يؤدي صغر حجم الجمجمة إلى الضغط على أنسجة الدماغ، حتى تغير اتجاه تمددها إلى القناة الشوكية أسفل الدماغ، لأنها المنفذ الوحيد لها. وبحسب مقدار التمدد تكون خطورة الحالة، أو سهولة التكيف معها ومعالجتها.

ويعد التشوه الخياري من الحالات قليلة الحدوث، غير أنه، ومع التطور التكنولوجي في عمليات تصوير الجمجمة، تم تشخيص عدد ليس بقليل من هذه الحالات.

ويمكن من خلال هؤلاء المصابين القول إن التشوه الخياري بات يفرض نفسه، كإحدى الإصابات المحتمل حدوثها بين الأطفال، ويصبح الاحتياط والاطمئنان أمراً يجب مراعاته.

أعراض المرض

إن التشوه الخياري متعدد الأنواع، وذلك من خلال نوع التمدد ومكانه، والجزء الذي يظهر فيه الأثر الأكبر للتشوه، كالمخ والعمود الفقري.

وتظهر الأعراض في كثير من الأحيان –حسب أطباء الاختصاص- في مرحلة مبكرة بعد الولادة، كالعيوب التي يولد بها الطفل، أو ربما تتأخر في بعض الحالات إلى فترة طويلة نسبياً بعد الولادة.

وتتم عملية التعامل مع حالات التشوه الخياري، حسب الحالة والأعراض والحاجات الطبية، حيث تترك بعض الحالات دون معالجة، إذ يمكن التعايش معها.

ويحتاج بعض الحالات إلى السيطرة على الأعراض، والمراقبة بصفة دورية، والأشد منها يحتاج إلى المعالجة، ويتخلل ذلك إجراء عمليات جراحية لضبط المسار، ولتخطي المخاطر التي تؤثر في الحياة بالنسبة للطفل.

ويعد الأمر مرهقاً للأسر ولكن مع الوعي والمساندة المجتمعية، يمكن التعامل والتعايش مع الحالة.

صداع وعدم توازن

حدد الأطباء الإصابة بالتشوه الخياري في ثلاثة أنواع، ويتعلق النوعان الأول والثاني بمرحلة الطفولة والبلوغ.

ويتم الكشف عنهما من خلال الموجات الصوتية، وتصاحبهما أعراض تتمثل في شعور المصاب بالصداع الحاد.

ويترافق هذا الصداع مع حالات العطس والكحة، وكذلك عندما يمر المصاب بفترات إجهاد.

وتعتبر الشكوى من آلام بالرقبة من أكثر ما يعانيه المصابون بالتشوه الخياري، إلى جانب حالة من عدم التوازن وبخاصة أثناء المشي.

ويصاحب ذلك عدم تناسق في حركة اليدين يلاحظه الشخص نفسه أو المرافقون له، خصوصاً الأبوين أو من يتولى رعايته.

تنميل الأطراف

يشكو الطفل المصاب بالتشوه الخياري من وجود تنميل ووخز في أطرافه، وذلك يشير إلى مشكلة موجودة في القناة الشوكية أو العمود الفقري.

وتنتاب الطفل أيضاً نوبات من الدوخة التي يكون منشؤها الدماغ، ولا يُستغرب وجود تشوش في الرؤية، مع صعوبات في البلع، والشعور بالاختناق، ويجد المصاب صعوبة في الكلام، أو على الأقل بحة في صوته.

وتختلف أعراض التشوه الخياري، من حيث تأثيرها في المصاب، فمنها بسيط ومنها الأكثر تعقيداً.

ويشعر المصاب في بعض الحالات بطنين في الأذن وآلام في القلب، وكذلك مشكلات خلال النوم، إلى جانب ما ينتاب القلب منخلل في انتظام ضرباته، وهو الأمر الذي يسبب شعور الطفل بضعف عام، يحتاج في بعض الحالات إلى إجراء الفحوص اللازمة لتحديد الأسباب.

ويقر الأطباء أن هناك أعراضاً ظاهرية غير طبيعية، تظهر على الشكل الخارجي للدماغ، ويمكن اكتشافها عند الولادة.

وترتفع معدلات الوفاة في هذا النوع من حالات التشوه الخياري، نظراً للتمدد الكبير لأنسجة الدماغ في القناة الشوكية.

أسباب المرض

أعاد الأطباء أسباب هذا المرض إلى الأمور الآتية:

تحويل مسار

يرجع السبب في التشوه الخياري إلى الضيق والصغر الذي يكون عليه جزء من الجمجمة، والذي يكون فيه المخيخ. ويؤدي صغر الحجم إلى الإصابة بالتشوه الخياري، ويكون بشكل غير طبيعي بالنسبة للجماجم ككل.

ويدفع هذا الأمر الأنسجة الخاصة بالدماغ إلى تحويل مسارها إلى الأسفل، حيث القناة الشوكية، وربما امتد إلى غيرها.

وينتج من هذا التحول مجموعة كبيرة من الأعراض، التي يظهر أثرها في الجمجمة، وفي الأحوال العصبية والحركية للمصاب، فيما يتعارف إليه بأنه أعراض التشوه الخياري.

ويوضع العامل الوراثي في الاعتبار، كأحد أسباب التشوه الخياري، وإن كان هذا ليس مؤكداً في كل الإصابات، بل إن كل حالة لها ظروفها الخاصة.

