الإعجاز البياني في القرآن الكريم

Share your love

الإعجاز البياني في القرآن الكريم

بواسطة:
محمد شودب
– آخر تحديث:
٠٨:٥٠ ، ٢٨ مارس ٢٠١٩
الإعجاز البياني في القرآن الكريم

‘);
}

الإعجاز في القرآن الكريم

الإعجاز لغةً: مصدر للفعل أعجزَ، إعجازًا فهو مُعجزٌ، والإعجاز من العجز والضعف، وعدم القدرة على القيام بالفعل، والقرآن الكريم معجزة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الكبرى، التي نزّلها الله -سبحانه وتعالى- على قلبه، لتظلّ باقية على مرّ الأجيال ، راسخةً في قلوب المؤمنين، يعجزُ عن الإتيان بمثلها الكافرون، باقية بقاء البشرية على الأرض، ويبقى تحدّي الله -سبحانه وتعالى- للمشركين بها، باقيًا حتى تقوم الساعة، فقد تحدّى به أهلَ الفصاحة والبيان، قال تعالى في محكم التنزيل: “وما ينطق عن الهوى * إنْ هو إلا وحي يوحى” [١]، ولم يقتصر القرآن الكريم على الإعجاز البياني فقط، بل حمل في طيّاتِهِ إعجازًا علميًّا، وبلاغيًّا، وتاريخيًّا، وتشريعيًّا، وفي هذا المقال حديثٌ عن الإعجاز القرآني ويشمل الإعجاز البياني والعلمي والعددي.

الإعجاز البياني

الإعجاز هو الضعف وعدم القدرة على القيام بالشيء، والبيان هو الإفصاح والإبلاغ عن معنى عميق دون استطراد وتوسّع أو إطناب، والإعجاز البياني في القرآن الكريم هو الدّقّة في اختيار كلمات القرآن وترتيبها بصورٍ بديعة، وببلاغة متناهية، وهو تأدية المعنى المطلوب بأبلغ الطرق، التي يعجز البشر عن الإتيان بمثلها، وهذه الصور تُظهر بلاغة الكلام وفصاحته، دون غموض وإبهام، بل بشكل واضح للناس، حيث يفهمها القارئ، ويتدبر أحكامها، فهو واضح، معجزٌ في وقت واحد؛ لأنّه كتاب الله -سبحانه وتعالى- الذي تحدّى به العرب، أصحاب البلاغة والبيان، وكان التحدّي الإلهي على مراحل متفرقة، فقد وردتْ في كتاب الله -عزّ وجلّ- آيات تحدّى بها الله المشركين على أن يستطيعوا كتابة مثل هذا الكتاب، قال سبحانه وتعالى: “قلْ لئنِ اجتمعتِ الإنسُ والجنُّ على أنْ يأتوا بمثلِ هذا القرآنِ لا يأتونَ بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرا” [٢]. وقد عظُمَ تحدِّي  الله للمشركين فتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، قال تعالى في محكم التنزيل: “وإنْ كنتم في ريبٍ مما نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثلهِ وادعوا شهداءكم من دونِ الله إن كنتمْ صادقين” [٣]، وما زال هذا التحدي الإلهي قائما ما دامت البشرية، فالقرآن معجزة باقية حتى قيام الساعة. [٤].

‘);
}

أمثلة على الإعجاز البياني في القرآن الكريم

إنَّ من بلاغة هذا القرآن العظيم وإعجازه الخالد أن كل كلمة فيه وكل حرف وضع في موضعه المناسب من السياق، ليعبر عن معنى أو معان لا يطَّلع عليها إلا من له اطلاع واسع على لغة العرب، أو من رزقه الله -تعالى- تدبُّـرَ كتابه، ونوَّر قلبه، وألهمه دقيقَ المعاني، فكلُّ جملة أو كلمة أو حرف في كتاب الله -تعالى- وضع في موضعٍ يناسبه مناسبةً عجيبة، ومنْ الأمثلة على ذلك:

