الناقد عبدالحميد الحُسامي: الرواية اليمنية بدأت تتجاوز نفسها وليس مهما أن تفوز بالجوائز

صنعاء ـ « القدس العربي»: في هذه المقابلة مع الناقد الأكاديمي اليمني عبد الحميد الحُسامي نحاول تقديم مقاربة لراهن ومسار تحولات الخطاب في الرواية اليمنية، وما حققته تجربتها، وبخاصة في السنوات الأخيرة، على الرغم من واقع الحرب والخراب. أصدر الحُسامي وهو أستاذ للأدب والنقد، عدداً من الكتب، كما فاز بتسع جوائز آخرها جائزة كتارا للرواية […]

Share your love

الناقد عبدالحميد الحُسامي: الرواية اليمنية بدأت تتجاوز نفسها وليس مهما أن تفوز بالجوائز

[wpcc-script type=”c0f0e916690a08cca8a61617-text/javascript”]

صنعاء ـ « القدس العربي»: في هذه المقابلة مع الناقد الأكاديمي اليمني عبد الحميد الحُسامي نحاول تقديم مقاربة لراهن ومسار تحولات الخطاب في الرواية اليمنية، وما حققته تجربتها، وبخاصة في السنوات الأخيرة، على الرغم من واقع الحرب والخراب. أصدر الحُسامي وهو أستاذ للأدب والنقد، عدداً من الكتب، كما فاز بتسع جوائز آخرها جائزة كتارا للرواية العربية في مجال النقد 2017، عن كتابه «تمثيل ابن عربي في المتخيل الروائي العربي».

الجوائز

■ ترشيح ثلاث روايات يمنية مؤخراً لجائزتين عربيتين…هل يمكن الاعتداد به مؤشراً زمنياً ونوعياً لما وصل إليه تطور هذه الرواية؟
□ ترشيح روايات يمنية لجوائز عربية هو مؤشر استحقاق، ولكنه في الوقت نفسه ليس حاسمًا ـ بالضرورة – في التدليل على جودة العمل وتطور الرواية اليمنية؛ لأن للجوائز اعتباراتها الموضوعية، كما لها اعتباراتها غير الموضوعية أحياناً، لكن الأهم هو أن متابعة المشهد الروائي في اليمن، من خلال نظرة كلية ومحايدة، تمنحنا اطمئنانًا بأن الرواية في اليمن أخذت تنتزع مكانتها وحضورها وخصوصيتها. ويمكن القول إن هناك عددًا من الأقلام الروائية اليمنية تشتغل بوعي تجريبي مثابر، يحاول أن يتجاوز نفسه؛ وأن يقتفي الجديد والمتجدد في عالم السرد العربي والعالمي، محاولاً أن ينتزع خصوصيته المضمونية بالاتجاه نحو الفضاء الوطني والانطلاق من مرجعه الحي، والإصغاء لصوت الذات الذي يسهم في خلق البصمة الخاصة للمبدع.
■ وهل يمكن الانطلاق من هذا الترشيح إلى اعتبار تلك الروايات هي أفضل ما قدمته الرواية اليمنية حتى الآن؟
□ الفوز بالجائزة، أي جائزة، هو مؤشر يُستأنس به، لكنه ليس معيارًا للحكم على الظاهرة برمتها؛ إننا لو تسامحنا في الحكم يمكن أن نقول: إن الروايات الفائزة في جائزة ما قد تكون هي أفضل الروايات التي قدمت للجائزة ذاتها، من وجهة نظر لجنة التحكيم التي فحصت تلك الروايات وقامت بالمفاضلة بينها؛ ووجهة النظر هذه في الأعمال الإنسانية ليست شرطًا أن تكون قطعية، لكنها تنبني في الأغلب على معايير علمية، وبخاصة إذا تحرت الجهات القائمة على الجائزة مراعاة التخصص والكفاءة فيمن يتم انتدابهم لمهمة التحكيم. وهذا يعني أن الروايات التي قُدمت قد استحقت التقدمة على ما سواها مما قُدم للجائزة، ولا يصح بحال من الأحوال أن نعد ترشيحها معيارًا للحكم على أفضليتها بالنسبة للمشهد اليمني أو العربي، لأن هناك روايات ربما زهد أصحابها في التقدم بها للجائزة، أو أن هناك شروطًاً معينة إدارية، أو غيرها كانت وراء استبعادها من المنافسة.

على المبدع أن يتجه بإبداعه ضمن مشروعه الذي يهجس به، ويتواءم مع رؤيته، وأن تتأطر تجربته بالعميق والإنساني وأن يرتقي بكل ما يبدعه لينضفر في هذا الإطار.

