القطري حسن الملا في مسلك بين الواقع والانطباع

■ يثبت التشكيلي حسن الملا، مسلكا متفردا بقدر ما حملته خبرته من تقنيات جديدة، للتدليل على تصوراته وأفكاره المتجددة، من خلال السمات الجمالية التي تُموقِع أعماله بين مسلك واقعي ومسلك انطباعي، بتشكلات تدعم المجال التعبيري، وبتنوع في الأساليب الموروثة، تبعا لنسق الحياة، التي تعكس أفكار المجتمع وتحمل ثقافة ومفردات فكر المبدع، فالفنان حسن الملا يروم […]

القطري حسن الملا في مسلك بين الواقع والانطباع

[wpcc-script type=”0df23616dbaeb5f16f2bc573-text/javascript”]

■ يثبت التشكيلي حسن الملا، مسلكا متفردا بقدر ما حملته خبرته من تقنيات جديدة، للتدليل على تصوراته وأفكاره المتجددة، من خلال السمات الجمالية التي تُموقِع أعماله بين مسلك واقعي ومسلك انطباعي، بتشكلات تدعم المجال التعبيري، وبتنوع في الأساليب الموروثة، تبعا لنسق الحياة، التي تعكس أفكار المجتمع وتحمل ثقافة ومفردات فكر المبدع، فالفنان حسن الملا يروم التلميح، من خلال تثبيت مجموعة من الرسومات الانطباعية، إلى القيم الاجتماعية والثقافية وغيرها، فيحدث انسجامات متنوعة، تعكسها ملامح الألوان، والتجسيد للأشكال المختلفة، وتكثيف الفضاء شكلا ولونا، لأنه يرتبط بالانطباع الشخوصي التعبيري الذي يقوم على الاختزال الواقعي، وعلى الرمزية والإشارة، وبذلك يشكل نسيجا فنيا متفردا حين يجعل مجموعة من المفردات الفنية الخفيفة تتداخل بشكل تدريجي سواء عبر اللون أو العلامات، أو الرموز مع الشخوصات والأشكال الانطباعية.
وتظل المقاربة مغمورة بكل سياقات المادة التشكيلية المشكلة للفضاء، تتسم بوجود وشائج قائمة بين التشكيل والمضامين المضمرة في حيز اللون والشكل، بتقنيات عالية تخفي في عمقها دلالات قوية، ترتبط بالاستدراجات اللونية التي تعضدها الخطابات المخفية وراء حجب الانطباعات التي يغلفها الطلاء اللوني، لتظل رهينة التأويلات المختلفة والقراءات المتعددة الناتجة عن تعدد الدلالات. وهذا ليس بغريب عن المبدع، لأن البناء التشكيلي في هذا المسلك الفني يعتمد في جوهره عموما على المادة المتصلة بالواقع أولا، ثم يثبتها المبدع في الفضاء، وفق خاصيات تشكيلية محددة، إذ يعتمدها بتقنيات عالية وبإضفاءات فنية في مقاسات معينة، وكذلك بإضافات جمالية ذات خصوصيات تشكيلية ورموز وإشارات وعلامات تعبيرية تفصح عن هواجس المبدع. فللمبدع إمكانات تقنية هائلة يوظفها لتثبيت الألوان والتعبير بهذا الأسلوب. إنه يتفاعل مع التشخيص بنوع من المرونة التشكيلية، فيتحكم في تدبير الفضاء ومغازلة السكون بقدر ما قادته إليه تجربته الرائدة في هذا المجال. إنها سمة تلوح في ابتكاراته. وإذا كان هذا يعكس حسن اختياره الجمالي والفني، فإنه في الآن نفسه يتمثل إرساء التخصص على قاعدة من المعارف المتنوعة.


إن اختيار هذا النوع من المسالك في التشكيل لا يخلو من صعوبة. إن الفنان حسن الملا يروم التعبير العميق بمفردات لغته التشكيلية الخصبة، بنماذج كثيفة تحد من الفراغ، في نسيج مجاله التشكيلي المنمق بطقوسه الفنية. وحتى يكون تعبيره غاية لكل متلق؛ فإنه دائم البناء التعبيري يضفي إليه عناصر جديدة لتنميته وضمان استمراره. وهو ما يفصح عن درجة عالية من الإنتاج الفني، والحاجة النفسية للتعبير بهذه المقاربة. كما أن البناء التشكيلي حين يبدو مدججا بالضربات اللونية، موازاة مع الشكل، فإنه يروم الاكتساح القوي للمساحات، وهو ما ينم عن عملية الأخذ من مجال تشكيلي صرف، بإضافة تصورات واجتهادات محمودة، إضافة إلى كون مجمل أعمال الفنان حسن الملا تتبدى مثقلة بالإيحاءات والرمزية. إن هذا التوافر يجعل من أعماله نطاقا جماليا مرتبطا بالواقع بطبائع تعبيرية مختلفة، وبسياقات فنية متنوعة تزرع فيها الحركة وتجعلها أعمالا تفاعلية ما يبرز المادة التشكيلية في شكل فني باجتهاد يستطيع على إثره المبدع إشراك الحس الشعوري، والعنصر البصري للقارئ، بكثير من المهارة والتوظيف التقني الدقيق. يشمل التوظيفات الفنية والجمالية وتوزيع المساحة والشخوصات واللون، والعلامات والرموز، والحركات والسكنات، والكتل والتركيبات، والتكوينات الهندسية، والخطوط المشتبكة على نهج الترجيع الموسيقي. ما يُبقي المضامين في ارتباط وثيق بالشكل، ليتواصل مع المادة التشكيلية وفق رؤى تعبيرية تتخذ من هذا المسلك قاعدة لصناعة جماليات، يقوي بها الصفات الظاهرية لعالم الشكل داخل الفضاء، مع بسط نوع من الاختلاف بين مفردات المادة التشكيلية التي تولد عددا من الدلالات، وبين البؤر اللونية وصناعة الجمال.

٭ كاتب مغربي

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!