باليه سيناترا: حوار جمالي بين الرقص والغناء

التقى فرانك سيناترا بفن الباليه في الثمانينيات، عندما أقامت المصممة الأمريكية توايلا ثارب حوارا جماليا بين الرقص والغناء، في باليه من فصل واحد يحتوي على تسع رقصات مختلفة، تؤدى بمصاحبة مجموعة من أجمل أغنيات سيناترا وأشهرها، وكان التصميم متوازنا ودقيقا في المزج بين حركات الباليه الكلاسيكي الأساسية، وبعض الخطوات والملامح الفنية المستوحاة من رقصات أخرى […]

باليه سيناترا: حوار جمالي بين الرقص والغناء

[wpcc-script type=”014ad01e771e663c3aa8b58a-text/javascript”]

التقى فرانك سيناترا بفن الباليه في الثمانينيات، عندما أقامت المصممة الأمريكية توايلا ثارب حوارا جماليا بين الرقص والغناء، في باليه من فصل واحد يحتوي على تسع رقصات مختلفة، تؤدى بمصاحبة مجموعة من أجمل أغنيات سيناترا وأشهرها، وكان التصميم متوازنا ودقيقا في المزج بين حركات الباليه الكلاسيكي الأساسية، وبعض الخطوات والملامح الفنية المستوحاة من رقصات أخرى مثل، التانغو والتشاتشا والتشارلستون والسويرل والسوينغ والرقص الحديث أيضا.
ونستطيع أن نشاهد هذا الباليه بنسخ وعناوين متعددة، فقد حرص الكثير من الفرق على إعادة تقديمه في السنوات الأخيرة، مع الاحتفاظ بتصميم توايلا ثارب الأصلي، مثل فرقة باليه دو لورين الفرنسية، وفرقة ميامي سيتي باليه الأمريكية وغيرهما من الفرق في أوروبا وأمريكا، وتخلو هذه العروض من الأداء الفردي، ويكون الرقص ثنائيا بين رجل وامرأة طوال الوقت، كما يكون لكل ثنائي رقصته وأغنيته الخاصة، أما أغنية «ماي واي» التي كان فرانك سيناترا يطلق عليها مسمى «النشيد الوطني»، ويمزح في بعض الأحيان ويطلب من الجمهور أن يقف قبل أن يبدأ في غنائها، فقد اختارتها المصممة توايلا ثارب من أجل أن تكون الرابط الأساسي الذي يصنع وحدة ما لهذا الباليه برقصاته وأغنياته ورقصاته المتنوعة، كما إنها تشكل اللقاء بين الراقصين من النساء والرجال والسبب لوجودهم بالكامل على المسرح، حيث يرقص الجميع على أنغام هذه الأغنية في منتصف الباليه، بينما نستمع إلى الجزء الأول منها، وفي نهاية الباليه أيضا حين نستمع إلى الجزء الآخر، ونشاهد الرقصة الجماعية التي يختتم بها الباليه، عندما يقوم كل ثنائي بأداء رقصة مختلفة على لحن واحد في الوقت نفسه، وهو الأمر الذي يحقق متعة كبرى للعين، وإحساسا مضاعفا بالموسيقى والكلمات والغناء، وصوت فرانك سيناترا وانفعالاته التي تؤثر في القلوب، وتلامس تجربة الإنسان ورحلته في الحياة بشكل عام بكل ما فيها من صراعات ونجاحات واخفاقات وأخطاء وآلام، وانهزام ومقاومة.


