبرز تلك المظاهرة الصاخبة التي قام بها مئات “الإسرائيليين” في تل أبيب يوم 23/5، بمشاركة ثلاثة أعضاء كنيست بارزين من حزب الليكود، وهاجموا فيها المهاجرين، واعتدوا عليهم بصورة وحشية.

ولعل المفارقة المثيرة للدهشة والاشمئزاز، في هذه التظاهرة، هي مشاركة الفلاشا الأثيوبيين في هذا الطقس العنصري المقيت، ومطالبتهم بطرد الأفارقة الآخرين.

ولأن دولة الأبرتهايد “الإسرائيلية” التي أظهر استطلاعان للرأي نشرا مؤخراً، أحدهما على مستوى الرأي العام العالمي، والآخر يخص المواطنين الألمان، أنها باتت، وفق المستطلعة آراؤهم، تحتل الموقع الثالث، على المستوى الدولي، في دول الشر، ولأنها “نتاج سياسات عدوانية وفجور لا أخلاقي ولا قانوني، ومعادية للبشرية كلها وليس للفلسطينيين”، كما أشار شتاينمن الحاخام الأكبر للطائفة الليتوانية، فقد كان من الطبيعي أن تتجاهل الانتقادات الدولية لسياستها المتبعة حيال المهاجرين الأفارقة، بما في ذلك التقرير السنوي للخارجية الأمريكية الذي بيّن أنه لم يتم التعامل مع هؤلاء المهاجرين بالشكل اللائق، ولم يحظوا بالحصول على وثائق رسمية تبين حالتهم ومكانتهم القانونية، كما بيّن أيضاً أنه في العام الماضي 2011، تلقت السلطات “الإسرائيلية” 4603 طلبات بالحصول على مكانة لاجئ، لكنها رفضت 4602 طلب ووافقت على طلب واحد فقط.

لا بل إن هذه الدولة، التي تناصب البشرية العداء بإنتاجها المتواصل لأبشع أشكال العنصرية، لم تتورع عن تحديد أكتوبر/ تشرين الأول المقبل موعداً نهائياً للتخلص مما تعتبره “مشكلة المهاجرين الأفارقة”، والشروع بتنفيذ الخطة الحكومية القاضية بمنع دخول المتسللين عبر تشديد المراقبة على الحدود، وتكثيف دوريات الجيش والإشراف على معدّات الرقابة المنصوبة على طول الحدود مع مصر. واحتجاز المتسللين في المعتقلات التي من المتوقع أن تكون جاهزة في أقل من شهر، وذلك قبل الإقدام على اتخاذ خطوات حاسمة وسريعة لطرد جميع المتسللين من دون استثناء.

في أي حال، لم تأت الغالبية السياسية والمجتمعية “الإسرائيلية” التي تعمل على تأصيل فاشية جديدة أشد خطراً من كل ما شهدته البشرية في الماضي، بأي جديد عندما قررت إطلاق موجة جديدة من تسونامي العنصرية ضد المهاجرين الأفارقة.

وحيثية ذلك هي أن هذه الدولة الوظيفية المختلقة التي بدأت دورتها الحياتية بطرد أصحاب الأرض وتشريدهم في أصقاع الأرض، تحولت، عشية الانتقال إلى نظام عالمي جديد، إلى ما يشبه الغيتو المحاط بالأسوار وجدران الفصل، والمتخم بخليط من القوى اليمينية الصهيونية والدينية المتطرفة المعربدة التي لا ترى في الآخر سوى عميل ينبغي استغلاله إلى الحدود القصوى، أو عدو يجب تحطيمه، أو مشروع عدو، ما يعني أنها ليست بصدد فقدان شرعيتها الأخلاقية حيال العالم التي لم توجد أصلا، وإنما أخذت تسير على طريق فقدان شرعيتها الداخلية، ومبرر وجودها الذي يتآكل بسرعة، غير مسبوقة، على مذبح الكراهية والعداء ضد كل ما هو غريب ومختلف تحت غطاء من “الوطنية المفبركة” الكاذبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخليج الإماراتية
 

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!