اخْتراع شَعْب

اختراع شعب مقابل سيل الكتب الذي لم ينقطع والمكرس للدفاع عن الأسطورة الصهيونية وتبرير الاحتلال والاستيطان هناك سيل آخر مضاد فما صدر حتى الآن من أطروحات مضادة للصهيونية بأقلام يهود بدأ يتحول إلى كابوس وحين أصدر إسحق دويتشر وهو يهودي روسي كتابه اليهودي اللايهودي رفض بن غوريون مصافحته؛ لأنه لم يكتب باللغة..

اخْتراع شَعْب

مقابل سيل الكتب الذي لَمْ ينقطع وَالمُكرّس للدّفاع عن الأسطورة الصهيونية وَتَبْرير الاحتلال والاستيطان، هناك سيل آخر مضاد، فما صدر حتى الآن من أطروحات مضادة للصهيونية بأقلام يهود، بدأ يتحول إلى كابوس، وحين أصدر إسحق دويتشر وهو يهودي روسي كتابه “اليهودي اللايهودي”، رفض بن غوريون مصافحته؛ لأنه لم يكتب باللغة اليديشيّة أولاً، ولأنه حاول العِصْيان على تَعاليم الصهيونية ثانياً.

لكنّ ما أَعْقَب ذلك الكتاب من دراسات كان أشدّ نفُوذاً وأَدْعى إلى السجّال في الأوساط اليهودية في العالم، ومنها كتاب “أَفي شلايم” الجدار الحديدي، وما كتبه المؤرخون الجدد الذين كان شعار أبرزهم هو عدم تَصْديق دموع التماسيح التي تذرفها الضحية الكاذبة.

أما أكثر تلك الكتب إثارة وبحثاً عن جذور الدّعاوى الصهيّونية في التاريخ، فهو كتاب “اختراع الشعب اليهودي” لمؤلفه شلومو ساند، ومنذ صدور الكتاب قبل ثلاث سنوات وهو محور سجال لا ينقطع، لأن ما قاله ساند يُقوّض الأُطروحة الصهيونية جَذْريّاً.

إن أول ما يَنْفيه مؤلف الكتاب هو طرَدْ الشعب اليهودي. يقول: “لقد فَتشْت عَنْ كُتُب تَبْحث في طرد اليهود من البلاد أو عن أي سَبَب أو حَدَث مُؤَسس في تاريخ الشعب اليهودي، وفُوجِئْت بأنه لا توجد كتب أو أدبيات توثّق ذلك”.

كتب ساند مُقدّمةً خاصة للطبْعة العربية من الكتاب الذي تُرجم مؤخراً بقلم سعيد عياش، يقول فيها: “إذا لم يكن في الماضي شعب يهودي ولا توجد اليوم أُمّة يهودية، فَقَدْ خَلَقَ الاستيطان الصهيوني في فلسطين شعباً يهودياً له لغة وثقافة لا يُشارِكُهُ فيهما أحد من كل هؤلاء الذين يُعَرفونَ أَنْفسَهم في العالم أنهم يَهود، مقابل ذلك يوجد شعب فلسطيني يحارب بضراوة من أجل حريته وبقائه في وطنه”.

وثمة إضاءة بالغة السّطوع والأهمية للكتاب هي عبارة قدم بها المؤلف لأطروحته المضادة وهي لكارل دويتش الذي يقول: “الأمة هي مجموعة من الناس يوحدّها خطأ مشترك عن أصلها، وعداء جماعي تجاه جيرانها”.

وباختصار فإن سانْد يُفَند تلك الحكاية أو السرْديّة الوَطنّية التي اخترعتها الصهيونية ونسبتها إلى ماضيها، وَمُجمْل ما قاله يحتاج إلى قراءة مُعَمّقة، فالكتاب الذي قاربت صفحاته الأربع مائة، تَحتشد فيه القرائن التّاريخية والمقُاربات الحَفْريّة في قرون خَلَتْ، لهذا يحتاج مِنا نحن العرب، إلى وقْفة تأَمّل تُرِينا هذا الانعطاف لدى مفكرين ومثقفين من اليهود الذين اكتشفوا الحقيقة، ولم تصبهم الصهيونية كما أصابت سواهم من المُتَعصّبين؛ بالعَمى العِرْقي.

وحين يُصر ساند على أن الحُلْمَ الصهيوني تحوّل إلى كابوس، فهو يتوصل إلى هذا الاستنتاج من قراءة تاريخ مُلفق، وروايات مُصنعة أيديولوجياً لِتَجذير مفهوم الأمة لدى اليهود.

هذا الانعطاف سواء عَبرَ عنه “إسرْائيل شاحاك” في كتب عدة أثارت ضده ردود فعل صهيونية حادة، أو “بورغ” الذي شغل مناصب رسمية مهمّة في الدولة العبرية وانتهى إلى أن المشروع الصهيوني برمته جريمة تاريخية كبرى، أو آخرون مثل مؤلف كتاب “اختراع الشعب اليهودي”، هو لحظة فاصلة بين مرحلتين وَأُطْروحتين، إحْداهما سَعَتْ إلى احتلال التاريخ واستيطانه وَتَلْفيق أحداثٍ ما من شيء يُوَثّقها، والأخرى توشِكُ أن تكون اعْتذارية، لأنّ بعض اليهود يريدون تَبْرِئة أَنْفسهم أخلاقياً وتاريخياً ممّا اقترفته الصهيونية باسْمهم أو مِنْ أَجْلهم، فهؤلاء يَرَوْنَ أنفسهم ضحايا الصهيونية، لأن مؤسسيها وقادتها والمُبشّرين بها وَرطوهم بمستقبل لا يُحسْدون عليه.

وإذا كان بعض المفكرين العرب رفعوا عَشِيّة حزيران 1967 شعار “اعْرِفْ عَدُوّك”، فالآن نحن إزاء شعار آخر هو “معرفة عَدُوّ العدّو”، خصوصاً هذا الذي ولد من صُلْبه وأعلن العِصْيان عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة الخليج الإماراتية

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!