التفكير الإبداعي في المؤسسات ودور القادة في تعزيزه

يربط معظم النّاس بين الإبداع والمهارات والقدرات الفنيّة، مثل: كتابة روايةٍ أو قصّةٍ، أو رسم صورةٍ، أو تأليف مقطعٍ موسيقيّ. في حين أنَّ هذه كلُّها مساعٍ إبداعيّة. يُطلَق على هذا مسمّى: الإبداع الصغير (Small C). يُثرِي هذا الإبداع الحياة الفنيّة، ويُبرِز أصحابها سريعاً من خلال المنّصات المجتمعيّة. بينما تتطلّب العديد من الوظائف والمهام الإداريّة والقياديّة قدراً كبيراً من التفكير الإبداعيّ، بما في ذلك الوظائف في عالم الأعمال والعلوم والتكنولوجيا؛ والتي قد لا تُلقِ للإبداع الصغير بالاً.

Share your love

من المهمّ مشاركة مهاراتك في التفكير الإبداعيّ مع أصحاب العمل المحتملين. تأكّد من تسليط الضوء في بيئة عملك على قدراتك على التّفكير بشكلٍ خلّاق وإبداعيّ. للقيام بذلك، تحتاج أولاً إلى التّعرف على إبداعك الخاص والاقتراب من قدراتك الإبداعيّة وكشفها. إنَّ السؤال الأوّل الذي يراود القادة هو: “ما هو التفكير الإبداعي؟”.

ما هو التفكير الإبداعيّ؟

الإبداع يعني ببساطةٍ القدرة على التوصّل إلى شيءٍ جديدٍ ومفيد، أو النظر إلى الأشياء المألوفة بطريقةٍ غير مألوفة. لذلك، فإنّ التفكير الإبداعي هو: القدرة على التفكير في شيءٍ ما -تعارضٌ بين الموظفين، مجموعة بيانات، مشروع مجموعة- بطريقةٍ جديدة. أرباب العمل في جميع الصناعات يريدون من الموظفين بناء قدراتهم بشكلٍ إبداعيّ؛ ليتمّكنوا من التّفكير بشكلٍ خلّاق وتقديم وجهات نظرٍ جديدة إلى مكان العمل، وهذا ما يُعرف بِـ: الإبداع الكبير (Big C).

يعني التفكير الإبداعي النظر إلى أيّ شيءٍ بطريقةٍ جديدة، وهذا ما يُعرَف بِـ “التّفكير خارج الصندوق”. في كثيرٍ من الأحيان، ينطوي الإبداع بهذا المعنى على ما يسمّى: التّفكير الجانبيّ (كتاب التفكير الجانبي للمؤلّف إدوارد دي بونو)، أو القدرة على إدراك أنماطٍ غير واضحة. يستخدم المحقق الخياليّ، “شيرلوك هولمز” (Sherlock Holmes)، التّفكير الجانبيّ في قصصه الكثيرة والمتجددة التي تُنبِىء بطريقة تفكيرٍ غير عاديّةٍ وتتطلّب الكثير من التفكير الجانبي.

يتمتّع المُبدعون بالقدرة على ابتكار طرقٍ جديدةٍ لتنفيذ المهام وحلّ المشكلات ومواجهة التحديات. إنَّها تجلب منظوراً جديداً وغير تقليديٍّ إلى عملهم في كثيرٍ من الأحيان. يمكن أن تساعد طريقة التّفكير هذه الإدارات والمنظّمات على التحرك في اتجاهاتٍ أكثر إنتاجيّة. لهذه الأسباب مجتمعةً، فإنّ القدرة على الابتكار تشكل قيمةً عاليةً للغاية للشركات والمؤسسات.

إن كنت تعرف شخصاً مُبدعاً في مجال عملك، فسيكون من الممتع أن تتواصل معه وتطلب منه السماح لك بإجراء مقابلةٍ أشبه بالمقابلات الصحفية، أو مصاحبته ليومٍ أو عدّة أيام. ستمّكنك هذه الصّحبة من مشاهدته عن قرب، ومراقبة كيفيّة عمله بطرقٍ إبداعيّة.

