الشباب وشهر رمضان

لفهم العلاقة القائمة بين المقولتين المكونتين لعنوان المقال "الشباب" و "شهر رمضان"، والتواصل الإيجابي بينهما، لابدّ من بيان طبيعة وأبعاد كلّ واحدة من هاتين المقولتين، والفهم الصحيح للصيام وأبعاده.

أوّلاً: الشباب

1- الحيويّة والنشاط:

تتميّز فترة الشباب بالحيويّة والنشاط، وهما يعبّران عن حالة صحيّة وإيجابيّة في واقع الشباب، ولكن بشرط أن تنضبط هذه الحيويّة وهذا النشاط بروح الإيمان وحاجز التقوى، ويصبحان حالة عطاء في الإيمان وحركة في التقوى، وفي ضوء ذلك يتحوّل الشاب شعلة من الضياء والعطاء، ويستحق الشاب بذلك وسام الفتوّة، وهذا الوسام وإن لم يكن مختصاً بالشباب “يعني السن الخاص” بل يشمل كلّ مؤمن صادق في إيمانه ومتق حركيّ في تقواه.

إلّا أنّ الغالب حصول ذلك في السن الخاص الذي يسمى بسن الشباب، أو ما يقرب منه. هذا، وإذا افترقت الحيوية والنشاط عن الإيمان والتقوى، وقع الشاب في حالة الغرور بل الجنون، وهذا واضح، إذ الحيويّة والنشاط غير المنضبطتين بالإيمان والتقوى، والمنطلقين في أجواء اللهو والهوى، يخلقان من الشاب قنبلة موقوتة مخرّبة، وكتلة من المشاعر المتناقضة.

2- الميل لتحقيق شهواته ورغباته بالأساليب المختلفة:

هذا الميل هو الطبيعة الأولية للشباب، وهو مقتضى الحيوية والنشاط في ذاتهما، ولكن من الواضح أنّه بالإيمان والتقوى تتكوّن لدى الشاب طبيعة ثانية تمثل التعفف والتورّع، وهذا الأمر وإن كان صعباً إلّا أنّه ممكن وحاصل في ظلّ التربية الصالحة، والإرادة القوية، وهذا هو السر في الثناء الكبير في النصوص الدينية على الشاب المتعفف المتورّع، والشاب التائب.

3- القابليّة والإستعداد لتحصيل الكمالات العلميّة والعمليّة:

هذه حقيقة ملموسة، ولكن المهم إخراج هذه القابلية إلى مرحلة الفعليّة، وفي الاتجاه المناسب، واستثمار هذه الطاقة الهائلة المخزونة في كيان الشاب ووجوده، وهذه مسؤولية المنزل أولاً، والمجتمع ثانياً، بالإضافة للإرادة الواعية المسؤولة لدى الشاب نفسه.

وهذا بالطبع يحتاج إلى جهد مدروس وتعاون صادق من جميع الجهات التي لها تأثير على حياة الشاب ومستقبله، وفي هذا السّياق نجد الإسلام يؤكّد على هذه الحقيقة، ويدعوا إلى استثمارها على أحسن وجه.

ثانياً: شهر رمضان

وأقصد به هذه الحقبة الزمنيّة المباركة بما تختزنه من بركة وعطاء: إنّه لمن الصعب القريب من المحال أن يتمكّن إنسان من بيان حقيقة هذا الشهر الكريم، واستيعاب دائرة عطائاته وبركاته، فإنّه شهر الله تعالى، شهر القرآن، شهر الإسلام.

ولكن لا يمنع ذلك من الإشارة إلى بعض جوانب هذا الشهر الكريم، في ضوء اللفتات التي تطرحها النصوص المتعدّدة:

1- إنّه شهر نزول القرآن وانتشار الهدى، يعتبر موسماً تربوياً ثقافيّاً:

يتميّز شهر رمضان بعدة ميزات مهمة تجعله أفضل شهور شهور السنة، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات.

من هذه الميزات أنّه شهر نزول القرآن وانتشار الهدى بين الناس، قال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ» (البقرة-185).

ولذلك تجد هذا الشهر الكريم يتميّز عن غيره من الشهور بانتشار النشاطات الدينية والثقافية، وانتعاش حركة التبليغ والإرشاد بين الناس، حتى يتحوّل الشهر الكريم بأكمله إلى موسم ثقافي تربوي، وظاهرة دينية كبيرة.

ويتزين هذا الشهر بمجموعة من المناسبات الإسلامية المهمة التي كانت – ولا زالت تصلح أن تكون – منطلقا لتحول أساسي في حيات المسلمين، كغزوة بدر وغيرها، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر (يخير من ستّين عاماً)، فإنّها فرصة استثنائية لإعادة الحساب وترتيب الأمور في الاتجاه الصحيح.

وهنا أؤكد على إخواني الشباب بلزوم استغلال واستثمار الفرص المتاحة في هذا الشهر الكريم للرجوع إلى الله تعالى، وتقوية العلاقة بالله سبحانه، والاستنارة بنور الوعي الديني من خلال التواجد والتواصل مع الأنشطة الدينية والثقافية.

