الانتخابات الرئاسية تضع الاستخبارات الأمريكية أمام رهان الشفافية

تحيطُ بالانتخابات الرّئاسية الأمريكيّة لعام 2020 تحدّيات ومخاوف باعثها مرتبط بالأوضاع الدّاخلية والخارجية...

Share your love

الانتخابات الرئاسية تضع الاستخبارات الأمريكية أمام رهان الشفافية

الانتخابات الرئاسية تضع الاستخبارات الأمريكية أمام رهان الشفافية

تحيطُ بالانتخابات الرّئاسية الأمريكيّة لعام 2020 تحدّيات ومخاوف باعثها مرتبط بالأوضاع الدّاخلية والخارجية، وهو ما سيجعلُ الأجهزة الاستخباراتية أمام رهانٍ حقيقي لضمانِ نجاح العملية الانتخابية، فضلاً عن دورها في حمايتها من أيّ تدخّل خارجي كما حصلَ في انتخابات الرّئاسة الأمريكية لعام 2016.

ومن هذا المنطق، تؤكّد ورقة بحثية منشورة في الموقع الإلكتروني لمركز المستقبل للأبحاث والدّراسات المستقبلية أنّ “إجراء الانتخابات الأمريكية يتزامنُ في ظل ظروف استثنائية يواجهها العالم أجمع نتيجة لتداعيات انتشار جائحة كوفيد-19، هذا فضلًا عن البيئة السياسية المشحونة في الداخل حيث تواجه أمريكا حاليًّا أكبر موجة من موجات الانقسام الداخلي بعد الاحتجاجات التي خرجت في أعقاب مقتل المواطن الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد”.

وتنطلقُ الباحثة في العلوم السّياسية سارة عبد العزيز التي أعدّت الورقة، نقلاً عن تقرير أصدره مركز الأمن الأمريكي الجديد بعنوان “الشفافية الاستخباراتية والتهديدات الأجنبية للانتخابات”، أعده “كاري كورديرو”، من فكرة مفادها أنّ “هناك تحدّيات كثيرة تحوم حول العملية الانتخابية، وهو ما سيجعل أجهزة الاستخبارات أمام رهان “تفعيل الشفافية في توعية الرأي العام الأمريكي، وإحداث التوافق بين مجتمع الاستخبارات وصناع القرار والجمهور”.

وبشأن مسؤولية الأجهزة الاستخباراتية، يشير تقرير مركز الأمن الأمريكي إلى أنها تضطلعُ بمجموعة من المهام التي يتمثل أبرزها في إطْلاع صانعي السياسات على كافة المعلومات الاستخباراتية، حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات المستنيرة التي تؤثر على الأمن القومي والدفاع والسياسة الخارجية للدولة. ويقوم مجتمع الاستخبارات أيضًا بتوفير المعلومات للقوات العسكرية وعملاء المخابرات، لدعم خططهم وعملياتهم العسكرية.

كما يتعيّن على الاستخبارات أيضاً إبلاغ الكونغرس “بشكل كامل وفوري”؛ وتتم هذه العملية من خلال لجان الاستخبارات داخل الأجهزة التشريعية، التي تؤدي وظيفة الممثل الدستوري للكونغرس، والتي يتعين إحاطتها بأنشطة استخباراتية محددة.

معضلة الشّفافية

يتوقّف التّقرير الأمريكي الذي نقلَ بعض تفاصيله مركز المستقبل للأبحاث والدّراسات المستقبلية عند معضلة الشّفافية الاستخباراتية، بحيث يوضّح أنه على مدى السنوات العديدة الماضية، طور مجتمع الاستخبارات، بقيادة مدير المخابرات الوطنية (DNI)، إطارًا عامًا لمبادرات الشفافية في الإفصاح، بما في ذلك جهود الحكومة لمواجهة أنشطة التدخل الأجنبي في الانتخابات.

وقد جاءت تلك المبادرات ردًّا على التسريبات التي بدأها “إدوارد سنودن”-المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي والموظف لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية-للكثير من الوثائق السرية الأمريكية في عام 2013.

