تحليل.. جائحة كورونا وضرورة تجديد أسس الاقتصاد العالمي

يعيش العالم أجمع حالة من الصدمة والهلع بسبب تفشي فيروس كورونا وانتشاره في 200

تحليل.. جائحة كورونا وضرورة تجديد أسس الاقتصاد العالمي

نزيف الخسائر يجتاح أسواق السلع والمال العالمية

هوية بريس – د. نوفل الناصري

(خبير اقتصادي وباحث في السياسات العمومية)

تقديم

يعيش العالم أجمع حالة من الصدمة والهلع بسبب تفشي فيروس كورونا وانتشاره في 200 دولة وإصابته لأزيد من 470 ألف شخصوأودى بحياة أزيد من 21 ألف إلى حدود كتابة هذه الأسطر.وأدى عَدَمُ التوصل لحد الآن للقاح له إلى تراجع في الإنتاج العالمي، وانخفاض حاد في الاستهلاك، وتعطيل لمناحي الحياة وانتكاسة في مختلف القطاعات الاقتصادية (خصوصا الخدمات والسياحة والسفر والصناعة والنفط) وإلى تراجع قياسي للنشاط الاقتصادي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي هذا المقال سنتطرق لأبرز تداعيات هذا الفيروس على المنظومة الاقتصادية والمالية العالمية، مع اقتراح بعض التوصيات التي ينبغي علىالمنتظمالدوليوكلدولةاتخاذها من أجل محاصرة كورونا وتدارك خسائره المدمرة.

1. فيروس كورونا واضطراب الاقتصاد العالمي

وصل العالم إلى حالة من عدم اليقين يسميهاالاقتصاديونعدماليقينالراديكالي، فلم يشهد العالميومًامثلهذهالتداعيات الاقتصادية والمالية المتسارعةمعأزمةصحيةعالميةتؤديإلىحصرمناطق ودولبأكملها. الاشكال الأكبر في هذه الازمة العالمية الحالية، هي عدم قدرة صناع القرار بشكل عام والاقتصاديين بشكل خاص على التنبؤ بحركية البورصات وتوقع الخسائر المالية التي يمكن أن يسببها انتشار هذا الفيروس، خصوصا وأنه تسبب وفي وقت وجيزفي تغيير المبادئ والمنطلقات الاقتصادية والأسس والقواعد النقدية والمالية وأدى إلى فك الترابطات التي كانت تميز النظام المالي الدولي،وأزالحالات الاستقرار النسبي للاقتصاد العالمي، وظهرت بذلك أعراض مرضية جديدة عمَّت غالبية الاقتصادات. وتكمن أبرز هذه الأعراض في عدم استجابة الاسواق الماليةللإجراءات التحفيزية التي اتخذتها الحكومات والأبناك المركزية وأصحاب القرار في مواجهة تداعياته الاقتصادية وآثاره المالية، وعدم انعكاس سياسات التيسير الكمي التي اتخذتها غالبية الدول الاقتصادية الكبرى على أداء أسواقها، بل لم تستوعبها البورصات وأستمر النزيف فيهالعدة أسابيع.

2. نزيف البورصات العالميةهو الأسوأ منذ الأزمة المالية عام 2008

أكملت بورصات العالم تعاملاتها بداية هذا الاسبوع 22 مارس 2020 على انخفاض عام وشامل، حيث تراجعت كل من الأسوق الخليج والآسيوية والأوروبية، في حين سجلت الأسهم الأميركية تراجعا حادا في مستهل تعاملاتها. وفي هذا الصدد، تراجع مؤشر أبو ظبيبنسبة 3.1 % وانخفض المؤشر العام السعودي ب2.9%، في حين هوى مؤشر بورصة قطر ب 3.9% وبورصة البحرين ب 0.4%. كما أغلق مؤشر ستوكس 600 الأوروبي بانخفاض يقدر ب4.3، متبوعا  بتراجع بورصة لندن ب 7٪، وهبوط مؤشر كاك 40 في باريس بشكل حاد هو الاسوأ منذ 2008 وصل ل 8.3٪ ، ونفس التراجع وسم بورصة فرانكفورت التي تراجعت ب 7.9٪ .

