الناقدة الكويتية سعاد العنزي: تتضح «ديكتاتورية» المؤلف من اختيار المواضيع التي تتوافق ورؤيته

يشهد الواقع الثقافي وفرة في الإصدارات الأدبية، ولا يخفى على المتابع أن الرواية تحظى باهتمام أكبر من حيث المقروئية والتداول، في المقابل لا يوجد ما يوازي الحراك الروائي على المستوى النقدي، والقراءات الواعية للمنجز الإبداعي، الأمر الذي يضعنا أمام أسئلة بشأن جودة ما ينشر، والعوامل المؤثرة وراء تصاعد المد الروائي، وهل كل ما يصدر متجنسا […]

Share your love

الناقدة الكويتية سعاد العنزي: تتضح «ديكتاتورية» المؤلف من اختيار المواضيع التي تتوافق ورؤيته

[wpcc-script type=”d9d819a8f6abd79da2b54a50-text/javascript”]

يشهد الواقع الثقافي وفرة في الإصدارات الأدبية، ولا يخفى على المتابع أن الرواية تحظى باهتمام أكبر من حيث المقروئية والتداول، في المقابل لا يوجد ما يوازي الحراك الروائي على المستوى النقدي، والقراءات الواعية للمنجز الإبداعي، الأمر الذي يضعنا أمام أسئلة بشأن جودة ما ينشر، والعوامل المؤثرة وراء تصاعد المد الروائي، وهل كل ما يصدر متجنسا بعلامة الرواية يتصف بخصائص مميزة لهذا الفن؟ وأين يكون دور الناقد مع انفتاح الفضاءات والمنصات الافتراضية في وجه القارئ العادي؟ حول هذه المحاور الأساسية كان لنا حوار مع الكاتبة والناقدة الكويتية سعاد العنزي، وهي أستاذة النقد الأدبي في جامعة الكويت.

