التشكيلي العراقي حميد شكر… فيكَرات تائهة تُطلق العنان لمخيلة المتلقي

حميد شكر شاعر وفنان تشكيلي، تخرج في قسم النحت في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1980. ولعله من القِلة الذين يستفيدون ويوظفون القراءة الأدبية في أعماله النحتية التي يُجاري بعضها نتاجات فنانين كبار، الذين ينهمكون في العمل على الشكل والمضمون، وينجزون أعمالاً نحتية صادمة ومغايرة لما هو شائع ومألوف، خاصة التي أنجزها شكر في […]

Share your love

التشكيلي العراقي حميد شكر… فيكَرات تائهة تُطلق العنان لمخيلة المتلقي

[wpcc-script type=”bed4eba9efe96b972117eaf3-text/javascript”]

حميد شكر شاعر وفنان تشكيلي، تخرج في قسم النحت في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1980. ولعله من القِلة الذين يستفيدون ويوظفون القراءة الأدبية في أعماله النحتية التي يُجاري بعضها نتاجات فنانين كبار، الذين ينهمكون في العمل على الشكل والمضمون، وينجزون أعمالاً نحتية صادمة ومغايرة لما هو شائع ومألوف، خاصة التي أنجزها شكر في السنوات العشر الأخيرة، وأشترك بها في المعارض السنوية لجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين.

الاستلهام والتجاوز

وعلى الرغم من أن النحات حميد شكر متأثر بأستاذه الفنان محمد غني حكمت، الذي درسه في أكاديمية الفنون، إلا أن ذلك التأثر لم يمنعه من استلهام الفن الرافديني، والإفادة من معطياته الجمالية التي يمكن أن نتلمسها في العيون السومرية الواسعة التي تتسلل عبر ممرات ودهاليز اللاوعي لتجد طريقها إلى منحوتاته النسائية على وجه التحديد. ولو وضعنا مؤثرات الفن الرافديني على تجربة النحات حميد شكر جانبًا، لوجدنا أنفسنا أمام أعمال نحتية غريبة لم يألفها الفن العراقي من قبل مثل، منحوتة «عائلة» التي نفذها من مواسير المياه المعدنية صانعًا منها أسرة صغيرة تتألف من ثلاثة فيكَرات، تبتعد عن التشخيص الدقيق، لكنها توحي به إذا ما أطلقنا المخيلة على سجيتها، شرط أن تبتعد عن التنميط الذي اعتادت عليه الذاكرة البصرية للمتلقي. وفي منحوتة ثانية لعائلة أخرى يركز النحات على فعل الاندماج بين الزوجين، وتوحدهما الأبدي الذي يصل إلى درجة التماهي، وهذا الشريط الذي يلفهما هو أقرب إلى الرباط المقدس، إن لم يكن هو نفسه. ولابد من الإشارة إلى أن هذه المنحوتة يمكن أن تخضع لقراءات متعددة وتأويلات مختلفة، قد لا تتطابق بالضرورة مع تأويل صانع المنحوتة نفسه. كما لا تخرج منحوتة «رجل وامرأة» عن تأويل الاتحاد الأبدي الذي يصعب فصله وتفكيك عناصرة التكوينية المتعشقه بعضها ببعض، ولكي لا نبتعد عن ثيمة الإنسان، سواء أكان فردًا متوحدًا مع ذاته، أم كائنًا مرتبطًا بثنية روحه.

ثمة منحوتات صنعها شكر من حديد صُلب، لكن الأشكال الجديدة التي أبدعها تكشف عن قدرته الواضحة في تطويع الحديد وترويضه إلى الدرجة التي توحي بفيكَرات العائلة المتضامة، أو بأبٍ يقذف ابنته عاليًا ثم يمسكها من جديد.

التيه

أستوحى حميد شكر ثيمة هذه المنحوتة من رواية «الأخوة كارامازوف» لديستويفسكي، ولو لم يكن النحات قارئًا نوعيًا جيدًا لما اقتنص هذه الفكرة المتوارية بين طيات هذه الرواية ذات اللمسات الفلسفية، التي تختبر الكائن البشري في أوقات الشدة والرخاء. فما أن يرى الناظر هذه المنحوتة بقدميها المتعاكستين في الاتجاه حتى يسقط في شراك السؤال المحير: إلى أين تتجه كل قدمٍ على انفراد؟ ثم يكتشف كل متلقٍ جوابه: «إن الإنسان لا يعرف إلى أين يمضي!» بتعبير ديستويفسكي، أو أن هذا الكائن البشري ممزق بين اتجاهات شتى، أو لعله يدور بين تموجات التيه والضياع في هذه الرحلة الغامضة التي تبدأ بالميلاد وتنتهي بالقيلولة السرمدية.
تتخذ ثنائية المرأة والرجل أشكالاً جديدة، كأن تكون معالمهما الخارجية مقصوصة ومسحوبة من لوح طيني أو معدني، ولم يبقَ من هيكلهما البدني سوى الإطار الخارجي الذي يذكرنا بهما، وسوف تتكرر هذه التقنية الإيحائية لفيكَرات نسائية ورجالية منفردة تارة ومجتمعة تارة أخرى، وهي تقنية ذكية تُبعد المتلقي عن الأشكال والتكوينات الحقيقية، وتستدعي بدلها الأشكال المجازية التي تُطلق العنان لذاكرة المُشاهد وتمنحه الفرصة لأن يُحلق في الخيال.

الخامة والتقنية

ثمة منحوتات صنعها شكر من حديد صُلب، لكن الأشكال الجديدة التي أبدعها تكشف عن قدرته الواضحة في تطويع الحديد وترويضه إلى الدرجة التي توحي بفيكَرات العائلة المتضامة، أو بأبٍ يقذف ابنته عاليًا ثم يمسكها من جديد.
يشكل البورتريه النحتي لشكر هاجسًا قديمًا يعود إلى سنوات الأكاديمية ورغم أن أعماله النحتية تحمل شبهًا بالشخصيات المنحوتة، إلا أنها لا تتطابق معها في كل التفاصيل فثمة مساحات مبهمة يتقصدها النحات للتعبير عن خبراته الفنية، ومشاعره الداخلية بعيدًا عن الاستنساخ الضوئي. ورغم أن بعض المنحوتات كلاسيكية تسعى إلى تحقيق الشبه الخارجي، مثل منحوتات سعدي يوسف، وسامي مهدي، وخزعل الماجدي، ولطفية الدليمي، وشاكر نوري، ورملة الجاسم، لكن ثمة منحوتات أخرى أضفى عليها لمسات درامية مُعبرة مثل منحوتة «الرأس المجروح» إذ شق جبينه بجرح مائل وضمده بقطعة شاشٍ وبُرغيين غرزهما في أعماق الرأس.
ينهمك شكر بالجسد البشري برمته، لكنه يكتفي أحيانًا بأجزاء محددة منه كالرأس والعُنُق، كما في منحوتة «قيلولة»، لأنها تفي بغرض الإغفاءة الحميمة على عُنق الزوج أو الحبيب أو العشيق ربما، وجاء تطويل العُنُق استجابة لهذه اللحظة الرومانسية الشفافة التي تُحيلنا إلى إنسانية الإنسان الذي يتخلى عن شراسته، وينهل من عذوبة النبع الأول مُذكرًا إيانا بالقُبلة الأولى التي طبعها آدم على شفتي حواء.

٭ كاتب عراقي

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!