2- إنّه شهر ضيافة الله يعتبر موسماً معنوياً:

إنّ التعبير عن شهر رمضان بأنّه شهر ضيافة الله، تعبير عميق ولطيف عن البعد المعنوي لهذا الشهر الكريم، فهو تعبير مستوعب لجميع حالات القرب من العبد لمولاه، وحالات اللطف من المولى على عبده.

3- إنّه شهر التوبة والمغفرة والرحمة، رجوع العبد إلى مولاه، وقبول المولى لعبده:

هذه نتيجة طبيعيّة لتلك الحقيقة المتعالية لشهر رمضان، فكيف يردّ المضيّف ضيفه إذا طلب شيئاً ممّا هو في متناول يديه وسهل عنده.

في ضوء فهم حقيقة هاتين المقولتين (الشباب وشهر رمضان) فهماً واعياً، تتضح طبيعة العلاقة بينهما، ومدى التفاعل والتواصل الإيجابي بينهما، فلشهر رمضان تأثير كبير في جذب الشباب للتعاليم الإسلاميّة العالية، وربطهم بالحالة الإيمانيّة، فشهر رمضان مركز إسلامي كبير لرعاية الشباب وتربيتهم، وجذبهم إلى الحياة الدينيّة الكريمة، والانطلاق بهم في مدارج الكمال والجمال الروحي.

ثالثاً: الفهم السطحي والسلبي لشهر رمضان

ولكن ومع الأسف هناك فهم سطحي وترفي لشهر رمضان، يفرغ الشهر الكريم من محتواه الحقيقي وتأثيره الواقعي، وذلك من خلال تصوير شهر رمضان وكأنّه:

  1. موسم ترفيهي، ملؤه المسابقات الرياضيّة، والبرامج الترفيهيّة، والتجمعات المختلفة التي تصبّ في هذا المصب.
  2. موسم للسهرات اللاهية، من خلال البرامج المخصوصة التي تعرض في آخر الليل، والحفلات الساهرة، والسهرات غير الهادفة.
  3. موسم للتنوع في الأكلات، والإفراط في الأكل، حتى عاد شهر رمضان موسماً للتخمة، والإيغال في اللذات والشهوات، على خلاف أهدافه المعلنة وغير المعلنة من أنّه موسم لتصفية النفس وتطهيرها.

وعلى كلّ حال، فبهذا الفهم الخاطئ، وهذه الممارسة السيئة، يراد مسخ شهر رمضان، وتفريغه من محتواه الحقيقي وتأثيره الواقعي، ليتحوّل شهر رمضان إلى شهر الشيطان بدلاً من شهر الله، وشهر الدنيا وشهواتها لا شهر القرآن والإسلام، وشهر السهرات اللاهية لا شهر القيام للعبادة والمناجاة.

والضحيّة الأولى لهذا الفهم الخاطئ هم الشباب، فإنّهم يحرمون من الفرصة الإستثنائيّة للعودة والرجوع إلى الله، وترتيب حياتهم في خط الدين.

ولكن مع ذلك يبقى الموقف النهائي بيد الشاب، فهو الذي يقرّر أن يلتحق بركب الرمضانيين الحقيقيين، ويستفيد من العطائات المعنويّة والثقافية للشهر الكريم، أو يبقى في الدائرة المفرغة للشهوات الدنيويّة.

رابعاً: الفهم الصحيح للصيام

هو حالة الكف والإمساك على المستويات الثلاثة التالية:

  1. عن المفطرات المذكورة في كتب الفقه، من الأكل والشرب والجماع.
  2. عن المحرمات والمآثم المرتبطة بالجوارح من اللسان والسمع والبصر.
  3. عن جميع أسباب الشر والرذيلة، من خلال تفريغ القلب من الاشتغال بغير الله تعالى.

خامساً: أبعاد الصيام

للصيام عدّة أبعاد، وله عدّة معاني مهمة ومعطيات أساسيّة في حيات الإنسان المؤمن:

1- يعبّر الصوم عن علاقة خاصة “موقف عبادي خفي” بين العبد ومولاه، البعد العبادي.

فهو بالإضافة لكونه واجباً شرعيّاً كباقي الواجبات العباديّة، فإنّه يتميّز بخصوصيّة جعلته يختص بجناب الحق تعالى.

2- يحرّك الصيام جانب الشعور بالمواساة للفقراء والمساكين، وتثبيت الخشوع والإخلاص في نفس الإنسان الصائم، البعد التربوي للصيام.

فللصيام دوره التربوي على المستوى الشخصي والذاتي، من خلال خشوع النفس، وتصفيتها وتزكيتها، والإرتقاء بها من حضيض النفس البهيميّة إلى ذروّة التشبّه بالملائكة الروحانيين، وعلى المستوى الإجتماعي والإنساني، وذلك من خلال التحسّس لآلام الضعفاء، والتعاون والتكافل بين أبناء المجتمع.

3- للصيام تأثير إيجابي على سلامة وصحة الصائم، البعد الصحي.

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!