الروائي القطري عبد العزيز آل محمود : أعمالي محاولة لاكتشاف المجهول من تاريخ الخليج العربي

يعتبر عبد العزيز آل محمود، أحد أبرز المثقفين القطريين ، وعلى الرغم من أنه عمل لسنوات في مجال تخصصه كمهندس عقيد في القوات الجوية القطرية، إلا أنه تقاعد ليجد نفسه لاجئا في الميدان الإعلامي، وناقدا في السلك السياسي، قبل أن يسكن إلى الكتابة الأدبية والتأليف. ترجمت روايته «القرصان» إلى الإنكليزية. أما روايته «الشراع المقدس» التي […]

Share your love

الروائي القطري عبد العزيز آل محمود : أعمالي محاولة لاكتشاف المجهول من تاريخ الخليج العربي

[wpcc-script type=”b0c91983d9dd71a6e2b32015-text/javascript”]

يعتبر عبد العزيز آل محمود، أحد أبرز المثقفين القطريين ، وعلى الرغم من أنه عمل لسنوات في مجال تخصصه كمهندس عقيد في القوات الجوية القطرية، إلا أنه تقاعد ليجد نفسه لاجئا في الميدان الإعلامي، وناقدا في السلك السياسي، قبل أن يسكن إلى الكتابة الأدبية والتأليف. ترجمت روايته «القرصان» إلى الإنكليزية. أما روايته «الشراع المقدس» التي تتحدث عن هجمات الأسطول البرتغالي على الخليج العربي، فقد ترجمت إلى اللغة البرتغالية. يقول آل محمود: «أنا لم أتخيل نفسي كاتبا روائيا أبدا، روايتي «القرصان» كانت من تجارب اكتشاف الذات، وحققت نجاحا لم أكن أتوقعه، وقد تُرجمت إلى عدة لغات، أما «الشراع المقدس» التي اتعبتني كتابتها، فقد جمعت فيها تاريخا مجهولا لمنطقتنا، تاريخا لا يعرفه الكثيرون، وأنا فخور جدا بهما». فكان هذا الحوار..

■ قرصان فارس أم عميل للمستعمر؟
□ أعتقد أن رواية القرصان حققت نجاحا كبيرا لأنها تحدثت عن منطقة مجهولة تاريخيا، فلم يكتب عن منطقة الخليج الكثير، خصوصا في مجال الأدب، هي منطقة ينظر إليها الناس على أنها منطقة حديثة خرجت مع النفط، وكأنها فطر بري خرج بعد هطول المطر، متناسين أن هذه المنطقة هي من أقدم الممرات البحرية التجارية، فقد كانت تربط بين آسيا وأوروبا، فهي أول ممر مائي متجه شمالا للسفن المقبلة من آسيا، ولو لم تكن مهمة لما استخدمها أسطول الإسكندر المقدوني للعودة إلى بابل بعد غزو الهند، ولما جاءها البرتغاليون واحتلوها لمدة قرنين من الزمن، ثم الهولنديون ومن بعدهم الإنكليز. ويرسّم الكاتب «القرصان» رواية تاريخية تجري أحداثها في بدايات القرن التاسع عشر، حين تتحول السيطرة البريطانية في الشرق إلى قوة عظمى تمد هيمنتها بقانون الدم والتسلط على الخليج العربي وإيران، بعد أن ضمنت شركة الهند الشرقية السيطرة على شبه القارة الهندية. وتدور الرواية حول شخصية القرصان محمد بن أرحمة، التي أثارت جدلا كبيرا في الخليج ولم يعرف عنها الكثير من المعلومات، فهناك من جعله قرصانا فارسا ومن عده عميلا للمستعمر، بينما اعتبره آخرون شخصية براغماتية.

النزعة البحرية التاريخية

روايته «الشراع المقدس» الصادرة عام 2014، رسمت أيضا خطوطا بحرية وتاريخية تدورأحداثها في القرن الخامس عشر، حين كان الأسطول البرتغالي يهاجم الخليج العربي، طمعا بإحكام السيطرة عليه. وعندما سألناه لماذا هذه «النزعة البحرية التاريخية» في رواياته؟ رد قائلاً:
ـ أقرأ هذه الأيام التاريخ البحري لمنطقة البحر الأبيض المتوسط وتاريخ الأندلس في نهاية القرن السادس عشر، وتاريخ منطقة الأناضول، وهي محاولة لاكتشاف التاريخ الغامض لمنطقتنا وصياغته في رواية جديدة، إن كان لي عمر. فاختياري لكتابة الرواية التاريخية، فرضته مسألة غياب تفاصيل كثيرة عن الحياة في الخليج لدرجة أن البعض، خاصة في الغرب، لا يتصور تاريخ المنطقة قبل النفط، مشيرا إلى أن البرتغاليين والهولنديين استقروا خلال تمددهم الإمبراطوري لفترات طويلة في المنطقة، لكن كتب التاريخ لا تتحدث عنها كثيرا.