بدورها لم تسلمبورصة وول ستريت من هذا النزيف حيث تراجع مؤشر ناسداك بشكل غير مسبوق بنسبة6٪ ، الأمر الذي أدى تعليق التجارة لمدة ربع ساعة عند الافتتاح بهدف التخفيف من الذعر الذي أصاب البورصة؛بالإضافة إلى ذلك شهد مؤشر FTSE وداو جونز الصناعي ونيكي انخفاضات هائلة منذ بدء تفشي المرض في 31 ديسمبر، وتعتبر الأدنى منذ عام 1987.وبهذامحامؤشرداوجونزالصناعي وحدهمكاسبثلاثسنواتفيشهرواحد.وفي نفس السياق، عرفت بورصة هونغ كونغ تراجع مؤشر هانغ سينغ بنسبة 4.4%، وسجلت بورصة سنغافورة أيضا تراجعا بلغت نسبته 7.5%.وخسرت سيول 5.5%، وانخفض مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 3.11% ، وتراجعت سوقالأسهم المحلية الهندية بأكثر من 11%.

3. خسائر صناديق التقاعد العامة وتدخلات الأبناك المركزية

تسببت هذه التحولات الكبيرة والمتسارعة في أسواق الأسهمإلى فقدانقيمة الأسهم العالمية ما يقارب 1.5 تريليون دولار نتيجة المخاوف المتزايدة من فيروس كورونا، مما أثر سلبا وبشكل مباشر على العديد من الاستثمارات في المعاشات التقاعدية وحسابات التوفير الفردية، فحسب تقاريروكالةالتصنيفاتالائتمانيةموديزفإنالصناديقتواجهخسائراستثماريةبنحو21% فيالمتوسط، وكمثال خسرت صناديقالتقاعدالعامةالأميركيةنحوتريليوندولار، وإذا لم يتمتعويضهذه الخسائرالاستثمارية فإنالحكوماتقدتواجهزيادةبنحو 60% فيمساهماتالتقاعدللسنةالمالية2021.

ولتدارك هذا التراجع في البورصات ووقف نزيفها، اتخذتالأبناك المركزية لأزيد من 50 دولة قرارا سريعابتخفيض سعر الفائدة الرئيسي (31 بنك مركزي في أسبوع واحد)لمستويات منخفضة والتي كان من المفترض أن تضخ سيولة مالية إضافية، وتجعل الاقتراض أرخص وتشجع الانفاق، غير أن عدم صدور أخبار مؤكدة عن قرب التوصل للقاح يقضي على فيروس كورونا وتعميم حالات الحجر الصحي لغالبية الدول المصابة والموبوءة وتراجع الانتاج فيها وخوف المواطنين جعل هذا الاجراء غير كاف وغير مجدي، ويبدو أن جل البورصات العالمية ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها تلك الأكثر سوءا.

4. انتعاشه مالية مؤقتة بتكاليف تحفيزية باهظة

ورغم انتعاشة أسواقالأسهمالأوروبيةوسوقوول ستريتبقوةوتحقيقمكاسبتجاوزت 11٪ عندإغلاق يومالثلاثاء 24 مارسمباشرة بعد يوم واحد من خسائر غير مسبوقة- وذلك على خلفية لقاء الرئيس الامريكي ونائبه مع كبارمستثمريسوقالأسهم الأميركية لطمأنتهم والتعهد بمساعدتهم وعدم السماح بانهيار الشركات الامريكية الكبرى، وكذلك بفضل نجاح مجلسالشيوخالأميركيفيتمريرخطةالبيتالأبيض لإنقاذالاقتصادبأكثرمنتريليونيدولار، وذلك بإنشاءصندوقبقيمةخمسمئةملياردولارلمساعدة الصناعاتوالولاياتالمتضررةبشدةمنتداعياتفيروسكورونا. بالإضافة إلى إحداث صندوقبقيمةخمسين ملياردولارمنالدعملشركاتالطيران،وتمتخصيص367 ملياردولارلتأمينالقروضللشركاتالصغيرة،و150 ملياردولارللمستشفياتوالقطاعالصحي،و250 ملياردولارلتوسيعنطاقالتأمينضدالبطالة، مع الاستعداد لتوجيهدعم ماليمباشرةللأسر الأميركيةيُقدر ب 1200 دولارلكلراشد،و500 دولار لكلطفلوتأجيلالضرائب. وحسب المحللين الاقتصاديين وخبراء الاسواق المالية فإن هذا الرجوع السريع لن يكون إلا مرحليا ولن تدوم مكاسبه إلا أياما معدودة فقط، خصوصا بعد دخول منطقة الأورو في حالة طوارئ مالية ومرحلة الانكماش الاقتصادي.

