الروائي الفلسطيني ربعي المدهون: العمل الجيد يتحدد بقيمته الأدبية والفنية وليس بزمن إنتاجه

عاش الروائي والصحافي الفلسطيني ربعي المدهون تجربة الشتات والهجرة، بكل معانيها، في بيئات ثقافية متنوعة بين الشرق والغرب. يكتب المدهون انطلاقا من أسئلة الواقع الفلسطيني. لهذا كان بين قلة من الروائيين العرب الذين نجحوا في فرض موضوع “النكبة الفلسطينية” على قدم المساواة مع “الهولوكست”. الأمر الذي مكّنه من تقديم قراءة أدبية مغايرة للصراع مع إسرائيل. […]

Share your love

الروائي الفلسطيني ربعي المدهون: العمل الجيد يتحدد بقيمته الأدبية والفنية وليس بزمن إنتاجه

[wpcc-script type=”479238a91c76a3fc718cd59e-text/javascript”]

عاش الروائي والصحافي الفلسطيني ربعي المدهون تجربة الشتات والهجرة، بكل معانيها، في بيئات ثقافية متنوعة بين الشرق والغرب. يكتب المدهون انطلاقا من أسئلة الواقع الفلسطيني. لهذا كان بين قلة من الروائيين العرب الذين نجحوا في فرض موضوع “النكبة الفلسطينية” على قدم المساواة مع “الهولوكست”. الأمر الذي مكّنه من تقديم  قراءة أدبية مغايرة للصراع مع إسرائيل.

من مؤلّفاته مجموعة قصصية بعنوان «أبله خان يونس» (1977) ورواية «السيدة من تل أبيب» (2009) التي بلغت القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (2010) وقد فازت النسخة الإنكليزية بجائزة بان البريطانية للكتب المترجمة. وكان أول فلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية سنة 2016 برواية «مصائر.. كونشرتو الهولوكوست والنكبة». عن البدايات والرؤية الأدبية والسياسية كان هذا الحوار..

■ تجربتك الأدبية بدأت بالقصة القصيرة، ولقبت آنذاك، بـ«الفلسطيني الواعد». لم تركت القصة القصيرة وغبت عن الكتابة حقبة من الزمن؟ ومتى وكيف بدأ مشوارك الروائي؟
□ لم أترك القصة القصيرة، لكّن إقامتي فيها كانت قصيرة مثلها، فلم أخرج منها إلّا بمجموعة يتيمة هي «أبله خان يونس» (1977). قيل وقتذاك: «ولد قاص فلسطيني واعد». صدّق القائلون أنفسهم، أما أنا، فخيبت أملهم حين لم أف بالوعد. أخذتني السياسة، والبحث الأكاديمي، والصحافة، والإعلام عموما، إلى عوالمها لما يزيد على ربع قرن. جرت محاولات بعد ذلك، انتهت بثلاث قصص قصيرة، لم تقنعني أي منها بأنني تجاوزت تلك المجموعة، أو تشجعني على العودة. لكن بلوغي سن الخمسين، أيقظ فيّ تجارب حياتية وحكايات تقف على حواف الأساطير. فكانت تجربتي مع «طعم الفراق» (2001) أول تماس لي مع عالم الرواية، باستعارة أشكالها وتقنيّاتها لكتابة سيرة. عدت بعدها بسنوات، لأقدم في «السيدة من تل أبيب» (2009) وجها آخر لبطل فلسطيني خارج النمط التقليدي. ثم تابعت مشروعي، وأنجزت في خمس سنوات أخرى، روايتي الأخيرة «مصائر» (2015).
■ بمن تأثرت في بداياتك الأدبيّة عربيا وعالميا؟
□ في بعض قصصي الأولى، يمكن أن تلمّس تأثيرات للقصة العراقية، على مستوى الشكل الفني، فقد أقمت في بغداد لمدة عامين، تعرّفت خلالهما على النتاج القصصي المميّز في العراق. في ما بعد، اقتربت أكثر من ملامح ما كان سائدا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي: قصص محمود شقير، ويحيى يخلف، وخليل السواحري، ومحمود الريماوي، ورشاد أبو شاور، من جيل سبقني. لكنّ أعمالي اللاحقة، «طعم الفراق، والسيدة من تل أبيب، ومصائر، وسوبر نميمة» التي جاءت بعد ربع قرن تقريبا، كانت محصّلة تلك التجربة، وتراكم تأثيرات قراءاتي من الأدب العالمي، بالإضافة إلى تجاربي الحياتيّة المتعدّدة، في مجالات البحث الأكاديمي والصحافة والتلفزة والموسيقى.
■ سنة 2016، فازت روايتك «مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة» بأكبر جائزة عربية. ماذا كان يعني لك الفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية؟
□ أن أكون أول فلسطيني يفوز بتلك الجائزة العربية المرموقة، يعني لي الكثير. أما على الصعيد العام، فيعدّ اعترافا بمكانة الرواية الفلسطينية وحضورها الفاعل على المستوى العربي. وسّع هذا علاقاتي بالأوساط الأدبية والثقافية، والقراء العرب أيضا، الذين أسّست معهم شبكة علاقات فرديّة ممتازة، وأخرى مع نوادي القراءة في عدد كبير من البلدان العربية، أعتز بها كثيرا.

