الإسلام ومذاهب العصر

Share your love

 

لهذا إعتبر الإسلام أن الإنتاج يجب أن يكون في خدمات الإنسان أكثر من أن يكون الإنسان في خدمة الإنتاج ..
ومن هنا إهتم الإسلام ببناء الإنسان وعلاقاته بالله وأخيه الإنسان قبل المصنع , أو في الوقت الذي يبني فيه المصنع , حتى تتكامل معادلة الحياة الروحية والمادية , لأن الإنسان الفاضل هو الضمان الوحيد لإستمرارية المصنع والإنتاج الجيد والتوزيع العادل .
أما المذاهب العصرية في الشرق والغرب فهي وإن اهتمت بالإنسان نظريا , وجعلته أحيانا محورا للقضية لإجتماعية , ودعت إلى صيانة حقوقه , إلا أنها طحنته عمليا في مطحنة وسائل الإنتاج , وسحقت تحت رحاها .
وصهرته في بوتقة المادة , وجعلت وجوده ثانويا ممزقا ممسوخا بإلغائها دور الله والإنسان , واعتبار الإنسان أداة للإنتاج , وانحيازها إلى رأس المال أو وسائل الإنتاج في حل كل مشاكل الإنسان , وفي صياغة كل أحداث التاريخ , حتى خلقت من المادة طاغوتا جديدا وجبرية قاهرة لا يملك الإنسان معها القدرة , ولا يستطيع منها فكاكا – إلا من واجهها بحزم وإرادة وتصميم وانطوى على قدرة روحية عالية – وجعلت من المادة ووسائلها مثلا أعلى , وصاغت كل أنضمتها وإصلاحاتها وثرواتها على أساس ذلك , دون أن تضع المادة في موضعها , على الأكثر كجزء من العوامل الفاعلة , فكرست وجود المادة ووسائل الإنتاج على حساب الإنسان والإيمان , وجعلت من المادة وثنا جديدا يستعبد الإنسان ويذله من حيث تريد أو لا تريد .
إنسان الحضارة المادية مثلا آمن بالمادة والحس مثلا إعلى وألغى الروح , فأصبح يعاني أزمة روحية أخلاقية …عطشا روحيا …نقصا في شخصيته وكيانه وذاته .
والأقاصاديون ينظرون إلى الإنسان كقيمة إنتاجية مادية لا كقيمة إنسانية أو روحية …
من هنا نما التأكيد على البعد المادي في شخصية الإنسان وأجهز على الروابط والتطلعات والأتجاهات والعلاقات الروحية في الإنسان .
إن الترف المادي المبني على أشلاء الأرواح يؤدي إلى نتائج خطيرة , لعل أخطرها أن يتحول الإنسان إلى إمتداد للآلة , فيتشيأ ويلغى , ويمسخ إلى كتلة مادية جسدية تتحرك وتأكل وتمارس وتعمل أوتوماتيكيا .
وهذ ما يفسر تصاعد نسبة الحوادث الأنتحار في الدول المتقدمة ماديا , وتمزق قيم الأسرة ورباطها الحميم , وتشريد الزوجات والأمهات , وضياع الأطفال , وكثرة حوادث الطلاق والأجهاض –حتى عدت بالملايين في السنة الواحدة – وضعف العلاقات الإنسانية والأجتماعية والإنسانية وجفافها وفتورها .
إنسان المادة بائس …. مسكين مستلب مهدم متألم يعاني من الغربة , ويسكن ألمه بالخمور والحشيشة والأفيون ….ضاع صوته في هدير المصانع , واختنق في علب الحضارة المادية .
إن فلسفة العصر تسعى إلى تنمية وسائل الإنتاج والمال بكل قوة وتهمل الإنسان , وأعمق وأكرم ما في الإنسان : تهمل علاقة الإنسان بالله وبأخيه الإنسان , وقيمه وأخلاقه ونموه الروحي .
وقد تسمح بالتنمية الروحية , ولكن في حدود ضيقة لا يسمح لها بالتحكم في المادة , فلا تكاد تفي بحاجة الحياة ومتطلبات العصر , ولا تسمن ولا تغني من جوع !
أما الإسلام فإنه يعتبر أن وجود الإنسان لا يتحدد في مستوى غرائزه ومطالبه العضوية وحاجاته الحيوانية فقط , بل يتحدد أيضا في مستوى قيمه ومعاييره ومفاهيمه وآماله وتطلعاته وحريته ومثله العليا …
لذلك يجب أن توضع المادة والآلة في خدمة الإنسان لتحرره من الضرورات والحاجات الماجية , فيفرغ لإثراء مشاعره وآماله وإنسانيته , ومعرفته , وتقربه إلى الله , وتربية إنسانيته على الكمال والخير أكثر فأكثر .
والإسلام يدعو إلى الإنماء الروحي الذي يجعل الإنسان مؤهلا لخلافة الله في الأرض , وتطبيق منهجه تعالى لتغيير الحياة نحو الأفضل , وهو يعتبر الجهاد الروحي البوابة الكبرى نحو صدق الجهد والجهاد العملي ونجاح الإنسان في الحياة , وبدون ذلك تصبح كرامة الإنسان محل شك … مجزأة مبتورة …ناقصة …مهزوزة …ملغاة …يصبح الإنسان مستلبا .
فقد ورد عن الرسول (ص) قائلا لسرية رجعت من الجهاد :
مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأضغر وبقي الجهاد الأكبر . قيل : يارسول الله , وما الجهاد الأكبر ؟
قال (ص) : جهاد النفس .
ذلك أن الجهاد في الإسلام ليس من أجل إستعمار الشعوب , بل من أجل تحريرها وتنميتها إنسانيا وروحيا , وتحقيق العدل ومنهج الله في الأرض , حتى أن حروب الرسول (ص) كانت من أجل الإنسان ورفع الظلم عنه , وتحريره من العبوديات وتشوهاتها , فإذا فقد المجاهد هذا العمق الروحي أي جهاد النفس الذي يقاتل من أجل تحقيقه , فقد فقد مبرر القتال , وعليه أن يبدأ بنفسه قبل الآخرين … فلا بد إذن من تغيير المحتوى الداخلي للإنسان, والنضال والجهاد في سبيل ذلك قبل عملية التغيير الخارجي , أو معها على أبعد التقادير .
  المصدر: شباب عا نت    
Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!