5. تباطؤ التصنيع الصيني وتراجع الانتاج العالمي

فيالصين،ومباشرة بعد ظهورفيروسكرورنا لأولمرة،انخفضالإنتاجالصناعيوتراجعت المبيعاتوتدنى الاستثمارفيأولشهرينمنهذه السنة،مقارنةبالفترةنفسهامنعام 2019. وقدانخفضالنشاطالفعليفيالصينبمعدلقياسيفيفبراير،وتراجعالمؤشرالرسميللنشاطالصناعيإلى35.7٪ فيفبرايرمقابل 50٪فييناير. وظهرالتباطؤالصناعيفيالصينواضحًامنالفضاء،حيثقالتوكالة ناساإنالأقمارالصناعيةلرصدالتلوثرصدت انخفاضاكبيرافيثانيأكسيدالنيتروجينفوقالبلاد. ووفقالموقعبلومبرغكانتالمصانعالصينيةتعملبنسبة60 إلى 70 فيالمائةمنطاقتهافي نهاية فبراير،بينماتبلغتقديراتبنك مورغان ستانلي،أنالمصانع الصينيةتعملبمايتراوحبين 30 إلى 50 فيالمائةمن طاقتها.ويدلُّهذاالمعدلإلىأننموالاقتصادالصيني خلالالنصفالأولمنسنة 2020سيعرف تراجعا لا محالة، حيث تراجعتالإيراداتالماليةللحكومةالصينية بنسبة 9.9 ٪فيأولشهرينمن 2020، وحسبوزارة المالية الصينية، فإن إجماليالإيراداتحتىنهاية فبراير بلغ496 ملياردولار، فيماتراجعتالنفقات الحكوميةبنسبة 2.9 ٪،إلى 456.3 ملياردولار حتى نهايةفبراير.وباعتبار أن الصينتشكل بمفردهاثلثالصناعةالتحويليةعلىالمستوىالعالمي،وهيأكبرمصدرفيالعالم، فلقد أثر هذا التراجع علىسلاسلالتوريدللشركاتالكبرى العالميةالمصنعةللمعداتالصناعية وصانعوا السيارات. وكشفتشركاتدولية تعملبنظامالدفععنطريقبطاقاتالائتمان،مثلأمريكانإكسبريسوفيزاوماستركارد،أنالأضرارالتيسببهافيروسكوروناالمستجدعلىالاقتصادالعالمي،بلغمابين 28-29 تريليوندولار

6. صناعةالسياحةتهوي إلىأدنى مستوياتها

يعتبرقطاعالسياحةمنالقطاعاتالتيتأثرتبشكلمباشربفيروسكورونا،وبسببسرعةانتشارهوخروجالأمورعنالسيطرةوتوقفالرحلاتوإقفالحدودالدولفيمابينهاوارتفاعحالاتالحجرالصحيلكلدولةعلىحدة،توقففعليا 70 ٪منقطاعالضيافةحولالعالموانخفضتصناعةالسياحةإلىأدنىمستوياتهاالتاريخية،وحسبمعهدمنتدىالسياحةالعالميفإنالخسائرالاقتصاديةالتيمنيبهاقطاعالسياحةالعالميلغايةالآنبلغأزيدمن 600 ملياردولار،ومنالمتوقعأنتصلالخسائرإلىتريليوندولارهذاالعام،وستطالالتشغيلفيهذاالقطاع،ومنالمحتملفقدان50 مليونوظيفة. وفي سياق متصل تمإغلاقالعديدمنالمراكز التجارية الكبرىوالمطاعموغيرهامنمراكزالأنشطةالاجتماعية وجزء لا يُستهان به من الفنادق.

وأعربخبراءصناعةالسياحةفيالمملكةالمتحدةعنمخاوفهمبشأنبقاءالسياحالصينيينفيمنازلهم، حيثكانتهناك أزيد من 415000 زيارةمنالصينإلىالمملكةالمتحدةفيالأشهرالـ 12 من2019. ووفقًالموقعVisitBritain، فإن المسافرونالصينيونينفقونثلاثمراتأكثرمن متوسط انفاق السياح الذين يزورون بريطانيا تقريبا 1680جنيهًاإسترلينيًالكلسائح صيني.