وفرضت التهديدات الخارجية للعملية الانتخابية الحاجة إلى إرساء المزيد من الشفافية بين مجتمع الاستخبارات والمواطنين، وهي القضية التي أثارت حالة شديدة من الجدل، حيث انقسمت معه الآراء إلى اتجاهين أساسيين، وذلك على النحو التالي:

الاتجاه الأول: يدعم الشفافية الاستخباراتية في التعامل مع المواطنين، وذلك وفقًا لنظرية “الواجب التحذيري”، حيث إنه في إطار سياسات وإجراءات محددة، يتعين على الجهات المعنية الإفصاح عن المعلومات التي يكشف فيها جمع المعلومات الاستخباراتية عن وجود تهديد معين، قد يتسبب في إلحاق الأذى بالأشخاص أو الأمن القومي للدولة.

ويستند مؤيدو هذا الاتجاه إلى ضرورة زيادة التواصل المباشر بين مجتمع الاستخبارات والجمهور باعتباره أحد أجهزة الدولة، الذي لا يختلف عن أي كيان حكومي فيدرالي آخر يؤدي دوره في حماية الأمن القومي الأمريكي.

أما الاتجاه الآخر المضاد لذلك التواصل المباشر بين مجتمع الاستخبارات والمواطنين، فيرى أن مجتمع الاستخبارات يعد مسؤولًا فقط أمام صانعي السياسات، الذين بدورهم يعدون المخولين بالتواصل المباشر مع المواطنين.

مخاطر زيادة الشفافية

في مقابل ذلك، أوضح التقرير أن هناك العديد من المخاطر التي قد تترتب على زيادة الشفافية من جانب مجتمع الاستخبارات، لا سيما بشأن التهديدات الخارجية للعملية الانتخابية، التي قد تشمل:

1. قد يتبين أن التقديرات الاستخباراتية غير دقيقة تمامًا، الأمر الذي ستكون له عواقب وخيمة قد تصل إلى حد إشعال الحروب. كما أنه يؤدي إلى تآكل الثقة المجتمعية في الأجهزة الاستخباراتية. وفي سياق الانتخابات، قد يقوض التقييم غير الصحيح الذي يتم الإعلان عنه الثقة في نتيجة الانتخابات، ولعل ذلك من بين الأسباب التي قد أعاقت إعلان المسؤولين الحكوميين في عام 2016 عن الإفصاح عن التدخلات الخارجية في الانتخابات.

2. إرسال الرسائل التحذيرية للدول الأجنبية التي تسعى للتدخل في العملية الانتخابية بأنه تم الكشف عن وسائلها، وهو ما يتيح لها اللجوء إلى وسائل أخرى قد يستغرق الأمر المزيد من الوقت للكشف عنها. كما أنه قد يعرض مصادر جمع المعلومات الاستخباراتية للخطر في المستقبل.

الاستخبارات واستقلالية الانتخابات

ويشيرُ التّقرير الأمريكي إلى أنّ “الأجهزة الاستخباراتية أصبحت أكثر حرصًا على تتبع أي أنشطة أجنبية للتأثير على الانتخابات الأمريكية والعملية الديمقراطية بأكملها. ففي أكتوبر 2018، قدمت مجموعة من الوكالات الفيدرالية بيانًا مشتركًا يحذر من “الحملات المستمرة من قبل روسيا والصين والجهات الأجنبية الفاعلة الأخرى، بما في ذلك إيران، لتقويض الثقة في المؤسسات الديمقراطية، والتأثير على المشاعر العامة والسياسات الحكومية” من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والحملات الدعائية، وذلك قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي.

واستمرارًا لنهج الشفافية، ومع اقتراب الحملات الانتخابية للرئاسة الأمريكية 2020، أبلغت الوكالات ذات الصلة بحالة التهديدات الأجنبية للانتخابات علنًا. ففي نونبر 2019، أصدرت وزارة الأمن الداخلي بيانًا مشتركًا من سبع إدارات ووكالات تؤكد أن الحكومة الفيدرالية أعطت الأولوية للأمن الانتخابي.

