الشاعر الفلسطيني قيس مصطفى .. هناك مَن ألفوا كتباً عن الحرب السورية قبل أن تبدأ وحصدوا جوائز

للشاعر الفلسطيني قيس مصطفى تجربته في كتابة النص الشعري، وقد أصدر حتى الآن ثلاثة دواوين شعرية، هي .. «أبحث عنكِ على google» 2008، «12» 2012، والأخير بعنوان «قصائد السنين الغفل وقصائد ألمانيا» الذي نشره هذا العام من منفاه الجديد بعد أن غادر سوريا في نهاية 2015 إلى ألمانيا. ومن خلال هذه القصائد نلمح طريقته الملتبسة […]

Share your love

الشاعر الفلسطيني قيس مصطفى .. هناك مَن ألفوا كتباً عن الحرب السورية قبل أن تبدأ وحصدوا جوائز

[wpcc-script type=”4fedb0edd118da7fbad92238-text/javascript”]

للشاعر الفلسطيني قيس مصطفى تجربته في كتابة النص الشعري، وقد أصدر حتى الآن ثلاثة دواوين شعرية، هي .. «أبحث عنكِ على google» 2008، «1212» 2012، والأخير بعنوان «قصائد السنين الغفل وقصائد ألمانيا» الذي نشره هذا العام من منفاه الجديد بعد أن غادر سوريا في نهاية 2015 إلى ألمانيا. ومن خلال هذه القصائد نلمح طريقته الملتبسة التي ترتقي إلى المعرفة والمغامرة والرؤية والحدس، عوضاً عن أن يكتب قصائد منتهية الصلاحية التي غالبا ما تكون مجرد أصداء باهتة لترجمات وشعراء يكتبون باللغة العربية متظاهرين باستعارة بلاغتها. فكان معه هذا الحوار ..

■ بداية .. ما هو الإشراق الشعري وكيف يأتي؟
□ إذا كان المقصود بالإشراق الشعري اللحظة التي تنبثق فيها القصيدة فهي بالنسبة لي تنتمي إلى ذلك الزمن الضائع في وسائط النقل والمقاهي. في وقت مضى كانت تأتي القصيدة في أماكن يملؤها الضجيج. لكن الأمر تغير كثيراً لاحقاً. أحتاج إلى كثير من الصمت من حولي. كنت أحتاج إلى ليال من الخمر والسهر كي أكتب. لكني أيضاً تخليت عن هذا. يمكن للشاعر أن يكتب دون أن يكون خاضعاً إلا لتلك القوى الخفية التي تدفعه للاستمرار في الكتابة. أما إذا كان الإشراق الشعري ماهيِّة. فأنا أجهل وصفها تماماً. أحياناً تكون هائجةً مثل عاصفة، وأحياناً راكدة مثل مستنقع. لكن أمواجاً كثيرة في الذاكرة. أمواج من الحرمان والشوق والجوع والخذلان تدفع القصيدة إلى الأمام.

■ ولماذا نشرت ديوانك الأول «أبحث عنك على google» ورقياً بينما نشرت ديوانيك « 1212» و»قصائد السنين الغُفل وقصائد ألمانيا» إلكترونياً؟
□ لكلِّ ديوان سيرة مختلفة عن الأخرى. الأصل أني أحبِّذ نشر الكتاب ورقياً. الكتاب الأول فاز بمسابقة شعرية أعلنت عنها احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية وقامت هذه الجهة بطباعته. الديوان الثاني تزامن مع بداية الثورة السورية، فقررت لحظتها أنه من غير اللائق الاهتمام بطباعة كتاب بينما يعمُّ الموت كلَّ مكان. ثم وجدت نفسي محاصراً لثلاث سنوات. وآخر ما يفكر به أحد في ذلك المكان أن يطبع كتاباً. لقد كانت أياماً للخوف ولترقُّب المصائر السُّود لي وللآخرين من حولي في مخيم للفلسطينيين على الأطراف البعيدة لدمشق. أما الديوان الثالث والذي نشرته مؤخراً، فلقد وجدت نفسي مجبراً على نشره بهذه الطريقة لأني لا أملك المال الكافي لطباعته. ثمة دائماً عزاءات! انظر إلى أولئك الشُّعراء الجاهليين العِظام الذين وصلنا شعرهم بلا أوراق. وتذكَّر معي الشاعر العراقي الرحل أدم حاتم الذي كان يرفض طباعة كتاب، وكان يقول: «قصائدي خيول برية ولن أضعها في إسطبل». هناك شعراء خالدون لم يصلنا عنهم إلا قصائد أو أبيات. دائماً هناك من يسعون إلى قراءة شعر حقيقي دون أن يُهمُّهم الطريقة التي يحصلون بها عليه.

