اليمني حبيب سروري: لا أعتبر نفسي روائي القبيلة

صنعاء ـ «القدس العربي»: تمثل رواية حبيب عبدالرب سروري (1956) تجربة خاصة ليس في الرواية اليمنية وحسب، وإنما في الرواية العربية عموماً؛ بل إنها تناهز العالمية في اشتغالها على المستقبل بالحاضر، ومقارعة التابوهات بالعقل كقوة تفاعلية لا يتجاوز وعيها تقنيات وفضاءات التواصل العصري، معتمدة لغة جديدة ورؤية أجد في تفكيك قضايا غاية في التعقيد، من […]

اليمني حبيب سروري: لا أعتبر نفسي روائي القبيلة

[wpcc-script type=”7bba5515c9a7a7fc4c742103-text/javascript”]

صنعاء ـ «القدس العربي»: تمثل رواية حبيب عبدالرب سروري (1956) تجربة خاصة ليس في الرواية اليمنية وحسب، وإنما في الرواية العربية عموماً؛ بل إنها تناهز العالمية في اشتغالها على المستقبل بالحاضر، ومقارعة التابوهات بالعقل كقوة تفاعلية لا يتجاوز وعيها تقنيات وفضاءات التواصل العصري، معتمدة لغة جديدة ورؤية أجد في تفكيك قضايا غاية في التعقيد، من خلال قراءات نقدية واعية بما تريد أن تقوله وتصل إليه.

ويمكن القول إنها تُمثل اتجاهاً مختلفاً في المعالجة السردية والخطاب النقدي الحر، بل إن هذا النهج يخصه هو وحده؛ إذ يشتغل عليه منذ وقت مبكر ضمن مشروع روائي، تبدو ملامحه واضحة، بل هي كذلك منذ صدور أولى رواياته بالفرنسية «المملكة المغدورة» عام 1998، التي صدرت ترجمتها بالعربية لعلي مُحمد زيد عن دار الساقي 2017. وظل هذا المشروع يتطور في الثماني الروايات التي صدرت له لاحقاً، بالعربية بدءاً من «دملان» الصادرة عن دار الآداب، التي رُشحت للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، وصولاً إلى روايته «ابنه سوسولوف» الصادرة عن دار الساقي، والتي رُشحت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، وتُرجِمت للفرنسية والإنكليزية عام 2017، وتوقفاً عند رواية «وحي» الصادرة عام 2018 عن دار الساقي، والفائزة، مؤخراً، بالمركز الثاني لجائزة كتارا للرواية العربية (في فئة الروايات العربية المنشورة) لعام 2019.
بدأ حبيب سروري، وهو مواليد مدينة عدن، حياته الأدبية بكتابة الشعر صغيراً، وقد حصل على أطروحة الدكتوراه في فرنسا عام 1987 وأطروحة التأهيل لقيادة الأبحاث عام 1992، وتحول إثرها، وهو في السادسة والثلاثين من العمر إلى بروفيسور جامعي في الذكاء الصناعي في قسم هندسة الرياضيات في الكلية الوطنية التطبيقية في جامعة النورماندي في فرنسا. لا يمثل حبيب حالة فريدة في جمعه بين العلم والأدب، محققاً في كليهما نجاحاً لافتاً على ما في كل منها من خصوصية حادة؛ لكن ثمة حالات معدودة استطاعت الجمع بين المجالين، وبنجاح فارق في كل منهما. وتُمثل هذه التجربة حالة خاصة في عنفوان مشروعها الأدبي، مقابل ما حققته وتحققه من نجاح علمي في مجال ربما من الصعب أن يترك فسحة لتحقيق نجاح إبداعي في مجال بعيد عنه وهو الأدب.
وربما لم يُعد ثمة بُعد أو قُرب بين مجالات الإنتاج العلمي والأدبي في هذا العصر بتفاعلاته اليومية، التي لم تعد ثمة حدود لمدها وجزرها، بدليل أن ثلاثة كتب فكرية وثقافية وديوان شعر ومجموعة قصصية صدرت أيضاً لحبيب بجانب كتب علمية بالفرنسية والإنكليزية، بالإضافة إلى أكثر من 120 بحثاً علمياً جامعياً.