كل ما طرحه الغرب من حلول حتى الآن، تبيّن، بعد تجربة كارثية مع اتفاقات أوسلو، أنه حروب سياسيّة ضد الفلسطينيين، الذين لم يحسنوا بدورهم إدارة معركتهم.

■ تتعرض لجان الجوائز الأدبية كل عام لانتقادات واتهامات بتحيز الحكام لأوطانهم، ما هو في رأيك أفضل الحلول لمسألة التحكيم؟ ألا يمكن حل هذه المسألة بمنع الحكام من تقييم أعمال مواطنيهم على منوال مسابقات أخرى عديدة؟
□ أستبعد مثل هذا «التحيّز» ومعه ما يشبهه من اتهامات أخرى تشخصن التحكيم ودور المحكّمين، من دون سند أو معطى حقيقي. ولا استبعد، بالمقابل، وجود ثغرات أو سلبيات لا تخلو منها جائزة في العالم. لكنّها تظلّ ثانويّة وجانبيّة قياسا بإيجابيات الجوائز كفعل تقدير لشخص أو لمنجز. الحكام «منّا وفينا» ويشبهوننا أيضا، ولن يأتوا من المرّيخ. ولا نملك سوى تغييرهم في كل دورة، وهم يتغيّرون. من المؤسف أن يرافق الجوائز، وخصوصا «البوكر العربية» كل عام، «حفل نميمة» علنية ودبكة ومزامير، نختصّ بها من بين شعوب الأرض قاطبة. مشكلتنا الحقيقية هي في القراءات الانطباعية والتخمينية للنتائج. وفي حفلات «القيل والقال» التي انتقلت من عتبات البيوت إلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. ثمّة من رشّحوا رواياتهم للبوكر العربية وكتموا سرّهم. وحين لم تظهر «المرشّحة» على القائمة الطويلة، ملأوا الدنيا صراخّا وأنكروا أنّهم رشّحوها. ثمّ أعلن بعضهم باستعلاء وفوقيّة، أنّه لا يكترث أصلا بالجوائز (هكذا ويا سبحان الله). وثمّة من وصلت رواياتهم إلى القائمة الطويلة، فامتدحوا الجائزة «العروس» وصار كل منهم أمّا لها، تغزّل بها وأشاد بنزاهة لجان تحكيمها. وحين لم تنتقل إلى القائمة القصيرة، لعن «سنسفيل» أهلها، وفجّر قنابل نمائم، وصلت شظايا آخرها إلى وسائل التواصل، خلال إجابتي عن هذه الأسئلة.
■ يتسابق أدباء كثيرون لنشر رواية كل سنة تشارك في معارض الكتب ومسابقات الجوائز. كيف تنظر إلى هذه الظاهرة؟ وهل تؤثّر سلبا في قيمة الأعمال الأدبية؟
