الوظيفة البنائية للحرف في أعمال الجزائري بلقاسم صالحي

يصنف الخط العربي ضمن خانة التجارب الحروفية، التي تفتح مجالا أوسع للإبداع العربي، وللخطاط بلقاسم صالحي وظائف بنائية بمسوغات فنية ذات جماليات متعددة، تروم مواضيع داخلية متنوعة، يقاربها المبدع بواقع التلقي الحروفي، وباستمرارية القيم الجمالية للخط العربي في نطاقه الحروفي، المدجج بحركات يبسط أشكالها بكميات متفاوتة في الفضاء. وبذلك ففي المنظور الفني، يبدو أن القاعدة […]

الوظيفة البنائية للحرف في أعمال الجزائري بلقاسم صالحي

[wpcc-script type=”fbb6a376b2480326fa3222f3-text/javascript”]

يصنف الخط العربي ضمن خانة التجارب الحروفية، التي تفتح مجالا أوسع للإبداع العربي، وللخطاط بلقاسم صالحي وظائف بنائية بمسوغات فنية ذات جماليات متعددة، تروم مواضيع داخلية متنوعة، يقاربها المبدع بواقع التلقي الحروفي، وباستمرارية القيم الجمالية للخط العربي في نطاقه الحروفي، المدجج بحركات يبسط أشكالها بكميات متفاوتة في الفضاء. وبذلك ففي المنظور الفني، يبدو أن القاعدة الحروفية لديه تتأسس على مسلك خطي منظم في نطاقه الكلاسيكي، تخترق الشكل الحروفي؛ أي أن الشكل الحروفي العام يحتضن الخط العربي بمقوماته الجمالية. وهو تداخل يشكله المبدع وفق تصوراته ووفق أسلوبه المميز. لكنه كذلك في المنظور النقدي، يشكل غارة خطية على الشكل الحروفي، حين يتداخل تركيب الخط العربي مع الأشكال الحروفية المنفصلة، سواء عبر الحروفيات، أو عبر اللون وعلاماته.
إلا أن بلقاسم صالحي يتوفق في تحقيق الوصل الفني، إذ يحوّل منه توليفا جماليا عبر مقاربة تحكمها سياقات المادة الفنية المحملة بخصائص الحروف العربية، التي تمتد في الخط وفي التشكيل الحروفي، وتنتج في سياق آخر توليفا بين الشكل الحروفي العام والمضامين. إن هذا المسلك يضمر في طيه معاني دلالية مرتبطة بالاستدراجات اللونية، والتكاثف الخطي والتركيب الحروفي المرتبط بالشكل، ما يعضد الخطابات الخطية الكلاسيكية المخفية في الشكل الحروفي العام، إنه سياق يروم في عمقه التأويلات المتنوعة المفتوحة على مختلف القراءات.


إن طريقة التوظيف البنائي للحرف في أعمال صالحي تتمثل في مسلك إدماجي خطي حروفي، يمثل العملية الشكلية بتكثيف جمالي مستقى من الثقافة الخطية العربية الإسلامية. وهو يسعى من خلاله إلى إعادة صياغة الشكل الجمالي برؤيته الفنية وتصوره لعملية التوظيف البنائي للشكل الخطي والحروفي، فيتجلى حسه الفني من خلال ذلك: في التقاطعات الخطية/ الحروفية، وفي جمال التركيب والتداخل، والوصل بين مختلف المفردات، وفي الأرضية اللونية المتلائمة مع المعنى الشكلي العام. إنه يميز بذلك الخطاب الفني المبني على قاعدة خطية وحروفية، إذ إن الخطاب يوجه المضامين، وهو ما ينم عن تجربة المبدع الذاتية، فمختلف العمليات الخطية أو الحروفية المنجزة تمر من عملية إنجاز الخطاب، وهو ما يتجلى واضحا من خلال البؤر اللونية الفضائية، ومن خلال الملمس التشكيلي، ومن خلال التدجيج الخطي في بؤر شكلية مختلفة التراكيب والحروفيات.
وتشكل عملية بناء الشكل واللون قاعدة أساسية في ترسيم البؤر الخطية، بتقنيات معاصرة تتجلى فيها بوادر التجديد وتحرير الحرف من القيود الشكلية. وهو ما يمنح معنى جديدا للشكل الخطي وللعمل الحروفي. وبتعبير آخر؛ فإن المبدع يعتمد وظيفة بنائية قوامها الحركة المتنوعة التي تنتج معاني دلالية مغايرة. فهو وإن اتسمت أعماله بالرصد المسبق، فهو يركز على أسلوب حروفي محكم بوظائف بنائية تتخذ رسمها وصورتها من الخط العربي للتعبير باللون والخط والشكل الحروفي في تفضيء مباشر. ويمكن عد ذلك منحى تعبيريا في مساحات مثيرة، تكتنفها العناية الدقيقة بالقيم الجمالية وبقيم السطح، وبخاصيات التركيب؛ إذ يمنح أعماله خصوبة من خلال تركيبه للحروف داخل الشكل الحروفي وصياغتها صياغة الناظم للعقد، بالشكل الجمالي الذي يجذب البصر ويؤثر في الإحساس، كما أن عمليات البناء التوظيفي تلائم ماهية أعماله شكلا ومضمونا. وهذا من خصائص الاشتغال الحروفي من جهة، وهو نابع كذلك من أسلوبه المتفرد، الذي يمزج بين جماليات التركيب الخطي والشكل الحروفي في نطاق وحدة فنية مبنية على أسس جمالية. وفي هذا النطاق نجد نوعا من الانسجام والتوازن بين جماليات التشكيل وجمالية التوظيف الخطي، حيث يستطيع المبدع بمهارته العالية أن يكوّن إطارا فنيا يطوع فيه الشكل والحرف واللون، مصففا ومنظما بشكل محكم، ومرصعا بطبائع ذات فنيات من الخط العربي والحروفية العربية المنسجمة مع التوجه التشكيلي المعاصر، وهو ما يكشف عن بلاغة حروفية، وعن قدرة إبداعية بقدر ما أنتجته هذه التجربة من جديد في هذا المجال الخصب الذي يتسم بالقيم التعبيرية والجمالية، وبحمولة ذات خصائص فنية متفردة.
إن للمبدع بلقاسم صالحي إمكانات كبيرة للدفع بمجال الخط العربي والحروفية العربية إلى أبعد الغايات الفنية، التي يبرهن بها هذا المسلك التعبيري المتفرد في التشكيل المعاصر.

٭ كاتب مغربي

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!