التشكيلي المغربي كبير مزكورة: مع الحجر الصحي عدت إلى الواقعية والطبيعة

الرباط ـ «القدس العربي»: دعا الفنان التشكيلي المغربي كبير مزكورة وزارة الثقافة، إلى إعادة النظر في الطريقة التي تسيّر بها مجال الفنون التشكيلية بصفة عامة، والقطع مع التمييز بين الفنانين المبتدئين والمحترفين، والاحتكام إلى القيمة الفنية والجمالية والحمولة الرمزية والثقافية للإبداعات الفنية. كما لاحظ أن السياسة التعليمية المتبعة حاليا في المغرب تعمل على إقصاء مواد […]

Share your love

التشكيلي المغربي كبير مزكورة: مع الحجر الصحي عدت إلى الواقعية والطبيعة

[wpcc-script type=”408fccc59745d67280ddfe82-text/javascript”]

الرباط ـ «القدس العربي»: دعا الفنان التشكيلي المغربي كبير مزكورة وزارة الثقافة، إلى إعادة النظر في الطريقة التي تسيّر بها مجال الفنون التشكيلية بصفة عامة، والقطع مع التمييز بين الفنانين المبتدئين والمحترفين، والاحتكام إلى القيمة الفنية والجمالية والحمولة الرمزية والثقافية للإبداعات الفنية. كما لاحظ أن السياسة التعليمية المتبعة حاليا في المغرب تعمل على إقصاء مواد التعليم الفني، ولا تمكننا من اكتشاف المواهب وتطويرها. وقال إذا كانت هناك إبداعات وإنجازات في المستوى داخل مؤسساتنا التعليمية، فيمكن اعتبارها اجتهادات شخصية من طرف الأساتذة فقط. جاء ذلك في الحوار التالي الذي أجرته معه «القدس العربي»:

■ ماهي روافد تجربتك التي ساهمت في انبثاقها منذ البداية؟
□ بخصوص انخراطي في مداعبة الريشة والألوان، كانت بداياتي الأولى في الحقيقة مع الطبيعة مباشرة، التي هي موضوع أعمالي الآن، كنت أتماهى والامتدادات اللامتناهية مع أصدقائي في مرحلة الطفولة، حيث كان أساتذتنا في السلك الابتدائي خلال فصل الربيع يكلفوننا بقطف الورود من الحقول الشاسعة مترامية الأطراف، عندها بدأ الأساتذة يكتشفون موهبتي في البحث والتنظيم وتناسق الألوان، ودقتي في الملاحظة وطريقة التقديم، إضافة إلى براعتي في الخط العربي؛ الشيء الذي جعلهم يشجعونني باستمرار ويهتمون بي وباهتماماتي، تلك كانت البدايات الأولى التي ساهمت في صقل موهبتي وتنمية ذوقي الفني والإبداعي. لتأتي المرحلة الإعدادية التي صادفت فيها أحد الأساتذة الأجلاء ذوي التخصص في مادة التربية التشكيلية، الذي تنبه إلى ضلوعي في الميدان، وشجعني على التوجه نحو هذا التخصص والالتحاق بشعبة الفنون التشكيلية في مدينة الصويرة، قصد تطوير مهاراتي وقدراتي في المجال ذاته. عندها قررت الالتحاق بالشعبة، فواصلت التكوين بها نظريا بخصوص تاريخ الفن والمفاهيم المتعلقة بذلك وتطبيقيا في التقنيات الإبداعية المختلفة وطرق العمل بها، بالإضافة إلى الرسم السريع والابتكار والخرفة والخط العربي، دام هذا التكوين مدة ثلاث سنوات انتهت بحصولي على شهادة البكالوريا بامتياز.
وخلال هذه المرحلة عملت على تطوير تجربتي الفنية بتشجيع من الأساتذة عبر مشاركتي في الأنشطة الفنية التي تنظمها الثانوية التأهيلية محمد الخامس، كان أهمها معرض تشكيلي جماعي لتلاميذ التخصص، حيث كانت مشاركتي عبارة مجسم «لجرار» زاوجت فيه بين الخيال والواقع نظرا لولعي بعالم المحركات منذ صغري وحتى الآن، وقد نوه بهذا العمل أساتذتي وبعض زوار المعرض. وبعدها واصلت مساري الدراسي حيث التحقت بعد البكالوريا بفنون وصناعات الطباعة في ثانوية الليمون في الرباط، ما أتاح لي الفرصة للتعرف على مختلف التقنيات الطباعية، وفن الديزاين والتركيب وبرامج تعديل الصور؛ أثر ذلك إيجابا في إبداعاتي الفنية لاحقا، التي يغلب عليها طابع التخطيط والتنقيط.
وهذه الخبرات والتجارب التشكيلية المختلفة التي حصلت عليها من التكوينات والاحتكاك مع الأساتذة ذوي التخصص والطلبة، أهلتني للنجاح في مباراة الدخول «للمركز التربوي الجهوي درب غلف» في مدينة الدار البيضاء سنة 2009، حيث كانت هناك تجربة أخرى في تطوير موهبتي الإبداعية رفقة أساتذة مكونين فنانين وطلبة أساتذة ذوي التخصص، وتخرجت سنة 2011 أستاذا لمادة التربية التشكيلية في السلك الإعدادي، وعدت مرة أخرى إلى الصويرة المدينة الساحرة التي عشقتها، وما زلت أعشقها ومكوثي بها حتى اليوم.


