القواعد الأساسية لحياة زوجية سعيدة

يخسر الآلاف من الأزواج سنوياً هناء عيشهم ومؤسّستهم الزوجية، مُتّخذين الانفصال كأفضل حل لعلاقتهم. يلجأ آلاف الأزواج إلى قرار الانفصال، دون البحث عن حلولٍ بديلة، ودون مواجهةٍ حقيقيّةٍ لذواتهم من أجل كشف كواليس علاقتهم، ودون جلسةٍ عميقةٍ وواعيّةٍ بينهما من أجل التّعرف على مواطن الخلل في العلاقة. فما هي القواعد الأساسيّة في بناء حياةٍ زوجيّةٍ سعيدة؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال هذا المقال.

Share your love

1. نسف مصطلح “شهر العسل”:

لطالما اعتدنا في ثقافتنا على مصطلح “شهر العسل”، فكم من خطة عملٍ خُطِّطت؟ وكم من بلدٍ جرت زيارته؟ وكم من نشاطاتٍ نُفِّذت؟ وكم من أحلامٍ رُسِمت في هذا الشهر؟ لكنّ الأمر الصّادم أنّ مفعول هذا المصطلح سلبيّ على عقلنا الباطن!

تُبرمِج هذه الكلمة عقل الزوج والزوجة على أنّ الأيام الأولى للزواج هي السعيدة فحسب وباقي الأيام تعيسة، مما يؤدي إلى نتائج مُدمِّرة.

لذلك مِن الأجدر أن نقول للزوجين: “على الرّغم مما تحمله الأيام الأولى للزواج من متعةٍ وسعادة، إلّا أنّها أصعب الأيام؛ حيث يتمّ فيها اكتشاف شخصيّات بعضهما بعضاً”.

سيساعد الوعي بهذه الجزئيّة كلا الطرفين على الاستعداد النفسيّ لفكرة الزّواج، وعلى توقُّع أنّ كلّ شهرٍ في الحياة الزوجيّة سيكون أفضل وأنضج وأمتع من سابقه؛ لأنّ وعيهما وفهمهما لشخصيات بعضهما الآخر سيكون أكبر وأعلى مستوى.

2. مُتعة اكتشاف الآخر:

لكلّ من الزوجين بناءٌ معرفيٌّ مختلفٌ عن الآخر، ومفهومٌ مختلفٌ لكلّ قضيّةٍ من قضايا الحياة.

يكمن الغنى الحقيقي في العلاقة الزوجيّة في الاختلاف بين الأزواج؛ فمتعة اكتشاف الآخر لا تضاهيها متعةٌ أخرى.

يُفترض أن تكون فترة الخطبة مرحلةً استكشافيّةً يتمّ فيها التّعرف على قيّم الآخر، ومفهومه عن: الزواج، الحبّ، الأطفال، العمل، المرأة والرجل، الدين… وما إلى ذلك.

سيساعد هذا الاستكشاف كلا الزوجين على إيجاد صيغةٍ مشتركةٍ للتعامل فيما بينهما.

على سبيل المثال: يوجد زوجان، الرجل مفهومه عن الحبّ: اهتمامٌ وحنانٌ وكلامٌ جميلٌ رومنسي، أما مفهوم المرأة عن الحبّ: أفعالٌ ومواقف؛ هذان الزوجان سيقعان في المتاعب في حال عدم اكتشافهما لمفهوم كلٍّ منهما، ومحاولتهما التوصل إلى حلٍ مشتركٍ يرضي كلا الطرفين.

3. الصراحة والصدق المطلق:

أساس العلاقة الزوجية المتينة هو الصدق؛ فالصراحة والوضوح بين الزوجين يَقِيان من الكثير من المشكلات لاحقاً.

إنّ التّحدث في كلّ تفصيلٍ صغيرٍ بين الزوجين، وعدم ترك الأمور تكبر وتتراكم، يجعل من العلاقة أكثر نضجاً وعمقاً.

فعلى الزوجين قضاء وقت أكبر مع بعضهما، لا من أجل مناقشة أمور المنزل وتفاصيل المعيشة ومشكلات الأولاد، بل من أجل مناقشة أحلامهما وشغفهما وأهدافهما وهواجسهما وعلاقتهما.

