تاريخ الاستشراق

تاريخ الاستشراق

بواسطة:
عدي قاقيش
– آخر تحديث:
٠٧:٠٥ ، ٧ أغسطس ٢٠١٩
تاريخ الاستشراق

‘);
}

الاستشراق

الاستشراق في اللغة لفظة مأخوذة من كلمة “شرق” يُقال: شَرُقَتِ الشمسُ أيّ ظهرت من جهة الشرق[١]، والاستشراق اصطلاحًا هو ذلك الاتجاه الفكريّ الذي يُعنى بدراسة الإسلام والمسلمين وجميع الدراسات التي تصدر من الغرب تتناول فيها قضايا الإسلام والمسلمين والشريعة والسنّة والعقيدة والتاريخ، وغيرها من علوم الدراسات الإسلاميّة الأخرى[٢]، والاستشراق ظاهرةٌ تقوم على دراسة المجتمعات الشرقيّة من جوانب الأدب القريب والبعيد من وجهة نظر غربية، وتستخدم الكلمة للدلالة على تصوير أو تقليد جانب من الحضارات الشرقية لدى الكُتّاب والفنّانين في الغرب، ولم يتمّ تحديد بداية ظهور الاستشراق[٣]، حيث اقتصر في بدايته على دراسة الإسلام واللغة العربية، ثمّ شمل دراسة المجتمع الشرقي بأكمله، بآدابه ولغاته وتقاليده، والمستشرقون هم علماء غربيون اهتمّوا بدراسة الإسلام، وديانات الشرق ولغاته وآدابه، وهذا المقال حديث موجز مفصّل حول تاريخ الاستشراق.[٤]

تاريخ الاستشراق

يعني الاستشراق اصطلاحًا: دراسة أحوال الأمم في الشرق من جميع الجوانب، ولم يُعرف الفترة التي بدأ فيها دراسة تاريخ الاستشراق لأول مرة، حيث يقال إنّ الاستشراق بدأ عندما درس رهبان الغرب وتعلموا في مدارس الأندلس، وقاموا بترجمة القرآن الكريم والكتب العربيَّة إلى لغاتهم المختلفة، ويقال إنّ ظهور أول ترجمة للقرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية كانت سنة 1143م وتُعد البدايات الأولى لدراسة تاريخ الاستشراق، والتي نُسبت إلى الأب بطرس المبجل، إذًا يمكن القول إنّ بداية دراسة تاريخ الاستشراق بالنسبة للغرب بدأت دينية بدراسة من خلال دراسة الإسلام، حيث ربط المستشرقون ما بين التبشير والاستشراق، فهما توأمان متلازمان يَصعُب التفريق بينهما في غالب الأحيان خاصّة في بدايتها؛ لأنّهما تؤدّيان الغرض نفسه.[٥]

‘);
}

ويَعُدّ كثيرون أنّ رئيس أساقفة “لود” بجامعة أكسفورد أوّل من أسّس للاستشراق سنة 1636م، حيث يرى أنّ المنصِّرين أو المبشّرين يجب عليهم معرفة لغة الأقوام التي سينشرون دينهم فيها، فلا يتوقف الأمر عند المعرفة فقط، بل يجب الاطلاع على واقع تلك اللغة وتراثها وترجمة الكثير من كتبها إلى لغة المبشِّر الأصليَّة، مع عدم الالتزام بالمنهج الموضوعيّ، حيث كان واضحًا التعصّب الديني للمستشرقين في دراسات التراث الإسلاميّ والعربيّ، فقبل كل شيء عليهم أنّ يعرفوا أنهم رجال دين بالأساس، فكان الهدف هو تشويه الإسلام في نفوس اتباعهم ورواد ثقافتهم من المسلمين؛ للتشكيك في التراث والحضارة الإسلاميَّة وزرع الوهن والعمل على ضعف العقيدة الإسلاميَّة لدى المسلمين، بالاضافة لكلّ ما يتصل بالإسلام من أدب وعلم وتراث.[٥]

