تفسير سورة الفتح

تفسير سورة الفتح

بواسطة:
سناء كمال
– آخر تحديث:
١٣:٣٨ ، ٨ أكتوبر ٢٠١٩
تفسير سورة الفتح

‘);
}

القرآن الكريم

القرآن الكريم كتاب الله -سبحانه وتعالى- المعجز الذي أنزله على عبده ونبيه محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وهو كلام الله تعالى الذي لا يشابهه كلام ولا يطاوله قول في الصدق والفصاحة والبلاغة والبيان، نُقل القرآن الكريم عن رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- بالتواتر بعد أن حفظه الصحابة في صدورهم ثمَّ كتبه من بعدهم بإذن الله، فكان ولم يزل منزهًا عن أي خطأ أو تحريف أو تبديل أو تغيير، وهو كتاب متعبد بتلاوته أي إنَّ تلاوته طريق لكسب الاجر والثواب من الله تعالى، ويُعدُّ القرآن الكريم آخر الكتب السماوية بعد صحف نبي الله إبراهيم وبعد التوراة والإنجيل، وهذا المقال سيتناول تفسير سورة الفتح إحدى سورة القرآن الكريم.[١]

ما هي سور المثاني

تمهيدًا للحديث عن تفسير سورة الفتح، إنَّ سور القرآن الكريم تُقسم إلى السبع الطوال وسور المثاني وسور المئين وسور المفصل، وهذا التقسيم ما جاء في الحديث الذي رواه واثلة بن الأسقع الليثي أبو فسيلة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطّوالَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئِينَ، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ، وفُضِّلْتُ بالمفَصَّلِ”،[٢]في شرح هذا الحديث حدد أهل العلم السبع الطوال بأنها: سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة وسورة الأنعام وسورة الأنفال وسورة التوبة، أمَّا سور المئين فهي السور التي يبلغ عدد آياتها مئة آية أو يزيد عن مئة، أمَّا سور المثاني فهي ما قلَّ عدد آياتها عن مئتي آية.[٣]

‘);
}

ومن الجدير بالذكر إنَّ من أهل العلم من يطلق اسم المثاني على كلِّ سور القرآن الكريم مستندين في هذا على قوله تعالى في سورة الزمر: {أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}،[٤]وجاء عن الفرَّاء أنَّه قال: “المثاني هي السُّور التي آيُها أقل من مائة آية؛ لأنَّها تثنى؛ أي تكرر أكثر مما تثنى الطوال والمئون”.[٣]

ومن المعروف أيضًا مصطلح السبع المثاني؛ والسبع المثاني تختلف عن سور المثاني، فقِيل: إنَّ السبع المثاني هي السبع الطوال في القرآن الكريم، وقيل السبع المثاني هي سورة الفاتحة التي يبلغ عدد آياتها سبع آيات دون البسملة، روى أبو سعيد بن المعلى -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال له: “ألَا أُعَلِّمُكَ أعْظَمَ سُورَةٍ في القُرْآنِ قَبْلَ أنْ أخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ فَذَهَبَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لِيَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ فَذَكَّرْتُهُ، فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، هي السَّبْعُ المَثَانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ”،[٥]والله تعالى أعلم.[٦]

سورة الفتح

سورة الفتح سورة من السور المدنية، أي من السور التي أنزلها الله -سبحانه وتعالى- على رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بواسطة الوحي جبريل -عليه السَّلام- في المدينة المنورة، وهي من سور المثاني، يبلغ عدد آيات سورة الفتح تسع وعشرين آية، وهي السورة الثامنة والأربعون في ترتيب سور المصحف الشريف، وهذا ما يجعلها في الجزء السادس والعشرين والحزب الواحد والخمسين والثاني والخمسين والربع الرابع والخامس، وقد نزلت سورة الفتح بعد سورة الجمعة، وقيل إنَّها نزلتْ في الطريق أثناء عودة رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- ومن معه من المسلمين من صلح الحديبية، وقد بدأها الله تعالى بأسلوب توكيد، قال تعالى في الآية الأولى من سورة الفتح: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}،[٧]والله تعالى أعلم.[٨]