4. اختلاف كل من سيكولوجيّة الرجل والمرأة:

يتمتّع معظم الرجال بمزاجٍ ثابت، أمّا النساء فمتقلبّات المزاج غالباً ؛ فقد تكون المرأة سعيدةً وتعيسةً في فتراتٍ متناوبةٍ في اليوم نفسه؛ وهذا يُفسّر قدرة الأنثى على تربية الطفل المولود حديثاً، فتبدُّل مزاجها يكون نقطةً إيجابيّةً تسمح لها بتقبُّل تصرفات ولدها وإزعاجاته، حتى في حال إيقاظها في وقتٍ متأخر، في حين لا يستطيع الرجل تقبّل تصرفاته. وهذا الاختلاف في الأمزجة ليس عيباً لأيٍّ منهما، لكن عليهما وعي هذا الاختلاف وحسن التعامل معه.

من جهةٍ أخرى، تفكير الرجل مختلفٌ عن تفكير المرأة، فالرجل يفصل في تفكيره بين أمرٍ وآخر، أمّا المرأة فلا تستطيع الفصل بين الأمور بسهولة؛ بل قد تطغى حالتها الشعوريّة الناتجة عن أمرٍ ما على مناحٍ أخرى في حياتها.

على سبيل المثال: قد يكون الرجل في نقاشٍ متوتراً وانفعالياً مع زوجته، وفي أثناء ذلك يتصل به صديقه، فيردّ عليه الزوج مُبتسماً وهادئاً، مما يُزعِج زوجته كثيراً فتَصِفَه بالمُهمِل والمُستهتر بمشاعرها. والحقيقة أنّ الزوج ليس مُهملاً لكنّه يفصل في تفكيره بين الأمور؛ فحديثه مع زوجته أمر، وحديثه مع صديقه أمرٌ آخرٌ مستقلٌ عنه.

في المقابل: في حال حدوث الأمر نفسه مع المرأة، فلن تستطيع الفصل والحديث مع صديقتها بهدوءٍ وابتسامة، بل ستُحادِثها بحزنٍ وقلق؛ لأنّ الفصل بين الأمور لا يتم عندها بسهولة.

5. ابدأ بنفسك:

يجب أن يتحلَّى كلا الطرفين بحسّ المبادرة، فعوضاً عن التركيز في عيوب الآخر، يجب أن يعمل الشخص على تغيير ذاته أولاً، حتّى يصل إلى مرحلة تقبُّل الآخر كما هو. والمُلفت أنّه في حال قيام الشخص بذلك سيتغيّر الآخر تلقائياً بعد فترة. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

فالزواج السّعيد لا يعني إيجاد الشّريك المناسب، بل يعني أن تكون أنتَ الشّريك المناسب.

عليك أن تتعلّم ثقافة الإنفاق لكي تكون شريكاً مناسباً؛ فإن رغبتَ بالحنان عليك أن تنفقه أولاً على مَن حولك، وإن رغبتَ بالاهتمام فعليكَ أن تنفقه على عائلتك، وإن كنتَ تريد الثقافة فأنفق من وقتك على علمكَ وثقافتك، حيث قال تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}.

فكم نعاني ونمرض ونكتئب في محاولةٍ لتغيير الآخر، ولا نفلح في ذلك؟ فلو أنّنا وعينا أنّ التغيير الحقيقيّ يبدأ من داخلنا نحن، لوفّرنا على أنفسنا الكثير من العذاب والقلق والمشكلات والمطبّات في علاقتنا مع الشريك.

6. الإيثار:

عندما يقوم أحدّ الطرفين بفعلِ أمرٍ للطّرف الآخر دون انتظار مقابلٍ منه؛ فهذا ما يسمى إيثاراً.

على سبيل المثال: لا يحبّ الزوج شراباً معيناً، لكنّه يشربه كنوعٍ من المشاركة لزوجته، فهو يشربه حبّاً وليس مُكرَهاً، ولا ينتظر شيئاً بالمقابل من زوجته؛ هذا ما يُسمّى إيثاراً.

فما أحوجنا اليوم إلى أزواجٍ يتمتّعون بصفة الإيثار في وسطٍ أصبحت المصلحة فيه مستشريّة حتّى بين الأزواج! فبات عدد الأشخاص الذين يقومون بفعل أشياء لوجه الله قليلاً جداً.