أضحت شركة آبل (Apple) مرادفةً للإبداع الكبير (Big C). وهي علامةٌ تجاريّةٌ شجّعت الآخرين على “التفكير بشكلٍ مختلف”، بعد أن حقّقت ذلك بالفعل. وإنَّ مجرد رؤية شعار آبل (Apple) يثير الإبداع لدى الأفراد؛ وتعكس أفعالهم نظرتهم إلى العلامة التجاريّة.

إنَّ الإبداع هو الذي ساعد آبل (Apple) على احتلال قائمة بوسطن الاستشاريّة لمجموعة “الشركات الأكثر ابتكاراً” لمدة 11 عاماً على التوالي، وتنمية علامةٍ تجاريّةٍ تُعرف بالتّصميم المبدع والابتكار المبهر أكثر من تطبيقاتها التقنيّة المتقدمة.

يقول د. تاكير ماريون (Tucker Marion)- الأستاذ المساعد في كلية (D’Amore-McKim) التابعة لجامعة (Northeastern)، ومدير برنامج ماجستير العلوم في الابتكار: “الإبداع أمرٌ أساسيٌّ في عالم الأعمال؛ فهو ما يجعل المؤسسة مختلفةً عن غيرها”.

يكمل د. ماريون قائلاً: “إذا كنت تقارن المُنتِج (iPhone) بالمُنتِج (Samsung)، ستبدو هذه المنتجات متشابهةً جداً في البداية، ولكن بمجرد البدء في التّقصي والبحث في التفاصيل؛ ستلاحظ كمّاً كبيراً من الإبداع في أجهزة (iPhone). على سبيل المثال: خُذ خاصيّة التّعرف على الوّجه (facial recognition)، ستجدها خاصيّةً سلسلةً جداً للمستخدم. إنَّ إطلاق خدمةٍ أو ميزةٍ تنافسيّةٍ أو منتجٍ إبداعيٍّ، والتّسويق له؛ لا يعني بالضرورة نجاحه ووصمه بالإبداع؛ فالإبداع يتطلّب التّصميم الفريد، ورضا المستخدم، وسهولة الاستخدام للخدمة أو الميزة أو المنتج”.

لقد أعطى الإبداع لآبل ميزتها التنافسيّة، وألهم تجربة مستخدمٍ لا مثيل لها؛ فمتاجر بيع منتجات آبل المنتشرة حول العالم تعكس من حيث التّصميم والنظافة والحداثة قيمة وجمال المنتجات الّتي تبيعها.

أصبحت العلامة التجارية واحدةً من الوسائل الإبداعيّة التي تعكس استراتيجيّة الشّركة وتميزها عن الآخرين. فليس من المطلوب محاولة تكرار نموذج شركة آبل وتقليده؛ وإنَّما يجب على قادة الأعمال التركيز على كيفيّة تعزيز الإبداع داخل مؤسساتهم.

لماذا نحتاج إلى الإبداع في عالم الأعمال؟

تعمل المنظمات اليوم في بيئةٍ عالميّةٍ شديدة التنافسيّة، ممّا يجعل الإبداع أمراً بالغ الأهميّة. فالإبداع هو ما يغذي الأفكار الكبيرة، ويتحدّى طريقة تفكير الموظفين، ويفتح الباب أمام فرصٍ تجاريّةٍ جديدة. غالباً ما يُستخدَم “الإبداع” و”الابتكار” بالتّبادل لهذا السبب، ولكنَّهما مفهومان منفصلان.