تفعيل الشفافية الاستخباراتية

قدم التقرير مجموعة من التوصيات التي يمكن تبنيها من قبل كل من مجتمع الاستخبارات والكونغرس لتفعيل حالة الشفافية في ما يتعلق بالتهديدات الخارجية المحتملة للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، وذلك على النحو التالي:

أولًا: توصيات لمجتمع الاستخبارات:

1. استمرار التعاون الاستخباراتي في الداخل والخارج: حيث إن حماية العملية الانتخابية من التهديدات الخارجية وضمان نزاهتها يقتضي التعاون مع شركاء الاستخبارات الدوليين لتحديد وتقييم وتعطيل تلك الأنشطة الأجنبية التي تستهدف التدخل في العملية الانتخابية وقلب موازين الأمور لصالحها.

كما تبرز أهمية التعاون الداخلي مع كل من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي لإعلام المنظمات والأفراد الذين قد يتم استهدافهم تحت مظلة أنشطة تلك التهديدات الخارجية. هذا بالإضافة إلى تقديم إحاطات مستمرة للمرشحين، ومسؤولي الحملات الانتخابية، حول أنشطة التدخل الأجنبي والآليات التي تتبعها.

2. اتباع القواعد الإجرائية في عمليات الإفصاح: وذلك درءًا لشكوك تسييس العمليات الاستخباراتية، حيث إنه قد يكون من الضروري على مجتمع الاستخبارات الالتزام بإبلاغ صانعي السياسات في الأجهزة التنفيذية، ثم لجان الاستخبارات في الكونغرس. وكذلك مراعاة المساواة الحزبية في توفير الإحاطات الإعلامية.

3. التوجه نحو الإفصاح العلني مع حماية مصادر الحصول على المعلومات: حيث إنه بمجرد إطْلاع صناع السياسات على الإحاطات المهمة بشأن أنشطة التدخل الأجنبي، وفي حالة حدوث توافق بين كل من رؤساء مجتمع الاستخبارات الذين يتمتعون بالخبرة في هذا السياق، يقترح التقرير أنه قد يكون من الملائم قيام مدير الاستخبارات الوطنية برفع السرية عن تلك المعلومات والإفصاح عنها علنًا، في ظل توفير أعلى درجات الحماية لمصادر المعلومات وأساليب الحصول عليها.

ثانيا: توصيات للكونغرس:

1. إعادة الالتزام بالشراكة الثنائية بين الحزبين في مراقبة الأنشطة الاستخباراتية: وذلك انطلاقًا من أن حماية العملية الانتخابية من التدخل الأجنبي ليست قضية حزبية. وعليه، فإنه قد يكون من المهم الالتزام بإشراف الكونغرس من خلال التعاون بين الحزبين الكبيرين على تقييمات مجتمع الاستخبارات، وتعزيز الأمن السيبراني للأنظمة الانتخابية، ومحاربة الجهود المبذولة لإثارة الانقسام في الداخل الأمريكي بشأن بعض القضايا الخلافية.

2. إجراء التعديلات التشريعية للحصول على الموجز السنوي للتهديدات العالمية: يجب تعديل قانون الأمن القومي بحيث يتضمن إلزام مجتمع الاستخبارات بتقديم التقييم السنوي للتهديدات العالمية في أو قبل 1 مارس من كل عام. حيث إنه جرت العادة على مدار الـ25 سنة الماضية أن يتم الإعلان عنه من خلال جلسة الاستماع السنوية، إلا أنه ولظروف جائحة “كوفيد-19” لم تُعقد هذا العام.

ويختم التّقرير ذاته بأنّ الوضع الراهن لبيئة إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة الأمريكية لا يحتمل السماح بالمزيد من التدخلات الأجنبية في العملية الانتخابية، أو الانتظار للإعلان عن تلك التدخلات بعد حدوثها بفترة تقترب من أربع سنوات من خلال مجلدات مُنقحة تشرح كيف أثرت التدخلات الأجنبية على نتيجة انتخابات 2020.

Source: Hespress.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!