“حرب النجوم”.. من خيال هوليود إلى ثكنات أقوى جيوش العالم

تحولت جيوش الفضاء من فكرة تُحاكي بنات أفكار المخرجين والمؤلفين والكتاب إلى حقيقة تتسابق الدول المتقدمة على إنشائها، والهدف هو غزو الفضاء. فكيف يحدث ذلك؟

أيوب الريمي

لم يكن المؤلف والمخرج الأمريكي “جورج لوكاس” يتوقع أن تحقق سلسلته “حرب النجوم” كل هذه الشهرة والنجاح منذ إطلاقها منتصف سبعينيات القرن الماضي، لتصبح واحدة من أفضل عشرين عملا سينمائيا في التاريخ، وتدخل موسوعة غينس للأرقام القياسية باعتباره العمل السينمائي الأكثر نجاحا، وتقدر قيمة علامته التجارية بنحو 45 مليار دولار، كما أن السلسلة السينمائية ألهمت الكثير من الروايات والألعاب الإلكترونية والمسابقات في العالم وتحولت إلى علامة تجارية عالمية.

هذا النجاح والانتشار لحرب النجوم بكل أفلامه التي فاقت التسعة إلى الآن والتي تنهل كلها من عالم متخيل غير حقيقي، وتتحدث عن إمبراطورية فضائية تتحكم في العديد من المجرات، وبطبيعة الحال مع حضور ثنائية الخير والشر وإنقاذ البطل للضعفاء.. كل هذا كان وحتى أشهر قريبة حبيس الفانتازيا السينمائية والحسابات التجارية والأداء الفني والتقني وشغف الشباب بالتكنولوجيا والعالم المتخيل البعيد عن الواقع، قبل أن تصبح عبارة “حرب نجوم” دارجة على ألسنة القادة العسكريين للدول الكبرى في العالم ويصبح الجيش الفضائي واقعا شاخصا.

وتحولت جيوش الفضاء من فكرة تُحاكي بنات أفكار المخرجين والمؤلفين والكتاب إلى حقيقة تتسابق الدول المتقدمة على إنشائها، والهدف هو غزو الفضاء. فمن كان يصدق أن الفيلم الذي أبهر الجميع بقدراته البصرية والتقنية ويوضع في خانة الخيال العلمي، سيصبح عنوانا لحرب حقيقية تنفق عليها المليارات ويجند لها عشرات الآلاف من الكفاءات العسكرية والعلمية ويخضع لسرية فائقة؟

 

فلقد رسخ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب احتمال وقوع حرب فضاء في أي وقت، وذلك في خطاب إعلانه تأسيس الوحدة الأمريكية للفضاء (United States Space Command) عندما قال إن “أفضل طريقة لتجنب الصراع هو التحضير للانتصار”.

لكن الرئيس الأمريكي لم يعلن الصراع مع من وحول ماذا، ومن هو العدو الذي تحضّر الولايات المتحدة للانتصار عليه.. فالأجوبة لم تكن حاضرة في خطاب ساكن البيت الأبيض الذي ألقاه نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، لكن بالغوص أكثر في هذا الموضوع يمكن القول إن له خلفيات تعود لـ15 سنة تقريبا.

الصين تقصف الفضاء

في سيناريو شبيه بأفلام الخيال العلمي، أعلن البيت الأبيض سنة 2007 أنه توصل لمعلومات مخابراتية عن قيام الصين بعملية عسكرية غير مسبوقة تهدف لتدمير قمر اصطناعي يبعد عن الأرض نحو 800 كيلومتر عن طريق صاروخ لم يتم التعرف على هويته، لكنه قطعا صاروخ عابر للقارات.

هذه العملية التي استهدفت قمرا اصطناعيا توقف عن الخدمة وكان يُستعمل للتعرف على أحوال الطقس؛ كانت هي الأولى من نوعها التي تقوم بها الصين، وتمت بنجاح عبر تدمير القمر إلى عشرات الآلاف من الشظايا، واعتبرها البعض استعراضا للعضلات من طرف بكين، ورسالة لمن يهمه الأمر. وبالفعل وصلت الرسالة إلى واشنطن التي قامت بنفس العملية في سنة 2008 بتدمير قمر اصطناعي في الفضاء عن طريق صاروخ انطلق من الأرض.

هذه العملية جعلت الأمريكيين على وجه الخصوص يخرجون بخلاصة مفادها أن الأقمار الاصطناعية المعتمدة لأغراض التجسس والأمن والجيش يمكن أن تكون هدفا في أي لحظة باستعمال صواريخ متطورة تجعل الجيوش والأمنيين كالأعمى الذي يتحرك في أرض شاسعة، مما دفعهم للتفكير جديا في تأمين “مجالهم الحيوي” في الفضاء وتأكيد التفوق الأمريكي العسكري هناك، وبالطبع كان هناك من يراقب هذه الحرب بين بكين وواشنطن، ونعني موسكو وباريس.