يقول د. ماريون: “الابتكار ليس شيئاً واحداً فقط، إنَّما هناك الكثير من الكفاءات التي تتداخل وتتشارك من أجل تحقيقه. أمَّا الإبداع فمختلفٌ تماماً؛ لأنَّ الإبداع هو آليةٌ للابتكار. إذاً يمكنك الحصول على أفكارٍ رائعة، ولكن هذا لا يكفي لتكون مبتكراً”.

يُعدُّ الإبداع في مجال الأعمال خطوةً أولى حاسمةً وخطيرةً يجب أن تمنحها القيادة العليا الأولويّة. فقد أظهر استطلاعٌ أجرته شركة IBM لأكثر من 1500 من الرؤساء التنفيذيين أنّه قد أُجمِعَ على تصنيف الإبداع باعتباره العامل الأوّل لنجاح الأعمال في المستقبل، متجاوزاً الانضباط الإداريّ والنزاهة وحتّى الرؤية.

حيث أشار 60٪ من المدراء التنفيذيين، الذين تمّ استطلاع آرائهم، إلى أنَّ الإبداع هو أهمُّ صفةٍ قياديّةٍ، بينما أشار 52٪ منهم إلى النزاهة. والسبب وراء كون الإبداع المهارة الأكثر قيمةً هو أنَّه يُوّلِد تأثيراً إيجابيّاً من حيث العائد على الاستثمار؛ فالمبدعون هم مفّكرون مستّقلون ومبتكرون مميزون وقادرون على حلّ المشكلات بشكلٍ مختلف.

كما أنَّ أحد أهمِّ الأسباب -إلى جانب العائد على الاستثمار- هو: أنَّ القادة المبدعين أكثر قدرةً على التعامل مع الغموض والمتغيرات.

مع استمرار تطّور الصناعات، ستحتاج أهداف وأولويات العمل إلى التّغيير والتّكيف بسرعة. قال ثمانيّةٌ من كلِّ 10 رؤساء تنفيذيين شملهم الاستطلاع أنَّهم يتوّقعون أن تصبح صناعتهم أكثر تعقيداً بشكلٍ مستمر. لكن 49٪ فقط واثقون من أنَّ مؤسساتهم مجهّزةٌ للتعامل مع التّحولات القادمة في المستقبل (انظر إلى مقالتنا في مجال الثورة الصناعية الرابعة).

يقول د. ماريون: “تواجه كلّ صناعةٍ تحدياتٍ بسبب المتغيرات الديناميكيّة على مستوى العالم، والتّغيرات المتسارعة في التقنيات والتكنولوجيا”.

يحاول العديد من بائعي التجزئة الارتقاء إلى مستوى التحدي من خلال خلق “تجارب إيجابيّة” تحاكي الواقع والتراث المحلي.

مثالٌ آخرٌ على الإبداع: سلسلة محلّات ستاربكس (Starbucks).

يأتي روّاد وعملاء مقاهي ستاربكس إليها بهدف الحصول على “تجربةٍ إيجابيةٍ”، لا بقصد المشروبات والقهوة المتقنة والعروض المتجددة فحسب. إنّهم يأتون بحثاً عن الأجواء الممتعة التي تصنعها رائحة القهوة المنعشة؛ ورغبةً في الاستمتاع بالألوان الدّاخلية الدافئة، والترحيب الجميل والموسيقى الهادئة، كما وقد يكون الأثاث أو الفنُّ المستوحى من البيئة المحلية أكثر ما يشدّهم إليها، فهنالك ما هو أكثر في العلامة التجارية ممّا يُباع خلف المنضدة في كؤوسٍ ورقية.

سلسلة تارغت (Target) مثالٌ آخرٌ رائعٌ للإبداع المؤسّسي، حيث أعلنت السلسلة مؤخراً عن خططٍ لإعادة تخيل وتصميم أكثر من 1800 متجر. أحد التغييرات هو أنَّ المتسوقين سيتمكنون من “اختيار مغامرتهم الخاصة” من خلال الاختيار من أحد مداخل المتجر. المدخل الأول سيقود العملاء إلى متجرٍ لبيع الأطعمة والمشروبات وغيرها من المعروضات المعتادة؛ والذي يضم بدوره ممراتٍ ذاتية الدفع وخيار الطلب لأيّ شيءٍ عبر الإنترنت. بينما سيقود المدخل الثاني العملاء إلى شاشات عرضٍ لمستحضرات التجميل والأزياء وتجهيزات المنزل والإلكترونيات.