7. قطاع الطيران الدولي، المتضرر الأكبر

بدورهاباتتشركاتالطيرانحولالعالمقابقوسينأوأدنىمنالإفلاس بسببوقفأكثرمن 90 فيالمائةمنحركةالطيران العالمية، ومن جانبها قدرتشركةالتحليلاتForwardKeysأنمايصلإلى48200 رحلةمع 10.2 مليونمسافرستلغيبسبببالحظر.وتوقعتالرابطةالدوليةللنقلالجويإياتاأنتصلخسائرشركاتالطيرانحولالعالمإلى 113 ملياردولار،كإحدىالتبعاتالاولىلتفشيفيروسكورونا. حيث تراجعتالقدرةعلىالعملبالنسبة لجميع شركات الطيرانبنسبةتصلإلى 80 فيالمائة،وفيمؤشرعلىالخسائرالتيتتكبدها هذه الشركات،تراجعتأسهممجموعةالخطوطالجويةالدوليةبنسبة24 فيالمائةفيبورصةلندن،وكذلكبالنسبةلشركةإيزيجيتبنسبة 23 فيالمائة،وراينإيربنسبة 19 فيالمائة. وبالموازاة مع ذلك، فإن هناك ضغوطماليةوتشغيليةكبيرة تتعرضلهاشركاتالطيران،ولاسيماأنهناكنحو 2.7 مليونشخصيعملفيها؛

وكتأثير مباشر لهذه التداعيات، انخفضتأسهمشركةبوينجبنسبة 44٪ الأسبوعالماضي،وقديكونعملاقالطيرانعلىوشكالانهيار، ولائحة الافلاس والانهيارات طويلة، ومن المتوقع حدوث كوارث في هذين القطاعين إذالمتتدخلالحكوماتبشكلسريع لإنقاذهما ولتقديمالدعم اللازم لهما.

8. الخطر القادم: تهديد الأمن الغذائي العالمي

تسود حالة من القلق بسبب تهافت المواطنين -في حالة من الفزع الشديد- علىشراءحاجياتهم الغذائيةومستلزماتهم المنزلية ومستحضراتالتنظيفوورقالصحي وما رافق ذلك من فيديوهات وصور لتدافع وتشاجر العديد من الناس على اقتناء السلع،وشيوعمشاهدلرفوف المتاجر العالميةوهي خاليةمنالبضائع، ويزداد الهلع مع انتشار أخبار لتوجهبعضالحكوماتلتقييدتدفقالموادالغذائيةالأساسية الخاصة بهالتضمنلشعوبهاكفايتهمفيوقت يخضعنحوخمسسكانالعالملحالةعزل صحيمع إقفال الحدود بين الدول وقيودعلىالحركةوالتنقل. فيتنام كثالثأكبرمصدرللأرزأوقفتالتصدير،والهنددخلتلتوهافي حالةإغلاقستستمرثلاثةأسابيع وتايلاندقدتعلنإجراءاتمماثلة. وفيروسيادعااتحادمنتجيالزيوتالنباتيةإلىتقييدبيعبذوردوارالشمس. وتباطأإنتاجزيتالنخيلفيماليزيا،ثانيأكبرمنتجله.

هذا الارتباك في سلاسل الامداد العالمي وهذه التحركات الدولية وإن كانت معزولة وبحسن نيية فإنها تمثل تهديدا حقيقيا خطيرا على الامن الغذائي العالمي وعلى الاستقرار والسلم في  الدول وعلى نفسية مواطنيها، وتفقد الثقة أكثر في التعاون الدولي وفي مقدرة الاقتصاد العالمي على التضامن والتآزر وعلى تحقيق التوزيع العادل للثروة العالمية، خصوصا وأنه الانتاج العالميالمجمعمنالأرزوالقمح، سيسجلهذه السنةمستوىقياسياًعند 1.26 مليارطن، وذلك وفقا لبياناتوزارةالزراعةالأميركية، وتأكد العطيات أنهذاالإنتاجيمكنهبسهولةمن تلبيةاحتياجاتالاستهلاكالعالمي منالمحصولينمع تحقيق مخزونفينهايةسنة 2020يُقدر ب 470مليونطن.  

