اختزال المساحة في أعمال المغربي نور الدين ضيف الله

يُعبّر الفنان نور الدين ضيف الله بمفردات لغته التشكيلية الخصبة، بنماذج حروفية وأشكال فراغية، من نسيج مجاله المنمق، وإبداعه الفريد المخالف للمألوف، اعتمادا على فضاء يختزل فيه المساحة، ويمرر من خلاله منجزه التشكيلي وفق طقوس تعبيرية دائمة البناء والتشكل، بإضفاء عناصر جديدة مستمرة. بقدر ما يجسده من الحروفية العربية، بأشكال ورموز وعلامات ذات تعددية متناسقة، […]

اختزال المساحة في أعمال المغربي نور الدين ضيف الله

[wpcc-script type=”b26b2e94b8a6fdbcdd3d8353-text/javascript”]

يُعبّر الفنان نور الدين ضيف الله بمفردات لغته التشكيلية الخصبة، بنماذج حروفية وأشكال فراغية، من نسيج مجاله المنمق، وإبداعه الفريد المخالف للمألوف، اعتمادا على فضاء يختزل فيه المساحة، ويمرر من خلاله منجزه التشكيلي وفق طقوس تعبيرية دائمة البناء والتشكل، بإضفاء عناصر جديدة مستمرة. بقدر ما يجسده من الحروفية العربية، بأشكال ورموز وعلامات ذات تعددية متناسقة، وتوظيفات لونية تعبيرية، في خامات كبيرة ومتوسطة، وهي تبرز قدرته التحكمية في المادة التشكيلية بتقنيات وقوامة عالية في الإنجاز، لأن تكوين أعماله يخضع لوقف رمزي بصري، يصل بالحرف إلى قيمة في ذاته، ليعيد له القيم الجمالية بصيغ فنية معاصرة.
وهي معالجة فنية تقدم الحرف كقيمة جمالية، برمزيات متفاوتة في التعبير، لارتباطها بالقيم الحضارية والجمالية والفنية، ما يجعل الحرف يمتد في أفق أوسع، يستخلص منه القارئ أكثر من دلالة. فتناغم المسامات، واختزال المساحات، والاعتناء بقيم السطح، واستهداف الملمس الفني بالصيغ الجمالية، وتنظيم مراحل التكوين، وإحداث تناغم بين مختلف المفردات الحرفية والتشكيلية، وتشكيل بؤر من العلاقات الناشئة في قلب التكوينات الفنية داخل أعماله، والاستخدامات التحولية، وبسط نوع من الانسجام بين الكتل والأشكال والرموز والعلامات؛ يشكل خروجا صريحا عن المألوف، وصيغة جديدة لعصرنة الأسلوب الحروفي. وبذلك يغوص المبدع في عوالم فنية جديدة، ليغير المفاهيم السائدة للحرف، وفق رؤيته التي تخضع لخبرة عالمة، ووفق فلسفته الحرفية؛ ليتخذ من الحروفيات مشروعا جديدا أكثر أهمية في المنظومة التشكيلية العالمية المعاصرة. وإنه في الآن نفسه، يوازي بين مقومات الخطاب الجمالي وفق رؤيته الخاصة، وعملية تشكُّل البناء الفني، قياسا بأهمية الحرف في تحديد المكونات الأسلوبية ذات القيمة الفنية، التي تكتنز العديد من الدلالات البصرية، التي تحتمل التأويلات الجمالية المتعددة، بمعزل عن التكديس وسد المنافذ. لينحى بأعماله إلى الاختزال وتقديم المعالجات الفنية لقيم السطح، لإعادة قراءة أعماله برؤية جمالية معاصرة، ويضيف مسلكا جديدا على مستوى الأفكار، وعلى مستوى الشكل والتقنيات الجديدة. وهو ما يخول له نسج مجموعة من العلاقات بين الحرف العربي، بما يكتنزه من مفردات وعناصر شكلية متعددة؛ والمنطق الجمالي في صورة فنية معاصرة، وبجهاز مفاهيمي ودلالات قوية. إنها الرؤى الفكرية التي يتمتع بها المبدع في نطاق بصم إشكاليات جديدة تتجه نحو المنطق الجمالي المعاصر للحرف، وإحالة واضحة إلى أن ريشة المبدع تقتنص التوظيف الجمالي للألوان واختزال المساحات بمنطق فني وتأثير بصري مباشر، وبنوع من الوجد والعشق الذي يستهدف الكشف عن مخفيات ما وراء المساحات المختزلة. والكشف عن الإيقاعات الخفية وعن كيفية ارتفاعها وانخفاضها، وأين تتستر الخصائص الجمالية الحرفية الأخرى التي طُويت في قلب المساحة، وهي ترتبط لا محالة بعملية التكوين والتناسب والإيقاع.


