الموقف الاسترالي ومخاطره على قضية القدس

الموقف الاسترالي ومخاطره على قضية القدس في نهاية الأسبوع الأول من يونيو 2014 أعلنت الحكومة الاسترالية في البرلمان على لسان المستشار القضائي للحكومة ووزيرة الخارجية وغيرهما أن استراليا تتمسك بأن القدس الشرقية ليست أراضي فلسطينية محتلة وأن هذا الموقف يسهل المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين هذا الموقف جديد..

الموقف الاسترالي ومخاطره على قضية القدس

في نهاية الأسبوع الأول من يونيو 2014 أعلنت الحكومة الاسترالية في البرلمان على لسان المستشار القضائي للحكومة ووزيرة الخارجية وغيرهما أن استراليا تتمسك بأن القدس الشرقية ليست أراضي فلسطينية محتلة وأن هذا الموقف يسهل المفاوضات بين “إسرائيل” والفلسطينيين.

هذا الموقف جديد تماماً على الموقف الثابت لاستراليا الذي كان متفقاً مع الموقف الدولي وهو أن القدس كلها كل لا يتجزأ أي أن الموقف الدولي لا يعترف بأن القدس عاصمة “إسرائيل” وإنما يؤكد على أن الجزء الشرقي من القدس أرض محتلة ويجب أن تنسحب “إسرائيل” منها، وأما القدس الغربية فهي أرض أيضاً ليست تابعة ل”إسرائيل” ولكنها في نفس الوقت ليست تابعة للفلسطينيين. وقد صمد هذا الموقف الدولي في وجه المواقف الـ”إسرائيلية” المتتابعة حول زعمها بأن القدس كلها عاصمتها الأبدية وأن بناء المستوطنات في القدس الشرقية ليس احتلالاً وإنما ممارسة للسيادة الـ “إسرائيلية” على أراضي يهودية.

ولابد في هذه المناسبة أن نقدم عددا من الحقائق حول الوضع القانوني للقدس في وضعها والإشارة إلى مخاطر الموقف الاسترالي في هذه المرحلة بالذات وما يجب على العرب والمسلمين والعالم كله أن يتخذه من مواقف ( راجع كتابنا حول المركز القانوني للقدس الصادر عن الهيئة المصرية للكتاب عام 2010)

الحقيقة الأولى، هي أن “إسرائيل” تنظر إلى فلسطين كلها على أنها أراضي يهودية احتلها الفلسطينيون منذ آلاف السنين، وأن هذا الاحتلال لا يرتب حقاً لهم وأن العالم قد اعترف بحقهم التاريخي في هذه الأرض بقرار التقسيم الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947، ولذلك فإن “إسرائيل” تسترد أراضي الأجداد وخاصة القدس، قطعة قطعة، ولذلك فإن هذه الأراضي أراضي مستردة وليست أراضي محتلة ولا تعترف “إسرائيل” بأنها تحتل هذه الأراضي بما يترتب على مفهوم الاحتلال من آثار وأهمها أنه وضع فعلي مؤقت يزول حتماً وتسترد شعوب الإقليم المحتل سيادتها عليه، كما أن الاحتلال في القانون الدولي محظور لأنه ينتهك كافة مبادئ القانون الدولي.

معنى ذلك أن موقف “إسرائيل” وموقف العالم كله يشبه حوار الطرشان ويتكلم كل جانب عن موضوع مختلف ولم تجرؤ دولة على أن تثير هذه القضية بشكل واضح.

الحقيقة الثانية، هي أن الموقف الدولي يقوم على أساس أن فلسطين كلها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول، قامت عليه “إسرائيل” بموجب قرار التقسيم ومساحته 56.5 % . أما القسم الثاني، من فلسطين فيضم بقية الأراضي أي 43.5% محجوز لتصرف الجانب الفلسطيني الذي من حقه أن يقيم عليه دولته المستقلة التي يشاء. هذا الموقف أساسه قرار التقسيم ولكن عندما احتلت “إسرائيل” ما تبقى من الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس التي أبعدها قرار التقسيم عن التقسيم وخصص لها وضعاً دولياً متميزاً لكي تكون عاصمة الدولة الفيدرالية التي كان مخططا أن تقوم بين الدولة الفلسطينية والدولة ال”إسرائيلية”.

رداً على الاحتلال ال”إسرائيلي” لكل فلسطين عام 1967 شدد قرار مجلس الأمن رقم 242 على عدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة، وأكد أن القدس الشرقية أراضي محتلة، ولم يذكر القدس الغربية وهي مثلها محتلة لأن القرار كان يتحدث عن الأراضي التي تم احتلالها في “النزاع الأخير” أي حرب 1967 لأن القدس الغربية احتلتها “إسرائيل” قبل ذلك عام 1949، أي أن “إسرائيل” يوم 4 يونيو 1967 كانت قد أضافت إلى المساحة المخصصة لها في قرار التقسيم من الأراضي الفلسطينية بالإضافة إلى ميناء أم رشراش-إيلات الحالية من مصر، وهذه قضية سكتت مصر والعالم كله عنها.

