الامراض النفسية الجسدية

Share your love

الامراض النفسية الجسدية

Psychosomatic disorders

الامراض النفسية الجسدية  (Psychosomatic Medicine) تختص بعمليات تكوّن الأمراض وتطوّرها ويركز، بشكل خاص، على وحدة الجسد  (Soma) والنّـَفـْس (Psyche) والتأثيرات المتبادلة بينهما.

وفي موازاة التقدم الذي حققه العلم في القرن الأخير، اختلف تدريجيا المفهوم الذي يعتقد بأن للمرض مسببا واحدا إلى مفهوم يعتقد بتعدد الأسباب التي تجتمع معا فتسبب مرضا معينا.

من الأسئلة التي تمّ طرحها في هذا المجال:

  • ما هي المتغيرات التي تسبب ظهور مرض ما؟
  • ما هي العلاقة المتبادلة بين المتغيرات النفسية – الاجتماعية، مثلا، وبين المرض؟
  • ما الذي يؤثر على ظهور مرض محدد لدى شخص معين دون آخر؟

محاولات الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها تمخضت عن ظهور توجهات فكرية عديدة ومختلفة، بل وأثارت جدلا خفت حدته وقوته مع تقدم العلم والبحث العلمي (المَرَضِيّ والأساسي)، سوية مع نشوء صورة تكاملية – شمولية للمهن التي تكمّل بعضها البعض.

أسباب وعوامل خطر الامراض النفسية الجسدية

متغيرات تتعلق بنشوء الأمراض وتطورها، تشمل:

  • ميزات شخصية فريدة (مثل: ثبات، استقرار ونجاعة منظومات الدفاع والتأقلم),
  • الأحداث الحياتية المختلفة (مثل: الحزن الشديد, الطلاق أو الفصل من العمل),
  • عمل الوسطاء في الجهاز العصبي – الفسيولوجي (مثل: تغيّرات في عمليات النقل العصبي وعلاقتها بالتغيرات التي تطرأ في القلب والأوعية الدموية، وكذلك في الجهاز الهضمي والجلد، كردّة فعل على حالات الكَرْب والإجهاد (Stress)، تحت إشراف ومراقبة الجهاز العصبي المركزي)،
  • وجود مسبّبات إمْراضية (فيروسات, جراثيم وملوثات بيئية)،
  • كما يؤثر في نشوء الأمراض وتطورها، أيضا، الجهاز المناعيّ (Immune system) والجهاز العصبيّ الصمّاويّ (Neuroendocrine system).

ويشمل التوجه البَدَنَفسيّ (النفسي – الجسدي) الحديث مزيجا من المتغيرات، البيولوجية، الاجتماعية، النفسية، العصبية، الفسيولوجية – العصبية، الوراثية والجزيئيّة.

الجهاز القلبيّ الوعائيّ (Cardiovascular system):

تعتبر أمراض القلب أكثر الأمراض إماتةً في الدول المتقدمة. وتشير التقديرات إلى إن نحو الرُبع من مرضى احتشاء عضل القلب (Myocardial Infarction) يصابون بالاكتئاب. وعلاوة على ذلك، يزيد الاكتئاب من خطر الإصابة المتكررة باحتشاء عضل القلب. كما يتسبب الإكتئاب بتشويش عمل جهاز الغدد الصمّ (ما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الكاتيكولامينات (Catecholamines) وخلل في عملية استقلاب (Metabolism) الدهون), يزيد من تراكم صُفيحات الدم ويعيق عمل الجهاز العصبي المستقل (هبوط في متغيّريّة سرعة القلب – Heart Rate Variability). كل هذه العوامل تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة باضطراب في نظم القلب.

وقد تم اكتشاف علاقة مشابهة أيضاً بالنسبة للخوف. كما سُجل ارتفاع  ملحوظ في حالات الوفاة لدى 40% من المرضى الذين أجريت لهم عمليات طُعْم مَجازَةِ الشِّرْيانِ التَّاجِي (Coronary artery bypassgraft surgery), وأصيبوا بأعراض الاكتئاب. أما الأشخاص الذين يتمتعون بمزايا الشخصية من نوع A (الطموح, قلة الصبر, التسرّع والعدوانية، بشكل خاص) فهم معرضون، بشكل كبير، للإصابة بمرض القلب التاجي (Coronary heart disease).

وقد وُجِد أن فرط ضغط الدم (Hypertension)، الذي يشكل عاملا أساسيا حاسما في نشوء وتطور الأمراض القلبية، مرتبط أيضا بحالات الكَرْب والإجهاد التي تبرز فيها النزعات العدوانية. 

الجهاز الهضميّ (Digestive system):

تَعصيب (تزويد جزء أو عضو بالأعصاب – Innervation) الجهاز الهضمي يجعله شديد التأثر بحالات الكَرْب والإجهاد والحساسية لها. فمن هذه، على سبيل المثال، وجود علاقة وثيقة بين الاضطرابات النفسية (psychiatric disorder)، ومنها اضطرابات الاكتئاب (Depression) والقلق (Anxiety) على وجه الخصوص، وبين ظهور متلازمة القولون المتهيّج (Irritable Bowel Syndrome – IBS). كما وُجدت علاقة متينة بين إفراز أحماض المعدة والببسين (Pepsin) وبين حالات التوتر، الكَرْب والإجهاد الحاد.