إنها بلورة جديدة من المبدع لرؤيته الجمالية وتقنياته الخاصة، التي تعنى بالمساحة وبالشكل وبتصبيب الألوان، بنوع من العناية بقيم السطح، حيث ناغم في أعماله بين المساحة والحروفيات ومقومات الفن التشكيلي المعاصر. ليخصص حيزا مهما للحروفية العربية في الفن المعاصر، ويحقق أشكالا جديدة يطلق من خلالها سراح الحرف ويبعده عن كل القيود، وينوع في الشكل وفي التموقع اللوني والحرفي، وفق رؤيته الفنية التي تروم التوازن الإبداعي والانسجام والتوليف بين كل المفردات الحرفية والتشكيلية. وهو ما ينم عن بلاغة الفنان وقيمته الفنية وقدرته الإبداعية، وتجربته التي وظفها في التفاعل مع الأشكال التعبيرية الحرفية واللونية المعاصرة. وينم كذلك عما يحمله من خصائص تقنية متفردة، فهو يشتغل عن وعي، وله إدراكات فنية وجمالية تخص المساحة والحرف والنقطة واللون والتشكيل، ما يسمح له بإخراج المادة الفنية بأبعاد جمالية حقيقية، وبإبداع متفرد، يستهدف الحرف في نسق منطقي بديع. إن أعماله قد تحققت فيها اللغة الحروفية الجديدة، وتحققت فيها المعالجات الفنية الذاتية، وتحققت فيها القيم الأسلوبية والجمالية المعاصرة، وتحققت فيها لغة تحرر الحرف من القيود. وبذلك يتجاوز ذاك الانتماء الجمعي للحرف في إطار قيمته الجمالية، والرؤية الجماعية لمعنى جمال الحرف؛ إلى القيمة الفردية الخاصة بكثير من الدلالات البصرية، التي تحدد مجموعة من المقومات ذات القيمة العالية في المشهد الحضاري العربي والعالمي، بإخراج الحرف من قيمته الكلاسيكية المستهلكة إلى تحول جديد بمنطق متجدد، وبطرق مغايرة في بنيته اللغوية وطاقاته التي تخلخل البؤر الجمالية القديمة وتستهدف المنطق الجمالي المعاصر. وهو ما ينتج تنوعا في تقنية الاستخدام الحرفي والتأثير في اللوحة الحرفية المعاصرة. الشيء الذي يطرح عددا من الدلالات، ويشكل حزمة من التأويلات الفنية والجمالية.
إن كل هذه المُتناولات تدخل ضمن المنطق الجمالي الذي يشكل قيمة أساسية في أعمال الفنان نور الدين ضيف الله، الذي يتمتع بحضوره القوي ضمن تموقعات الفن الحروفي العالمي المعاصر. فقد شكلت أعماله لبنة أساسية للفحص والدراسة من طرف العديد من الباحثين الغربيين، لما تحتويه من جدة حرفية وتشكيلية، لما خصها به صاحبها من تقنيات جديدة اخترقت النسق الحرفي والتشكيلي بنماذج فراغية، وببعد رؤيوي متفرد يلامس الحداثة وعوالمها الإبداعية الجديدة. وبذلك فقد أسس الفنان نور الدين ضيف الله مستحدثات تقنية وأشكالا حرفية جمالية وصيغا فنية، من خلال تحرير الحرف واختزال المساحة، وفق أنساق فنية متناغمة، جعلت للحرف شخصية فنية جديدة، حيث أفصح عن مشروعه الذاتي، في نطاق من العصرنة والتجديد الذي أفسح له المجال واسعا ليظل ضمن الصفوة الفنية العالمية المعاصرة.

٭ كاتب مغربي

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!