7. الزواج مشروعٌ من أخطر مشاريع الحياة:

أصبح مفهوم الزواج اليوم مرتبطاً بالاستمتاع الجنسي، دون وعيٍ لرسالته الحقيقيّة. فالزواج أخطر قرارٍ في حياة كلّ من الرجل والمرأة، وعليه يُبنَى جيلٌ كامل.

من جهةٍ أخرى، تُعدّ مَهمّة تربيّة الأطفال من أصعب المهام على وجه الأرض، وتحتاج إلى الكثير من الوعي والاحتواء والنضوج والتوازن، وعلى كلا الطرفين أن يَعِي حقيقة ذلك. فمستقبل الأمة وازدهارها قائمٌ على نماذج الزواج الناجحة.

8. لا للأحكام، نعم للاقتراحات:

يختلف الرجل عن المرأة، ممّا قد يولّد أحكاماً سلبيّة من قبل كلّ من الطرفين على الآخر. تفهم الأنثى الآخر من دون أن يتكلّم، فهي تفهمه من النظرة، في حين أنّ الرجل لا يفهم الآخر إلّا في حال تحدّثه إليه صراحة.

فإذا وعى كل من الطرفين حقيقة أنّ الرجل يُحفَّز بالاحتياج، والمرأة بالحنان؛ عندها ستنعدم الأحكام السلبيّة بينهما.

على سبيل المثال: عندما تحتاج المرأة إلى أمرٍ من الرجل، عوضاً عن انتظارها له ليعرف من نظرة عينيها أو من تلميحاتها، عليها أن تتحدث إليه وتطلب منه حاجتها صراحةً وبأسلوبٍ لبقٍ واعٍ. ومن جهة أخرى، إذا رغب الرجل في أمرٍ من المرأة، عليه أن يطلبه منها بأسلوب الحنيّة وسيناله مباشرةً.

9. المتابعة والبحث في تجارب الآخرين:

تُعدُّ الاستفادة من تجارب الآخرين من أكثر الطرائق المفيدة للمُقبلين على الزواج، فعندما يتعرّض أحد الطرفين لمشكلةٍ ما، عليه أن يتأكّد أنّها كانت محطّة للآلاف من الأشخاص قبله؛ حيث استطاعوا التعامل معها بنجاح، ومِنهم مَن شارك تجربته مع الآخرين من خلال كتابته لكتابٍ يحتوي على حلولٍ سحريةٍ للمُقبلين على الزواج.

كما تساعد الكورسات التدريبيّة بإشراف اختصاصي تنميّةٍ بشريّةٍ وعلاقاتٍ أسريّة، كلاً من الزوجين على التّعرف على مَوَاطن الخلل في علاقتهم والعمل على تصويبها.

10. النية الإيجابية والمعايير العالية:

على كلّ من الطرفين إعمال النيّة الإيجابيّة في علاقته مع الآخر، وتوقُّع كلّ شيءٍ جميل من زواجهما، كأن يضع كلٌّ منهما معاييراً عاليّة لعلاقتهما؛ مثل: احتواءٌ وتفهّمٌ كبيران، اخلاصٌ ووفاءٌ عظيمان، صبرٌ وتسامحٌ بلا حدود، التزامٌ وصدقٌ مطلق، تقبُّلٌ بلا شروط، ثقةٌ بالنفس وبالله وبالآخر.

ستنعكس تلك النيّة الحسنة والمعايير العاليّة إيجابياً على علاقتهما، وستُضفِيان بهجةً ونعيماً وراحةً وسعادةً على كلّ من الطرفين.

الخلاصة:

الزواج أكثر من مجرّد عقدٍ ورقيّ، إنّه قرارٌ بالالتزام مع شريكٍ ما، قرارٌ بجعله شخصاً سعيداً، قرارٌ بالمشاركة الحقيقيّة لكلِّ تفصيلٍ من تفاصيل الحياة مع هذا الإنسان (تفاصيلها المرّة والحلوة معاً)، قرارٌ بحبّه واحتوائه مدى الحياة، قرارٌ صادقٌ بتقبُّله كما هو وبجميع حالاته، قرارٌ واعٍ ببناء أسرةٍ وتنشئة أبناء يكونون بذرةً صالحةً لمجتمعٍ صالح.

 

المصادر:  1 ، 2 ، 3

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!