9. انخفاض أسعار النفط:أدنى مستوى منذ حرب الخليج 1991

واصلت أسعار خام برنت التراجع بالموازاة مع اتخاذ الدول المزيد من الإجراءات لاحتواء تفشي فيروس كورونا عالميا، وبتراجع كافة قطاعات النشاط الاقتصادي العالمي، فإن الطلب على النفط تراجع بكل مهول وقدأعلنتوكالةالطاقةالدوليةأنالطلبالعالميعلىالنفطانكمشبنحو 90 ألفبرميليوميًاهذه السنةولأولمرةمنذعام 2009. وقد انخفضت أسعار النفط منذ 4 أسابيع على التوالي، وتراجعت نحو 60% منذ بداية سنة 2020 لسببن اثنين: تراجع الطلب بسبب فيروس كورونا وتداعيات الحرب على أسعار النفط التي اندلعت منذما يزيد عن الشهر بين روسيا والسعودية المنتجتين الرئيسين للخام.وهذا التراجع التاريخي للنفط مُنذر بانكماش الاقتصادي العالمي. ربما سيكون انهيارأسعارالنفطفيالأسواقالعالميةخبرمفرحللغايةبالنسبةللمستهلكين،ولكنهليسبالضرورة جيدبالنسبةللدول المصدرة له وللنشاط الصناعي والانتاجي العالمي، وتشير تقديرات البنك الدولي أن أنكلهبوطبعشرةبالمائةفيأسعارالنفط،سيقلص،فيالمتوسط،النمولدىمصدريالنفطبنسبة 0.6 بالمائة ويرفعالعجزالماليالكليبنسبة 0.8 بالمائةمنالناتج المحليالإجمالي.

10. آثار انتشار فيروس كرونا على النمو الاقتصادي العالمي

حذرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)من خطورةتفشيفيروس كوروناوالعجزالراهنعنمواجهتهوتأثيرذلكعلىالاقتصادالدولي، وتوقعت أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة أقل من 2.4٪،وهو أدنى لمعدل النمو العالمي منذ سنة 2009، وأكدت على أن مواصلة تفشي هذا الوباء لفترة أطول وبكثافة أكبر يمكن أن يخفض النمو إلى 1.5٪ في سنة 2020. في المقابل وضع قسمالعولمةوالاستراتيجياتالتنمويةبالأونكتاد سيناريوهات لتباطؤ النمو العالمي بسبب جائحة كورونا، ووجد أن العجزسيكونبمقدار 2 تريليوندولارفيالدخلالعالمي،و220 ملياردولارفيالدولالناميةباستثناءالصينوتوقعأنهفيأسوأالسيناريوهاتسينموالاقتصادالعالميبنسبة 0.5%،بمعنى خسائر مالية تُقدربنحو 2 تريليوندولار. وفيدولمثلكنداوالمكسيكوأميركاالوسطى،ودولمثلشرقوجنوبآسياوالاتحادالأوروبي،فإنهاسوفتشهدتباطؤافيالنموبين 0.7% و0.9%.  

11. كرورنا والرجوع إلى النموذجالكينزي للاقتصاد

الجميع تابع وبالمباشر كيف رجعت غالبية الدول للقيامبدورهاووظيفتهافيإدارةالاقتصاد والتعليم والصحةبلوإدارةجل شؤون مؤسسات الدولة التيكانتفي وقت جد قريبيتم بالتوافقمعتوجيهات ومقترحات منظمات عالمية وشركات عملاقة ومؤسسات دولية وعلىراسها  صندوقالنقدالدولي. ففي رمشة عين اتجهتدولعديدةبمافيهاالولاياتالمتحدةالامريكيةإلىالتدخلالمباشرلإدارةشؤونالبلادعلىكافةالمستويات،سواءفيما يخصاتخاذسياساتحمائيةأو استعادةبعضالأدوارالتيمنحتسابقاللقطاعالخاص،مثلقطاعالصحةالذيواجهازمةكبيرةمعانتشاروباءكرونا،والذي أثبت هذه الجائحة أنهلايمكنمواجهتهوفقمنطق وأسلوبالقطاعالخاصوأصحابرؤوسالأموال، ولكن وفقرؤيةوطنيةمندمجة تضعحياة المواطنفيرأس أولوياتها فوق كل الاعتبارات الاقتصادية والحسابات المالية.

