جداريات العراقي صادق كويش في أمستردام: عن الهجرة والتاريخ المنسي

أمستردام: عُرف الفن الرافديني بجدارياته الكبيرة، التي اهتمت بتدوين الأحداث العظيمة وبعض تفاصيل الحياة اليومية، جداريات تحاكي طريقة الكتابة والتوثيق، كشريط مرئي طويل من الصراع والعظمة، تارة مع الطبيعة وتقلباتها، ومرة لإظهار عظمة الملك أو الإله، وهو ينتصر كل مرة على أعدائه، ويجندل الأسود والنمور، ويجرها خائرة مطيعة ومهزومة أمام جبروته. من تلك الجذور النابتة […]

جداريات العراقي صادق كويش في أمستردام: عن الهجرة والتاريخ المنسي

[wpcc-script type=”336b5c5ca69c31d26f7a87dd-text/javascript”]

أمستردام: عُرف الفن الرافديني بجدارياته الكبيرة، التي اهتمت بتدوين الأحداث العظيمة وبعض تفاصيل الحياة اليومية، جداريات تحاكي طريقة الكتابة والتوثيق، كشريط مرئي طويل من الصراع والعظمة، تارة مع الطبيعة وتقلباتها، ومرة لإظهار عظمة الملك أو الإله، وهو ينتصر كل مرة على أعدائه، ويجندل الأسود والنمور، ويجرها خائرة مطيعة ومهزومة أمام جبروته.

من تلك الجذور النابتة بأرض الجنوب، هذه البقعة الخزين الواسع بالقصص والحكايات والحب والغناء الشجي والمآسي والهجرات والرحيل، يقدم لنا صادق كويش الفراجي، تجربته الفنية، لكنه هنا يسحبنا نحو وطأة وشقاء فعل الرحيل، ويقصد به الرحيل القسري، الذي يقتلع الإنسان من أرضه وجذوره وبيئته، من عطر أنفاس العائلة المؤتلفة داخل كوخ صغير إلى فضاءات المدن الإسمنتية الغريبة والكبيرة، إحساس مهول بالتشظي والفقدان، أو مسخ تام لذاكرة الأيام والعمر، وهو يتبدى على أرصفة أزقة وشوارع كل شبر منها، يصرخ بك ويعتبرك دخيلا عليه، وفي الأغلب يصفك بالمتخلف الذي اقتحم حصن تقاليده المدينية المنيعة، حتى وأنت تبني وتشيد له البيوت، وتنتج في مصانعه وتعمل في جميع مؤسساته الخدمية الأساسية، غير أن تبدع بالرياضة والفن والأدب.

غن كما يغني الجنوبيون

نادرا ما يستوحي فنان مجمل أعمال معرضه ويهديها، لصوت مغني يبثُ اللوعة والشجن في الروح والوجدان، كما فعلها كويش، وهو يخلد بعمله هذا ذكرى المطرب الجنوبي سلمان المنكوب، الذي يرغمنا ويجرنا لسماع مواويله وخامة صوته الخاصة، المشبعة بعطر الأرض، وكفاح الفلاح الجنوبي ملتاثة بلوعة متأصلة تجاه الطبيعة والحياة القاسية، وتباين الفوارق الاجتماعية التي جعلت الكثير من هؤلاء الناس الطيبين، يتركون مسقط الرأس والروح، ويهاجرون نحو مدن الإسمنت والحياة الجافة، بفسحتها التي تضيق وتطبق على أنفاسه. فسلمان المنكوب ليس مغنيا يثير العاطفة ويدغدغ مشاعر الحب، بقدر ما هو صرخة موجوعة، كما هو ألم الفقدان والرحيل.

تاريخ الأسى

تقف أمام الجدارية المخطوطة بالأسود على بياض الفضاء، المحتشد بكل التفاصيل، وتقرأ عبرها تاريخك، هذا التاريخ الموغل بالنسيان والأسى، ومن هنا تداهمك الأسئلة بقوة، عن كيفية تجسيد صورة الألم بهذا البذخ الصامت حينا، والصارخ في أحيان كثيرة، النهر الذي ينساب على مائه زورق (بلم، مشحوف الشروك) رجال الصيد المفتولي العضلات، رجال الأهوار العظيمة التي تبدلت أحوالها، ونمط عيش ساكنيها، ليس كما هو النهر في هولندا، أو أي بقعة أخرى، فهو يحمل في طياته قصصا من الشقاء والكفاح المرّ، وتقرأ فيه كتاب الحياة، كتاب النهر الأول والثاني والثالث، حتى سلسلة طويلة من الصراع والحياة البدائية التي لم تتلوث بأفعال التكنولوجيا الحديثة، وليس ترفا كما في أماكن أخرى.
لقد أخذت مشاريع كويش، بنبضها الحي وبوجدانيتها العالية وشقاء تنفيذها، طريقها إلى معارض ومتاحف العالم، وما احتفاء متحف الفن الحديث في أمستردام مؤخرا بأعماله إلا تتويج لجهود مبدعة ودؤوبة من قبل فناننا، الذي تضج مخيلته بالعديد من المشاريع الفنية، التي تنهل من جذور المحلية لتحلق في فضاء العالم الرحب.

الأعمال

وقد جاءت أعمال معرض صادق كويش، تحت العناوين التالية:
– جدارية (غنِ كما يغني الجنوبيون) التي تتألف من ثلاثين لوحة تشكل بمجملها جدارية بحجم 3×7 م مع تركيب مواويل بصوت المطرب سلمان المنكوب 2019.
– ذلك النهر الذي كان في الجنوب (فيلم أنميشن مدته 5 دقائق- أبيض وأسود) 2019
– كتاب النهر1 (كتاب فنان 101 صفحة حبر على ورق) 2018
– كتاب النهر2 (كتاب فنان 72 صفحة حبر على ورق) 2018
– كتاب النهر3 (كتاب فنان 71 صفحة حبر على ورق) 2018

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!