الأديب الفلسطيني حنا أبو حنا في عامه الـ 90: لازلت أنتظر حلما سيتحقق حتما

الناصرة ـ «القدس العربي»: في شقة تعتلي برجا سكنيا مرتفعا في قمة الكرمل يقيم الأديب الفلسطيني حنا أبو حنا ومن شرفته ترتسم ملامح حيفا وعكا والبحر بينهما والجليل خلفهما، بما يشبه اللوحة الفنية. وكم تليق هذه المشهدية بهذا الأديب الذي رسم ملامح وطنه وجسّد سيرة شعبه في ثلاثية مذكراته «ظل الغيمة»، «مهر البومة» و«خميرة الرماد». […]

Share your love

الأديب الفلسطيني حنا أبو حنا في عامه الـ 90: لازلت أنتظر حلما سيتحقق حتما

[wpcc-script type=”988fc073e25d0b315c9cfde5-text/javascript”]

الناصرة ـ «القدس العربي»: في شقة تعتلي برجا سكنيا مرتفعا في قمة الكرمل يقيم الأديب الفلسطيني حنا أبو حنا ومن شرفته ترتسم ملامح حيفا وعكا والبحر بينهما والجليل خلفهما، بما يشبه اللوحة الفنية. وكم تليق هذه المشهدية بهذا الأديب الذي رسم ملامح وطنه وجسّد سيرة شعبه في ثلاثية مذكراته «ظل الغيمة»، «مهر البومة» و«خميرة الرماد». وهذا التماهي بين الأديب ووطنه ليس فقط بفضل كونه ابن فلسطين التاريخية، حيث ولد في السادس عشر من أكتوبر عام 1928، لأب عمل في المساحة وتطلب عمله التجوال بين مدن وأرياف وطنه، فرافق والده وأسرته، ولديه ذكريات عن كل منها وكثير منها مطبوع في ذاكرته وإن كانت أسماء الناس بالذات تفّر من ذاكرته فيستعين بزوجته واسعة الثقافة والأدب سامية فرح أبو حنا.

مشوار أبو الأمين مع الثقافة الفلسطينية والعربية والعالمية طويل جدا وربطته معها علاقة تلاقح متبادلة، وقد بدأت من قبل نكبة فلسطين. عمل في التربية والتعليم وكان مربيا ومديرا للمدرسة المميزة الأرثوذوكسية في حيفا وفي جامعة حيفا وله إصدارات في الثقافة والأدب ودواوين في الشعر، عمل في تحرير صحف الحزب الشيوعي كـ»الاتحاد»، «الغد» و«الجديد»، قبل أن يصبح مقربا من التجمع الوطني الديمقراطي بعد تأسيسه في تسعينيات القرن الماضي. بلغ أبو حنا التسعين عاما ولم يدع عصا الترحال باحثا عن المزيد من البحث والكتابة والإبداع. فكانت زيارة «القدس العربي» إلى منزله، وكان هذا الحوار ..

■ بعد تشريع قانون القومية، هل زادت مخاوفك على لغة الضاد؟
□ لقد اجتزنا مرحلة «الحكم العسكري» بعد جهد وصراع. المهم أن تتحد قواتنا وأن نثابر ونسعى لتجنيد طاقات عبرية وإنسانية، وهناك بعض الأوساط التي سمعناها في هذا المضمار. أما لغة الضاد فلا أخشى عليها، ولكنني أدعو إلى توحيد القوى لصيانتها، هل أقول «للعربية قرآن يحميها»؟ ولكن ما هو دورنا؟ عندما تعلمت كانت حصص للمطالعة، تعلمنا كيف نحبّ الأدب ونتمتع به، ولذلك كانت اللغة مصدر متعة ومحبة. لمعلمي المدارس دور مهم في صيانة الثقافة واللغة. لا نصون اللغة بالعصا، بل بالمحبة – محبة الكتاب لأنه مصدر متعة وانفتاح على المعرفة. هكذا تعلمنا وهكذا علمّنا.

■ وما نصيب الكتابة عندك اليوم؟
□ كالقراءة أيضا، الكتابة نعمة من نعم الحياة وآمل أن يتاح لي أن أعّد بحثا عن شاعرين فلسطينيين قديمين، كما أعمل اليوم على كتابة انطباعات وذكريات لي من زيارات لبلدان عربية كسوريا وليبيا وتونس ومصر، ومسودات النص باتت شبه جاهزة. ما زلت أكتب شعرا وبين يدي مقال أو دراسة عن أهمية قصص الأطفال، فأنا كتبت أكثر من عشرة كتب أطفال. قبل مدة انتهيت من تأليف دراسة عن الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود. كان يعّلم في نابلس ومحّب للناصرة فيزورها في الصيف وهو صديق للناشط الشيوعي الراحل صليبا خميس وقد تدخل لدى جيش الإنقاذ وقام بكفالة صليبا خميس وبعض أعضاء عصبة التحرر الوطني بعد اعتقالهم لتأييدهم قرار التقسيم. كان عبد الرحيم محمود متفقا أن نلتقي في العشاء في بيت صليبا خميس في 12 يوليو/تموز 1948 ولكن في ذاك اليوم استشهد في قرية السجرة وعاد في كفن. كان في حياته لهبا وبارودا كما في قصيدته «سأحمل روحي». تميز بجرأته وينشر كتاباته في مجلات يسارية في القدس وحيفا.