هذا السلوك هو نفسه الذي ينادي به أصحاب النموذجالكينزيللاقتصاد،والذييقوم علىتقويةدورالدولةفيتوجيهالاقتصادالوطني،وتوظيفأدواتالسياسةالماليةلتحفيزالنموالاقتصادي،ويؤكد على عدمتخلىالدولةعنكلأدوارهالصالحالسوق.وأعتقد أن توالي الأزمات المالية، وحالات الركود الاقتصادي الذي تقترب منه دول العالم حاليا يتطلب تدخل متوازن من أجل الحد تداعيات الازمات والاثار المدمرة للسوق الحر التنافسي خصوصا ونحن نعيش في ظل عولمة يتم فيها تشارك الايجابي والسلبي.

12. الاقتصاد ما بعد كورونا سيكون مغاير لما قبلهوبوادر ولادة نظام مالي جديد

يزداد الخوف من تزايد مخاطرتفشيوباءفيروس، وما سببه من تعطيل لغالبية الاقتصادات العالمية وتوقيفالحياة اليومية، وإذا ما استمرهذاالوباءبالفصلالثانيمنهذاالعامفسيكونالإقتصادالعالميتحتتهديدحقيقي ولن تكون هناك مساحة أخرى لإنقاذه، خصوصا وأن جُل الحكومات والأبناك المركزية اتخذت كل السياسات التيسيرية الممكنة واستخدمت جميعالأدواتالماليةالمتاحة ولم تعد هناك حلول تحفيزية جديدة، الأمر الذي يطرح أكثر من علامات استفهام حول نجاعة الاسس الاقتصادية الحالية ويستلزم ضرورةالبحثعنبدائل ونظماقتصاديةجديدةقادرةعلىتجاوزإخفاقاتوإكراهاتالاقتصادالتقليدي. وقد صرَّحت منظمةالأممالمتحدةللتجارةوالتنميةالأونكتادبأن الاعتقادفيسلامةالأسسالاقتصاديةوالاقتصادالعالميالذييصححنفسه،أمرانيعرقلانالتفكيرالسياسيفيالاقتصاداتالمتقدمة،وأكدت أن هذاالاعتقادسيؤديإلىإعاقةالتدخلاتالسياسيةالأكثرجرأة،واللازمةلمنعتهديدأزمةأكثرخطورة،ويزيدمنفرصأنتتسببالصدماتالمتكررةفيأضراراقتصاديةخطيرةفيالمستقبل.

هناك مؤشرات إضافية مقلة ظهرت بسبب هذا “الفيروس الاقتصادي” ولا يسعنا المقال لتفصيلها، وأبرزها يتمثل في تراجع أدوار الملاذات الامنة للمستثمرين وعدم نجاعتها خصوصا بعد بوادر انخفاض الذهب والسندات الحكومية والتي تُعتبر عادة أصول شبه خلية من المخاطر. وعليه، فإني أعتقدأنجائحةكرورناأزاحتفقطالستارعننقاطالضعفالتيكانتموجودةفيالمنظومةالاقتصاديةوالماليةالعالميةمنذأزمةعام 2008 وكشفت حدود النظام الرأسمالي الحالي والتيللأسفلميتمعلاجهالحدالآن. فلاتزالالأبناكلاتملكمايكفيمنرؤوسالأمواللتحملصدمةشديدة،ولايزالالنظامالماليهشًاأكثرمماكانمنأيوقتمضى،لاسيمابسببالمديونيةالعالميةالمفرطة. والازمةالماليةستكونأسوءفيظلهذهالظروفإذاأدىانتشارالفيروسإلىتعطلانشاطلاقتصاديفيوقتأطولوأدىالأمرإلىحالاتتخلفمتتاليةفيأداءالديونالداخليةوالخارجية،فسوفتنفجرالقنبلةلامحالةفيوجهالأبناكووجهالمؤسساتالدولية.

في نظري فإن هذا الانهيار التدريجي الحاصل للمنظومة الاقتصادية والمالية هي علامات لبداية تفكك القواعد المؤطرة والضابطة للنظام المالي الكلاسيكي وبوادر بروز قواعد جديدة لنظام مالي جديد، وبهذا سيكون الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا مغاير لما قبله.وحسبقولالاقتصاديجامسبوكانانالحاصلعلىجائزةنوبلفيالاقتصاد: «اذاأخفقتكلمنالأسواقوالحكوماتفيتحقيقالعدالةوالكفاءةمعاً،فماهوالبديلالتنظيمي؟» وهذا هو السؤال الذي ينبغي على مفكري العالم -باختلاف تخصصاتهم- الاعتكاف والجواب عليه وإبداع تنظيم اقتصادي يقوم على مبدأ التضامن والتوازن الاجتماعي، اقتصاد عالمي يلتزم بالصالح العام الدولي وبالمسؤولية الاجتماعية، اقتصاد إنساني يحافظ على كرامة الانسان وعلى حقوقه.