يقول د. ماريون: “الآن نبيع التجارب، ويجب أن تكون تلك التجارب جيدة التصميم. وإنَّ الإبداع يفسح المجال لذلك ويلهم التصميم الجيد”.

شاهد بالفيديو: 10 أساليب للتدرب على التفكير الإبداعي

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”640″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/7SAFOr2DI_Q?rel=0&hd=0″]

الإبداع في مواقع العمل:

غالباً ما ينظر الكثير من الناس إلى وظائفهم نظرةً تقليديّةً على أنَّها تدور (ذهاباً وإياباً) حول عددٍ محدودٍ من المكاتب والمسؤولين، وأنَّ المهام التي يجب إنجازها محدودة ومتكررة، ممّا يُولّد لديهم الشعور بأنَّه ليس هناك وقت للإبداع، فيعملون باستهتارٍ وملل، حالمين بعطلة نهاية أسبوعٍ سعيدةٍ وممتعة. عموماً، إنَّ الإبداع في العمل نوعٌ من أنواع المخاطرة، وخوضٌ لتجارب غير معلومة النتائج، ممّا قد يجعل البعض يتردّد في المُضي فيها، خاصةً إذا كان ذلك يعني أنَّهم قد يفشلون في تحقيق المراد، فالخوف من المجهول غريزةٌ فينا جميعاً.

إنَّ تطبيق التفكير الإبداعي في حياتنا العمليّة اليوميّة سيمكننا من تحقيق نتائج أكثر فائدة، فالإبداع في مكان العمل للجميع، بغضِّ النظر عن موقعهم في المؤسسة.

الفوائد الرئيسة لتعزيز الإبداع في مكان العمل:

تتمثل هذه الفوائد فيما يلي:

  • الإبداع يبني عملاً جماعيّاً أفضل: يدفع الإبداع الموظفين إلى العمل مع بعضهم بعضاً، حيث تشّجع العمليّة الإبداعيّة على التعاون. تحتاج الشركات إلى تشجيع عقليّة التعلم المستمر؛ وذلك لتّحفيز الموظفين على البحث عن معلوماتٍ جديدةٍ، ومعرفة طرائق جديدة للقيام بالأشياء؛ فالعديد من الأفكار الفريدة تأتي من شخصٍ واحدٍ فقط، ولكنَّها تُصقَل من قبل فريقٍ لتصبح متكاملةً وقابلةً للتّطبيق.
  • الإبداع يزيد قدرة المؤسسة على الاحتفاظ بالمواهب: عندما يُشجَّع الإبداع في مواقع العمل، يكون الموظفون أكثر رضاً عن وظائفهم، ويلتزمون بالبقاء مخلصين للشركة وبالعمل على نجاحها. فهو يُشعرهم بالانتماء والثقّة بقياداتهم، ويدفعهم إلى مزيدٍ من الإبداع والتّمكين.
  • الإبداع يزيد من حلّ المشكلات: مع القدرة على التفكير خارج الصندوق بشكلٍ خلّاقٍ، فمن المرّجح أن يتوصل الموظفون إلى حلولٍ فريدةٍ ومبتكرةٍ للعقبات التي يواجهونها. يمكن أن يؤدي هذا التوق إلى حلّ المشاكل إلى طرائق جديدةٍ لإنجاز المهام، ويجعل إدارة الأعمال أكثر كفاءةً.