وفي الحديث حول تاريخ الاستشراق يجدرُ بالذكر معرفة أنّ حالة الازدهار التي عاشتها الدولة الإسلامية والدول المسيحيّة، وَلَدَ خِلافًا حضاريًّا كبيرًا بين الشرق وشمال أفريقيا الإسلاميّ والغرب في أوروبّا المسيحية ساهم في ظهور الاستشراق، ومنذ ظهور الإسلام وتوسّعه كان المسيحيّون الأوروبيّون ينظرون إلى المسلمين كأعداء جهنميّين لهم، حيث أنّ معرفة الأوروبيين للحضارات ما بعد الشرق الإسلامي كالهند والصين تُعد ضحلة وقليلة للغاية، حيث انحصرت معرفتهم بالتجارة القامدة إليهم منها فقط، فقرروا ارسال حملات استكشافية استعمارية عندها أصبح لديهم معرفة بين الحضارات غير الكاتبة مثل الأمريكيتين وأفريقيا، والحضارات الكاتبة والمثقفة في الشرق.[٦]

وصف مستشرقون ومُنَوِّرون في القرن الثامن عشر الأمم الشرقية كأفضل من الغرب المسيحي في مجالات كثيرة، حيث وصف فولتير الديانة الزرادشتية بأنها تدعم الربوبية العقلانية أفضل من المسيحية، وآخرين مجدّوا ومدحَوا التساهل الديّني في الشرق الإسلامي على حساب الغرب المسيحي، بالاضافة لقيمة العلم في عامة الشرق، كما وعملوا على توضيح الاتصال بين التاريخ الغربي والشرقي القديم، وترجموا الافيستا وعملوا على اكتشاف اللغات الهندوروبية، التي انشأت منافسة بين بريطانيا وفرنسا في السيطرة على الهند، وكانوا يهتموا في فهم حضارات المناطق التي اقاموا عليها المستعمرات حتى يسهل التحكم والسيطرة عليهم، في حين أنّ الاقتصاديين الليبيراليين مثل: جيمس ميل وصف الأمم الشرقية بأنّها حضارات فاسدة وفاسقة، وكارل ماركس وصف أسلوب التصنيع الأسيوي لا يقبل التغيير، وكثير من المبشرين المسيحيين يعتبرون الديانات الشرقية مجرد خرافات.[٦]

بدأ الاستشراق اللاهوتي “الدراسات الدينية” بشكل رسمي بعد صدور قرار مجمع فيينا الكنسي عام 1312م، وذلك بإنشاء كراسي للغة العربية في جامعات أوروبية، كما ظهر تاريخ الاستشراق في أوروبّا نهاية القرن الثامن عشر، فكانت بداية ظهورة في إنجلترا عام 1779م، ثم في فرنسا عام 1799م، وثمّ أدرج الاستشراق في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1838م.[٦]

أهتمت جامعة أوبسالا السويدية بتعليم اللغات الشرقية، حيث دَرَّسَ هرمان نابليون ألمكفست فيها العربية، ونشر قسمًا من رحلة ابن بطوطة، وكتب في مجال خواص الضمائر في اللغات السامية، وتوفي في1904م، كما أنّ هولندا تُعدّ منارة لتعليم اللغات الشرقية خاصّةً اللغة العربية على يد كبار عُلمائها منذ القرن السابع عشر، فالأديب كرلوف فان فلوتن أحد علماء جامعة ليدن الذي توفي وهو صغيرمنتحراً سنة 1907م، قام بنشر معظم رسائل الجاحظ الأدبية وكتاب مفاتيح العلوم الخوازرمي، أمّا ناشر العلوم الشرقية في روسيا البارون فيكتور فون روزن المولود سنة 1849م في مدينة رول، وايضًا دَرَسَ المستشرق فليشر في لايبسيك، ثم قام بتعليم اللغة العربية في كلية بطرسبورج فأضحى أحد اقطاب علومها الشرقية، فعمل على طبع قسم من تاريخ يَحيى الأنطاكيّ، وطَبع تاريخ أبي جعفر الطبري في لايدن.[٣]

أهداف الاستشراق

تتمثّل دراسة المستشرقين للإسلام بمطلبان رئيسيان كان لهما الأثر في توجيه دراسات تاريخ الاستشراق، الأول يهتم بالنزعة الصليبية التنصيرية التي كانت تخيم على أفكار المستشرقين، فكانت دراساتهم ترتدي ثوب التنصير، فقد ارتبطت مراحل تاريخ الاستشراق بالمؤسسات التنصيرية في الكنيسة، والمطلب الثاني: النزعة الاستعمار السياسية والمادية لبث نفوذهم وسيطرتهم على الدول الإسلامية، وكذلك نهب خيراتها وثرواتها، ومن هذا المبدأ تتلخص الفكرة من هدف تاريخ الاستشراق والمستشرقين، كما يأتي:[٤]