روائي القبيلة

هنا، وفي حديث عبر البريد الإلكتروني، سألته صحيفة «القدس العربي»:
■ هل كنت تتوقع فوزك بإحدى جوائز كتارا لهذا العام؟
□ لا، لسبب بسيط: لم أكتب يوما لأجل جائزة ولم أفكِر بها، بل إن بعض رواياتي (بسبب مشروعي الروائي الخاص، المترع بالحرية والنقد) من روحٍ لا تُحبُه بعض لجان الجوائز التقليدية، كما أظن، أي أنني لا أعتبر نفسي «روائي القبيلة»، على غرار مصطلح «شاعر القبيلة».
علاوةً على ذلك، «وحي» تنتمي لثيمة حساسة: الحرب الروحية ضد الظلمات، و»رفض إعادة إنتاج الوعي السائد روائيا» كما تقول ناتالي خوري غريب، في مقال لها عن «وحي» في صحيفتكم مؤخرًا. سعيد أن لجنة تحكيم «كتارا» وسعتْ من انفتاح مزاجِها، وهذا ما ضاعف احترامها مؤخرا.

جوانتانامو

■ كيف تلقيت نبأ الفوز؟
□ كنتُ في ركن صغير في حديقة بيتي، أشتغلُ على مشروع روائي جديد، عندما حملتْ لي زوجتي الهاتف الذي كان بعيدًا. تحدثَ معي شاب مهني جدًا، مسؤول في لجنة كتارا. فوجئت، سُعِدتُ لأن الاختيار سيسمح لروايتي، ولمشروعي الروائي عموماً، بمزيد من التأثير والانتشار، ثم كانت تجربة ممتعة: إخفاء سر الفوز حتى آخر لحظة، كما طُلِبَ منا. عندما وصلنا إلى الدوحة، وخلال يومين، كنا في فندقٍ معزول أسميناه من باب المزاح: غوانتانامو!

الحوار الفكري التعددي

■ من وجهة نظرك ما الذي ميز روايتك «وحي» ووضعها ضمن قائمة الفائزين؟
□ لا أظن أنها تمتلك امتيازات أكثر من الروايتين الأخريين (من رواياتي التسع) اللتين تقعان في الثيمة نفسها «عرَق الآلهة»، و»تقرير الهدهد»، اللهم إلا نضوج علاجي لهذه الثيمة، وثباتي في الدفاع عن مشروعي، الذي انتهى بتعود الناس عليه، وقبوله بمحبة كبيرة وإن اختلفوا معه أحيانا. وربما وجدت اللجنة في الحوار الفكري التعددي الرصين والثري بين الراوي وبطلة رواية «وحي»، الذي يترك الحكم للقارئ، شيئاً راقياً جديداً يختلف عن الوعظية التي نجدها، أحيانًا، في بعض الروايات المؤدلجة، ما جعلها تميل لاختيار «وحي» للجائزة. ثمة، بالتأكيد، نضوج أفضل في ذوائقنا جميعاً، قُراءً وروائيين.

مسألة حظ

■ هل فوزها بالجائزة على المستوى العربي يمثل شهادة بأفضليتها على مستوى المشهد الروائي اليمني أو العربي؟
□ إطلاقاً: لا.. هناك مسألة حظ مرتبطة بوصول الرواية المناسبة للمحكِم المناسب. ثمة عدد كبير من الروايات الممتازة يمنيًا وعربيًا لا تنال هذا الحظ. لا يعني ذلك، قط، نقص قيمتهم الأدبية من قريب أو بعيد.

جائزة الغونكور

■ ما رأيك في العلاقة بين الجائزة والعمل الفائز… ما الذي تضيفه الجائزة للعمل وما الذي يقدمه العمل للجائزة؟
□ الجائزة مفيدة في توسيع نشر العمل، لكن أشكال تأثير الجائزة على هذا التوسيع تختلف حسب نوع الجائزة. نموذج عمل جائزتي كتارا والبوكر العربية ليس الأفضل بالضرورة، على نحو مطلق، في رأيي. نموذج عمل جائزة الغونكور الفرنسية في توسيع هذا النشر هو الأفضل، في تقديري. لكنه ينسجم مع شعب ذي تقاليد روائية طويلة وعميقة. يثق بلجنة تحكيم كبيرة جدًا، معروفة وثابتة، من كفاءات عالية جدا. ما إن تعلن اللجنة عن اسم الفائز وتمنحه يورو رمزيًا واحدًا فقط كجائزة، يشتري الناس في اليوم التالي، فقط، مئات آلاف النسخ من الرواية. ويستطيع الكاتب بعدها التفرغ للكتابة بسبب دخله الثابت من نشر كتبه!

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!