استسقاء دماغي

يمكن لحالة التشوه الخياري أن تؤدي إلى بعض المضاعفات والاضطرابات، ومن أبرزها الاستسقاء الدماغي، ويتمثل في تراكم السوائل في المخ، وهو ما يحتاج إلى تدخل طبي، حيث يقوم باستخدام الأدوات المناسبة في تفريغ هذا الكم المتراكم، حتى لا يتسبب في مشاكل أكثر حدة وتأثيراً في مختلف النواحي الصحية للمريض.

وتزيد حدة المضاعفات حين ينكشف جزء من النخاع الشوكي، الذي يؤدي بدوره إلى التأثير في الوظائف الحركية للحالة، ويسبب الشلل وإصابة الكثير من العضلات بالتوقف، وغيرها من المضاعفات الخطيرة، التي يجب الحيلولة دون الوصول إليها، بالمتابعة الدورية والكشف الدقيق.

اكتشاف بالصدفة

يعيش الكثيرون من مرضى أو مصابي التشوه الخياري دون أن يعلموا أنهم مصابون أو تعرضوا لذلك.

ويمكن إرجاع ذلك إلى عدم الوعي، أو أن الحالات المرضية التي مروا بها لم تضطرهم إلى إجراء تصوير مقطعي للمخ.

ويتم الكشف عن أغلب الحالات المصابة بأحد أنواع التشوه الخياري بالصدفة، حيث يكون المقصود حالة مرضية أخرى.

ولا ينطبق هذا الأمر على الحالات التي تزداد لديها الأعراض، حيث إن الشك في وجود هذه الحالة المرضية يتطلب من المصاب أن يبحث بشكل سريع عن المشكلة، حتى يحدد مكان ونوع الإصابة.

تشخيص المرض

يتم تشخيص حالات التشوه الخياري من خلال عدد من الخطوات المهمة، التي يقوم الطبيب باتباعها.

وتبدأ هذه الخطوات بمعرفة التاريخ المرضي للحالة، والذي من خلاله يتعرف إلى احتمالية وجود المشكلة وراثياً.

ويتعرف الطبيب إلى الحالة من خلال الكشف السريري المبدئي، والذي يرى من خلاله حجم الجمجمة، وما إذا كان يوجد بها جزء يبدو عليه الصغر اللافت للنظر.

ويتعرف إلى الحالة من خلال مجموعة من الأسئلة، التي تتضمن الأعراض، من صداع وشعور بالدوار، وآلام في الجسم والضعف العام، وكذلك عدم التوازن أثناء الحركة وغيرها، ليستقر الطبيب على الاتجاه الصحيح في عملية التشخيص.

ويطلب عمل مجموعة من صور الأشعة والتحاليل التي تساعد في تشخيص الحالة بدقة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي، حتى يحدد التشوهات الموجودة بالدماغ والجسم كله بدقة.

ويمكن أن يستخدم وسائل أخرى، لتحديد المدى الذي وصل إليه تمدد النسيج الدماغي داخل القناة الشوكية.

العلاج

يبدأ علاج المصاب بالتشوه الخياري عقب التشخيص السليم للحالة، من خلال مواجهة كل عرض على حدة، حتى يتم الحفاظ على استقرار الحالة عند المستويات التي يمكن التعايش معها.

ويتم الإبقاء على بعض الحالات كما هي دون تدخل، نظراً للعلم المسبق من خلال الدراسات والأبحاث أنها مستقرة، ولا يخشى من تطورها إلى الحد الذي يضر بالحياة، ممارسة أو بقاء، وهذا لا يعني عدم المتابعة والاطمئنان من حين لآخر.

ويتم إعطاء المسكنات اللازمة في حالات الصداع والدوار والإحساس بالتعب العام، ويلجأ الطبيب إلى الجراحة حتى يضبط مسار المشكلة قدر الإمكان، وكذلك هناك بعض الحلول الجراحية للحالة، ولابد أن تكون تحت الرعاية القصوى، مع تحري الدقة والمكان المناسب لإجرائها.

اقرأ أيضاً: مسكنات الألم، استخداماتها و أخطارها

لمحة عن هذا المرض

تشير الدراسات إلى أن أول وصف لمرض التشوه الخياري كان في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، حوالي عام 1883، وتعود التسمية إلى العالم النمساوي خياري، حيث وصف الأعراض وصنف المرض إلى ثلاثة أنواع.

وكانت الإحصائيات تقدر نسب الإصابة بالتشوه الخياري بنحو مولود لكل ألف، إلا أن تطور وسائل التشخيص أشار إلى أن الإصابة بهذه الحالة أكثر انتشاراً من هذه النسبة.

ويعد التدخل الجراحي أفضل خيار بالنسبة للمصابين بهذه الحالة، إلا أنه يجب الانتباه إلى بعض المضاعفات التي يمكن أن يتعرض لها المصاب بعد إجراء الجراحة، ومنها حدوث مشكلة السمنة أو النزف.

ويمكن أن يصاب بعض الحالات بشلل في الذراعين أو الساقين، وبعض حالات العدوى كالتهاب السحايا، ويمكن أن تؤدي بعض المضاعفات إلى اضطراب في الكلام، ومشاكل في التفكير وفقدان للذاكرة، ولذلك فربما تؤدي الجراحة في بعض الحالات إلى أن تسوء الأعراض.