التينور الفرنسي فنسنت نيكلو: العودة إلى الأوبرا ورونق الصوت الأساسي

يمتلك المغني الفرنسي فنسنت نيكلو صوت تينور 4 أوكتاف، وقد أطلق على ألبومه الجديد الصادر مؤخراً عنوان «تينور» ليعلن عن عودته إلى الأوبرا ورونق صوته الأساسي، بعد خمس سنوات من الابتعاد عن الغناء الأوبرالي، وتلبية الرغبة في التجديد والتجريب، وخوض المغامرات الفنية التي لا تكون موفقة في بعض الأحيان، ويبدو أنه يفعل ذلك لثقته التامة […]

Share your love

التينور الفرنسي فنسنت نيكلو: العودة إلى الأوبرا ورونق الصوت الأساسي

[wpcc-script type=”1775bed872fe8ccca9df8420-text/javascript”]

يمتلك المغني الفرنسي فنسنت نيكلو صوت تينور 4 أوكتاف، وقد أطلق على ألبومه الجديد الصادر مؤخراً عنوان «تينور» ليعلن عن عودته إلى الأوبرا ورونق صوته الأساسي، بعد خمس سنوات من الابتعاد عن الغناء الأوبرالي، وتلبية الرغبة في التجديد والتجريب، وخوض المغامرات الفنية التي لا تكون موفقة في بعض الأحيان، ويبدو أنه يفعل ذلك لثقته التامة في صوته، الذي يستطيع العودة إليه في أي وقت، وفي جمهوره الذي يسعد دائماً بعودته إلى كيانه الأوبرالي، فينطلق بحرية تامة نحو إنكلترا على سبيل المثال، ليصدر ألبوماً كاملاً باللغة الإنكليزية، ويحاول جاهداً التخلص من اللكنة الفرنسية، التي يبدو أن لديها مشكلة كبرى مع اللغة الإنكليزية تحديداً، فلا يظهر لها أي أثر عندما يغني جيداً باللغة الإسبانية، أو عندما يغني باللغة الإيطالية بمهارة تثير إعجاب الإيطاليين أنفسهم، وهذا يرجع إلى نشأته الأوبرالية بطبيعة الحال.
لكنه عندما يغني باللغة الإنكليزية، ومهما اجتهد فوق طاقته، تنتصر اللكنة الفرنسية في النهاية، وبالإضافة إلى هذا التجريب اللغوي، يتجه كذلك نحو التجريب الموسيقي، فتجذبه موسيقى البوب تارة، وتارة أخرى تجذبه موسيقى وإيقاعات أمريكا اللاتينية، وعندما يحب أن يثبت موهبته في الرقص، يذهب إلى المسرح الغنائي ليرقص ويغني ويمثل، بينما يجسد شخصيات مثل ريت بتلر في ذهب مع الريح، أو «غي» في مظلات شيربورغ تحفة الموسيقي الفرنسي ميشيل لوغران الرومانسية.
يعود فنسنت نيكلو إذن في ألبومه الجديد مفاخراً بصوته الأنيق على أبهى حال، والمعروف أن صوت التينور هو أجمل وأقوى الأصوات لدى الذكور من المغنين، ويجسد الجمال الرجولي والبطولة، فكم من أوبرات كتبت لصوت التينور بالأساس، لأنه عادة ما يكون البطل ومركز الدراما، ولا شك في أن صوت التينور هبة طبيعية، لكنه يصقل وتعاد صناعته بالجهد المستمر بدون توقف، والتدرب الشاق اللانهائي، فالتينور هو أقرب ما يكون إلى الرياضي المحترف، لذا نجد دائماً أن أصحاب هذا الصوت على درجة كبيرة من الجدية والصرامة والالتزام.
ويعد فنسنت نيكلو مثالاً جيداً لبذل الجهد وصناعة الصوت وتطويره، فعندما نستمع إليه في بداياته وهو يغني «توري أدور» من أوبرا كارمن، ثم نستمع إليه وهو يغنيها بعد ذلك بأكثر من عشر سنوات، يظهر لنا مدى التطور الهائل في قوة الصوت والتكنيك والإحساس والأداء، أما في ألبومه الجديد فهو يخوض التحديات الصوتية الأصعب، حيث نستمع إلى مجموعة رفيعة المستوى من الأغنيات والآريات المختارة من أشهر الأوبرات العالمية، حيث فخامة الموسيقى والدراما والعزف الرائع لأوركسترا لندن السيمفونية، التي قامت بتنفيذ هذا الألبوم، كما نستمع إلى بعض القطع الموسيقية الكلاسيكية الشهيرة، وقد أضاف إليها الكلمات وغنى على أنغامها، مثل بوليرو لرافيل، وبريليود لشوبان، التي كتب فنسنت نيكلو كلماتها بنفسه، وهو قليل الكتابة جداً، وربما لم يكتب من قبل سوى كلمات أغنية «ديفينو» باللغة الفرنسية.

