عزيزة علي

عمان – ترى الكاتبة والإعلامية والشاعرة اللبنانية ندى حطيط أن العالم العربيّ لم يتجرأ في الخروج من وراء الأسوار وتقبل وجود الآخرين، وبقي تقبّل أفكارهم المختلفة عن العالم أشبه بحلم عصيّ وبعيد المنال، وتكاد الأغلبيّة الساحقة تعيش – وترتاح للعيش – في مجموعات لغويّة وقوميّة ودينيّة وعرقيّة وثقافيّة منفصلة ومنعزلة كرّستها حدود رسمها المستعمرون قبل أكثر من قرن كامل.
وتنوه حطيط في مقدمة كتابها “بماذا يفكر العالم”، الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، إلى ان لغتنا الجليلة التي كانت لغة الثقافة والعلوم العالميّة على مدار أربعة قرون “قرون العصور الوسطى”، أصبحت كما صندوق آخر مغلق علينا، لا ندرك خارجه بماذا يفكّر الآخرون.
وترى المؤلفة أن “كثيرا من المتفائلين تطلعوا إلى أن ثورة الاتصال والمعلوماتية قد تفلح في كسر جدران غرف الصدى تلك التي طالما فرقتنا إن لم يكن في عالم واقعي ملموس، فأقلّه في آخر افتراضيّ. وتجربتنا لا تبشرّ بالكثير، إذ سرعان ما تحول فضاؤنا السيبيري ذاته إلى غرف صدى منعزلة، يتجمع فيها شيئًا فشيئًا – بحكم التكنولوجيا والحنين للعيش (المريح) خلف الأسوار – المتشابهون لغة وثقافة ومواقف وخلفيّات، بينما تنتهي أية محاولة للتواصل العابر للهويّات المختلقة إلى معارك تسيء لكل تقارب ولكل قضية”.
يتناول الكتاب العديد من المحاور المهمة مثل :”البريكاريا”… الطبقة الجديدة الخطرة، مسألة القدس بوصفها مفارقة حاسمة، أداة هيمنة ثقافيّة، الجذور الثقافيّة والأيديولوجيّة لوعد بلفور، من يحمي العمل الثقافي من تغوّل الرأسمالية وانحيازات السياسة؟ الثقافة الشعبية المعاصرة.. الانكفاء هروبا، هل ستنتج الثقافة الشعبوية موسوليني جديداً؟ ألم يحن موسم الاتجاه إلى الشرق؟
كما يتحدث الكتاب عن فوضى المصطلحات وغابة المفاهيم المشوّشة، ووهم ديمقراطية المعرفة، والدّين إذ خطفه السّياسيون في أوروبّا، وخُرافة الرّجل المتوحّش والمرأة المُسالمة، ومقاومة النساء لاعتداءات الذئاب البشريّة… بذرة انقلاب ثقافي واجتماعي، وشاعرات “إنستغرام”، “يوتيوب”، يُسقطن الشعر في متاهات الاستهلاك، والقارئات الغربيّات ينصرفن عن الرّوايات الرّومانسيّة التقليديّة ودور النّشر في أزمة شاملة، الخائفات” يبدعن في الكتابة عن الخوف.
ويتناول الكتاب “الأكل والصّلاة والحبّ” وتجارة الأوهام، عن الأدباء.. وأمهاتهم، المزيد من “هاري بوتر”: أزمة “منتصف العمر” أم أزمة النيوليبرالية؟ السينما بين التجاري والإيديولوجي، بين نقاد “الأمازون”، … والنقاد المحترفين، مدارس فكريّة غربية ثارت على الحتميّة الاقتصاديّة، ما الأسباب الحقيقية “المحجوبة”، وراء “بريكست”؟ نوتردام باريس… ألهمت بروست وبيكاسو وماتيس وكانت مزاراً دائماً لفرويد، فلاسفة مقاهٍ وصعاليك حالمون كتبوا أسطورة 1968.