جيش الفضاء.. أجهضه بوش وأحياه أوباما

لم يكن قرار الرئيس ترامب إنشاء جيش خاص بالفضاء منفصلا عن سلاح الجو الأمريكي وليد الصدفة أو نتيجة قرار مندفع من رئيس عوّد العالم على المفاجآت، وذلك لأن الجيش الأمريكي كان لديه ومنذ 1980 وحدة خاصة بالفضاء، قبل أن يتم تجميد أعمالها سنة 2002 من طرف وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد والرئيس الأسبق جورج بوش، وكان للقرار خلفيات مالية، لأن الإدارة الأمريكية كانت تركز كل جهودها المالية والعسكرية على الحروب التي تخوضها في الشرق الأوسط وفي أفغانستان.

المهمة الأولى لجيش الفضاء الأمريكي حماية الأقمار الاصطناعية من أي محاولة تخريب أو تجسس
المهمة الأولى لجيش الفضاء الأمريكي حماية الأقمار الاصطناعية من أي محاولة تخريب أو تجسس

 

وقبل أن يتم إحياء الفكرة من جديد في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بحافز الاختبارات العسكرية المكثفة التي كانت تقوم بها الصين، قرر أوباما أن يعيد وحدة الفضاء للجيش الأمريكي، وهي الفكرة التي تطورت إلى أن باتت هذه الوحدة جيشا مستقلا عن بقية جيوش الولايات المتحدة الخمسة.

وفي تقديرها لإقدام واشنطن على هذه الخطوة، تقول مؤسسة البحث الإستراتيجي التي تعمل مع الجيش الفرنسي في قضايا الفضاء “إن هذا الإجراء يأتي تعبيرا عن قناعة الأمريكيين بكون الفضاء يعتبر مجالا حيويا للعمليات العسكرية، وخصوصا بالنسبة للأقمار الاصطناعية التي باتت تعتبر أهدافا محتملة من طرف خصوم واشنطن والقصد هنا روسيا والصين”.

وستكون المهمة الأولى لجيش الفضاء الأمريكي حماية الأقمار الاصطناعية من أي محاولة تخريب أو تجسس، خصوصا وأن الولايات المتحدة لديها 150 قمرا اصطناعيا، مبتعدة بذلك على كل من بكين وموسكو، فكلاهما لا يملك سوى 40 قمرا كحد أقصى، وتَكرس هذا التفوق العسكري الأمريكي الفضائي حاليا بإطلاق هذا الجيش الجديد الذي يعد الأول والأكبر والأقوى في العالم.

جاسوس روسي في الفضاء

تُعد أنشطة التجسس من الأعمال العسكرية والأمنية القديمة قِدم الحروب البشرية، وتطور هذا النشاط بتطور الحروب وأساليبها إلى أن وصلنا إلى مرحلة التجسس الفضائي. وكالعادة سنجد روسيا في القلب من هذه الحرب الجديدة التي ضاقت بها الأرض فانطلقت إلى الفضاء بحثا عن مساحة أرحب لسرقة المعلومات العسكرية والأمنية الحساسة، وهذا بالضبط ما حدث في سنة 2017 عندما أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية عن محاولة روسية للاقتراب من قمر اصطناعي فرنسي إيطالي يُستخدم لأغراض عسكرية وللتواصل الأمني السري للغاية بين إيطاليا وفرنسا.

وتقول رواية وزارة الدفاع الفرنسية إن قمرها “أثينا فيدوس” كان يعمل بشكل طبيعي في الفضاء، قبل أن يقترب منه القمر الروسي “لوتش أولمب”، وأضافت وزارة الدفاع أن القمر اقترب بشدة “لدرجة تجعل أي أحد يعتقد أنه يحاول اعتراض اتصالاتنا، إن محاولة التنصت على جيرانك ليست فقط عملا غير ودي بل هو عمل من أعمال التجسس”.

الولايات المتحدة لديها 150 قمرا اصطناعيا
الولايات المتحدة لديها 150 قمرا اصطناعيا

 

وفي حديثها عن هذه الواقعة وصفت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي ما حدث بأنه “حرب نجوم محدودة”، ودقت ناقوس الخطر بإعلانها أن بلادها في خطر حقيقي “نحن في خطر، اتصالاتنا وتدريباتنا العسكرية وحياتنا اليومية في خطر إذا لم نتحرك”، وهذا الوضع هو الذي سرع بإعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في صيف سنة 2019 عن تشكيل جيش الفضاء الفرنسي.

وليست هذه المرة الأولى التي تشتكي فيها دولة من أنشطة غير عادية لروسيا، ففي سنة 2015 أعلنت الولايات المتحدة عن رصد جهاز فضائي روسي الصنع يحاول الاقتراب من أقمار أمريكية بغرض التجسس، وأثناء تلك الفترة وجهت واشنطن تحذيرا لموسكو بأنها قادرة على تخريب أي جهاز يقترب من معداتها العسكرية الموجودة في الفضاء، خصوصا بعد حصول واشنطن على معلومات عسكرية تفيد بتصنيع روسيا لقمر صناعي أطلقت عليه اسم “كسمس 2499” (Kosmos 2499) ويلقب بأنه “قاتل الأقمار الاصطناعية” بالنظر لقدرته العالية على تدمير الأقمار الاصطناعية أو اختراقها وتعطيل عملها.