ولكن العالم العربي قبل ما فرضته “إسرائيل” وأقر المكاسب الإقليمية الجديدة بعد قرار التقسيم وأعلنت منظماته العربية والإسلامية أنها تقبل بدولة فلسطينية في حدود 4 يونيو 1967 أي على مساحة 22% من مساحة فلسطين أي اقل من نصف ما خصص للفلسطينيين في قرار التقسيم وكأن “إسرائيل” يوم 4 يونيو قد أصبحت على 78% مقابل 22 % للفلسطينيين، وقبل العرب بأن تكون لهذه الدولة الفلسطينية عاصمة هي القدس الشرقية، وهذا بالضبط ما أعلنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في خطاب تنصيبه يوم الثامن يونيو 2014

الحقيقة الثالثة، هي أن العالم كله يتمسك بالقدس دون تقسيم ضد إصرار “إسرائيل” على أن القدس مقسمة وأنها هي التي توحدها، وعلى خلاف الموقف العربي الذي يطالب بالقدس الشرقية وحدها ولا يعترف بالموقف الدولي المتقدم عنهم أصلاً.
هذا الموقف الدولي يجد سنده في قرارات مجلس الأمن المتعاقبة وقرارات الجمعية العامة وأشهر قرارات مجلس الأمن هو القرار رقم 478 الصادر في 20/8/1980 الذي قدمت واشنطن مشروعه وألقت بثقلها وراءه وكان هذا القرار الذي صدر بالإجماع يرد على قانون الكنسيت ال”إسرائيلي ” الذي أعلن قبل ذلك بأيام ضم القدس إلى “إسرائيل” واعتبارها العاصمة الموحدة والأبدية لها. وكانت عشر دول من بينها دول أوربية قد سارعت فور صدور قانون الكنيست بنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، ولكن قرار مجلس الأمن المذكور والموقف الحازم من جانب الولايات المتحدة آنذاك وأمين عام الأمم المتحدة قد أجبر هذه الدول على التراجع عن نقل سفاراتها إلى القدس الغربية.

أما المصدر الثاني للموقف الدولي للقدس فهو الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 9 يوليو عام 2004 والذي يعد شهادة ميلاد قانونية من المحكمة للوضع القانوني لكل فلسطين، وأكد بشكل خاص على أن بناء الجدار العازل على أراضي الضفة الغربية ومن بينها القدس الشرقية يخالف القانون الدولي الذي يعتبر أنها جميعاً أراضي محتلة.

الحقيقة الرابعة، هي أن موقف استراليا يتناقض مع التزاماتها في قرارات مجلس الأمن وموقف محكمة العدل الدولية من القدس وكلها واجبة الالزام والاحترام ، وإذا كانت استراليا قد سلمت بالمنطق الـ “إسرائيلي” ضد القانون الدولي وإرادة المجتمع الدولي فلابد أن يترتب على ذلك مواقف حاسمة من جانب الامم المتحدة والجانب الفلسطيني والجامعة العربية والتعاون الإسلامي، لأن الموقف الاسترالي اختبار لمدى جدية هذه الجهات في الدفاع عن مركز القدس فيغري الصمت العربي والإسلامي الشامل دولا أخرى غير استراليا في الاجتراء على مركز القدس، مما يشكل دعماً واضحاً لمخططات الاستيطان الـ “إسرائيلية” المعلنة في القدس الشرقية ومزاعم “إسرائيل” لاعتبار القدس عاصمتها الرسمية ، مما يهدد أي فرصة للمفاوضات والسلام حتى في ضوء هذه الحقائق الدامغة بين الجانبين الـ”إسرائيلي” والفلسطيني.

وقد أشرت إلى أن الموقف الأمريكي والأممي من الدول التي تجاوبت مع قانون ضم القدس ل”إسرائيل” عام 1980 قد أجبر هذه الدول على التراجع ولكن الموقف الأممي الحالي يحتاج إلى تحريك من جانب أصحاب القضية، كما أن الموقف الأمريكي قد تغير من القدس بعد صدور قانون القدس من الكونجرس الأمريكي عام 2002 الذي يلزم الإدارة الامريكية باعتبار القدس عاصمة أبدية لـ “إسرائيل” وهو ما أكد عليه الرئيس بوش في خطبته أمام الكنيست في مايو 2009 قبيل مغادرته البيت الأبيض، ولم تصدر وثائق أخرى تعدل هذا الموقف الأمريكي، كما أن المواقف السياسية الأمريكية في السنوات الاخيرة لا تبدد الغموض حول هذا الموقف رغم دور الوسيط الذي تقوم به واشنطن وهي تعلم الموقفين الفلسطيني والـ”إسرائيلي”. ومن المؤكد أن هذا الموقف الأمريكي يتناقض مع القانون الدولي ولكنه يشجع على تحدي القانون الدولي في هذه القضية.

أما مواقف الدول العربية والإسلامية إذا قارناها اليوم بموقفها عام 1980 فالفارق بينهما هو نفس الفارق الذي تصدت فيه الدول العربية والإسلامية لمعاهدة السلام المصرية مع “إسرائيل” وبين الموقف الحالي الذي لا يحتاج منا إلى بيان. 

إنني أطالب الدول العربية والإسلامية والأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي والتعاون الإسلامي بمطالبة استراليا احترام القانون الدولي والوضع القانوني للقدس حتى تساهم في كبح جماح “إسرائيل” في المفاوضات بدلاً من إحباط المفاوضات لدعم “إسرائيل”.

وأخيراً ، كان لمصر موقف واضح مع بعض دول أمريكا اللاتينية وهي كوستاريكا والسلفادور وهندوراس التي قررت التجاوب مع الموقف ال”إسرائيلي” في القدس عام 1980، كما نذكر بأن السلطة الفلسطينية قد أصبحت مؤسسات دولة فلسطين، وتجاوزت إطار أوسلو ولا عذر لها اليوم سوى التخاذل العربي والإسلامي والضغوط ال”إسرائيلية” والأمريكية.
تلك هي الحقائق كاملة حول القدس حتى تعيها أجيالنا الجديدة ولا تعتمد تماماً على الموقف ال”إسرائيلي” الذي يبث على مواقع التواصل الاجتماعي، فخطة “إسرائيل” في إغفال تل أبيب والتركيز على القدس في الإعلام حتى يقع في روع العامة أن القدس المغتصبة هي بحق العاصمة الرسمية لـ “إسرائيل”.

 

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!