المغربي سعد بن الشفاج… التفاعُل المَرِن بين التمثيل والتجريد

الرباط: تعتبر المادة رافدا من الروافد التعبيرية التي أكدت أهميتها ضمن مسار الفن المغربي المعاصر منذ بداياته، إذ ساهمت في إثراء الميول الإبداعية على اختلاف أشكالها التصويرية، وأبعادها الجمالية بصياغات تقنية ورؤى مختلفة. فيما ظلت تحدد تصنيفا معينا يؤطر نتاجات المادِّيين من الفنانين. في مسار التصوير المغربي المعاصر، بات هذا التصنيف مرتبطا بمدرسة تطوان من […]

المغربي سعد بن الشفاج… التفاعُل المَرِن بين التمثيل والتجريد

[wpcc-script type=”c61f9dcccf717d46f9a3419f-text/javascript”]

الرباط: تعتبر المادة رافدا من الروافد التعبيرية التي أكدت أهميتها ضمن مسار الفن المغربي المعاصر منذ بداياته، إذ ساهمت في إثراء الميول الإبداعية على اختلاف أشكالها التصويرية، وأبعادها الجمالية بصياغات تقنية ورؤى مختلفة. فيما ظلت تحدد تصنيفا معينا يؤطر نتاجات المادِّيين من الفنانين. في مسار التصوير المغربي المعاصر، بات هذا التصنيف مرتبطا بمدرسة تطوان من خلال الفنانَيْن المكي مغارة وسعد بن الشفاج مع مطلع السبعينيات وإلى غاية بداية الثمانينيات.

شكلت هذه الحقبة تصعيدا إبداعيا ملحوظا لدى سعد بن الشفاج، الذي دشن حضوره الفني منذ 1957، إذ أبان عن مدى تجاوبه الواعي مع الحساسية المعاصرة، من خلال توليف أسلوب ينم عن حرفية عالية، مكنته من الاستعمال الموفق والدقيق لعنصر الخط ، الذي وظفه بمعالجة تكاد تكون الأكثر أناقة ضمن مجمل التوليفات التجريبية الحديثة على الصعيد المحلي، في مقابل لوحاته الموسومة باللون الترابي، التي يتخذ فيها الخط صبغة العلامة، التي تحفر «الرموز» والموتيفات ذات صلة بالموروث البصري، يستقيم الخط ويتعرج لتنشيط فضاء اللوحة، فيما يطبع إحاطات الوجوه والأجساد التي تنْتَظِم عبر إوالية تركيبية، تشتق طبيعتها من تكسيرات وتبسيطات التكعيبية، ليكتمل التكوين – في نهاية المطاف – لإبراز تشكيلية قوية ومقنعة، تمنح العمل خاصية التعبير والتوقيع في آن. هكذا، تنبثق قوة التصميم والتلوين الذي حوَّل الأزرق النيلي من حياكته الجدارية (كصبغة معتمدة في المعمار التقليدي في شمال المغرب)، إلى الطبيعة اللَّحمِية، كأن الأمر يتعلق بتحوير الجدلية القائمة بين الجسد وحاجته للاحتماء (اللباس والسكن). عبر هذه الإوالية الجَسَدانية التي تعكس المظهر النادر لمدى استثمار التشخيص لصالح التجريد البِنائي، الذي لا يعتمد السهولة والصدفة والضَّربة الحركية المنذورة للعفوية والتلقائية، يتضح التمكن التقني الموصول بهندسية عقلية تحمل في رحمها أبهى صور الذاتية والحدوس الموزونة بالدقة، التي تَتَّخد من خلالها الأبعاد التعبيرية والجمالية لغتها المعيارية.


إن التمكن من الحِرَفِية وديمومة تجويدها، ظلت عنده كما لدى مجايليه «الشماليين» خاصة (السرغيني، الفخار، مغارة، بن يسف)، من الدعامات الأساسَة التي يقوم عليها المُنْتَج الفني، خاصة وقد خبر مقومات البراعَة الأكاديمية بناءً على التكوين المتين: بعد تخرجه في مدرسة تطوان للفنون الجميلة، وفي مدرسة الفنون الجميلة في إشبيليا في 1957، تابع تكوينه في المدرسة العليا «سانتا إيزابيل دي هنغاريا» التي تخرج فيها عام 1962. ذلك ما يمنحه أريَحِية الانتقال بين الأساليب، من النمط «التمثيلي» الموصول بالعالم المرئي، الذي يضفي عليه نبرته التعبيرية الخاصة، إلى النوع التجريدي الذي لا يني يحتفظ بالأشكال الدالة المستقاة من الإبصار، ليس لطبع ظاهرها الحكائي، بل لإعادة بنائها تبعا لمنظومة تعبيرية تستغور خباياها اللامرئية.
يبقى الفنان سعد بن الشفاج (المولود في عام 1939) من بين الرواد الأساسيين في مسار الفن المغربي المعاصر، وهو المشارك الفعال في نضجه وتطويره والتعريف به في مختلف العواصم العالمية، وبالإضافة إلى حضوره المستدام، لا بد من الإشارة إلى مساهماته الفعالة ضمن الفرق البيداغوجية، التي أخذت على عاتقها تكوين الطلبة في مدرسة تطوان للفنون الجميلة، إذ يعود إليه ولزملائه الفضل في تخريج العديد من الأفواج من الطلبة، ومنهم من سار على نهجهم للالتحاق بركب الإبداع، ليصيروا من الأسماء الوازنة ضمن فسيفساء الأساليب التشكيلية الحديثة عندنا.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!