يعد الرهاب نوعاً من أنواع الأمراض النفسية والاضطرابات المرتبطة بالقلق، والتي تتسبب بمعاناة، وخوف مفرط غير عقلاني لمريض الرهاب، وكذلك ذعر من خوض أية تجارب تجاه موقف، أو مكان، أو كائن، أو شيء ما، والذي من المستبعد تماماً أن يحدث أي ضرر. غالباً ما يبدأ الرهاب من الطفولة أو سنوات المراهقة، فنادراً ما تظهر حالات الرهاب بعد عمر الثلاثين.

يتشعب الرهاب (بالإنجليزية: Phobia)، ويتنوع كثيراً، حتى أنه قد يشمل كل شئ في الحياة، وقد صنفه العلماء بعدة طرق مختلفة، من أحد أنواع الرهاب ما يسمى بالرهاب المتخصص، أي الخوف والرهبة من شئ واحد بعينه والذي يندرج تحته رهاب المجتمع (بالإنجليزية: Social Phobia) أو (بالإنجليزية: SAD or Social Anxiety Disorder). تُعزى معظم حالات الرهاب إلى التعرض لموقف موتر، أو تجربة مخيفة، أو التأثر بأحد أفراد العائلة ممن قد عانى من الرهاب، وتعاني النساء من الرهاب بشكل عام بصورة أكبر من الرجال. يعتبر الرهاب الاجتماعي من أشهر أنواع الرهاب، وينتشر عند الإناث ضعف نسبته عند الذكور. يظهر هذا الاضطراب بالقلق والخوف المرضي من مواقف اجتماعية يواجه فيها الفرد أناساً معروفين لديه، أو أن يكون محط أنظار وتركيز الآخرين، ويشعر بأنه ضمن دائرة ضوء، وكأن الكل ينظر إليه. 

 يسبب اضطراب الرهاب الاجتماعي قلقاً شديداً وارتباكاً في المواقف الاجتماعية ويعاني المصابون به بما يلي:

  • يختبر المريض خوفاً شديداً مزمناً من أن ينظر الآخرون إليهم وأن يطلقوا عليهم أحكاماً وتقييمات سلبية.
  • يذعر المرضى من أن تسبب أعمالهم وتصرفاتهم إحراجاً لهم.
  • يمكن لهذا الخوف أن يكون شديداً لدرجة أنه يتدخل في الأداء المهني، أو الدراسي، أو الأنشطة الاعتيادية الأخرى للمصاب به.

على الرغم من أن كثيراً من المصابين بالرهاب الاجتماعي يشعرون بأن خوفهم المرافق لاجتماعهم بالآخرين، هو خوف مبالغ فيه وغير منطقي، إلا أنهم لا يستطيعون التغلب على هذا الخوف، وغالباً ما يقلقون لأيام أو أسابيع قبل حدوث الموقف المحرج.

اقرأ أيضاً: أسباب، أعراض وعلاج اضطراب القلق والاكتئاب المختلط

انواع الرهاب الاجتماعي

يمكن للرهاب الاجتماعي أن يكون محدوداً بنوع واحد من المواقف مثل الخوف الشديد من الحديث أمام الآخرين، أو تناول الطعام أو الشراب، أو الكتابة أمام الآخرين. وفي الحالات الشديدة يكون الخوف عاماً، حيث يعاني المريض من أعراض الخوف والقلق في كل الأوقات التي يكون فيها مع الآخرين.

آثار الرهاب الاجتماعي

استثارة قوية للجهاز العصبي اللا إرادي، حيث يتم إفراز هرمون ” الأدرينالين ” بكميات كبيرة تفوق المعتاد، ما يؤدي إلى ظهور الأعراض البدنية على الإنسان الخجول في المواقف العصبية، كالتلعثم في الكلام وجفاف الريق، وتسارع نبضات القلب واضطراب التنفس، وارتجاف الأطراف وشد العضلات، وتشتت الأفكار وضعف التركيز، وهذا ما يصعب الأمر عليه ويزيد من احتمال فشله.