ولمثل هذه الأعمال التي تبدو شيّقة وبسيطة إذا وضعناها في مقارنة مع الباليه الكلاسيكي الرصين المعقد، أهمية كبرى من ناحية التقريب بين الأذواق المختلفة، والتصالح بين الأنواع المتعددة من الفنون، والإضافة الفنية لكافة عناصر العمل، فعندما تدخل الكلمات والغناء إلى عالم الباليه، يتغير كل شيء بالنسبة إلى الفنان والمتلقي على السواء، حيث يجد المشاهد نفسه وقد صار أكثر انفتاحا على فنون، ربما لم يكن يتذوقها من قبل، ويكون على الراقص أن يعبر عن حكاية الأغنية وإحساسها، لا عن دراما الموسيقى وحسب، وعن صوت المغني والطابع الخاص لنبراته، الذي لا يمكن تجاهله، بل يجب اتباعه لأنه يشارك الموسيقى في قيادة الخطوات الراقصة.
ويقدم هذا الباليه متعة التنوع في الموسيقى والكلمات والرقصات والألوان، التي يتم اختيارها بعناية، بحيث يكون كل ثوب مناسبا لإحساس الأغنية وفكرتها وخيالها الخاص، وتتعدد رقصات الحب بخطواتها الناعمة على الإيقاع الهادئ البطيء لأغنيات رومانسية مثل «غرباء في الليل» و «طوال الطريق»، ونرى بعض الحركات الحادة في أغنية «هذه هي الحياة»، حيث يبدو الأداء وكأنه مواجهة بين الراقص والراقصة، ولا يخلو الباليه من بعض الأجواء اللطيفة المرحة والمنطقية أيضا، في أغنية «شيء أحمق كقول أحبك»، وبعض اللمسات الإيطالية الساحرة، في رقصة تمتلئ بالحياة على أنغام أغنية «دوماني».
أما نسخة الثمانينيات فإنها ترتبط بالراقص الأمريكي ميخائيل باريشنيكوف، وهو في الأصل من جمهورية لاتفيا، وكان راقصا في فرقة البولشوي الروسية، لكنه لاذ بالفرار من الاتحاد السوفييتي في السبعينيات، وتشبث بالحرية التي وقع في غرامها عندما التقى بها للمرة الأولى في حياته، أثناء تقديم أحد العروض مع فرقة البولشوي في كندا، وقام على الفور بطلب اللجوء السياسي، وظل هناك لفترة، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعمل في أهم الفرق هناك، وحصل على المكانة العالمية التي يستحقها كأحد عباقرة الباليه الكلاسيكي، وهو يحمل حاليا جنسية دولة لاتفيا أيضا، ويتميز هذا الراقص الأسطوري بدقة الحركة، ومحاذاة الجسم لها بشكل بارع، بالإضافة إلى التفوق الجمالي والتعبيري، وقدرته العجيبة على أن يشغل بمفرده مسرحا شاسعا فارغا، فلا يشعر المشاهد بالملل، أو إنه بحاجة إلى مشاهدة أي شيء آخر، ويستطيع باريشنيكوف أن يجوب المسرح قفزا ودورانا، ويملأه بالحركة ويرسم بجسده حلقة كبيرة متسعة، ويكررها أكثر من مرة، أما دورانه السريع المذهل على الأرض، أو في الهواء، فلا نعرف له مثيلا بتلك الجودة، وكذلك ضربات القدمين لبعضهما خمس مرات متتالية، أثناء قفزه في الهواء، كما نشعر أحيانا بأنه يحظى بأفضل ساق داعمة في العالم، تمنحه التوازن المنضبط إلى أقصى درجة، والتحكم التام في السرعة والبطء، مع الحفاظ على التشكيل وتكوين الجسد الفني والدرامي، وفي أمريكا عرف باريشنيكوف الانفتاح على أنواع أخرى من الرقص الحديث، واستعراضات برودواي، وتميز في أهم أدوار الباليه الكلاسيكي، كما قام في الفترة الأخيرة بالتمـثيل في بعض الأعمال السينمائية والتلفزيونية.
وتعد نسخته من باليه سيناترا، الأكثر تميزا وشهرة، وتختلف عن النسخ الأخرى في إنه يؤدي رقصة فردية بمصاحبة أغنية «وان فور ماي بيبي»، التي قدمها أيضا على المسرح في إحدى حفلات فرانك سيناترا، الذي تنازل له عن المسرح وجلس على أرضيته في ركن من أركانه، وأخذ يدخن سيجارته أثناء الغناء، كما كان يفعل في أغلب الأوقات، ويماثل باريشنيكوف سيناترا في ذلك النفوذ الفني والتحكم التام في حواس المتلقي.

٭ كاتبة مصرية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!