الوسواس القهري (بالإنجليزية: Obsessive-Compulsive Disorder) هو مرض يصنف من ضمن الأمراض النفسية وأمراض القلق والتوتر. يصيب الوسواس القهري الذكور والإناث بنفس النسبة وعادة ما تبدأ أعراض الإصابة به في أواخر سن المراهقة، بالإضافة إلى إمكانية إصابة كبار السن والأطفال به أيضاً. هو مرض تندرج تحته العديد من الأفكار والهواجس التي قد لا تكون مقبولة في بعض الحالات، بحيث تدفع المريض إلى القيام بأفعال متكررة وغير منطقية، أو قد تفرض عليه تجنب أمور مختلفة. وقد سمي الوسواس القهري بهذا الاسم؛ نظراً لكون هذه الوساوس أو الأفعال التي يقوم بها المريض خارجة عن إرادته ولا يمكنه التخلص منها. وقد تصل هذه الأفكار والأفعال في مراحل متقدمة إلى درجة تعيق مجرى الحياة اليومية والاجتماعية عند من يعاني منها، مما يولد عنده الشعور الدائم بالقلق والتوتر، الذي قد يصل في حالات شديدة جداً إلى الإصابة بالاكتئاب أو الانتحار. تأتي الهواجس والأفعال التي تنتج عن مرض الوسواس القهري على درجات، ولكن تندرج جميعها تحت مسمى الوسواس القهري، ويجب على المريض مراجعة الطبيب المختص لتلقي العلاج المناسب بأسرع وقت. وتبقى جميع الأفعال والأفكار ضمن الوضع الطبيعي، ما دامت لا تؤثر سلباً على حياة الشخص ولا تأخذ حيزا كبيراً من وقته وتفكيره. ولا يزال السبب الرئيسي للإصابة بمرض الوسواس القهري غير معروف إلى وقتنا الحالي، ولكن أثبتت الدراسات الحديثة أن العامل الجيني يلعب دوراً مهماً في مثل هذه الحالة، حيث يلاحظ في معظم الحالات انتشار الإصابة بهذا المرض بين الأشخاص من ضمن العائلة الواحدة. كما أشارت بعض الدراسات والأبحاث إلى أن مرض الوسواس القهري هو عبارة عن خلل في الدماغ بسبب نقصٍ في بعض النواقل العصبية، مثل السيروتونين. هناك أنواع نادرة وفرعية من الوسواس القهري تكون ناتجة عن الإصابة بعدوى بكتيرية أو فيروسية، ينشأ عنها رد فعل مناعي يهاجم الدماغ بدلاً من مهاجمة العدوى نفسها، وتظهر أعراض الوسواس القهري في هذه الحالة بشكل مفاجئ وسريع. ويطلق على هذه الحالة مرض PANDAS/PANS، الذي يتم تشخيصه بإجراء بعض الاختبارات الخاصة بالكشف عن وجود البكتيريا والفيروسات.


الوسواس القهري عند الأطفال

يختلف كل طفل عن غيره في طبيعة إدراكه لمرض الوسواس القهري والتعبير عن قلقه وتوتره، إذ يجد الطفل صعوبة بالغة في شرح وتفسير الهواجس والأفكار التي تدور في داخله، بالإضافة إلى أنه لا يستطيع التمييز بين السلوك العقلاني الطبيعي وغيره من السلوكيات. وفي بعض الأحيان يلجأ الطفل لإخفاء هذه السلوكيات والحركات المتكررة عن أهله؛ لشعوره بالحرج منها، مما يصعب من تشخيصه وعلاجه. ولذلك ينصح الأطباء وعلماء النفس الأهل، وخاصةً العائلات التي يوجد لديها تاريخ مرضي للإصابة بهذا المرض، بالحرص على مراقبة الطفل ومتابعته بشكل دائم؛ لتقييم حركاته وتفاعله مع الآخرين، وملاحظة أي سلوكيات غريبة تشير إلى إصابته بالوسواس القهري.