  • العمل على إحياء النعرات القبلية، وإثارة الخلافات، والنزعات الطائفية والعقائدية، والعصبيات المذهبية، لتفريق وحدة المسلمين، وإضعاف روح الإخاء بينهم، وإبراز اللهجات العامية وتثبيتها للتشكيك في اللغة العربية ومصادرها.
  • السّعي لإعدام الثقة بعلماء الأمة الإسلامية وأعلامها، من أجل قطع الصلة بين المسلمين وماضيهم، على حساب تمجيد الشخصيات الغربية وتعظيمها لتسهيل عملية التأثير والانقياد لهم.
  • إفساد الصورة الحقيقية للإسلام بتحريف الحقائق وطمس معالمه، ونشر الأكاذيب، وتقديمه للعالم على أنه دين متناقض، وتشويه محاسنه.
  • تشكيك المسلمين في دينهم، بزرع الشبهات حول الإسلام والنبي محمد علية الصلاة والسلام، للعمل على إضعاف صلة المسلمين بدينهم وارتباطهم به.
  • العمل على زرع المبادئ الغربية في نفوس المسلمين وتمجيدها، وإضعاف القيم الإسلامية وتحقيرها بين المسلمين لتوجيههم في خدمة مصالحهم.

دوافع الاستشراق

في الحقيقة إنّ الدافع التنصيري ليس الدافع الوحيد المتحكم في اتجاه المستشرقين إلى دراسة العربية وآدابها، فتاريخ الاستشراق يعمل بشمولية للتدخل في جميع المجالات، ليصبح المتحكم الرئيس والمؤثر الأساسي في كل شيء، فاشترك مع التنصير دوافع أخرى، منها:[٥]

  • الدافع الديني: يرى الغرب أنّ الحضارة الإسلاميَّة عملت على زعزعت أسس العقيدة لدى الغربيين، ما شكك المجتمع المسيحي بالتعاليم التي أخذوها عن رجال الدين عندهم، فقاموا بالهجوم على الإسلام، وذلك لصرف الغربيين عن نقد عقيدتهم وكتبهم المقدسة.
  • الدافع الحضاريّ: من المعلوم أنّه نشأ صراعٌ قويٌ بين الحضارة الإسلامية الناشئة وحضارة أوروبا المتخلفة، وهذا الصراع تمثل بالجانب العسكري من قبل الغرب كالحروب الصليبيَّة أو غيرها، حيث كانت علاقة أوروبا مع الإسلام متذبذبه ما بين الرغبة والرهبة، فالرغبة كانت في الكم الثقافي والحضاري الذي انشأه المسلمون، ومحاولة الاستيلاء على هذا التراث ونقله وإذابته في الحضارة الأوروبيَّة الناهضة، بينما الرهبة كانت في الخوف من التوسع الإسلامي السريع الذي ينتشر في أوروبا كالنار في الهشيم، فقد وصل التوسع عام1353م إلى بلاد البلقان.
  • الدافع الاقتصادي- السياسي: يرى الأوروبيون الدول الإسلاميَّة والعربيَّة لقمة سائغة لأطماعهم، وذلك بعد ضعف مركزيَّة الخلافة العثمانيَّة، فذهب المستعمرون يجثمون على صدر البلاد استنزافًا وهيمنةً، من خلال الشركات التجاريَّة التي تدعم المشروعات الاستشراقيَّة؛ لتعمل على تسيير شئونهم السياسيَّة والتجاريَّة وغيرها.
  • الدافع العلمي والثقافي: كانت نظرة الغرب إلى الحضاريَّة الإسلاميَّة نظرة إكبار وإجلال؛ لأنّ المسلمين كانوا أساتذة العلم في العالم قرونًا عديدةً، حتى أنّ الشاب الغربي الذي يرغب في العلم يذهب إلى مناطق العالم الإسلامي.