التخييل لتجاوز صعوبات التاريخ

وتتميز روايات آل محمود بمزيح ساحر من الحقيقة والخيال، فهو يرى أن هامش التخييل في الرواية يخفف من حدة بعض الوقائع التاريخية، التي قد توقع الكاتب في إحراج سياسي، لكنه يشدد على ضرورة الحفاظ على الملامح الرئيسية للشخصيات التاريخية. ويضيف إنه استطاع بالتقنيات السردية أن يتجاوز كلفة هذا الإحراج، خاصة في رواية «الشراع المقدس» التي انبثقت فكرتها من مخطوط «التحفة النبهانية». وتعتبر «الشراع المقدس» رواية رومانسية تدور أحداثها حول مؤامرة تتعلق بامرأة شابة تقع في الحب مع زعيم قبيلة عربية. ويركز الكاتب فيها على قيم الإنصاف والحرية. ويؤكد على أن «الشراع المقدس ليس كتابا تاريخيا، ولكنه رواية اختلطت فيها الحقيقة بالخيال، ولكنه أيضا يلقي نوعا من الضوء على حقبة منسية من تاريخنا».
ويعترف الكاتب بصعوبة المهمة عندما يتعلق الأمر بالتاريخ والحقائق التاريخية، ويقول «عندما بدأت في كتابة «الشراع المقدّس» توقفت قليلا، فلم أكن أملك ما يكفي من المراجع التي تتحدث عن المنطقة في نهايات القرن الرابع عشر وبدايات القرن الخامس عشر، لولا أنني وجدت من بعض الأصدقاء مساندة وحصلت من مكتباتهم على بعض المراجع التاريخية التي كانت هي بداية الخيط، وفي سفرة إلى لندن، استطعت الحصول أيضا على بعض المراجع الغربية التي أفادتني كثيرا، فزاوجت بين تلك المراجع العربية والغربية حتى تشكلت لديّ معالم الرواية».

الرواية ليست خبرا، هي حالة تطبخ على نار هادئة حتى تنضج، تأخذ وقتها لتخرج لنا طيباتها، فمثلا قد نحتاج لسنوات أخرى حتى نرى تجارب الذين صنعوا الربيع العربي، وأولئك الذين عانوا من الثورات المضادة.

هذا تاريخنا وهكذا كنا

ولا يخفي الكاتب سعادته بهذه الرواية التي تُرجمت إلى اللغة الإنكليزية وأيضا إلى اللغة البرتغالية، فوضعت بين يدي أكثر من 200 مليون ممن يعدون اللغة البرتغالية لغتهم الأم، ويقول «الحقيقة أنا فخور وسعيد بترجمتها إلى اللغة البرتغالية، فكأننا نقول للناس هذه وجهة نظرنا وهذا تاريخنا وهكذا كنا، وأتمنى أن يحدث ذلك نوعا من الجدل في أوساط المثقفين الناطقين بالبرتغالية».
أما عن علاقة الكتابة الروائية بما جرى ويجري من أحداث الربيع العربي، وهل أن الإبداع الروائي قد وُفق في مرافقته أم لا؟ يقول آل محمود إن «الرواية ليست خبرا، هي حالة تطبخ على نار هادئة حتى تنضج، تأخذ وقتها لتخرج لنا طيباتها، فمثلا قد نحتاج لسنوات أخرى حتى نرى تجارب الذين صنعوا الربيع العربي، وأولئك الذين عانوا من الثورات المضادة، هي تجارب بشرية يجب أن يكتبها أصحابها، وحتى يقوموا بذلك يجب ان يخرجوا من المأساة، ويجدوا الأمان ثم يشرعوا في الكتابة، بلاد الشام، اليمن، ليبيا، مصر والسودان، كلها دول مازالت تمر بمرحلة المخاض، وقد نرى بدايات الكتابات قريبا بإذن الله».