■ في «قصائد السنين الغُفل وقصــــائد ألمانــيا» ألا يبدو الديوان وأنه قد كُتب على امتداد سنوات عديدة؟
□ صحيح. كُتبت نصوص الديوان في فترة تقارب الستة سنوات. في منتصف عام 2016 كنت أتحدث إلى الناقد الفلسطيني والصديق الراحل بشار ابراهيم عبر فيسبوك. وعندما وصل الحديث إلى الشعر قلت: إن لديَّ مسودة لديوان شعري، وأرسلتُ له نسخةً ليقرأها، وبدون علم مني أرسل الديوان إلى أحد الناشرين. وعندما تحدثت مع الناشر إياه كوني أبحث عن ناشر لكتابي بطبيعة الحال، فاجأني بأنه يمتلك نسخة منه. وقال وقتها: إن الكتاب صار بعهدة لجنة القراءة. أيام قليلة وراسلني الناشر ليقول إن لجنته قد وافقت بالإجماع على نشر الكتاب. بحسبة ما نام الكتاب أكثر من عام ونصف دون أن يفكر الناشر أن يقول حتى « لا أريد أن أنشر كتابك». عموماً لا أستطيع البدء بعمل جديد إن لم أتخلص مما لدي في الأدراج. فقرت نشر الكتاب بالطريقة إياها التي نشرت بها ديواني «1212». نسخة pdf أوصلتها للأصدقاء ولمن رغب عن طريق فيسبوك.

■ هناك عناية فائقة بالنص ولغته، فهل تعيد كتابته أكثر من مرة؟ وهل ذلك لصالحه شعرياً؟
□ أنا آخذ الشِّعر على محمل الجد، وبالتالي أعتبر الكتابة الشعرية عمل مثل عمل أدبي آخر، وبالتالي فهو يجب أن يخضع للتنقيح والحذف والتعديل. وإن اتفقنا على أن هناك عناية فائقة في اللغة، فهي ليست العناية التي تجعلني أعيد كتابة نص من النصوص أبداً. لم أفعل ذلك ولو لمرة واحدة. ولكنني أحياناً أصل وأقطع وأضم وأفرِّق. أحياناً أذهب إلى كتابة جمل بلا طائل ولا معنى من تلك التي نصادفها اليوم كثيراً في هذه المرحلة التي استسهلت فيها كتابة الشعر وهذا ما أنا حريص على حذفه. كما أنا حريص على حذف الميتافيزيقيات والصِّفات، وحريص جداً أن تكون الجمل المتعاقبة تحمل الكثير من الإحالات. أطمح إلى كتابة قصيدة تقرأ أكثر من مرة واحدة. ولا أعرف بدقة المستوى الذي وصلت إليه في هذا الطموح. إذا أردت مني إعلاناً فإنني أفضل أن أكون شاعراً ينصفه الزمان على أن أكون شخصاً تحتفي به جهات عثرت عليه بالصدفة لأنه لاجئ، أو لأنه يؤدي نمطاً معيناً. أفضِّل الإتلاف على أن أعيد الكتابة. إما إن كانت إعادة الكتابة لصالح النص فلا أعتقد أنه أمر يسمح به الشعر. أما إذا كان هناك من يتقن هذه الحرفةـ فلا أجد في ذلك غضاضة.

■ ألاحظ عدم نشر إنتاجك في الصحافة، هل هو سبب شخصي أم الموضوع يعود إلى القائمين على هذه الصحف؟
□ يعرف الكثيرون أن الصحافة هي عملي أي إني أعيش منها واني عملت محرراً ومديراً لصفحات ثقافية لسنوات. إلا أن سنوات الحرب والحصار أجبرتني على الابتعاد. وعندما خرجت لم أجد لي مكاناً في الأماكن التي أحببت أن أكتب فيها. وهناك الكثير من الأماكن التي لا أريد أن العمل فيها لتهافتها. يتذكرني البعض عندما يؤيدون الحصول على مقالات غير مأجورة. انظر إلى هذا السيل الجارف ممن باتوا يسمون إعلاميين في العواصم الشتى. إن الأمر مضحك نوعاً ما. بالعموم سأعاود الكتابة عندما تتاح الفرصة لذلك.

■ ماذا عن الحرب السورية التي عشت فصولها مطولاً. كيف ترجمت الأمر شعرياً؟
□ إن فتشت في الديوان ستجد إشارات إليها. لكنني كنت حذراً وأعملتُ الحذف. إنَّ خسارتنا الفردية والجماعية أكبر من أن نمجِّدها أو نتفجَّع عليها ببكاءٍ خفيف. لقد فقدنا بلاداً، ولي شخصياً سوريا البلد الثاني الذي أفقده بعد فلسطين. نحتاج أن نصمت طويلاً لنفهم هذا الذي حدث لنا، كما إنَّ الوقوف على الأطلال عمل شاق. وإني لأسأل أيضاً: ما الذي بقي ليكتبه أحد عن الحرب؟ كيف نكتب للناس قصائد عن الموت الذي مازال محدقاً بهم؟ هل تعتقد أن الجياع وأصحاب دور العزاءات التي فتحت والتي لم تفتح بعد يهمهم الأعمال الأدبية؟ هل يستظلُّ الذين هدمت بيوتهم بالأشعار والروايات؟ أنا متضرر حرب على كل المستويات. وأستحي أمام هول المأساة الجماعية أن أتحدث عن خسارتي الشخصية. ولا أحب أن يبكي على جراحي أحد وهو يشرب الويسكي في حواضر أوربا العامرة. وأعتقد أنَّ هذا شأن السوريين البسطاء جميعاً. أضف إلى ذلك أنَّ الكتابة عن الحرب صارت عملة رائجة، ولا أريد أن كون مناسباتيِّاً أو موسمياً. هناك من يمجِّدون الحرب ولم يسمعوا صوت طلقة. وهناك من ألفوا كتباً عن الحرب السورية قبل أن تبدأ وحصدوا جوائز أيضاً وأجد الأمر مشبوهاً.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!