أعراض السلوكيات الوسواسية القهرية عند الأطفال

من السلوكيات الغريبة التي يمكن ملاحظتها على الطفل كمؤشر على احتمالية إصابته بالوسواس القهري، ما يلي:

  • صعوبة في التركيز.
  • عدم الشعور بالفرح عند اللعب مع أقرانه.
  • مواجهة صعوبة في أخذ أي قرار بسيط.
  • الشعور بالخوف وعدم الارتياح.
  • تكرار الحركات والكلام بشكل غريب.
  • انفعال الطفل عند محاولة تغيير نظامه وروتينه.
  • يمكن أن يعبر الطفل عن الأفكار والهواجس، بقوله أن هناك صوت مزعج وخفي داخل رأسه.
    وعند ملاحظة أي من هذه الأعراض على الطفل، يتوجب على الأهل التوجه بأسرع وقت ممكن إلى الطبيب النفسي أو أحد خبراء الصحة النفسية؛ لتشخيص الحالة، وذلك عن طريق إجراء بعض الاختبارات وطرح عدد من الأسئلة على الطفل وعلى الأهل أيضاً. وفي حال إصابة الطفل بمرض الوسواس القهري وعدم تلقيه للعلاج بالوقت المناسب، سيؤثر المرض بشكل سلبي وكبير على نموه، وعلى بناء شخصيته، وتطوير قدراته.


أمثلة السلوكيات الوسواسية القهرية عند الأطفال

يمارس الأطفال هذه السلوكيات لأنهم يشعرون بأن السلوكيات ستمنع حدوث الأشياء السيئة ظانين بأنها ستجعلهم يشعرون بتحسن. وهنا ذكر لبعض الأمثلة على السلوكيات الوسواسية القهرية التي يقوم بها الطفل المريض بمرض الوسواس القهري مراراً وتكراراً، والتي يشعر بضرورة عملها بهدف التخلص من أفكاره ومخاوفه:

  • غسل اليدين والأدوات الشخصية بشكل مبالغ فيه، وقد تصل في بعض الحالات إلى مئة مرة باليوم.
  • التأكد من إغلاق النوافذ والأبواب عدة مرات.
  • التأكد المتكرر من القيام بحل الواجبات وإتمام المهام المختلفة.
  • الحرص على القيام بنفس الروتين اليومي بشكل مبالغ فيه، بحيث يصبح المريض إنسان تقليدي روتيني لا يسمح لأحد بتغيير نظامه.
  • تكرار نفس الجملة ونفس الحركات، وطرح نفس الأسئلة عدة مرات.
  • الاعتذار وتبرير الأخطاء بشكل متكرر ومبالغ فيه.
  • التردد المستمر والتفكير الزائد.
  • تجنب لفظ أو رؤية بعض الأرقام والأشكال.

علاج مرض الوسواس القهري

الخطوة الأولى للعلاج تكون بالتحدث مع مقدم الخدمة الصحية لترتيب التقييم الشامل من قبل أخصائي الصحة العقلية لتحديد ما إذا كان المرض بسبب ذكريات حدث صادم حدث للطفل أم هو مبني على مخاوف وأفكار أخرى. بعد ذلك بحسب حالة المريض ووضعه الصحي يمكن أن يتم العلاج من خلال:

  • العلاج السلوكي والمعرفي (بالإنجليزية: Cognitive behavioral therapy): حيث يلجأ الطبيب إلى شرح طبيعة مرض الوسواس القهري وتوضيح أعراضه وطرق علاجه للمريض ولأهله، ووضع الحلول والأساليب التي يجب اتباعها للتخلص من الأفكار السلبية. يحتاج العلاج السلوكي المعرفي إلى أطباء متخصصين في هذا المجال. وفي بعض الحالات يحتاج المريض إلى فريق رعاية خاص من علماء النفس والمعالجين المتخصصين.
  • العلاج الأسري: ضرورة تعاون الأهل، والمدرسين، والأصحاب في استيعاب تصرفات وأفكار المريض ومساعدته ليتعافى.
  • مضادات حيوية: إذا وجد أن الوسواس القهري مرتبط بعدوى بالمكورات العقدية، قد يحتاج الطفل إلى مضادات حيوية.
  • العلاج الدوائي: يلجأ الطبيب في بعض الحالات إلى صرف أدوية الاكتئاب التي تساعد في التخلص من أعراض الوسواس القهري، مثل: مثبط استرداد السيروتونين الانتقائي (بالإنجليزية: Selective serotonin-reuptake inhibitor).