حتى مع انتشار الوعي بأضرار ومساوئ التدخين، من الغريب أن ترى إصرار الناس عليه والتباهي به، غالباً ما نجد الطبيب يدخن، مريض السرطان يدخن، الطفل يدخن، وحتى الفقير الذي يمد يده لطلب المساعدة يدخن، معادلة يصعب فهمها بمنطق العقل عندما يفكر فيها الإنسان ملياً، ويؤكد هذا المقال على أهم أضرار التدخين، وتأثيره على جهاز الجسم الحركي.

ماذا ينتج عن تدخين سيجارة واحدة؟

عند إشعال السيجارة ينبعث أكثر من 4000 مركب كيماوي ، يتم استنشاقها من قبل المدخن بشكل مباشر ومن قبل غير المدخن بشكل غير مباشر بمجرد تواجده في منطقة التدخين، ويحتوي دخان السجائر على النيكوتين، وأول أكسيد الكربون، وسيانيد الهيدروجين، والقطران والمهيجات الأخرى التي تسبب السرطان.

ومع تدخين كل سيجارة يتم استنشاق(2– 3) مليغرامات من النيكوتين، و(20–30) ملليتر من أول أكسيد الكربون، وتؤثر هذه المواد على كل الأنسجة الموجودة في الجسم، وقد تمت دراسة تأثير هذه المواد على القلب والأوعية الدموية بشكل مكثف، والتي تؤثر أيضاً على الجهاز العضلي الهيكلي بنفس الآلية.

المواد السامة في الدخان

النيكوتين

النيكوتين هو مركب قلوي سام والمسؤول عن الإدمان على التدخين، ومن أهم خواصه وتأثيراته:

  • يعمل في الوقت نفسه كمنبه، ويبعث على الاكتئاب.
  • يرفع مستوى الكاتيكولامينات في مجرى الدم، مما يحفز القلب على زيادة ضخ الدم ولكن أيضاً يسبب ضيقاً في بعض الأوعية الدموية، وبالتالي انخفاض تدفق الدم إلى الحدود القصوى من الأنسجة في الجسم.
  • يؤثر بشكلٍ مباشر على تجلط الدم، وزيادة إنتاج الصفائح الدموية التي تساعده على زيادة تجمع الدم في الأوعية الدموية الصغيرة.
  • يؤثر على النظام الخلوي، فهو سام على الخلايا الليفية، وعلى بناء العظام لأنه يقتل خلايا العظم البانية (بالإنجليزية: Osteoblast).
  • يشجع انقباض الأوعية الدموية، ويقلص 25% من قطرها الطبيعي.

غاز أول أكسيد الكربون

ينتج غاز أول أكسيد الكربون من عملية الاحتراق لورقة السيجارة والتبغ، وهو غاز سام يتحد مع الهيموجلوبين في الدم ليكون كربوكسي هيموجلوبين (بالإنجليزية: Carboxyhemoglobin)، بدلاً من الأوكسي هيموجلوبين (بالإنجليزية: Oxyhemoglobin) مما يتسبب بالآتي:

  • انخفاض كمية الأوكسي هيموجلوبين اللازمة لنقل الأكسجين.
  • انخفاض قدرة الأكسجين المتاح على الانفصال، ما يسبب نقص الأكسجين في الأنسجة.

تحتوي السجائر على أول أكسيد الكربون بنسبة (2-6)% ، وأثناء التدخين يتم تحويل ما مقداره (2-15)% من الهيموجلوبين إلى كاربوكسي هيموجلوبين في 5% من المدخنين، مما يؤدي إلى نقص مزمن للأكسجين في الأنسجة، وقد أثبت العالمان جنسن و جودسن أن التدخين لمدة 10 دقائق يؤدي إلى نقص الأكسجين في الأنسجة، أما الشخص الذي يدخن علبة سجائر واحدة يومياً، فينقص الأكسجين في الأنسجة المختلفة لجسمه لمدة 15 إلى 20 ساعة كل يوم.