تصنيف الرهاب الاجتماعي

يصنف الرهاب الاجتماعي ضمن أمراض أو اضطرابات القلق، التي هي عبارة عن زيادة في معدل القلق لحد أعلى من الطبيعي. والقلق نوع من المشاعر الطبيعية، فبسبب أفكار معينة عنوانها الخوف، وعدم التأكد مما حصل أو سيحدث، يبدأ الجسم بالاستجابة لهذه الفكرة بافراز مادة “الادرينالين” وهي المادة المحفزة التي تجعل كل الجسم يستعد للدفاع عن نفسه أو الهروب من مكان الخطر.

للمزيد: رهاب المدرسة.. ظاهرة تقلق الأبوين

العوامل التي تؤدي إلى الرهاب الاجتماعي

تلعب ظروف النشأة دوراً في ظهور القلق عموماً، والرهاب الاجتماعي خصوصاً. فهناك أمور كثيرة تجعل الثقة بالنفس مهزوزة، ما يجعل الإنسان لا يجرؤ ولا يستطيع التعبير عن نفسه أمام الآخرين بسهولة، بسبب شكه في قدراته، أو بسبب قسوة من حوله، فيقلق ويتوتر إذا اضطر للتحدث أمام الناس أو مقابلتهم، فمن يعيش ظروفاً في طفولته وقد عُومل بقسوة وتحقير من رأيه بهذا الشكل، فإنه قد يصاب بالقلق أو الرهاب الاجتماعي تحديداً.

ويمكن للقلق يمكن أن يكون متوارثاً والدليل على هذا أنه ينتشر في عائلات معينة، وأن احتمالية انتقال إصابة أحد أقارب مريض الرهاب الاجتماعي قوية، فقد ظهر أن للوراثة دوراً في تشكل الرهاب الاجتماعي، حيث كشفت إحدى الدراسات أن التوائم الحقيقية، في حالة إصابة أحدهما برهاب المجتمع، فغالباً ما يوجد لدى الآخر، مما يدل على وجود عوامل وراثية كيميائية تساهم في ظهور هذا الاضطراب، وكذلك دلت دراسات على انتقاله من جيل لآخر ضمن العائلة.

للمزيد: ماذا تعرف عن القلق النفسي؟

أسباب الرهاب الاجتماعي

القلق الشديد في المواقف الاجتماعية، كما مرّ، اضطراب نفسي اجتماعي يعاني منه الكثير من أفراد المجتمعات الإنسانية، ومن أسبابه:

  • الوراثة، وفقدان المهارات الاجتماعية، والنظرة السلبية للنفس والذات. فتفاعل كل منا مع المجتمع ينبني على مجموعة تجاربه التي تولد عنده نمط تفكير معين، فمن يفشل مرة ويتأذى بسبب ذلك، قد يفشل المرة التالية ليس بسبب عدم قدرته لكن لأنه ترسخت عنده فكرة أنه سيفشل، فيفشل وكذلك من تعود على أن يقوم الآخرون بتخويفه وإهانته عند طلبه شيئا ما، فإنه عندما يعيش في مكان آخر تصاحبه هذه الفكرة فيخشى طلب شيء بسبب الفكرة التي ترسخت عنده أنه سيهان أو يخوف عندما يطلب شيئاً، وهكذا الرهاب الاجتماعي قد يكون استجابة لفكرة خاطئة أن من حول الفرد مخيف، أو أنه لن يقدر عليه أو أنه سيفشل فيقلق زيادة ويتحقق ما يتوقعه بسبب ذلك.
  • ما يراه الباحثون عموماً هو: “أن الإنسان يرث موروثا يجعل مستوى قلقه في الإطار الطبيعي، وهذا الطبع الموروث يزيد أو ينقص بحسب الظروف التي يمر بها الإنسان، فإن مر بتجارب صعبة متكررة وتعرض لنقد جارح، فإن الأفكار القلقة ترسخ عنده ويزداد معدل القلق ليصل إلى حالة مرضية تؤثر في أداء الإنسان وحياته، فيفشل في بعض الأمور المهمة بسبب تجنبه هذا القلق الناتج عند مواجهته للمجتمع وحاجته للتفاعل معه”.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن رهاب الطعام