يغني فنسنت نيكلو هذه الآريا بأسلوب قوي هو أقرب إلى أداء التينور الإيطالي «فرانكو كوريللي» في الخمسينيات، وهو أسلوب جميل بكل تأكيد، وسيكون رائعاً بالنسبة لمن لم يستمع إلى هذه الآريا بصوت التينور الألماني يوناس كاوفمان

وما أجمل أن نستمع إلى صوته بمصاحبة موسيقى فيردي وبوتشيني، وهو يغني ما اختاره من أجمل أوبراتهما، فمن أوبرا ريغوليتو لفيردي يغني الآريا الشهيرة «لا دونا إي موبيليه»، وتذكرنا بآريا أخرى لفيردي أيضاً هي «ليبيامو» من أوبرا لاترافياتا، التي اشتهر فنسنت نيكلو بأدائها من قبل، ويتألق صوته دائماً مع هذه الآريات التي كتبها فيردي لصوت التينور الشاعري، وهي إيقاعية سريعة إلى حد ما، ومرحة بميلوديتها وحيوية كورالها، وهي كذلك آريات ماكرة بعض الشيء، حيث ينشغل المستمع مع ألحانها التي تبدو خفيفة سهلة، بينما هي على درجة كبيرة من الصعوبة في الغناء، وتمتلئ بالنوتات العالية، وما أجمل تكسر صوت فنسنت نيكلو على إيقاعات فيردي، فإن هذه الوقفات والقفلات الغنائية التي تزيد من حدة الإحساس بالإيقاع ليست سهلة على الإطلاق، كما يغني Va pensiero من أوبرا «نبوكو» لفيردي أيضاً، ولا يخلو الألبوم من الدويتو الغنائي مع أسماء مثل نانا موسكوري وسارة برايتمان والتينور الإسباني بلاسيدو دومينغو. أما أثمن القطع الفنية في هذا الألبوم، فهي للموسيقي الإيطالي العظيم بوتشيني، صاحب الأوبرات المعجزة بتعبيريتها الموسيقية والغنائية والدرامية، ومبدع أوبرا «توسكا» التي نتفق مع من يراها الأوبرا الأعظم في العالم، ومنها اختار فنسنت نيكلو أجمل وأشهر آرياتها E lucevan le stelle التي يغنيها بطل الأوبرا كافارادوسي السجين في محبسه قبل إعدامه، وفيها يمتزج سحر الموسيقى بقوة التأثير الدرامي والنوتات الغنائية الشاعرية لصوت التينور، لا يبكي البطل شيئاً في هذه الحياة سوى الحب، لأن الحياة لم تكن سوى الحب الذي عاشه، لذا يبكي ضياع الحب إلى الأبد، ويتذكر حبيبته توسكا، عطرها وخطواتها التي تنتهي إلى أحضانه وقبلاتها الرقيقة، يبكي ضياع هذه اللحظات التي لن يعيشها مرة أخرى، ويبلغ التأثير ذروته عندما يغني وقد بدأ الموت يلامس روحه ويردد: «وأنا لم أحب الحياة هكذا من قبل».
يغني فنسنت نيكلو هذه الآريا بأسلوب قوي هو أقرب إلى أداء التينور الإيطالي «فرانكو كوريللي» في الخمسينيات، وهو أسلوب جميل بكل تأكيد، وسيكون رائعاً بالنسبة لمن لم يستمع إلى هذه الآريا بصوت التينور الألماني يوناس كاوفمان، الذي يعد بلا شك التينور الأول في العالم بلا منازع حالياً، أما من اعتاد الاستماع إليها بصوته، فإنه لن يحب كثيراً أداء فنسنت نيكلو، وسيرى أن تلك القوة التي يغني بها، لا تتناسب مع حال البطل المهزوم المعذب المدمى قلباً وجسداً، وأن الأدق تعبيراً عن المشاعر هو غناء يوناس كاوفمان بصوت هادئ يكاد يكون مطلولاً متهدماً، يناسب الإحساس بالموت والهزيمة، ما جعل هذه الآريا مرتبطة به، وكأنها كتبت من أجله، وهو عندما يغنيها على المسرح، يصفق له الجمهور لوقت يتجاوز أضعاف الوقت الذي يستغرقه في غنائها، لأنه يُجن بعد سماع هذا الغناء المذهل، ولا يستطيع أحد السيطرة عليه، ولا يكف عن التصفيق إلا بعد أن يوافق المايسترو على إعادة غنائها من جديد، ونحن لا نرى أنه أفضل من يغنيها وحسب، بل إننا نؤمن تماماً بأن يوناس كاوفمان هو كافارادوسي الحقيقي.

٭ كاتبة مصرية

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!