6 ممارساتٌ لتعزيز التفكير الإبداعي في المؤسسات:

يتساءل الكثير من القادة الشغوفين بالإبداع عن كيفيّة تعزيزه في بيئة عملٍ تواجه تحدياتٍ مثل: ازدحام المهام والمسؤوليات، ومحدوديّة الوقت والموارد. ويبحثون عن إجابةٍ للسؤال: كيف يمكن للقائد أن يهيئ مناخاً يُفضِي إلى التفكير الإبداعيّ وحلّ المشكلات؟

لأكثر من عقدين، بحثت تيريزا أمابيل (Teresa M. Amabile) ورفاقها في العلاقة بين بيئة العمل والإبداع، وحدّدت ست ممارساتٍ للقيادة والإدارة تعزز الإبداع في مكان العمل تتوافق مع ملاحظات العديد من الباحثين الآخرين ومستشاري الإبداع. هذه الممارسات الست هي:

1. التحدّي الفكري:

زوِّد الأشخاص بالخبرات الصحيحة لحلِّ المشكلات، أي بالتجارب والخبرات التي توّسع مداركهم الفكريّة فيما يُطلَق عليه “التحدي الفكري”، هذا سيعّزز الإبداع؛ لأنَّه يدعم الخبرة والتّحفيز الداخلي. لكن، مقدار ومدى هذا التحدي أمران بالغا الأهميّة؛ إذ أنَّ القليل منه يؤدي إلى الملل، أمّا الكثير فيؤدي إلى الشعور بالإرهاق.

2. حريّة اختيار الوسائل والتكتيكات:

يميل الموظفون إلى أن يكونوا أكثر إبداعاً عندما يُمنَحُون حرية اختيار الطريقة الأفضل لتحقيق هدفٍ معيّن. بمعنى آخر، يمكن للقادة تحديد الأهداف، ولكن يجب أن يعود الأمر لأعضاء الفريق لتحديد كيفيّة تحقيقها. استقرار الأهداف ووضوحها مهمٌّ أيضاً؛ لأنَّه من الصعب العمل بشكلٍ خلّاقٍ على هدفٍ متغّيرٍ ويخضع للظروف أو الأمزجة.

3. توفير الموارد المناسبة للإبداع:

الوقت والمال موردان هامّان لتعزيز بيئة الإبداع. يُعدُّ تحديد مقدار الوقت والمال الذي يجب منحه لفريقٍ أو مشروعٍ أمراً صعباً؛ والحكم بالنجاح أو الفشل بناءً عليه يصبح أكثر صعوبة. فقد تكون الموارد داعمةً أو معيقةً للإبداع. في بعض الظروف، يؤدي تحديد موعدٍ نهائيٍ إلى إثارة التّفكير الإبداعي؛ لأنّه يمثل تحدياً إيجابيّاً، لكن يجب الانتباه إلى أنَّ المواعيد النهائيّة الوهميّة، سواءً كانت قريبةً جداً أو غير واقعيةٍ أو غير محدّدةٍ بشكلٍ معقول، يمكن أن تخلق عدم الثقة وتبعث على الإرهاق. ولكي تكون مبدعاً؛ تحتاج المجموعات أيضاً إلى التمويل الكافي، ولكن تجدر الإشارة إلى أنَّه يمكن تحقيق بعض الأنشطة الإبداعيّة بتكلفةٍ قليلةٍ، أو بدون تكلفةٍ مع عدد قليل جداً من الإمدادات، اعتماداً على الأنشطة المختارة وبيئة العمل.

4. اختيار فرق عمل فعّالة:

من المرّجح أن تكون مجموعات العمل مبدعةً عندما تجد الدعم المناسب في ذاتها، وعندما تملك تنوعاً في الخلفيّات ووجهات النّظر. عندها يحدث التلاقح المتبادل للأفكار، وتتضافر وجهات النظر المختلفة؛ لتحقّق حلولاً مبتكرةً للمشاكل. قد يقلّ الجدال والنقاش في الفرق المتجانسة ولكنها غالباً ما تكون أقل إبداعاً. تساهم الخبرة والحدس والمهارات اللطيفة في الحصول على مزيجٍ من المهارات المتكاملة بين أعضاء الفريق (انظر تفصيله في نظرية بلبين لفرق العمل).