■ أفهم من كلامك أن لا قيمة لتزامن هذا الترشيح؟
□ من وجهة نظري يُعد هذا التزامن شيئًا مبهجًا، ونحن نبارك للمبدعين الذين حازت أعمالهم ترشيحا لجوائز عربية، ونتطلع إلى حضور نوعي للمشهد اليمني عربيًا وعالميًا، ونثمن هذه الومضات التي تبدد شيئًا من ظلمة محدقة بنا، في نفقٍ لم نعد نعلم منتهاه. إن هذا الحضور مؤشر مهم ينبغي للمتطلعين من الكتاب أن يقتنصوا دلالاته، وأن يمنحوا العمل السردي اهتمامًا عميقًا؛ وأن يتجهوا إلى التجريب الواعي الذي يصغي لأسئلة الذات والحياة، وهواجس الإنسان في هذه اللحظة التاريخية العصيبة، وبالعودة لسؤالك أقول: ينبغي أن لا نجعل من ذلك معيارً علميًا للحكم، لكن علينا أن نحتضن هذه اللحظة لمناوشة أسئلة الرواية.
■ وهل الكلام نفسه ينطبق على عدم فوز هذه الرواية بـ«البوكر» حتى اليوم؟
□ ليس المهم أن تفوز الرواية اليمنية بالبوكر أو سواها من الجوائز، مع إيماني بأن الجائزة، أي جائزة، هي ضمنيًا ناقد وقارئ للعمل الروائي أو سواه، إنها قارئ ضمني يحضر بشكل أو بآخر في العمل الروائي الذي يتجه إليها، فهي من ناحية عامل تحفيز وتجويد، وهي من زاوية أخرى عامل تضليل لمن يولي وجهه شطرها. ينبغي على المبدع أن يتجه بإبداعه ضمن مشروعه الذي يهجس به، ويتواءم مع رؤيته، وأن تتأطر تجربته بالعميق والإنساني وأن يرتقي بكل ما يبدعه لينضفر في هذا الإطار، وأن يؤمن بأن العمل الأدبي ينبغي أن يُستنسب للجمالي الذي يتواشج مع الرؤيوي بدون فصام، فلا يتحول لرسالي يتخلى عن الجمالي، ولا يكون لعبًا جماليًا خلوًا من رؤية عميقة. هنا التحدي الذي ينبغي أن يراهن عليه المبدع من وجهة نظري النقدية، وأي رهان على ما سوى ذلك فهو رهان خاسر. إن الأعمال الكبيرة هي التي تصنع القيمة الحقيقية للجائزة، وتمنحها رصانتها، وتؤشر إلى مدى مسؤوليتها، وليس العكس، فلا يمكن أن تمنح الجائزة عملًا أدبيًا قيمته لمجرد أنها أعلنت فوزه بها، وكم من عمل أدبي متواضع فاز بجائزة فقضى على سمعتها، وكم من جائزة منحت لاعتبارات غير منهجية وغير نقدية، فتتكشف سوءاتها لدى القارئ الحصيف عندما يقرأ ذلك العمل بعيدًا عن الانبهار باسم الجائزة.

الروائي اليمني يحاول أن يتجاوز الألم، ويستقوي على الظروف، ويقول ها أنذا، لم أغب عن المشهد.

الحرية

■ حققت الرواية في بلدان مجاورة لليمن تراكماً وتطوراً لافتاً، على الرغم من عمرها القصير… كأن تطور الرواية لا علاقة له بالحرية بقدر علاقته بالاستقرار الاقتصادي، هل ثمة عوامل أخرى تقف وراء تطور المشهد الروائي في أي بلد؟
□ الحرية مسألة نسبية، والحرية حريات، ويمكن للمبدع أن يخلق فضاءه الخاص به، وأن يعيش حريته بشكل أو بآخر، والحرية في الفضاء السياسي هي نوع من أنواع الحرية، وحرية التفكير والتعبير تتداخل وتتخارج مع الحرية في الفضاء السياسي، ومنافذ الإبداع متعددة، وقضاياه لا حدود لها، فقد لا ينشغل المبدع الروائي بالنقد السياسي، لكنه ينشغل بالنقد الاجتماعي، ونقد المؤسسة الدينية، مع إيماني بأن الحرية منظومة متكاملة، لكن ينبغي أن ننظر للأمور من كل الزوايا. الروائي اليمني يبحث حاليًا –للأسف- عن لقمة العيش، عن لحظة أمن، عن وطن تتوفر فيه ولو أدنى حدود الوطن. هنا المأساة التي تجعل الروائي اليمني في مهب الريح، كيف يتفرغ مبدع لمشروعه وهو يبحث عن حاجـــته ككائن حي ليس كإنسان أو كإنسان مبدع.
وأن يقدم الروائي اليمني ما يقدمه من إنجاز في هذا السياق يعد إنجازًا مهمًا وكبيرًا، علينا أن نقف إزاءه وقفة إجلال، فالروائي اليمني يحاول أن يتجاوز الألم، ويستقوي على الظروف، ويقول ها أنذا، لم أغب عن المشهد.