■ وماذا عما جرى وكان؟
□ كنت في أسدود قد انضممت إلى الكّتاب وتعلمت القرآن الكريم والتجويد وكنت الفلسطيني المسيحي الوحيد وحفظت آيات من جزء «عم» وأذكر احتفالية تم تنظيمها بعد إنهاء هذا الجزء وبحضور الأهالي فقام الصبيان بتقبيل أيادي الشيوخ فلم أفعل، وحينما سأل أحد الآباء عن ذلك قال والدي أسأله فأجبت ببراءة الطفل: «أي أنا عارف وينتا آخر مرة غسلت إيد». لم يصدق رفاقي في الكُتّاب أن اسمي حنا، فكانوا ينادونني بـ (يحيى). ورغم إجادتي اللغة العربية إلا أن مشكلتي كانت مع مادة الحساب. درست في المدرسة الثانوية البلدية في الناصرة، وكان المعلمون الذين علمونني ذوي رسالة وطنية معلنة. وأتذكّر قصائد تعلمناها في حصة الأدب، منها قصيدة بشارة الخوري «جهاد فلسطين» وفيها:
يا جهادا صفق القلب له – لبس الغار عليه الأرجوانا
يا فلسطين التي كدنا لما كابدته من أسى ننسى أسانا.

■ وماذا عن سيرة الحب؟
□ وما زالت مدينة القدس بالنسبة له زهرة المدائن وعاصمة الثقافة والروح و«الشقيقة الكبرى» بين مدن فلسطين، وقد تركت أثرا خاصا فيه وقد طاف مع زملائه في رحاب المسجد الأقصى وكنيسة القيامة لكن حيفا عنده هي الشقيقة الجميلة المدللة ورام الله لها عنده نصيب. كذلك طبريا وبحيرتها.
حينما كان أبو الأمين مسترسلا في الحديث عن أيام التعلم في القدس هنا تدخلت أم الأمين وقالت إنها كانت تدرس في مدرسة الفريندز، فقال أبو الأمين ضاحكا على سماع أم الأمين التي اقترن بها قبل 60 عاما: «يعني ما هو المغناطيس يبقى شغالا بعد سنين وأيام».
ويستكمل .. وقتها قالت لي زوجة إميل حبيبي «في واحدة ممتازة» ويضيف «أم الأمين كانت وقتها رفيقة مع الشبيبة الشيوعية ونشيطة. تزوجنا في 1960 ونريد أن نحتفل بعيد زواجنا المئة». فتقول زوجته .. من أنا صغيرة كانت عندي عقدة الرجل. حبيته سلفا بعدما قالوا لي إنه مثقف ويكتب في «الاتحاد» ولما التقيــــنا اكتشــفت أنه حبوب ومنيح. تزوجنا عن عقل لا عن حبّ لكــن ممكن أن يصبح الأزواج عشاقا. أهلي وقتذاك عرضوا عليّ عريسا آخر ولم أكن راغبة فيه ولما تحفظوا من حنا في البداية قلت لأمي: «طيب جيبي لي حدا مثله».

■ بماذا ينشغل المرء وهو في التسعين؟
□ إذا لم يكن مشغولا آنذاك ببعض العلاج ومراجعة الطبيب يمكن أن يتمتع بما يتمتع به آخرون مثلي: القراءة المختارة، الكتابة والمشاركة في فعاليات ثقافية. في حيفا بادر عدد من الإخوان والأخوات لإنشاء ندوة ثقافية شهرية تلتقي في يوم الأربعاء الأخير من الشهر لمناقشة كتاب اتفق عليه قد يكون رواية عربية أو مترجمة أو قد يكون موضوعا علميا أو بحثا فكريا إلخ. حاولت أن أوصل هذه الرسالة إلى بلدات أخرى: فكان في طمرة، عكا، عيلبون وغيرها.

■ هل ينتابك شعور بالاغتراب اليوم مع تبدل أحوال البلاد والدنيا؟
□ لا أشعر بالاغتراب وأنا في وطني، رغم كل التحولات ودائما أسأل نفسي كيف أعمل وماذا وكيف أصلح كي أساهم في تقويم ما أراه معوجا في مجتمعي. ولا زلت أنتظر حلما لم يتحقق، لكنه سيتحقق يوما ما، وهو حرية الشعب الفلسطيني واستقلاله وعيشه عيشة كريمة في وطنه.

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!