  • في بداية سورة الحديد وحدها جاء قول الله تعالى: “سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” [٥]، وفي غيرها من المسبحات جاء قوله تعالى: “سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ” [٦]؛ وذلك لأنّ سورة الحديد تضمنت الاستدلال على عظمة الله تعالى وصفاته وانفراده بخلق السماوات والأرض فكان دليل ذلك هو مجموع ما احتوت عليه السماوات والأرض من أصناف الموجودات فجمع ذلك كله في اسم واحد هو “ما” الموصولة التي صلتها قوله تعالى:  “في السماوات والأرض”.
  • أما سورة الحشر أو الصف، أو الجمعة، أو التغابن فقد سِيقتْ لنعمة الله -تعالى- ومنَّتهِ على المسلمين، في حوادث أرضية مختلفة؛ فناسب أن يذكر أهل الأرض باسم موصول خاصٍّ بهم وهو “ما” الموصولة الثانية التي صلتها “في الأرض”، وجيء بفعل التسبيح في فواتح سور الحديد والحشر والصف بصيغة الماضي للدلالة على أن التسبيح قد استقر في قديم الزمان، وجيء به في سورة الجمعة والتغابن بصيغة المضارع للدلالة على تجدده ودوامه، فاكتمل المعنى بهذا الإعجاز البياني في فواتح هذه السور، وإنّما هذا يدلّ على عظمة الله سبحانه، وعظمة كتابه الخالد، وعظمة هذا الدين. [٧]
  • قال الدكتور فاضل السامرائي في كتابه “لمسات بيانية”: هناك قاعدة في القرآن الكريم، سواء في أهل الجنّة أم في أهل النَّار، إذا كان المقام مقام تفصيل الجزاء أو في مقام الإحسان في الثواب، أو الشدة في العقاب يذكر كلمة (أبدًا)، وإذا كان في مقام الإيجاز لا يذكرها، والمثال على هذا ما ورد في كتابه العزيز: “وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا” [٨]، وهذه الآية فيها تفصيل للجزاء فذكر فيها (أبدًا)، أما في قوله تعالى: “تلك حدودُ الله ومنْ يُطعِ الله ورسولَهُ يدخلْهُ جناتٍ تجري من تحتِها الأنهارُ خالدينَ فيها وذلكَ الفوزُ العظيم” [٩]،  أما هذه الآية فليس فيها تفصيل، فلم يذكر (أبدًا)، فالتفصيل زيادة في الجزاء، ويتسع في قوله (أبدًا) فيُضيف إكرامًا إلى ما هم فيه من إكرام، وكذلك في العذاب، وقد وردت في القرآن الكريم جملة: “خالدين فيها أبدًا” في أهل الجنة، 8 مرات، ووردت في أهل النار 3 مرات، وهذا من رحمة الله -سبحانه وتعالى-، لأنّ رحمته سبقت كل شيء عزَّ وجلَّ. [١٠].

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

إنّ المقصودَ بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم: هو إخباره عن حقائقَ علمية لم تكن معروفة للبشرية يوم نزول القرآن على نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكتشف العلمُ هذه الحقائق إلا في وقتنا الحاضر، وهذا الإعجاز العلمي يعتبر دليلًا أيضًا على أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رسولٌ من عند الله تعالى، وأنَّ ما نطَق به من حقائق علمية  دليلٌ واضح على صِدق نبوته، وصدق رسالته التي حملها للبشرية جمعاء، ويحتاج كثير من الناس في وقتنا الحاضر إلى الإقناع العلمي؛ ليتم إسلامهم وتطمئن قلوبهم؛ لأنّنا في زمن تقدَّمتْ فيه العلوم تقدمًا أذهل الكثير من الناس، وزلزل عقائد ضعاف الإيمان، وظن هؤلاء أن العقل أصبح قادرًا على كل شيء، وكان جديرًا بهؤلاء أن يزدادَ يقينُهم بالله -تعالى- عن طريق هذه الاكتشافات؛ فما العلم إلا وسيلة مِن الوسائل المهمة التي تعمِّق الإيمان بالله تعالى، قال سبحانه: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ” [١١]، وإن الإنسان المعاصر اليوم في أشد الحاجة إلى يقين دِينيٍّ يُعيد إليه وَحدته الضائعة، وسعادته المفقودة، وأمنه المسلوب، ولعلَّ أبرز المعجزات العلمية التي أتى بها القرآن الكريم هي معجزة وحدة الكون.
إذْ إنّ النظريات العلمية الحديثة تقول: إنَّ الأرض كانت جزءًا من المجموعة الشمسية ثم انفصلتْ عنها وتبرَّدتْ وأصبحتْ صالحةً للحياة، ويبرهنون على صحة النظرية بوجود البراكين والمواد الملتهبة في باطن الأرض، وقذف الأرض بين حين وحين بهذه الحمم من المواد البركانية الملتهبة، وهذه النظرية تتفق مع ما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: “أولمْ يرَ الذينَ كفرُوا أنَّ السَّماواتِ والأرضَ كانتا رتْقًا ففتَقْناهُمَا وجعلْنَا من الماءِ كلَّ شيءٍ حيٍّ أفلا يُؤمنون” [١٢][١٣]

الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم

إنَّ القرآن الكريم هو كلامُ الله المعجز في نظمهِ وأسلوبِهِ، وفي علومِهِ وحكمِهِ، وفي تأثيرِ هدايتِهِ، أنزلهُ الله نورًا وضياءً لعبادهِ، فهدى به قلوبًا ضلَّتِ السّبيل، وعميتْ عن الحق، فكان ولم يزل معجزة الله الباقية على الأرض، فهو مثال حيٌّ للإعجاز البلاغي والإعجاز البياني والعلمي، وبالحديث عن الإعجاز البلاغي فإنّهُ يُعنى بأوجه البلاغة التي يعجز البشر عن مثلها، والبلاغة -كما عرفها أهلها-: هي بلوغ المتكلم في تأدية المعنى حدًّا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها، وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها، وقيل في تعريفها أيضاً: البلاغة هي أن يبلغ المتكلم بعبارته كنْهَ مرادِهِ مع إيجازٍ بلا إخلالٍ، وإطالةٍ من غير إملالٍ. [١٤].