■ ثمة وفرة في الإصدارات الروائية في رأيك هل يؤسس ذلك لطفرة في الكتابة؟ أو أن ما نراه هو مجرد عبارة عن مشاعية للكتابة الروائية؟
□ هي طفرة في الكتابة فقط، لأن الكتابة اليوم أصبحت متاحة للجميع، وحقا أصيلا لأي إنسان، وتتبقى مسألة الجودة والقدرة الإبداعية وطرح الرؤى الأصيلة والمؤثرة، والقادرة على الحصول على نسب قراءة عالية على المدى البعيد، متروكة للزمن للحكم عليها. شخصيا، من خلال متابعتي لبعض الإصدارات المحلية والعربية، لم أجد إلا قلة من الأعمال تستحق أن تتصدر المشهد الثقافي لعوامل عديدة أهمها: تراجع الثقافة، وقلة في الطروحات الفكرية الأصيلة، وانعدام الوعي الحقيقي لطبيعة الكتابة الإبداعية التي تتطلب وعيا رصينا، واشتغالا معرفيا متواصلا. هناك أعمال بمثابة هذيان كتابي تبقى قيمتها الحقيقية في أنها تكشف لنا مدى تأخر الوعي الكتابي عند بعض الكتاب، وتصور لنا طبيعة التعامل مع الثقافة في المجتمع في فترة ما. وربما أكثر الأدلة وضوحا على هذه الظاهرة، هو أنه على مدار العقود الماضية القليلة، كم عملا إبداعيا بقي مؤثرا في الذاكرة الثقافية العربية، ويستدعى عند الحديث عن القضايا العامة؟ قلة، من الممكن أن أذكر لك أمين معلوف، محمود درويــش، إدوارد سعيد وغيرهم من المفكرين العرب هم الحاضرون بقوة. وهذا يبين لنا أمرين: الأمر الأول أن قليلا من الأسماء الثقافية استطاعت أن تسجل نفسها كعلامة ثقافية فارقة. الثاني: أن ما ينتج حاليا يحتاج إلى وقت للقراءة والتحليل وتقييم أثر هذه الكتابات على الفرد والمجتمع على المدى البعيد.
■ وضع الناقد المصري علي الراعي، القهر السياسي والاجتــــماعي في مقدمـــة الثيمـــــات التي تناولتها الروايــة العـــــربية لعدة عقـــود، هل تمخضت مـــن الحـــراك الروائي ثيمات جــديدة؟ أم لا توجد إضافة لما كان متداولا في السابق؟
□ لكل زمن ثيماته الخاصة، ولا يمكن أن تتوقف عجلة الحياة وتدور حول أفكار وتصورات واحدة فقط، بل لا بد أن يكون هناك اختلاف ولو كان طفيفا. والثيمات المطروحة في هذه الفترة هي ثيمات الهوية المختلفة بكل أطيافها من هوية الأقليات، والنساء، والمهمشين وقضايا المسكوت عنه، ومواضيع التاريخانية الجديدة في إعادة قراءة الشخصيات، من منظور جديد بعد توفر حقائق جديدة، أو رؤية جديدة تتيح لنا قراءة القديم برؤية جديدة. ومن جانب آخر انتشرت الروايات التسجيلية الراصدة للحروب وصور العنف والدمار الذي احتل أماكن كثيرة في الوطن العربي.
وتظهر ثيمات أخرى في طرح أعمال أخرى ترصد صور الشتات العربي في المنافي البعيدة. كما كثرت موضوعات طرح الفساد، وحضوره بقوة، إلى درجة أن بعض الكتاب أصبحوا يشيّدون عوالمهم الكتابية بناء على فضح وتعرية الفساد الموجود في كل فضاءات النص، ما يحيل إلى قضية المبالغة في تعرية الفساد، وأصبح الفساد والأدب الفضائحي مطية لبلوغ الشهرة.
■ حققت أسماء نسائية في السنوات الأخيرة، حضورا لافتا في مشهد الإبداع الروائي، ما هي الأبعاد المميزة في منجز الإبداع النسائي؟
□ نستطيع القول إن الإبداع الروائي النسائي، استطاع أن يقدم نفسه بطريقة لافتة، وبطريقة لا تقل عن إبداع الرجل، الذي كان وريث عروش الكتابة، فيما هي دخلت إلى هذا العالم حديثا. وهذا ربما يفسر لنا سبب ابتعاد الكاتبة المرأة عن تمثيل قضاياها الخاصة، خوفا من طريقة استقبال نصوصها كونها وقعت في شرك الكتابة النسوية المتطرفة، أو لا تريد إغضاب المثقفين الرجال في طرح موضوعات جدلية، تقوض تاريخ الأدب الذكوري. من الممكن القول إن النساء الكاتبات ينطبق عليهن في هذه الحالة ما تقوله فرجينيا وولف، مشيرة إلى قول السير إيغرتون برايدجيز، الذي «نصح النساء بأنه في حال أردن أن يكن جيدات، ويكسبن، كما افترضت، جائزة لامعة، فإن عليهن أن يبقين داخل الحدود التي يظنها الرجال المحترمون مناسبة» (وولف، غرفة تخص المرء وحده). أما النوع الآخر فيكتب عن القضايا النسوية بتطرف وسطحية، ما يجعل من قضية المرأة قضية سطحية، لسطحية المطالب المعروضة في الأعمال الروائية، كنزع الحجاب، والطلاق من أجل التفرغ للكتابة الإبداعية، أو خوض بعض المغامرات العاطفية أو قضايا المثليين. وخط ثالث يعرف طريقه بوضوح ومتمكن من أدواته المعرفية ويناقش القضايا الإنسانية العامة مثلما يركز على تمثيل قضايا المرأة الحقيقية بوعي كبير. حقيقة، لا يزال الطريق في بداياته من أجل الوصول إلى أدب نسوي حقيقي

تزامن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، ظهور القارئ بأنواعه المختلفة، وأصبح بإمكانه أن يملك منصة للتعبير عن ذاته وآرائه في الأعمال الإبداعية، ولا يمكن أن يكون القراء على مستوى واحد من الوعي والعمق والإدراك الجمالي.