■ من هم الفنانون المغاربة أو الأجانب الذين تأثرت بهم؟
□ بخصوص الفنانين الذين تأثرت بهم، بحكم حبي للطبيعة منذ الصغر وبحثي المتواصل في الميدان الفني، وجدت أن الفنانة العصامية المغربية الشعيبية طلال، كانت بداياتها في التشكيل مع الطبيعة ومباشرة الألوان على اللوحة، بدون تخطيط مسبق، تلك ليست بالتقنية السهلة، كذلك الفنان الهولندي فانسون فان غوغ الذي هو بدوره كان يحب الطبيعة والدليل هو لوحاته وتحفه الفنية التي تركها بعد وفاته، كان مولعا بالمناظر الطبيعية، كل هذا ساهم في تكوين أسلوبي الفني في ما بعد، بالإضافة إلى البحث والتنقيب ودراسة تاريخ الفن واكتشاف التقنيات التي كان يستعملها عمالقة الفن في مختلف المدارس التشكيلية.
■ ما هو تأثير دور مدينة الصويرة كفضاء إبداعي في مسارك الفني؟
□ مما لك شك فيه أن الصويرة مدينة الفن والفنانين، عشقي لها ليس له حدود، كانت وما زالت مكاني المفضل للاستقرار والاحتكاك مع ثلة من المبدعين التشكيليين، والصناع التقليديين الذي أنتجوا إبداعات كثيرة في مجالات عدة، كما تحتضن موكادور عدة مهرجانات على مدار السنة، وأبرزها مهرجان كناوة العالمي فيه تتلاقى الألوان الموسيقية من مختلف بقاع العالم. أما بخصوص علاقتي بهذه المدينة المطلة على المحيط الأطلسي، وخلال مكوثي فيها لحوالي 12 سنة، اكتشفت فيها تناسقا للمشاهد لا مثيل له في كل زاوية من زواياها، أستطيع تخيل تراكيب عدة يمكن استغلالها كأسندة وكمواضيع للوحاتي المستقبلية، خصوصا أني مهووس بالطبيعة (زرقة المياه، نوارس في كل مكان، رمال، مآثر تاريخية، مراكب صيد، جزر…)
■ ما هي المدرسة الفنية التي ترتاح إليها أكثر؟
□ ككل الفنانين لابد في البدايات الأولى من التأثر بالمدارس الفنية، لما كنا ندرس تاريخ الفن في السلك الثانوي، كان الأساتذة الذين تتلمذت على أيديهم يركزون على المحاكاة للوحات فنية عديدة ومن مدارس تشكيلية مختلفة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: المدرسة التعبيرية والانطباعية، هنا قمنا بترجمة وتأويل لوحات الفنانين العالميين فانسون فان غوغ، بول سيزان، أدكار دوكا، كلود موني، وبول كوكان… كانت الألوان المستعملة زاهية ومشرقة، لكن مع مرور الوقت، وبحثي المستمر اكتشفت أنه عليّ ابتكار أسلوب خاص بي والتعبير بطريقتي والتحرر من المحاكاة، لإيصال أفكاري وحدسي ونظرتي اتجاه المحيط والحياة إلى الجمهور، كذلك وجدت أن التعبير التجريدي فيه نوع من الحرية الإبداعية أكثر حيث كانت المدرسة المفضلة لديّ التجريدية لرائدها بييت موندريان وفاسيلي كاندانسكي تحولت معها ألواني إلى القاتمة والمحايدة.
وفي الحجر الصحي المطبق في بلادنا بسبب جائحة كورونا كوفيد 19، كنت في حاجة إلى تجديد وتطوير أسلوبي، والبحث عن مواضيع تبعث على البهجة والسرور في أعين ناظرها لمقاومة الفراغ الذي خلفته الجائحة، عدت إلى الواقعية من جديد في لوحاتي، من خلال رسم الطبيعة وفق تكوينات وبنيات مختلفة وبطرق وتقنيات جديدة، وهذه المواضيع تتراوح بين الغروب والشروق، والليل والفضاء، والانعكاسات المائية والأشجار اليابسة، بالإضافة إلى استعمال الألوان على اللوحة بدون تخطيط أولي، والمزج المباشر للألوان على سند العمل وعدم خلطها كثيرا لتحافظ على بهجتها وبريقها.
■ ما هو الواقع الذي خلفته تجربتك لدى النقاد والمهتمين؟