13. توصيات مرحلية على السريع

دون التطرق للإجراءات الصحية والوقائية، فهناكالعديد من التدابير التي يجب على المنتظم الدولي وكل دولة اتخاذها، كل حسب تخصصه:

-إعطاء الأولوية للشق الاجتماعي وللدعم المالي المباشر للفقراء والاسر المهمشة في المناطق الجبلية والاماكن النائية؛
-منح دعم مباشر ومواكبة لصيقة للمقاولات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا باعتبارها الركيزة الاساسية للنشاط التجاري العالمي وتشغل أزيد من80 في المائة من اليد العاملة في غالبية الدولالأكثر تضرراً؛
-الحفاظ على مستوى أساسي -الحد الادنى- من النشاط الاقتصادي وتجنب الاشكالات التجارية الكبرى والمحافظة على سلاسل القيمة العالمية من أجل تحريك الاقتصاد العالمي واستعادة الثقة فيالأسواق المالية؛
-المحافظة على التدفقات الطبيعية للمحاصيل الزراعيةمن أماكن إنتاجها إلى أماكن استهلاكها مع الحرص على توفير مخزون معقول لكل دولة على حدة؛
-اعتماد تدابير مستعجلة لدعم للعاملين الأكثر عرضةللخطر، كالمهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غيرالأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا أو في وظائفمؤقتة، والذين لا يمكنهم الاستفادة من إعاناتفقدان الشغل أو التأمين الصحي؛
-على صندوق النقد الدولي تجميد تسديد الديون بالنسبة للدول المتضررة كثيرا من آثار فيروس كورونا خصوصا دول القارة الافريقية، والعمل علىإعادة هيكلتها مستقبلا وذلك من أجل مساعدة هذه الدول على استعمال ما لديها من أموال لمكافحةهذه الجائحة؛
-جعل التكنولوجيا في لب السياسات العمومية المحلية لكل دولة وربطها لزاما بمنظومة التربية والتكوين وبالبحث العلمي والتوازن في استخدامها في القطاعات الانتاجية تفاديا لتفشي البطالة؛
-تعزيز أدوار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتنمية المحلية والانطلاق من المقومات المحلية لكل دولة وفي كل مدينة، وتمكين السكان المحليين من القسط الاكبر من عوائد سلاسل الانتاج المحلية؛
-الحرص على التعاون العالمي وتنسيق الجهود والسياسات الدولية من أجل نجاعة أكبر في احتواءالخسائر البشرية والاقتصادية المحتملة لـفيروس كورون.

خاتمة : عبرة كرورنا

الأكيد أن فيروس كورونا ليس هو نهاية العالم، وهذه الازمة عابرةبالتأكيد، وسيستعيد العالم والاقتصاد سلوكه العادي بعد حل الأزمة، إلا أن حلها ليس في يد رؤساء الدول والحكومات وليس في يد الاقتصاديين والمحللين المالين، ولكن في يد المختبرات الطبية وهو رهين بوعي الشعوب ومرتبط بمدى التضامن والتآزر بينها. واجب الوقت هو إعطاءالأولويةللإنسان (صحته وتعليمه) علىحسابالمالوالاقتصاد،لأنالاقتصاديمكنأنويرجعللنموولكنلايمكنللموتىالرجوعللحياة. كرورنا لم تختبر فقط كفاءة ونجاعة الاقتصاد العالمي، ولكنها امتحنت كذلك معدن المواطنين في كل بلد، واختبرت مصداقية منظومة القيم المجتمعية العالمية،وأبانت عن ضرورة خلق مجتمعات ترتبط فيها التنمية الاقتصادية مع متطلبات العدالة الاجتماعية وتوازن المصالح ويُقدر معنى ودور منظومة القيم الاجتماعية والاقتصادية للشعوب. فهل سينجو العالم بشكل عادل من الأثار المدمرة لهذا الفيروس؟ وهل سينجح العالمفي تجديد منظومة اقتصادية ومالية مغايرة لما قبل كرورنا؟

Source: howiyapress.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!