□ دعهم يتسابقون. العمل الجيد يتحدد بقيمته الأدبية والفنية وليس بزمن إنتاجه. أنجز ديستويفسكي روايته «المقامر» في 26 يوما. وكتب أمبرتو إيكو روايته «بندول فوكو» في ثماني سنوات. ثمة من كتب عشر روايات لم يلتفت إليها أحد. وخلّدت «ذهب مع الريح» صاحبتها مارغريت ميتشيل. لا أجد ضررا في نشر كاتب رواية كل شهر، ولا في ظهور عشرة روائيين يوميا، ولا أجد معنى لما يوصف بسباق الجوائز. لماذا كل هذا الخوف والتوجّس؟ لماذا الانشغال إلى هذا الحدّ بالجوائز؟ الرواية الجيّدة تخلق حضورها وتطيل عمرها القرائي. والرواية الضعيفة لا عمر لها حتى لو احتفل صاحبها بعيد ميلادها كل أسبوع.
■ قضيت سنوات طويلة من حياتك في بريطانيا، هل كان لتلك البيئة الجديدة بأعراقها المتنوعة وثقافاتها المتعددة وأجوائها المناخية المختلفة أثر في نفسك وفي كتاباتك؟
ـ العيش في بريطانيا، وفّر لي مجالا واسعا للتفاعل مع محيط غنيّ بالصحافة والإعلام والمسرح والسينما والباليه والأوبرا والندوات واللقاءات، والحياة الأكثر انفتاحا على كل شيء، وعلى كل الناس أيضا. في لندن، كتبت أعمالي الأدبية كلها، وأولها «طعم الفراق» التي التقطتّ جملتها الافتتاحية، من صفير قطار في ريتشموند، لأروي حكاية فلسطيني ولد لاجئا قبل خمسين عاما، وجاء إلى لندن لاجئا أيضا بعدها. أنجزت تلك الأعمال، في فضاء خال من أي ضغوط سياسيّة أو أمنيّة أو اجتماعيّة أو شخصيّة، وخارج أي حسابات.
■ بحكم حياتك الطويلة في المملكة المتحدة وشخصيّتك المنفتحة على العالم، هل تؤيد الحلول الغربية الداعية إلى إقامة دولتين إسرائيل وفلسطين؟
□ كل ما طرحه الغرب من حلول حتى الآن، تبيّن، بعد تجربة كارثية مع اتفاقات أوسلو، أنه حروب سياسيّة ضد الفلسطينيين، الذين لم يحسنوا بدورهم إدارة معركتهم. وما جرى خلال العشرين عاما الماضية، قضى، عمليا، على مقوّمات حل الدولتين. أنا مع حل الدولة الواحدة التي يتعايش فيها الجميع بحقوق متساوية. يتطلّب هذا، تصفية المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين، واعتراف الإسرائيليين بمسؤوليتهم عن نكبة 1948 وتحمّل ما يترتّب عليها. مشوار معقّد وطويل، لكن حلا حقيقيا عادلا للصراع، ينتهي بمصالحة تاريخية، لن يتحقّق قبل ذلك.
■ ماذا عن مشاريعك المستقبلية؟
□ لديّ مخطوط يندرج في إطار مشروعي الروائي، ويستكمل ما بدأته في «السيدة من تل أبيب» و«مصائر». لكنّي لا أعرف أين سأنتهي به، أو أين سينتهي بي. أقرأ وأكتب، وأبحث عن جديد يكمل ما أنجزته ويضيف إليه.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!