سبب تسمية سورة الفتح

تُسمَّى السور القرآنية الكريمة في غالب الأحيان بأسماء كلمات تردُ في مطالع هذه الآيات، وهذا ما يظهر جليًّا في اسم سورة الواقعة وسورة الحاقة وسورة الطارق وسورة الملك وغيرها من السور، وقد تسمَّى السورة القرآنية باسم قصة سُردِتْ في آيات هذه السورة، وهذا ما يظهر جليًّا أيضًا في سورة البقرة التي سُمِّيت بهذا الاسم نسبة لقصة بقرة بني إسرائيل المذكورة في آيات سورة البقرة، وسورة يوسف أيضًا التي سردت قصة نبي الله يوسف -عليه السَّلام-، أمَّا سورة الفتح على وجه الخصوص فقد سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّ الله -تبارك وتعالى- بشَّر المؤمنين في هذه السورة الكريمة بالفتح العظيم المبين، وكانت هذه البشارة في الآية الأولى من سورة الفتح، قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}،[٧]من هنا جاء اسم هذه السورة المباركة، والله تعالى أعلم.[٩]

سبب نزول سورة الفتح

قبل الوصول إلى تفسير سورة الفتح، إنَّ علم أسباب نزول الآيات والسور القرآنية هو علم خاص بذاته، ويتميَّز هذا العلم في كونهِ سببًا رئيسًا من أسباب معرفة المقصود من الآيات القرآنية، فالسور والآيات كانت تنزل على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مترافقة مع حادثة معينة حصلت مع أحد من المسلمين، فكانت تنزل الآيات موضحة الأمر الإلهي في هذه الحادثة ومبينة طريق الصواب للمسلمين، أمَّا فيما يخص سبب نزول سورة الفتح على وجه التحديد، فقد جاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- في قولِه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}،[١٠]قال: “نزَلت على رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مرجِعَه مِن الحُديبيةِ، وإنَّ أصحابَه قد أصابَتْهم الكآبةُ والحُزنُ، فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: أُنزِلَتْ علَيَّ آيةٌ هي أحَبُّ إليَّ مِن الدُّنيا وما فيها، فتلاها رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- عليهم فقالوا: يا رسولَ اللهِ بيَّن اللهُ لك ما يفعَلُ بك فماذا يفعَلُ بنا؟ فأنزَل اللهُ الآيةَ بعدَها: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}”،[١١]والله تعالى أعلى وأعلم.[١٢]

فضل سورة الفتح

قبل تسليط الضوء على تفسير سورة الفتح، إنَّ لِسُور القرآن الكريم كلِّها فضلًا عظيمًا، حيث إنَّ هذه السورة والآيات المباركة كلُّها متعبدة بتلاوتها، فمن قرأ من كتاب الله -سبحانه وتعالى- حرفًا فله ثواب قراءة هذا الحرف، وهذا ما أشار إليه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله قال: “مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ ولام حرفٌ وميمٌ حرفٌ”،[١٣]فكلُّ مسلم قرأ القرآن بنية الأجر، فله الأجر من الله تعالى.[١٤]

أمَّا ما جاء في فضل سورة الفتح على وجه الخصوص، فقد ورد في صحيح الإمام البخاري، فيما رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إنّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “…لقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهي أحَبُّ إلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ ثُمَّ قَرَأَ: {إنَّا فَتَحْنَا لكَ فَتْحًا مُبِينًا}”،[١٥]والله تعالى أعلم.[١٦]

تفسير سورة الفتح

في تفسير سورة الفتح يمكن القول إنَّ آيات الكتاب الحكيم تتضح معالمها وتتجلَّى مقاصدها في تفسيرها وتسليط الضوء على معانيها وأسرارها، ولهذا طالما كان علم التفسير من أهم علوم القرآن الكريم إن لم يكن أهمها، ولهذا كان غالب اجتهاد العلماء وعملهم في تفسير سور الكتاب بطريقة تيسِّر لعامة المسلمين فهمَ خفايا النَّصِّ القُرآنِيِّ ومعرفة أحكامه المطروحة فيه، وفيما يأتي تفسير سورة الفتح بشكلٍ تفصيليّ:

تفسير سورة الفتح الآية 1-9

يبدأ الله -سبحانه وتعالى- سورة الفتح بأسلوب توكيد، قال تعالى: {إنَّا فَتَحْنَا لكَ فَتْحًا مُبِينًا}،[٧]والمقصود هنا يوم صلح الحديبية قبل فتح مكة؛ فالآية نزلتْ في الطريق عند عودة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومن معه من المسلمين إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية، والخطاب الإلهي في هذه الآيات موجَّه إلى رسول الله -عليه الصّلاة والسَّلام-، ثمَّ يأتي تفسير الآية الثانية بأنَّ الله تعالى غفر لرسول الله ما تقدَّم من الذنب وما تأخر، وهداه إلى صراطه المستقيم وأتمَّ نِعَمَهُ عليه وحباه هذا النصر العظيم، كما أنَّ الله تعالى أنزل على المسلمين الهدوء والسكينة ليزيد إيمانهم، ثمَّ ينتقل الخطاب الإلهي إلى وصف الجنة التي وعد بها المسلمين، هذه الجنة التي تجري من تحتها الأنهار بأمر الله تعالى، مستقر المؤمنين الأخير، ومكان خلود المسلمين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، أمَّا المنافقون والمنافقات فلهم عذاب عظيم، فقد وقع عليهم غضب الله تعالى، ولهم يوم القيامة أسوأ مصير وخاتم.[١٧]