□ قبل جائحة كورونا التي قلبت الموازين والمفاهيم المتعلقة بالمنجز التشكيلي، حيث انتقل الفنان من العرض داخل صالات العرض إلى العرض على منصات التواصل الاجتماعي، لم يكن لديّ أسلوب خاص، كنت أتخبط بين مختلف الأساليب الفنية الحديثة والمعاصرة، بين التجريدية والتشخيصية والتعبيرية، إلى فن المنشآت والأعمال اليدوية الفنية، هذا لم يكن كافيا لجلب اهتمام النقاد والمهتمين بالشأن الفني؛ لكن في المقابل ومع الحجر الصحي الذي دام لمدة ثلاثة أشهر قمت بإعادة النظر في أسلوبي الفني واختيار ألواني، فوجدت نفسي أحب الطبيعة والتغيرات الضوئية التي تطرأ عليها طيلة فترات اليوم، هذا ما جعلني أبدع لوحات في هذا الاتجاه مع عدم خلط الألوان كثيرا ومباشرتها على اللوحة، كما سبق أن ذكرت، حينما قمت بمشاركة تلك الأعمال على منصات التواصل الاجتماعي، نالت استحسان الجميع ووصلتني الكثير من رسائل التشجيع من النقاد والمهتمين بالشأن الثقافي والفني في المغرب، كما شاركت في العديد من المعارض الافتراضية والمنتديات، في مختلف دول العالم العربي، وحصلت بها على مجموعة من الشهادات والتكريمات.
■ ما هو تقييمك للتعليم الفني، خاصة التشكيلي في المغرب؟
□ منذ توقيف وتعطيل المراكز المتخصصة في تخرج أساتذة التربية التشكيلية في المغرب والاقتصار على مؤسسات التفتح الفني والأدبي، يمكن القول إن الدولة لم تعد لها النية في تطوير التعليم الفني، نظرا لاهتمامها بالمواد الأساسية، كما صنفوها داخل المؤسسات التعليمية، وإهمال المواد الفنية وعدم توفير المستلزمات الخاصة بها، فإن كانت هناك إبداعات وإنجازات في المستوى داخل مؤسساتنا التعليمية يمكن اعتبارها اجتهادات شخصية من طرف الأساتذة فقط في هذا المجال. فالسياسة المتبعة في هذا الإطار إقصائية بالدرجة الأولى لمواد التعليم الفني، ولا تمكننا من اكتشاف المواهب وتطويرها وصقلها، خصوصا أن شعبة الفنون التطبيقية في السلك الثانوي باتت متجهة نحو عالم الديزاين والتعليب والميلتميديا بشكل كبير، ولا تتيح الفرصة لمداعبة الريشة واللون بالشكل الكافي لاكتساب المهارات والتقنيات المرتبطة بإنجاز اللوحة الفنية.
ما يمكن قوله حول التعليم الفني والتشكيلي في المغرب إننا في حاجة إلى تطويره عبر تدريسه في مؤسساتنا التعليمية كمــــادة أساســـية، بالإضافة إلى تشجيع المواهب بإقامة معارض إقليمية وجهوية ووطنية، وتنظيم مسابقات فنية بين المؤسسات التعليمية، ولمَ لا على مستوى الجهات، كذلك القطع مع التمييز بين المواد ومكانتها ودورها في تطوير شخصية المتعلم الذي سيصبح في ما بعد مواطنا ذا حس وذوق فني وجمالي محبا لوطنه، ومساهما في بناء بلده.
■ أي دور للنقابات والجمعيات والفنية؟
□ كما سبق وأن قلت، يجب على الدولة وخصوصا وزارة الثقافة الوصية على القطاع أن تعيد النظر في الطريقة التي تسير بها في مجال الفنون التشكيلية بصفة عامة، والقطع مع التمييز بين الفنانين المبتدئين والمحترفين والاحتكام إلى القيمة الفنية والجمالية، والحمولة الرمزية والثقافية للإبداعات الفنية بدل سياسة الإقصاء. لا يمكن الحديث عن دور النقابات والجمعيات في ظل العشوائية التي تحكم القطاع، والإهمال التام لكل المبادرات من طرف الجهات المسؤولة، وفي غياب قوانين منظمة ومؤطرة وعدم وجود دعم مادي ومعنوي من شأنه أن يرفع من وتيرة التنافس الشريف بين الفنانين، وبالتالي تتحول ممارسة الفن كهواية إلى عالم الاحتراف.
■ ما هو جديدك التشكيلي؟
□ ما أفكر به مستقبلا هو البحث وتطوير أسلوبي الفني، بتجريب تقنيات تشكيلية جديدة على مستوى اللون والمادة، وبحكم شغفي وحبي للمحركات منذ الصغر، سأجرب العمل على إنجاز لوحات بأسلوب مغاير، بإضافة الحركة والأضواء، سيكون لي منحى في اتجاه كسر جمود المنتج الفني، عبر الخروج من الإطار الذي تتميز به اللوحة الفنية، فاستعمال المحركات والأسلاك والمصابيح الضوئية ستتيح لي الفرصة في الإبداع بأسلوب مبتكر جديد بعيدا عن الريشة واللون.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!