مؤشرات

■ لو أمعنا النظر في ما حققته الرواية اليمنية خلال تسعة عقود (وفق معظم الباحثين فأول رواية يمنية كانت رواية أحمد السقاف «فتاة قاروت» عام 1927).. كيف تجد ما تحقق لها مقارنة بالرواية في بقية الأقطار العربية؟
□ لكل قطر ظروفه، ولكل مبدع سياقه الخاص الذاتي والاجتماعي الذي يبدع فيه؛ ولا نستطيع أن نقارن المبدع اليمني بمبدع آخر في قطر عربي، فالمبدع في اليمن محكوم بشروط المجتمع اليمني السياسية والاجتماعية، وبالفضاء العام الذي يعيش فيه ويكتنف إبداعه. المبدع اليمني فرضت عليه الحياة أن يعيش في كباد، فلا المؤسسات الرسمية تتحمل مسؤولياتها تجاهه، ولا لديه من إمكانات الحياة ما يساعده على تسويق نفسه، أو التفرغ لمشروعاته الإبداعية، وما نراه من نجاحات للمبدع اليمني في كل مساقات الإبداع هو حفر في الصخر، ولا يطيقه إلا أهل الطموح، وأولو العزم من المبدعين. وعلى الرغم من ذلك فإن المشتغلين بالرواية اليوم في اليمن يحققون نجاحًا مهمًا ليس من الضروري أن نقارنه بما ينجزه آخرون في أقطار أخرى، ولعل الفرصة متاحة اليوم للروائي أن يستثمر معطيات التقنية، وإمكانات التواصل لتحقيق منجز سردي ذي مواصفات عالمية.

النقد والإبداع جدلية لا ينفصل طرفاها، وكل منهما يصنع الآخر، فالنص المكتنز يصنع نصًا نقديًا ثريًا، والنص النقدي الناجح هو الذي يصنع المشهد الإبداعي ويستفزه ليرتقي إلى الممكن.

■ وعند مقارنتها بالرواية العربية… أين تقرأ أهم مؤشرات القوة والضعف في الرواية اليمنية؟
□ أعتقد من خلال متابعتي للمشهد الروائي في اليمن أن من أهم ثغراته أن الروائي اليمني حاول أن يصغي للخارج أكثر من إصغائه للداخل، حاول أن يقلد الروايات التي تستفز، أكثر من اتجاهه للقضايا الكبرى في الحياة، حاول أن يلهث وراء التجريب أكثر من الانطلاق من جوهر همٍ خاص ومشروع ذاتي، كما أن من المآخذ أن عددًا من الروايات اليمنية مأخوذة بالانبهار بمنجز الآخر. وأهم مؤشرات القوة التي جعلت الرواية اليمنية اليوم تأخذ موقعًا جيدًا أنها أخذت في تحقيق نوع من التراكم، وبدأت تتجاوز نفسها، وبدأت تصوغ عوالمها من هواجسها الخاصة، وأخذت تستوعب تحولات الرواية عربيًا وعالميًا.

تحولات

■ ثمة تحولات فارقـــــة شهدها الخطاب الروائي اليمني خلال الألفية الراهنة… أين نجد أبرز هذه التحولات مقارنة بما كان للرواية في مرحلة محمد عبدالولي وزيد دماج وغيرهما في القرن الماضي؟
□ محمد عبد الولي وزيد دماج والزبيري ـ في رواياتهم- انطلقوا من قضية ثورية اجتماعية، وفقًا لمعطيات مرحلتهم، ومزاج تلك المرحلة، وفي تقديري أن انشغالهم بمفهوم الحرية، وتلمس معاناة الإنسان كان من أهم عوامل نجاحهم، ولعل الرواية في المرحلة الراهنة، أخذت تسلك في دروب كثيرة منها ما طرأ عليها من تحولات جمالية جعلت (التقني) من أولويات الروائي، كما انطلقت الرواية لمساءلة الهامش، ومناوشة المقدس الديني والاجتماعي كثيرًا، كما هو لدى الأهدل والمقري والغربي، وأخذت الرواية تتجه لتمثيل التاريخي في الروائي، كما هو متجسد لدى الغربي عمران، ويشكل أبرز علامة في رواياته، كما أخذت المرأة تنافح في سبيل انتزاع موقع لها كاتبة ومكتوبة، كما بدأ يتشكل لدينا مفهوم (الروائي المشروع) الذي يتلمس مشروعه، ويكتب في أفقه، وينزع لتحقيقه، وهو أهم تحول من وجهة نظري، وأهم منجز يمكن أن يحتفي به المشهد الروائي.

النقد

■ في الأخير… إلام تعزو غياب النقد عن مواكبة المشهد الإبداعي الروائي في اليمن على كثرة النقاد بمن فيهم الأكاديميون؟
□ النقد والإبداع جدلية لا ينفصل طرفاها، وكل منهما يصنع الآخر، فالنص المكتنز يصنع نصًا نقديًا ثريًا، والنص النقدي الناجح هو الذي يصنع المشهد الإبداعي ويستفزه ليرتقي إلى الممكن ويغادر خانة المتحقق الكائن. وأجزم أن من يتحداك هو من يصنعك، في كل مستوى من المستويات. ولا شك في أن المنجز النقدي متأخر عن مواكبة المنجز الإبداعي؛ لأن المؤسسات العلمية لا تقوم بواجبها، ولأن النمطية هي السائد في الفعل النقدي؛ وهذا التأخر يجني على النقد وعلى الإبداع في آن.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!