تفسير سورة الفتح الآية 10-12

يقول الله تعالى: إنَّ الذين يبايعونك أي يعاهدونك في الحديبية على قتال المشركين، هؤلاء سيكونون رهن عملهم، فمن نكث هذا العهد ولم يقاتل المشركين معك أيها الرسول فقد نقضوا العهد مع أنفسهم وسيعود هذا العذاب عليهم أولا، ومن قاتل منهم معك فلهم الأجر العظيم من الله تعالى، أمَّا البدو الذين رفضوا الخروج معك أيها النبي لقتال قريش فسيظهرون الحجج البالية إذا عاتبتهم على عدم خروجهم وسيقولون لك: “شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا”، فقل لهم أيها الرسول إنَّ الله إذا أراد بكم ضرًّا فلا مردَّ لمُراده وكذلك إذا أراد بكم نفعًا فلن يملك لكم أحد من الله شيئًا، وظننتم أن قريش ستقضي على المسلمين وأن المسلمين لن يعودوا إلى المدينة مرة أخرى بعد أن خرجوا إلى مكة المكرمة، وظننتم أن الله تعالى لن ينصر نبيه ومن معه من المسلمين، وكنتم قومًا لا نفع فيكم، قومًا هالكون لا محالة بظنكم السيئ.[١٧]

تفسير سورة الفتح الآية 13-15

يقول الله تعالى: إنَّ مصير من لم يؤمن بالله ورسوله عذاب السعير، فالله تعالى له ملك السماوات والأرض وما بينهما، بيده المغفرة والأمر، فيغفر لمن شاء من عباده ويعذب من شاء من عباده، وهو الغفور الرحيم، ثم يقول تعالى: سيقول الذين تخلَّفوا عن الخروج إلى مكة، إذا انطلقتم أيها المسلمون إلى كسب غنائم خيبر فاتركونا نتبعكم، وهم يريدون في هذا أن يغيروا وعد الله لمن كان من المسلمين في الحديبية، فقل لهم أيها النبي: لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ، وسينكرون هذا ويقولون لكم: إنَّ هذا حسد منكم وليس هذا أمر الله تعالى، فأعرض عنهم أيها النبي فهم لا يعرفون ولا يفقهون إلَّا القليل، والله أعلم.[١٧]

تفسير سورة الفتح الآية 16-24

يخاطب الله تعالى رسوله قائلًا: قل أيها الرسول للبدو الذين تخلَّفوا يوم الحديبية إن الله سوف يمنحكم فرصة جديدة وهي قتال قوم أشداء حتى يسلموا، فمن أطاع الله وقاتل هؤلاء القوم فله أجر حسن من الله تعالى، ومن تولَّى منكم فله العذاب الأليم، ثمَّ يبين الله أعذار تخلف عن الجهاد، فالأعمى والأعرج والمريض ليس عليهم حرج في تخلفهم عن القتال، ومن أطاع أمر الله تعالى فله جنات الخلد ومن تولَّى فله العذاب الشديد، ثمَّ يقول تعالى: لقد أنزل الله رضاه على الذين بايعوك يا محمد تحت الشجرة بيعة الرضوان في نفس عام الحديبية، فقد علم الله ما في قلوب هؤلاء من الصدق والإيمان، فجزاهم نصرًا عظيمًا من عنده وغنائم كثيرة يتمتعون بها والله هو العزيز الحكيم، هذه الغنائم هي وعد الله للمسلمين، والله لا يخلف وعده، فقد أعطاكم هذه الغنائم وأبعد أيدي الحاقدين عنكم وهداكم صراطًا مستقيمًا.[١٧]