ألم الكتابة

بجوار نشاطه الروائي يُعرف عبد العزيز آل محمود بنشاطه الإعلامي، كاتبا وناقد سياسيا ومسؤولا في العديد من المؤسسات الإعلامية في قطر. لكنه وفي أحد تغريداته على حسابه الرسمي في «تويتر» أعلن أنه توقفت عن الكتابة السياسية النقدية منذ فترة، لأنه وجد في ذلك راحة بال كان يفتقدها وهو يمضي وقته في الكتابة والنقد. فهل تسبب الكتابة كل هذا الألم؟ يقول بلهجة الواثق وروح الثورة على القائم «نعم، هي تسبب لي ألما، ومازالت، مع أني توقفت عن الكتابة الصحافية النقدية منذ سنوات، ولكني ما زلت أتألم لأن مواقف من انتقدت لم تتغير، وما زالت بعض الوجوه التي انتقدت أدائها منذ سنوات طويلة تنظر إليّ نظرات غير مريحة». ويضيف «هناك رأي قوي ولدى أصحابه حججهم في أن المرء يجب ان يسير مع التيار، حتى يستمتع بالحياة ويبتعد عن المشاكل التي قد تسبب له صداعا غير مرغوب فيه، والكتابة النقدية تسير بعكس هذا التيار، وبعد فترة من الزمن تجد أنك تعبت من السباحة عكس التيار، ثم تنظر حواليك فلا تجد أحدا، أنت هناك وحدك تتحمل ألم الخطيئة التي ارتكبتها بكتاباتك وهو شعور مؤلم وليس جميلا أبدا».

قاتل الله السياسة

«يهرب» كاتبنا إلى سكينة التأليف الروائي أحيانا، وإلى أدب الرحلات أحيانا أخرى، فلغته وأسلوبه في الكتابة عن سفرياته تكاد تذكرنا بكتابات ابن جبير الأندلسي وليون الأفريقي. يقول إن «الكتابة أنواع، والكتابة عن التجارب الشخصية ممتع للكاتب والقارئ، ولا يصنع عداوة كالكتابة النقدية، ولكن حتى تكون كاتبا في مجال الرحلات يجب أن تتمتع بخاصية النظر إلى التفاصيل ولا تتحدث عما يتحدث عنه الآخرون». ويضيف «عندما كنت أعمل في صحيفة «الشرق» القطرية ذهبت إلى بيروت لإنجاز بعض اللقاءات، وقبل موعدي مع إحدى الشخصيات التي وصلت إلى عنوانها مبكرا، فذهبت لاستكشاف المنطقة المحيطة، فوجدت إسكافيا في خريف العمر فسلمت عليه، وطلب مني أن يلمع حذائي، فبدأت أتحدث معه عن حياته، والكثير من الناس يحب أن يتحدث عن حياته، فهو يسرد لك تاريخه ومشاعره وإحباطاته ونجاحاته، فبدأ الرجل يتحدث عن نفسه وقريته وأبنائه ثم تطرق إلى السياسة التي يكره مزاوليها وقادتها. كتبت حينها ما قاله الرجل في مقال كان من أجمل المقالات التي كتبتها، ولكن قل لي، هل يستطيع الصحافي الذي يعمل في صحيفة سياسية يومية ان يتجاهل السياسة؟ إذا أردت أن تكتب شيئا عن سيرتك الذاتية، أو أدب الرحلات، فعليك أن تترك السياسة خلفك وتترك الصحافة خلفك وتسلك مسلكا مختلفا… قاتل الله السياسة، هي شيء لزج متحرك أشبه ما يكون بكتلة الزئبق التي يصعب مسكها والسيطرة عليها، والكتابة فيها ليست طويلة العمر، فإما أن تتغير السياسة أو تتغير أنت، وبالنسبة لي فقد آثرت أن أتغير بدلا من اللعب بتلك الكتلة الكريهة… الحياة في نظري أن تطرق أبوابا وتكتشف ما خلفها، وتكتشف أيضا الطاقات التي تملكها، فالإنسان عبارة عن كتلة من الطاقات التي تنتظر أن يكتشفها صاحبها، فقد يعيش الإنسان طوال حياته ولا يعلم إنه يستطيع أن يكتب شعرا أو يصنع شيئا، هو يحتاج لأن يتعلم ويجرب ويختبر نفسه، فقد يكتشف أن له مواهب أخرى لم يكن يعلم بها».

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!