غاز سيانيد الهيدروجين

يؤثر غاز سيانيد الهيدروجين بشكل أساسي على النظام الخلوي في الجسم، ويتداخل مع الأنظمة الإنزيمية اللازمة لعملية الأيض على مستوى الأنسجة.

القطران

إن كثيراً من مكونات القطران هي مواد مسرطنة وبالذات المركب المعروف باسم الهيدروكربونات العطرية (بالإنجليزية: Aromatic hydrocarbons).

تأثيرات التدخين على الجهاز الحركي

يرتبط التدخين  بأمراض القلب والجهاز التنفسي وأمراض سرطانية عديدة، ولا يدرك معظم الناس تأثيره الخطير على العظام والعضلات، لكن الحقيقة هي أن كل نسيج في جسم الإنسان يتأثر بالتدخين، ونتناول تالياً أهم تأثيرات التدخين على الجهاز الحركي:

تأثير التدخين على العظام بشكل عام

عند بلوغ عمر الـ33 سنة، يصل تكوين الكتلة العظمية إلى الحد الأقصى، ويبدأ بعدها الجسم بفقدان العظام بنسبة 0.5 % لدى النساء، و 0.3% لدى الرجال سنوياً، أما في سن انقطاع الطمث فيتبسبب نقص هرمون الأستروجين بتزايد فقدان العظم لمكوناته الداعمة من (2-3)% لـمدة 6 إلى 10 سنوات قادمة، ويرجع معدل الخسارة بعد ذلك إلى مستواه الأساسي وبنسبة 0.5%.

وفي سن الـ 65 سنة أو بعد 15 سنة من انقطاع الطمث يتغير المحتوى المعدني للعظام، وتخسر معظم النساء نسبة 33.5% من كتلة العظام أما الرجال فنسبة 10% من المعادن في العظام، مما يسبب هشاشة العظام، وضعف العمود الفقري، وزيادة معدلات الكسور فيه وفي الورك والرسغ.

يؤثر التدخين على العمود الفقري بشكل كبير، إذ يسرع خسارة العظام والمواد المعدنية منها في كل من الرجال والنساء، مع العلم أن النساء النحيلات المدخنات يكن أكثر عرضة للتأثر، فالنيكوتين يؤثر على بناء العظام، كما يؤثر على امتصاص الكالسيوم من الجهاز الهضمي، وهذا يسبب هشاشة العظام عند المدخنين، ولذلك يجب النظر إلى التدخين على أنه عامل خطر وهام في هشاشة العظام.

تأثير التدخين على التحام العظام

يؤثر التدخين على معدل ونوعية التحام العظام بعد الكسور، وتشير الدراسات إلى وجود انخفاض في كمية ونوعية العظام في موقع الكسر، أما عند استطالة العظام تبين أن غير المدخن يمكنه أن يكون 1 سم من العظام خلال شهرين، بينما المدخن يستغرق ثلاثة أشهر ليكون 1 سم من العظام مع فشل 90% من التحام العظم، وكذلك الكسور في الساق لدى المدخنين بحاجة لوقت أطول كي تلتحم.

وهناك العديد من التفسيرات الممكنة لهذه النتائج على المستوى الخلوي، إذ وجد أن للنيكوتين تأثير سام على بناء خلايا العظام، ويتعارض مع الكاليستونين، وأما سيانيد الهيدروجين فإنه يتداخل مع العمليات الحيوية للخلية، وأول أكسيد الكربون يتداخل مع نقل الأكسجين، وحسب الدراسات تبين أن مستويات الأكسجين في مكان الالتحام كانت متدنية حسب ما هو متوقع وكان هناك انخفاض كبير في مستوى أكسجين الدم، ونتيجة لهذه الدراسة فإن إدمان التدخين يعتبر سبباً رئيسياً لمنع التحام عظام العمود الفقري بعد إجراء العمليات الجراحية.