يقول الله تعالى للمسلمين: وقد وعدكم الله بغنائم أخرى لم تستطيعوا أن تأخذوها بعد وهي غنائم بلاد فارس والروم، هذه الغنائم التي أحاط بها الله تعالى وهو قادر على ذلك، ولو قاتلكم المشركون من قريش لهربوا وفرُّوا من قتالكم ولم يجدوا لهم نصيرًا عليكم، فهذا نصر الله تعالى لمن آمن به من الناس وهذه سنة الله تعالى مع الأمم السابقة، ولا بديل لأمر الله تعالى، فالله تعالى هو الذي صرف أيدي المشركين عنكم وصرفكم عنهم يوم الحديبية، وهنا الآية الكريمة تشير إلى قصة الرجال الثمانين الذين خرجوا لقتال رسول الله والصحابة في الحديبية، فأوقعهم الله تعالى في يد المسلمين وكان هذا سبب صلح الحديبية، والله تعالى أعلم.[١٧]

تفسير سورة الفتح الآية 25-29

يقول الله تعالى: كفار قريش هم الذين صدوكم ومنعوكم عن دخول مكة للعمرة وأنتم محرمون، ولكن وجود بعض المؤمنين المستضعفين الذين يعيشون بين الكفار في مكة كان سببًا في عدم دخولكم، فالخوف من أن تدهسوهم بجيشكم فيكون هذا عارًا عليكم، ويكون صعبًا عليكم دفع ما يلزم من الدية لأهل المقتول من المسلمين، وقد علم الله تعالى أنَّ المشركين جعلوا في قلوبهم حمية الجاهلية وعزموا على القتال، فقد رفضوا دخول المسلمين إلى المسجد الحرام ورفضوا عند الصلح أن يكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم، وهذه علامات حمية الجاهلية، فأنزل الله السكينة على رسوله وجعل كلمته كلمة التقوى والهدى، ثمَّ يبشر الله تعالى المسلمين بدخول المسجد الحرام في العام القادم لأداء مناسك العمرة كاملة فتحًا قريبًا من الله تعالى.[١٧]

يقول تعالى: هو الذي أرسل رسوله، أي الله تعالى أرسل رسوله بالقرآن والدين الحق ليكون ظاهرًا على كلِّ ما يعبد الناس من الزور، والله شهيد على نصر رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ثمَّ يأتي الخطاب الإلهي في آخر سورة الفتح على ذكر صفات الصحابة الكرام، الصحابة الذين هم أشداء على الكفار، المتراحمون فيما بينهم، صحابة رسول الله الذين يركعون ليلًا نهارًا ويسجدون لله في كلِّ حين ابتغاءً لفضله ومرضاته، على وجوههم ملامح السجود وأثره، هذا ما ذكرهم الله تعالى به في التوراة، أمَّا في الإنجيل فقد وصفهم الله تعالى بأنهم مثل زرع أخرج فروعه وتكاثرت أغصانه وقوي واشتدَّ فصار حسن المنظر، ثمَّ ختم الله تعالى بأنَّه وعد الذين آمنوا وعملوا ما يُرضي الله تعالى مغفرة وأجرًا من عنده سبحانه وتعالى.[١٧]

تأملات في سورة الفتح

بعد ما جاء من تفسير سورة الفتح، إنَّ هذه السورة العظيمة فيما الكثير من اللمسات البيانية التي تظهر الإعجاز البياني في كتاب الله تعالى، هذه اللمسات التي وقف الدكتور فاضل صالح السامرائي على بعض منها، يقول الله تعالى في سورة الفتح: {وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}،[١٨]والسؤال هنا لماذا قال الله تعالى: {أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ} ورفع هاء كلمة عليهُ ولم يكسرها كما هو شائع، والإجابة على هذا السؤال هي أنَّ ضمَّ الهاء في هذا الموضع لغة أهل الحجاز، ومن المعروف إنَّ القرآن الكريم نزل بلغة العرب جميعًا، فأهل الحجاز يقولون: عليهُ، إليهُ، منهُ، لديهُ، وهكذا هي لغة أهل الحجاز، أمَّا سبب استخدام هذه اللغة هو أنَّ هذه الآية نزلت يوم عهد الحديبية، هذا العهد الذي بايع فيه المسلمون رسول الله على الموت، ولا يوجد أثقل من الموت على المرء، فجاء الله تعالى بالضم وهي أثقل الحركات، فكانت الهاء التي تدل على الموت مضمومة بلغة أهل الحجاز وثقيلة كثقل الموت على الإنسان، والله تعالى أعلم.[١٩]