أبرز المستشرقين

قام المستشرقون بدراسات عديدة عن الإسلام ومجتمعاته واللغة العربية، ووظفوا خلفياتهم الثقافية وأبحاثهم لدراسة الحضارة الإسلامية ومعرفة خباياها، وذلك للعمل على تحقيق أغراضهم الاستعمارية والتنصيرية، وفي تاريخ الاستشراق اهتم بعض المستشرقين اهتمامًا صادقًا بالحضارة الإسلامية وحاولوا أن يتعاملوا معها بموضوعية[٦]، ونجح عدد منهم في هذا المجال، لكنهم لم يحضوا بترحيب من الكنيسة المسيحية، ومن المستشرقين الغرب الذين كان لهم دور بارز بتاريخ الاستشراق:[٣]

  • هربر دي أورلياك 938-1003م: من الرهبانية البندكتية، قرأ وتعلم على يد أساتذة الأندلس، انتخب بعد عودته حبرًا أعظم باسم سلفستر الثاني عام 999-1003م فكان أول بابا فرنسيّ، وفي عام 1130م قام رئيس أساقفة طليطلة بترجمة الكتب العلمية العربية، وقَصَد الإيطالي جيرار دي كريمونا عام 1114-1187م طليطلة وترجم أكثر من 87 مصنفًا في الفلسفة والفلك وضرب الرمل والطب.
  • رايموند لول 1235-1314م: مكث لول تسع سنوات من عام 1266-1275م في دراسة القرآن وتعلم العربية، وطالب بابا روما بإنشاء جامعات تُدرس العربية حتى تُنشئ مستشرقين قادرين على محاربة الإسلام، وفي مؤتمر فينا سنة 1312م أعلن البابا إنشاء كراس لتعليم اللغة العربية في خمس جامعات: يولونيا بإيطاليا، وباريس، وسلمنكا بأسبانيا، واكسفورد، وجامعة البابوية في روما.
  • الفرنسي بطرس المكرم 1094-1156م: هو من الرهبانية البندقية، ورئيس دير كلوني، عمل على تشكيل مجموعة من المترجمين ليحصل على معرفة موضوعية عن الإسلام، وكان وراء أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية عام 1143م.
  • الإنجليزي روجر بيكون 1214-1294م: دَرَسَ في أكسفورد وباريس ونال الدكتوراه في اللاهوت، وترجم من العربية كتاب مرآة الكيمياء.
  • أدريان ريلاند 1676-1718م: أستاذ اللغات الشرقية في جامعة اوترخت بهولندا، ومؤلف كتاب الديانة المحمدية في جزئين باللاتينية عام 1705م، منعت الكنيسة كتابه ووضع في قائمة الكتب المحرم تداولها.
  • سلفستر دي ساسي 1838م: اهتم بالأدب والنحو وساهم في جعل باريس مركزا للدراسات العربية.
  • الإنجليزي توماس أرنولد 1864-1930م: مؤلف كتاب الدعوة إلى الإسلام، الذي ترجم إلى العربية والتركية والأردية.
  • الفرنسي جوستاف لوبون 1841-1931م: مستشرق وفيلسوف لا يؤمن بالأديان مطلقا، اتسمت أبحاثه وكتبه بإنصاف الحضارة الإسلامية، ما دفع الغربيين إلى إهماله وعدم تقديره.
  • المجري اليهودي جولد زيهر 1850-1920م: ألف كتاب العقيدة والشريعة، وتاريخ مذاهب التفسير الإسلامي، وأصبح زعيم الإسلاميات في أوروبا بلا منازع.
  • الإنجليزي د.س. مرجليوث 1885-1940م: مستشرق متعصب، من مدرسته طه حسين وأحمد أمين، ألف كتاب محمد ومطلع الإسلام في 1905م، والتطورات المبكرة في الإسلام 1913م، والجامعة الإسلامية 1912م.
  • الألماني يوهان ياكوب رايسكه 1716-1774م: مستشرق اتهم بالزندقة لموقفه الإيجابي من الإسلام، وساهم في إيجاد مكان للدراسات العربية بألمانيا.
  • الإنجليزي آرثر جون أربري 1905-1969م: من كتبه الإسلام اليوم 1943م، وله التصوف 1950م، وترجمة معاني القرآن الكريم، وحضارة العرب في الأندلس.

المراجع[+]

  1. زين الدين الرازي (1999)، مختار الصحاح (الطبعة الخامسة)، بيروت: المكتبة العصرية- الدار النموذجية، صفحة 164، جزء 1. بتصرّف.
  2. محمد السرحاني، الأثر الاستشراقي في موقف محمد أركون من القرآن الكريم، صفحة 2. بتصرّف.
  3. ^أبت“استشراق”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 10-07-2019. بتصرّف.
  4. ^أب“مقدمة حول الاستشراق والمستشرقين”، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-07-2019. بتصرّف.
  5. ^أبت“موجز تاريخ الاستشراق”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-07-2019. بتصرّف.
  6. ^أبتث“تاريخ الاستشراق”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 10-07-2019. بتصرّف.
Source: sotor.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!