■ لم يعد الناقد حامل «دمغة الذهب « كما كان يقول لويس عوض، بل أصبح القارئ العادي يزاحمه في الوظيفة، كيف ينعكس هذا الوضع على المستوى الإبداعي؟
□ لقد تزامن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، ظهور القارئ بأنواعه المختلفة، وأصبح بإمكانه أن يملك منصة للتعبير عن ذاته وآرائه في الأعمال الإبداعية، ولا يمكن أن يكون القراء على مستوى واحد من الوعي والعمق والإدراك الجمالي، ما يعني أنه ستكون هناك طفرة لظهور القارئ العادي، الذي لا يتوقع من النص الإبداعي إلا التسلية والمتعة المتحققة من طرح قضايا عادية جدا، مثل المغامرات العاطفية والحب، وقصص الجرائم، ولو تفوق كاتبهم المفضل على ذلك الطرح قليلا لكان هذا هو شكسبير عصره، وديستوفسكي زمنه. في المقابل، انعكس ذلك على الكتّاب أنفسهم، بحيث أنهم يكتفون بنسب القراءة والمبيعات وتعليقات «الجود ريد» على تعليقات القراء الجادين والمثقفين. وطبعا إذا ترشحوا لجائزة، سواء في القائمة الطويلة، أو القصيرة، كان هذا نهاية النهايات، وفتح الفتوحات الإبداعية، ويصبح هذا الكاتب إلها صغيرا يغذيه القراء بمشاعر القدسية والعبودية، ويأخذ وضعية المتفرج على القراء، وهم يطبلون له ويثنون عليه بمدائح ومبالغات كبيرة جدا.
■ من أبرز خصائص الرواية الحديثة، تعددية الأصوات وما يسودها من أجواء ديمقراطية، بحيث لن يكون دور المؤلف أكثر من إدارة دفة السرد والترتيب، ولكن كيف نفهم ظاهرة ديكتاتورية المؤلف في معظم الروايات العربية فهو يكتم صوت شخصياته الروائية؟
□ يقول الناقد الفرنسي البنيوي رولان بارت: «صورة الأدب الموجودة في الثقافة المعاصرة هي بشكل استبدادي مركزة على المؤلف، شخصه، وتاريخه، وأذواقه، ورغباته: يبقى النقد يتشكل، في أكثر الوقت، بقول: إن عمل بودلير هو فشل الرجل بودلير، وعمل فان جوخ هو جنونه، ورذيلة تشايكوفسكي، شرح العمل، دوما يبحث في الرجل الذي أصدر العمل، كما لو، خلال الأكثر والأقل استعارة واضحة للتخييل، كان دائما بشكل نهائي الصوت للشخص الواحد، الكاتب، الذي ينقل ثقته». هذا يفسر لنا جزءا من أنوية الكاتب الغربي في الماضي، التي لا تزال تأخذ أشكالا من الحضور الخفي والجلي في أوساط ثقافية متعددة. تتضح ديكتاتورية المؤلف من اختيار الموضوع أولا، فهو لا يختار إلا المواضيع التي تتوافق ورؤيته، وتوجهه، ولا يتحدث عن غيرها. ربما ينتج هذا السلوك الكتابي، عن عدم قدرة المؤلف على رؤية جوانب الحياة الأخرى، أو لأن ما يراه ويتصوره هو الأكثر صحة ودقة بالنسبة له. كما أنه أحيانا لا ينوع شخصياته ويجعلها محدودة جدا، حتى لا يدخل في إشكالية طرح الرؤى المختلفة، وتضعه في مساءلة اجتماعية سياسية دينية، أو حتى ثقافية. ربما من الجيد القول إن ظاهرة التأليف هي ظاهرة حديثة نسبيا، كما يقول ميشيل فوكو في دراسته البليغة حول المؤلف. وإذا كان هذا الأمر ينطبق على المجتمع الأوروبي، وهو الذي سبقنا إلى عصر الكتابة، فبالتأكيد أنه لا يزال أمام المؤلف العربي طريقا طويلا من الممارسة للتخلي عن نرجسيته وأناه العالية، التي أحيانا تجد في الورق والكتابة متنفسا لها لانهزام ذات المؤلف أمام مضمرات وأنساق القهر الثقافي والاجتماعي والسياسي. باختصار، دائما تنحاز الديكتاتورية لصاحبها، ولا تنحاز للمجتمع والحقيقة والتاريخ.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!