في حالات الكرب والإجهاد المزمنة يطرأ هبوط في نشاط الجهاز المناعي، مما يرفع مستوى الحساسية لظهور تقرّح, تبين إن ثمة علاقة سببية بينه وبين الإصابة بعدوى/ تلوث جرثومة المَلْوِيَّة البَوَّابية (Helicobacter pylori). كما وُجِدَت، لدى بعض المرضى المصابين بالتهاب القولون التقرّحي   (Ulcerative colitis) النازف، مزايا الشخصية الوسواسية القهرية (Obsessive compulsivepersonality)، فيما وُجِد اضطراب الهلع (Panic) لدى 23% من المرضى المصابين بداء كرون (Crohn’s disease), قبل ظهور أعراض المرض.

الجهاز التنفّسيّ (Respiratory system):

يصاب نحو 30% من مرضى الربو (Asthma) باضطراب القلق. يسبب الخوف والقلق يسببان ضيق النفس, مما يسرّع ظهور نوبات الربو, كما إن للقلق الشديد علاقة مع ازدياد حالات الاستشفاء والوفاة. وقد وُجد أن الذين يصابون بالقلق الشديد, التقلب المزاجي العاطفي, الحساسية تجاه الرفض والنفور وصعوبة الاستمرار في أوضاع صعبة وقاسية، يميلون إلى تناول كميات أكبر من الأدوية (مثل الستيرويدات والموسّعات القصبيّة – Bronchodilator)، كما يحتاجون إلى الاستشفاء لفترات طويلة ومتواصلة، أكثر مما تبيّنه اختبارات التنفّس.

جهاز الغدد الصمّ (Endocrine system):

لوحظ لدى مرضى متلازمة كوشينغ، التي تتميز بفرط إفراز هُرمون الكورتيزول (Cortisol), انتشار اضطرابات نفسية مختلفة، بدءً بالاكتئاب الحاد وحتى الذُهان النفسي (Manic psychosis). تزيد اضطرابات الغدة الدرقية من مخاطر نشوء مجموعة واسعة من الاضطرابات النفسية, منها: الهلع, القلق العام, الاكتئاب الكبير (Major Depression), رُهاب المجتمع (Social phobia) الوسواس القهري، دَوْرَوِيَّة المزاج (Cyclothymic disorder), وحتى حالات الهوس الخفيف (Hypomania) أو الهَوَس (Mania).

الجلد (Integumen):

المرضى المصابون بالالتهاب الجلدي العصبي (Neurodermatitis), وهو مرض جلديٌ مزمنٌ يتَّسم بالحكة والإلتهاب, معرضون للإصابة بالاكتئاب والقلق، اللذين يفاقمان حدة الأعراض والشعور بالألم. أما مرض الصّداف (الصدفيّة – Psoriasis)، الذي هو مرض جلديّ مزمنٌ أيضا، فقد يسبب الكَرْب والإجهاد (stress). وقد تبين إن هؤلاء المرضى يصابون كثيرا بالاكتئاب، بالقلق وباضطرابات الشخصية المختلفة (الشخصية الفـُصامانيّة – Schizoid personality, الشخصية الاجتنابية – Avoidant personality, الشخصية الوسواسية القهرية – Obsessive compulsivepersonality, الشخصية اللافاعلة العدوانية – Passive – aggressive personality).

وقد وجد أن حدة الإصابات أو البقع تتناسب، بصورة طردية، مع الاكتئاب والأفكار والميول الانتحاريّة وإن الاكتئاب يخفّض عتبة ظهور الحكّة.

علاج الامراض النفسية الجسدية

لقد أدى التطور الذي حققه  الطب النفسي – الجسدي (Psychosomatic Medicine)، الذي يساعد في فهم مركبات نشوء وتطور العديد من الأمراض، إلى تطوير رؤية علاجية متعددة الأبعاد. فوفقا لهذه الرؤية، ينبغي اعتبار جميع الأمراض بأنها نفسية – جسدية (بَدَنَفسيّة). ومن هنا تنبع أهمية المعالجة الشمولية. هذا التوجه المتكامل يشمل:

1. المعالَجات الدوائية بالأدوية النفسانية التأثير (psychotropic drugs) (الأدوية المضادة للقلق, مضادة للاكتئاب, بل ومضادة للذُّهان (Psychosis) بجرعات قليلة) عند الحاجة. ويوصى بتناول هذه الأدوية فقط بعد الشخيص النفسي. ويجب أن نتذكر إن هذه العلاجات تساعد في معالجة أعراض المرض فقط، ولمدى قصير.

2. المُعالَجات السلوكية (الإرخاء – Relaxation, الارتجاع البيولوجي – Biofeedback، وحتى التنويم – Hypnosis)  التي يمكن للمريض أن يكتسب من خلالها آليات وأدوات تساعده على تمييز حالات الضغط النفسي والقلق وكيفية مواجهتها.

3. المُعالـَجَة النفسية (Psychotherapy)، سواء الفردي، الجماعي أو العائلي.

Source: Webteb.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!