5. الإشراف الإيجابي المستمر:

الخطوة الأكثر تأثيراً والتي يمكن أن يتّخذها القائد لإيجاد حلٍّ مبتكرٍ للمشكلات هي توفير وتطوير بيئة عملٍ آمنةٍ تُشجّع الموظفين على التفكير بحريّة. وهذا يشمل تحدي الافتراضات والمسلّمات من قبل الموظفين والحقّ في الاختلاف مع القائد. إذا لم يشعر الناس بالأمان، فسوف يقومون بتبنٍّ غير مدروسٍ أو غير واعٍ لأفكار قادتهم، بغضّ النظر عن صحتها من عدمها. أضف إلى ذلك؛ إنَّ الثناء الحسن على العمل الإبداعي، وإظهار التقدير العلنيّ له؛ أمران هامّان يشكلان دافعين قويّين جداً للكثيرين على الاستمراريّة والمحافظة على شعلة الإبداع. يجب أن يشعر الموظفون بأنَّ عملهم مهمٌّ للمنظّمة؛ لذا فإنّ واحداً من أهمّ أدوار القائد أن يبعث رسائل توكيديّة وتشجيعيّة تدعم التفكير الإبداعي. ناهيك عن الممارسة المسؤولة في تقييم الأفكار الإبداعية بسرعةٍ، بدلاً من إخضاعها إلى عمليّة مراجعةٍ بطيئةٍ للغاية.

6. الدّعم المؤسسي:

من أجل تعزيز الإبداع على نطاقٍ واسع، يجب أن يُدعَم الإبداع من قبل المؤسسة بأكملها ومن المسؤول المباشر عن الإبداع في المؤسسات. يجب على القادة تشجيع تبادل المعلومات والتعاون، مما يؤدي إلى تطوير الخبرة اللازمة للإبداع والمزيد من الفرص للدوافع الذاتيّة. ينبغي على القادة أيضاً مساعدة المبدعين والمبتكرين في تنفيذ أفكارهم ومشاريعهم، بدلاً من خوض معارك سياسيّةٍ وبذل جهودٍ مضنية في دهاليز السياسة المفرطة. تذكّر أيُّها القائد أنَّه في بيئة عملٍ تغلب عليها السياسة، قد يتردّد المبدع في تقديم اقتراحاتٍ أو مبادراتٍ خشيةً من تعارضها مع خطٍّ سياسيٍّ معيّنٍ في المؤسسة.

بالإضافة إلى البحث القيّم الذي قامت به “تيريزا أمابيل” وقدّمت توصياتها من خلاله؛ فإنَّه يمكننا أن نقدّم مجموعةً من النصائح لتعزيز التّفكير الإبداعي على المستوى الفردي، وعلى مستوى المنظمة. ومن هذه النصائح:

  • تشجيع عقليّة التعلّم المستمر: إذا لم تُعِدْ ملء خزّان الأفكار باستمرار، فسوف يجفُّ يوماً ما. شجّع الموظفين على البحث عن معلوماتٍ جديدةٍ، ومعرفةٍ جديدةٍ، وطرقٍ جديدة للقيام بالأشياء باستمرار. ادعم أعضاء الفريق وحفِّزهم على حضور المؤتمرات أو الفعاليات المتخصّصة في مجال عملهم. شجّع العادات الإيجابية والفعّالة في مكان العمل، مثل: تسجيل الملاحظات، والاستماع، والقراءة، وتدوين الأفكار.
  • البحث عن خياراتٍ متعددة: لا ترضَ بحلٍّ واحدٍ. بمجرد أن يكون لدى الفريق فكرةٌ جيدة، شجعهم على البحث عن أخرى، ثمَّ أخرى. امنح نفسك والفريق الفرصة لاختيار الأفضل من بين عدّة خيارات.
  • تأخير إصدار الحكم: اتركِ الباب مفتوحاً لتشجيع الأفكار الجديدة، أجِّل تقييم الأفكار في لحظتها، واسمح للعصف الذهني الرائع أن يتيح للأفكار الخلّاقة أن تتدفق.
  • الطاقات الخاملة: توفير الفرص للموظفين الذين لا يتفاعلون عادةً مع بعضهم بعضاً في أثناء الاجتماعات، بسببٍ أو بآخر، وذلك من خلال وسائل غير مباشرةٍ، مثل: البريد الإلكتروني، أو صندوق الاقتراحات، أو وسائل التواصل الاجتماعي. ادعُ الأشخاص من الأقسام أو المناطق الأخرى إلى جلسات العصف الذهني، وضَعْهم في مكانك واسألهم كيف سيحلّون مشاكلك إن كانوا المسؤولين.
  • امنح العقول فترات راحة: يستخدم دماغ الإنسان طاقةً أكثر من أيِّ جزءٍ آخر من الجسم، وبالتالي يحتاج إلى تجديدٍ مستمر. الراحة هي أحد المكونات الرئيسة لزيادة الطاقة الشخصية والإنتاجية والتفكير الإبداعي. كثيرٌ من الناس لا يستفيدون من فترات الراحة الأسبوعية أو السنوية بشكلٍ جيد. وبذلك، لا يعطون عقولهم استراحةً حقيقيّةً من ضغوط اليوم. شجع الموظفين على استخدام وقت الراحة اليومية للتجول في المبنى، أو الجلوس في الخارج، أو الدردشة مع الزملاء حول مواضيع غير متعلّقةٍ بالعمل.
  • انشر المرح والفكاهة: تشير الأبحاث إلى أنَّ البيئة الجماعيّة الأكثر فعاليةً للإبداع هي تلك التي يوجد فيها المرح والفكاهة والعفويّة. ومع ذلك، فإنَّ خلق مثل هذا المناخ في مكان العمل ليس بالأمر السهل. ولكن، يمكن للقادة دعم ذلك من خلال تعزيز جوٍّ متسامحٍ تكون فيه الفرديّة، والفكاهة المقبولة، والاحترام المتبادل، والثقة، والالتزام، هي القاعدة.

الأفكار التي لا تُنفَّذ، ببساطةٍ تموت:

وأخيراً، تقول أستاذة كليّة إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، “تيريزا أمابيل”: “إنَّ المرحلة الأخيرة من الحصول على الإبداع في العمل هي تحديد كيفيّة وضع الفكرة موضع التّنفيذ”.

الإجماع العام في البحث هو أنَّه كلَّما انخرط الشخص في التفكير الإبداعي، أصبح أفضل؛ بحيث تُنتِج الفكرة الواحدة مزيداً من الأفكار. وإنَّ الإلهام ليس سوى جزءٍ صغيرٍ من التفكير الإبداعي. في حين أنَّ الالتزام، والتطبيق، ووضع الأفكار موضع التنفيذ؛ من أسرار نجاح الإبداع في المؤسسات.

بمجرد أن تعرف أنت وفريقك الفكرة التي ترغب في العمل عليها، كن مستعداً للعمل، والعمل عليها أكثر؛ لتحسينها. بالإضافة إلى ذلك، لكي تكون الفكرة الإبداعية جديرةً بالاهتمام وفعّالة، يجب أن تكون مناسبةً ومفيدةً وقابلةً للتّنفيذ. يجب أن تؤّثر بطريقةٍ ما، أو تُحسّن طريقة إنجاز الأشياء في المنظمة.

في النهاية، يمكنك ابتكار فكرةٍ إبداعيّةٍ رائعة، ولكن إذا لم تفكّر في كيفيّة تنفيذها، فسوف تموت قبل أن ترى النور.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!