تأثير التدخين على التئام الجروح

تشير نتائج الدراسات السريرية إلى أن مرضى إصابات النخاع الشوكي المشلولين الذين هم من المدخنين، لديهم أعلى معدل من التقرحات في الجلد، وتبين أن مضاعفات ما بعد الجراحة في العمليات التجميلية هي الأعلى لدى المدخنين، كما أن هناك ارتفاع في حالات الإصابة ، وتأخر في شفاء الجروح للمرضى الذين خضعوا لعمليات جراحية في العمود الفقري.

ويرجع ذلك إلى:

  • تأخر تروية الأنسجة الناتج عن ضيق في الأوعية الدموية بسبب التدخين.
  • زيادة فرصة تشكل خثرات في الأوعية الدموية، مع قلة في الأكسجين بسبب الأثر السمي لأول أكسيد الكربون والنيكوتين معاً.
  • إطلاق الكاتيكولامينات نتيجة النيكوتين وهذا يحفز إطلاق الهرمونات التي تمنع الالتئام أو تشكل نسيج، وبالتالي إصلاح الجرح، فللنيكوتين تأثير على الخلايا الليفية والضامة وكلاهما ينقلان المواد اللازمة لشفاء الجرح مع العلم أن الخلايا الليفية هي التي تصنع الكولاجين اللازم لتشكيل شكل الجرح الخارجي، وكذلك هناك مخاطر زيادة التهاب الجرح بعد العملية نظراً لقلة الدم الواصل للجرح مما يساعد على نمو البكتيريا.

تأثير التدخين على رأس مفصل الورك

يزيد خطر موت رأس المفصل لدى المدخنين أربع مرات عن الأشخاص العاديين، كما يزيد الخطر نتيجة التدخين السلبي أيضاً، وهي من الآثار الدموية التي ينتجها النيكوتين وأول أكسيد الكربون، والتي تسبب تضيق الشرايين نتيجة انقباض الوعاء الدموي وتجمع الصفائح للتخثر، ويؤدي إلى انقطاع إمداد رأس المفصل بالدم.

اقرأ أيضاً: التدخين السلبي

تأثير التدخين على آلام أسفل الظهر

يعاني 80% من الناس من آلام أسفل الظهر خلال حياتهم، وتتعدد أسباب آلام أسفل الظهر، ومسألة ربط هذه الآلام بالتدخين غير خاضعة للمناقشة، فقد أثبتت دراسات على 6681 شخص في النرويج أن للتدخين أثر عام على آلام العضلات، والعظام، وآلام الظهر كما يوجد علاقة بين درجة التدخين ودرجة الألم فهو مرتبط بزيادة الألم في الظهر، ووجد جد أن نسبة 18% من المدخنين يعانون من الانزلاق الغضروفي (الديسك) في الظهر.

تأثير التدخين على هشاشة العظام واحتكاك المفاصل

تشير معظم الدراسات إلى وجود علاقة سلبية بين التدخين والإصابة بهشاشة العظام، فالتدخين يؤدي إلى تحطيم الاستروجين في الجسم بسرعة أكبر، وهو مهم لبناء هيكل عظمي قوي عند النساء والحفاظ عليه، وهناك دراسات عديدة بينت وجود علاقة سلبية بين التدخين واحتكاك المفاصل في الركبة، ودراسة أخرى بينت وجود علاقة سلبية بين التدخين واحتكاك المفاصل في الورك.

تأثير التدخين على التهاب المفاصل الروماتويدي

تؤثر عوامل البيئة على تطور مرض التهاب المفاصل الروماتويدي، وقد لاحظ الباحثون انتشاره بنبسبة كبيرة بين المدخنين.