ويتحدث الكتاب عن مثقفي فرنسا الذين يفقدون سطوتهم التاريخية في عاصمة الأنوار، هل تمر الرواية الغربية بحالة موت سريري؟ تواقيع الكتب.. ارتقاء بالعلاقة بين الكاتب والقارئ، ماذا تفعل بنا الرّوايات، الرّواية في زمن إمبراطورية الخوف، الفرنسيون في مخادع الرؤساء، إنه لأمر دُبّر على الواتس-ابن فيلسوفان في بلاطي الرئيسين ترامب وبوتين، والآثار المنهوبة… مسروقات علنيّة أم حفاظ على الذاكرة،”الرجل ذو القبّعة الحمراء” ليس وحده ضحية “بريكست” الثقافية.
ويتحدث الكتاب أيضا عن فن الكاريكاتير.. لماذا يخافه المستبدون؟ والشعر عاد ليطرق الأبواب من جديد سلاحاً سياسياً، ومن سرقَ حلمنا بالمدينة الفاضلة؟ كتب حاول البيت الأبيض منعها، أدب حروب فيه الجنود ما عادوا جنوداً.. والموت صار تقنيّة رقميّة، ةتحوّلات صور الحبّ بين الأزمنة، “ما بعد الحداثة” انتهت… لكن ما الذي حلّ محلها؟ هل يمضي الفن البشري إلى نهايته؟ صناعة “الأخبار الكاذبة”، جيل تائه في بلاد “الإنستغرام.
الشاعر العراقي افاضل السلطاني كتب مقدمة يشير الى ان النقطة المركزية التي ارتكزت عليها حطيط في كتابها “بماذا يفكر العالم”، هي “تشظي هذا العالم وانعكاساته الفكرية والثقافية والجمالية، التي تتخذ أشكالاً مختلفة في هذا الوقت أو ذاك، وفي هذا المكان أو ذاك”، لافتا الى ان العالم صار قرية واحدة من السطح، لكن في العمق تحول التشظي إلى حقيقة راسخة، بعد أنْ ظهر هناك شبح يجول في الأفق، وابتعدت البشرية أكثر فأكثر عمّا كان يحلم به الشعراء والفلاسفة.
ويبين السلطاني ان هناك باحثين وكتاباً وشعراء وروائيين، يستطيعون تلمس ما يغور تحت السطح، ويخترقون السّتر السميكة التي ينسجها الواقع حول حقيقته وطبيعته وقوانينه التي تبدو بلا منطق، ويرون ما لا نرى من ظواهر وتفاعلات ومعدلات غير قادرين على فهمها نحن الناس البسطاء، ويسمعون إيقاع الواقع، وفهم أوزانه العصية علينا. وبالتالي تشخيص ماذا يجري، وكيف يجري، والقوانين التي تحكم العمليتين.
ويخلص السلطاني الى ان حطيط تشير في كتابها الى احد الظواهر الإيجابية وهي صعود المرأة الواضح، اجتماعيا وثقافياً وسياسياً، وانعكاسات هذا الصعود على المستوى الاجتماعي والثقافي والأدبي. ويبدو أنَّ هذا الصعود سيترك تأثيره الإيجابي في مسار عصرنا اللاحق، بالرغم من أنّه ما يزال تحرّكًا “نخبوياً” إلى حدّ كبير، ولكن ليس من المستعبد أن يتحوّل إلى حراك اجتماعي وثقافي شامل إذا توفرت الشروط المناسبة في المستقبل، وإذا أصبح قادراً على تجاوز اللحظة الراهنة واكتساب صفة المنعطف التاريخيّ، باعتباره تحركاً مضاداً للبطريركيّة ممكن أن “يكسر تراكمات آلاف السنين من التاريخ المسجّل للبشر.
ويذكر ان ندى حطيط مذيعة تلفزيونية لبنانية/بريطانية، كاتبة ومخرجة أفلام وثائقية، حصلت على درجة الماجستير في صناعه الأفلام الوثائقيّة من جامعة كينغستون بالمملكة المتحدة، وحاز أول فيلم لها (شهرازادات لبنان) على جائزتين في مهرجانات عالميّة للأفلام (مهرجان لندن للأفلام المستقلّة) و(مهرجان الألكوليد في الولايات المتحدة).
وعملت معدة ومقدّمة برامج وأخبار في عدد من محطات التلفزيونات العربيّة الرائدة “MBC”، تلفزيون الكويت، الغد العربي.. تعمل حالياً في صناعة الأفلام الوثائقيّة، وكاتبة مقال في صحيفة “الشرق الأوسط” اليومية وصدر لها ديوان شعري بعنوان “لا مدينه تلبسني”.