مقاصد سورة الفتح

بعد ما ورد من حديث عن تفسير سورة الفتح وإظهار ما في السورة من لمسات بيانية، لا بدَّ من تسليط الضوء على مقاصد هذه السورة المباركة، ومعنى المقاصد أي الأفكار الرئيسة التي وردت في آيات هذه السورة الكريمة، والأحكام والقصص التي سردتها آيات هذه السورة، وفيما يأتي أبرز ما جاء من مقاصد سورة الفتح:[٢٠]

  • بدأ الله تعالى هذه السورة ببشارة المسلمين بالفتح العظيم وبما منَّ عليهم من النصر والتمكين.
  • تضمَّنت هذه السورة البشارة أيضًا للمؤمنين بما في صلح الحديبية من عاقبة حميدة، وأنَّ هذا الصلح نصر للمسلمين وليس ضعف أو صلح في موقف ضعف.
  • أظهرت السورة أن الله تعالى أرسل رسوله الكريم بشيرًا للمؤمنين ونذيرًا للمشركين في سبيل نشر الخير والإيمان بين الناس جميعًا.
  • بيَّنت الصورة أنَّ للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كرامة عظيمة عند ربه، فقد وعده بالنصر والفتح ونصره وفتح له وللمسلمين فتحًا عظيمًا، ووعده بفتح آخر قريب وهو فتح مكة.
  • سلَّطت السورة الضوء على أصحاب الأعذار الذين يحق لهم التخلف عن القتال، وهم الأعمى والأعرج والمريض.
  • أظهرت هذه السورة في خاتمتها صفات صحابة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي بايعوا رسول الله ونصروه وقاتلوه معه، كما بينت صفاتهم في التوراة والإنجيل أيضًا.

سورة الفتح في السنة النبوية

في ختام ما جاء في هذا المقال، إنَّ سورة الفتح واحدة من السور التي وردت في السنة النبوية الشريفة، وهذا يدخل في باب فضل هذه السورة الكريمة، فذكر أي سورة من سور القرآن الكريم في السنة النبوية يزيد من فضلها وفضل تلاوتها، وهذا حال سورة الفتح، وفيما يأتي سيتم ذكر بعض الأحاديث التي ذكرت فيها سورة الفتح في السنة النبوية:

  • عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: “لَمَّا نَزَلَتْ: {إنَّا فَتَحْنَا لكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لكَ اللَّهُ} إلى قَوْلِهِ {فَوْزًا عَظِيمًا} مَرْجِعَهُ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ، وَهُمْ يُخَالِطُهُمُ الحُزْنُ وَالْكَآبَةُ، وَقَدْ نَحَرَ الهَدْيَ بالحُدَيْبِيَةِ، فَقالَ: لقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هي أَحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا”[٢١].
  • وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: “لقدْ أُنزِلَتْ عليَّ آيةٌ هِيَ أحَبُّ إِلىَّ من الدنيا جَميعًا: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ إلى قولِه عَظِيمًا”[٢٢].

فيديو عن تفسير سورة الفتح

في هذا الفيديو يوضح فضيلة الدكتور عبد الرحمن إبداح تفسير سورة الفتح بشكلٍ موجز:[٢٣]

[wpcc-iframe data-src=”//www.youtube.com/embed/nG4uwhUnRYQ?” width=”640″ height=”360″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”true”]

المراجع[+]

  1. “القرآن”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
  2. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن واثلة بن الأسقع الليثي أبو فسيلة، الصفحة أو الرقم: 1059، صحيح.
  3. ^أب“معنى الطوال والمثاني والمفصل والمئين”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
  4. سورة الزمر، آية: 23.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد بن المعلى، الصفحة أو الرقم: 4703، صحيح.
  6. “كتاب: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
  7. ^أبتسورة الفتح، آية: 1.
  8. “سورة الفتح”، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
  9. “تسمية سور القرآن وأسباب النزول”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
  10. سورة الفتح، آية: 1-2.
  11. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 370، أخرجه في صحيحه.
  12. “أسباب النزول”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
  13. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 6469، صحيح.
  14. “ثواب قراءة القرآن الكريم تشمل كل من قرأ القرآن”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
  15. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 4177، صحيح.
  16. “الحديث الوارد في فضل سورة الفتح”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
  17. ^أبتثجحخ“تفسير سورة الفتح كاملة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
  18. سورة الفتح، آية: 10.
  19. “أسباب ضم هاء (عليه الله) في سورة الفتح .فاضل السامرائي”، www.youtube.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
  20. “مقاصد سورة الفتح”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
  21. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1786، صحيح.
  22. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5120، صحيح.
  23. “تفسير سورة الفتح”، www.youtube.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-10-2019. بتصرّف.
Source: sotor.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!