والذي لا يشك فيه عاقل منصف هو أن القرآن معجز في فصاحته وبلاغته، معجز في علومه ومعارفه؛ لأنه كلام رب العالمين الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا، وإنّ من أمثلة الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم، قوله -سبحانه وتعالى-: ” قالتْ نملةٌ يا أيُّها النّملُ ادخلوا مساكِنَكُمْ لا يحطِمنَّكُم سليمانُ وجنودهُ وهمْ لا يشعُرُونَ” [١٥]، وقد قال بعض العلماء: إنّ هذه الآية من عجائب القرآن الكريم لأنها بلفظةِ (يا) نادتْ، و: (أيُّها) نبَّهتْ، و: (النَّملُ) عيَّنَتْ، و: (مساكنكم) نصَّتْ، و: (لا يحطمنكم) حذّرَتْ، و: (سليمان) خصَّتْ، و: (جنودهُ) عمَّتْ، و: (وهمْ لا يشعرون) اعتذرت، فجمع في هذه الآية على لسان النملة بين النداء، والأمر، والنهي، والتحذير، والتخصيص، والتعميم، والإشارة، والاعتذار. [١٦].

الإعجاز العددي في القرآن الكريم

إنَّ البحث في العدد وأسراره له سلفٌ من فعل الصحابة والأئمة، وهو -وإن كان قليلًا – إلا أنَّه لم يكن متكلّفًا، ودلالة الآيات عليه ظاهرة، وقد ظهر التكلُّفُ فيما سمِّي مؤخرًا بالإعجاز العددي، وبدا هذا التكلُّف عند من تزعَّم هذا الأمر، واتخذتْـهُ بعضُ الفرق الباطنية ذريعة وسندًا لآرائهم وضلالاتهمْ، وقد افتقر هذا النوع من الدراسات إلى المنهجية العلمية، فوقَعَ الخبطُ والخلطُ فيه ظاهرًا بين من يدَّعون البحث فيه، ولم ينتبه من تكلَّم في الإعجاز العددي عمومًا إلى كون القرآن الكريم كتابَ هداية، بالمقام الأول، والإعجاز العددي ليس من متين العلم، وإنَّما هو من باب اللطائف والمِلح، التي تذكر إنْ كان لها وجه قريب، واحتمال سائغ، ولا يُبنى عليها شيء من أصل الدين، مهما كان صغيرًا، وسواء أثبتْ أم لم يثبت، فقد يُقال إنَّ من اللطائف أنَّ عدد الكلمات الظاهرة في السورة عشر كلمات، وهذا يوافق اليوم العاشر من شهر الحج، وهذا من لطائف الآية، لكن أن يبنى على هذا مبادئ وتشريعات، ويضخَّمَ القولُ فيهِ بتكلُّفٍ واعتسافٍ؛ فهذا هو أحد أخطرِ مزالقِ هذا الاتجاه، وهو ليس منْ متينِ العلم ولا صحيحِ القول والله أعلم. [١٧].

المراجع[+]

  1. {النَّجم: الآيتان 3-4}
  2. {الإسراء: الآية 88}
  3. {البقرة: الآية 23}
  4. إعجاز القرآن الكريم, ، “www.islamweb.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-08-2018، بتصرف
  5. {الحديد: الآية 1}
  6. {الحشر: الآية 1}
  7. من بلاغة القرآن الكريم،,  “www.islamweb.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-08-2018، بتصرف
  8. {النساء: الآية 57}
  9. {النِّساء: الآية 13}
  10. الإعجاز البياني، اللمسة البيانية،,   “www.islamweb.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-08-2018، بتصرف
  11. {فصلت: الآية 53}
  12. {الأنبياء: الآية 30}
  13. الإعجاز العلمي في القرآن،, “www.alukah.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-08-2018، بتصرف
  14. معنى الإعجاز البلاغي, ، “www.islamweb.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-08-2018، بتصرف
  15. {النَّمل: الآية 18}
  16. فصاحة القرآن وبلاغته،, “www.alukah.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-08-2018، بتصرف
  17. الإعجاز العددي في القرآن،, “www.islamqa.info”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-08-2018، بتصرف
Source: sotor.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!