  • تؤكد النظريات السلوكية على حدوث تعلم شرطي وارتباط سلبي بين تحقيق الفرد لشخصيته ووجوده مع الآخرين، وأن هذا التعلم حدث خلال بدايات الحياة في عمر 4-6 سنوات، وهو يؤدي إلى حساسية مرضية تتمثل في القلق والخوف من المواقف الاجتماعية الشبيهة لمواقف قديمة عانى الفرد منها.
  • تؤكد الدراسات على أهمية المهارات الاجتماعية وضعفها في حالات الرهاب الاجتماعي، ويؤدي نقص فرص التعبير عن الذات، ونقص التشجيع، وازدياد التنافس، والعدوانية إلى المساهمة في نشوء الرهاب الاجتماعي، وكل ما يساهم في تكوين صورة سلبية عن الذات، وعدم التعبير المناسب، والتشجيع يمكن أن يساهم في استمرار الرهاب الاجتماعي.

للمزيد: رهاب الهررة

أشهر المواقف التي يظهر فيها هذا الاضطراب

  • التقدم للإمامة في الصلاة الجهرية.
  • إلقاء كلمة أمام الطابور الصباحي في المدرسة.
  • التحدث أمام مجموعة من الناس لم يعتد الشخص عليهم.
  • المقابلة الشخصية.
  • الامتحانات الشفوية.
  • الحديث مع المسؤولين.
  • إلقاء نكتة.
  • إعادة بضاعة تم شراؤها.
  • الحديث مع الجنس الآخر.
  • الحديث على الهاتف أمام الآخر.
  • القيام بالواجبات الاجتماعية كتقديم الشاي والمشروبات أو مقابلة الضيوف، فمثلا عندما يقوم أحدهم بأخذ فنجان الشاي والقهوة لايستطيع أو قد تسقط منه، وقد تمتد هذه الحالة إلى تجنب المجتمعات عموماً والهروب خشية الإحراج.

للمزيد: الرهاب (الخوف) من طبيب الاسنان: الاسباب و الحلول

مضاعفات الرهاب الاجتماعي

يصاب الشخص بالرهاب الاجتماعي في الصغر، وتظهر نتائجه في المراهقة والشباب، فتظهر تأثيراته السلبية والمعاناة منه بالظهور بشكل واضح في أواخر المراهقة، وأول سنوات الشباب.

 نتائج الرهاب الاجتماعي

يؤدي الرهاب الاجتماعي إلى الآتي ذكره:

  • صعوبة التحدث مع الأشخاص الجدد والحرمان من التعرف عليهم.
  • صعوبة الإجادة في الكلام، بحيث لا يستطيع الفرد التعبير عن ملاحظاته وقيمه، وسوف يلاقي الشخص المصاب به صعوبة في مادة القراءة، وهذا يؤدي غالباً إلى ضعفه في اللغة.
  • تحول الشخصية إلى إنسان سلبي ومعرض عن المشاركة في المواقف والمناسبات الاجتماعية، ويمتنع من تطوير قدراته وتحسين مهاراته.
  • ضياع حقوقه دون أن يبدي رأيه، مما يؤدي به إلى مصاعب حياتية، وصراع نفسي داخلي، وإلى مضاعفات نفسية مثل الانطواء والاكتئاب.

اقرأ أيضاً: رهاب الانفصال عن الهاتف الذكي

علاج الرهاب الاجتماعي

مفتاح التغلب على الرهاب الاجتماعي هو تحدي الأفكار الخاطئة التي تسيطر على الذهن عند التعرض للمواقف الاجتماعية، فإذا تمكن الإنسان من تحدي تلك الأفكار والتغلب عليها فسوف تصبح الأمور أسهل، نذكر تالياً أهم خطوات العلاج:

  • تعلم المهارات التي تمنع من الوقوع في الحرج في المواقف الطارئة.
  • الاهتمام باللباس والمظهر يساعد على تعزيز الثقة بالنفس وبالقدرات.
  • التدرج في مقابلة الآخرين والتحدث أمامهم بصوت مرتفع، ويمكن أن يبدأ بمجموعة صغيرة ممن يعرفهم ويشجعونه، فيحضر كلمة قصيرة تحضيراً جيداً ويتدرب على إلقائها مسبقاً ثم يلقيها عليهم ويكرر ذلك.
  • يمكن الاستفادة من البرامج النفسية والسلوكية للتغلب على الخجل، وهي تجرى تحت إشراف مختص في هذا الأمر ولها نتائج باهرة.
  • تلعب المظاهر المختلفة مثل: التعزيز، والاطمئنان، والإدراك، والدوافع دوراً مهما في نمو الذات. ويتعلم الفرد تلك المظاهر خلال التنشئة الاجتماعية، عن طريق العائلة والأصدقاء والمعلمين ورجال الدين.
  • هناك جلسات علاج سلوكي ومعرفي تقوم على دعم الفرد وتعريضه لمواطن القلق مع مساندته حسب خطة مسبقة، وكذلك تقوم على مراقبة الأفكار السلبية ومحاولة تغييرها، وهذا المحور مهم جداً لتخفيف انتكاسات الحالة، لكن لا بد من أن يكون من يعالج بهذه الطريقة متدرب بشكل كاف. وهناك للأسف اختصاصيين نفسيين لا يعرفون كيف يقومون بهذه الجلسات العلاجية، ما يفقد الناس الثقة في هذا التخصص وفي العلاج النفسي عموماً.
  • العلاج الاجتماعي مهم لتخفيف الضغوط على الفرد وتصحيح ممارسة كثير من الأفراد الذين يعانون منه.

اقرأ أيضاً: رهاب العناكب

إن حالات القلق بطبيعتها حالات مزمنة تخف بشكل كبير نتيجة المعالجة، لكن قد تعود بسبب استقرار الضغوط النفسية، وهذا يتفاوت من فرد لفرد، لكن الانتكاس ليس معناه فشل العلاج، بل معناه أن شدة الرهاب عالية، وأن الفرد قد يحتاج لعلاج أقوى، أو علاج مستمر، أو علاج نفسي فعال ومركز وقد يحدث الانتكاس بسبب ارتباط الرهاب بأمراض أخرى فيرجع مع الاكتئاب مثلاً.

 العلاج الدوائي

  • مضادات السيتينين الحديثة، فهي العلاج الأساسي للرهاب الاجتماعي.
  • المهدئات من نوع بنزوديازيبين، ويمكن إعطاؤها قبل المواقف المزعجة بساعة.
  • أدوية هي علاج لا مهدئ، ولا تبدأ في إحداث أثر إلا بعد أسابيع وهذه لابد من استعمالها تحت إشراف طبي سواء من طبيب نفسي أو طبيب العائلة.
  • أدوية مهدئة سريعة للقلق، ولكن استعمالها محدود ومؤقت، وتفيد وقت الأزمات للتغلب على القلق.
  • أدوية تخفض الأعراض العضوية للقلق، ولا تخفف القلق ذاته وهذه الأدوية تمنع الارتعاشة، وجفاف الريق، وزيادة النبضات، ما يعطي الفرد قدرة أكثر على مقاومة القلق نفسه لقلة الأعراض العضوية.

للمزيد: رهاب المرأة من الجنس: أسبابه وعلاجه

نماذج من معاناة مرضى الرهاب الاجتماعي يرويها أصحابها

  • “رفضت الترقية مرات عدة لأنني سأضطر إلى قيادة الناس وتوجيههم، وهو ما لا أستطيعه”.
  • “إن وقوفي في طابور المحاسب في الأسواق العامة سبب لي كثيراً من المتاعب، وكلما اقتربت من نهاية الطابور، كلما ازددت رعشة وتعرقاً، وفي النهاية قررت عدم الذهاب للأسواق”.
  • “أحس حينما أكون محط انظار الآخرين وكأنني اقف على اسفنج”.
  • “أحس عندما أتحدث أمام الآخرين بأنني سأخلط الكلام ببعضه”.

اقرأ أيضاً: كيف تتخلص من رهاب الخلاء (رهاب الأماكن المفتوحة)؟

  • “أتمنى أن تبتلعني الأرض ولا أضطر إلى أن أتحدث أمام جمع من الناس ولو كان عددهم لا يتجاوز العشرة أشخاص”.
  • “أحس بأنني سأتلعثم حينما يسألني الأستاذ في الفصل رغم أنني أعرف الاجابة، بل أحفظها عن ظهر قلب”.
  • “أشعر أن وجهي تغيرت ملامحه حينما ينظر إليّ الأستاذ”.
  • “لاحظت أنني لا أستطيع إمامة الناس في الآونة الاخيرة، حينما تفوتني الصلاة مع الجماعة”.