تأثير التدخين على مرض تليف أربطة راحة اليد والأصابع

تم الكشف عن علاقة بين مرض تليف راحة اليد والأصابع والتدخين، حيث وجد أن التدخين يحدث تغيرات في النسيج الضام في اليد يؤدي في النهاية إلى تصلب المفاصل، وانكماش لرباط راحة اليد، ويصحب التدخين انخفاض كبير في تدفق الدم إلى اليد مما يسبب انسداد الأوعية الدموية الدقيقة على المدى الطويل، وانتشار ليفي وانكماش في أصابع اليد.

للمزيد: تصلب الأصابع

تأثير التدخين على الأوتار والأربطة

أشارت الدراسات السريرة والأبحاث إلى النتائج التالية:

  • المدخنين أكثر عرضة لالتهاب أوتار الكتف مقارنة بغير المدخنين بمقدار الضعف.
  • المدخنين عرضة للالتواء، والكسور، والإصابات أكثر من غير المدخنين.

حقائق علمية حول آثار التدخين على العظام والمفاصل

  • تؤدي زيادة مدة التدخين وزيادة عدد السجائر المستهلكة، إاى زيادة خطر الإصابة بكسور العظام في سن الشيخوخة مثل العمود الفقري وعظم الورك ومفصل الرسغ.
  • كبار السن من المدخنين أكثر عرضة من غير المدخنين لكسر الأطراف وذلك بنسبة (30-40)%.
  • يستغرق شفاء الكسر لدى المدخنين وقتاُ أطول من غير المدخنين.
  • يحدث فقدان كبير في كثافة العظام لدى كبار السن المدخنين مقارنة بغير المدخنين.
  • النساء اللواتي يدخن يتعرضن لخطر انقطاع الطمث في وقت مبكر، ونتيجة لذلك يواجهن زيادة في فقدان العظام وهشاشة فيها.
  • يؤخر التدخين تشكل عظام جديدة في حالة الكسور، ويؤخر نمو العظام في عمليات تطويل العظام.
  • يزيد تدخين النساء بعد سن اليأس خطر الإصابة بكسر في عظام الفخذ.
  • يزيد التدخين خطر احتكاك المفاصل.
  • بالنسبة للمدخنين الذين يريدون استرداد صحتهم بعد العمليات وخاصة عمليات الركبة وجراحات استبدال مفصل الورك، من الضروري التفكير بالإقلاع عن التدخين حينها.

الخلاصة

للتدخين المزمن عواقب كثيرة على نظام العضلات والمفاصل، فإن الزيادة في النيكوتين وحدها تؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية ما يقارب 25% من قطرها الطبيعي والالتصاق في الصفائح الدموية، كما أن أثر النيكوتين متحداً مع أول أكسيد الكربون يتداخل مع نقل الأكسجين ويزيد من لزوجة الدم، كما يتداخل سيانيد الهيدروجين مع العمليات الحيوية في الخلية، وللمواد الأخرى الموجودة في التبغ أضرار أخرى غير معروفة حتى الآن على المدخنين وغير المدخنين على حد سواء.

فالتدخين له أثر خطير وقوي على زيادة خطر تطور مرض هشاشة العظام في النساء والرجال معاً، كما أن التدخين تأثير على الجروح والشفاء منها، وشفاء العظام، بالإضافة إلى ذلك فإن التدخين يمثل عامل خطر في تطور التهاب المفاصل الروماتزمي، واهتراء الديسك وآلام الظهر بشكل عام، كما للتبغ تأثير على مرض تليف الأنسجة وأربطة اليد، وآثار مماثلة على الورك تجعل المدخن أكثر عرضة لتطور مرض موت رأس مفصل الورك.

إن تدخين السجائر وكافة أمثالها مثل الأرجيلة وغيرها، هو أكبر عامل خطير على الصحة العامة بالتأكيد، وعلى العكس بقية العوامل الأخرى مثل العوامل البيئية والوراثية فهو أكثر عامل يمكن للفرد نفسه السيطرة عليه.

اقرأ أيضاً:

ما هي التأثيرات الصحية السلبية للتدخين؟