كل هذه الأجواء لا تدع مجالا للشك بوجود حرب فضاء حقيقية تتطلب جيوشا بعتاد أكثر تطورا من أجل التصدي لها، لكن هذه المعركة مازالت إلى الآن حكرا على عدد محدود من الدول.

الهند.. إلى نادي الفضاء

تعتبر الهند من القوى المحققة لنجاحات كبرى في المجال التقني والتكنولوجي مما أهلها لدخول نادي الفضاء، وذلك عندما أعلنت هذه السنة (2019) على لسان رئيس وزرائها ناريندا مودي عن نجاح الجيش الهندي في تدمير قمر اصطناعي يبعد عن سطح الأرض بنحو 300 كيلومتر.

 

صحيح أن هذه العملية تعتبر متأخرة مقارنة بدول مثل الصين والولايات المتحدة اللتين قامتا بنفس العملية قبل عقد من الزمان، لكنها تمنح الهند تأشيرة دخول لنادي الدول الفضائية، وهو ناد يضم عددا محدودا من الدول هم أمريكا وروسيا والصين ثم الهند وأخيرا فرنسا التي تحاول اللحاق بالركب.

ويأتي إعلان الهند عن القيام باختبار تفجير قمر اصطناعي عبر صاروخ ينطلق من الأرض ليؤكد حقيقة لا غبار عليها وهي أن الفضاء تحوّل إلى ساحة معركة.

تفجير الأقمار.. نتاج الحرب الباردة

يمكن القول إن فكرة تفجير الأقمار الاصطناعية ليست حديثة، بل إن برامج تدمير الأقمار قديمة قدم الأقمار نفسها، وقد تم تأسيس أول نموذج لصاروخ قادر على الوصول إلى قمر اصطناعي من طرف الجيش الأمريكي وأطلق عليه اسم “بولد أوريون” واختُبر سنة 1958، وذلك ردا على إطلاق الاتحاد السوفياتي القمر “سبوتنك”، وسيكون للاتحاد السبق في القيام بعملية تدمير فعلي لقمر اصطناعي سنة 1968، وكانت التقنية آنذاك تقوم على إرسال “قمر قاتل” يقترب من الهدف في الفضاء وينفجر بجواره.

 

وفي أجواء الحرب الباردة لم تكن الولايات المتحدة لتسمح بمثل هذا التفوق من طرف الاتحاد السوفياتي، فعملت على تطوير نظام أكثر دقة، وقامت سنة 1985 بعملية اعتبرت سابقة حينها وهي تفجير أحد أقمارها الذي توقف عن العمل، وهذه المرة عن طريق صاروخ تم إطلاقه من طائرة مقاتلة من طراز إف15 وتمت العملية بنجاح.

وكما كانت الحرب الباردة سببا في بعث فكرة تفجير الأقمار من رمادها، فقد كانت أيضا السبب في تجميد هذا البرنامج أو قبره في بعض الدول، وذلك لأن الجيوش كانت لها أولويات أخرى خصوصا مع تراجع الجيش الروسي عقب تفكك الاتحاد السوفياتي، واستمر الوضع لعقود قبل أن تعود هذه العمليات إلى الواجهة عبر العملية التي أقدمت عليها الصين بتفجير قمر اصطناعي على بعد 800 كيلومتر من على سطح الأرض سنة 2007.

الفضاء.. تفوق أمريكي

يظهر عبر حجم إنفاق الدول على غزو الفضاء أن الولايات المتحدة تحافظ على تفوقها حتى في الفضاء، وذلك بتخصيصها نحو 22 مليار دولار لجيشها الفضائي، بينما تنحصر نفقات كل من روسيا والصين في ملياري دولار على الجهود العسكرية الموجهة إلى الفضاء، أما فرنسا فأعلنت أنها بصدد العمل المشترك مع ألمانيا على ميزانية قد تصل إلى مليار دولار كحد أقصى.

 

ولعل ما يكرس الهيمنة الأمريكية على الفضاء هو امتلاكها عددا من الأقمار الاصطناعية يفوق ما تمتلكه كل من الصين وروسيا والهند مجتمعة، وتعمل الولايات المتحدة حاليا على مشروع العودة إلى سطح القمر عن طريق ذراعها الفضائية “ناسا”، وكان من المقرر أن تتم هذه العملية سنة 2028 قبل أن يقرر الرئيس ترامب رفع الميزانية المخصصة للرحلة نحو القمر بحوالي 30 مليار دولار، ويتم تقليص الحيز الزمني إلى سنة 2024 حتى يتم احتساب هذا الإنجاز في ولايته الثانية إن عاد للبيت الأبيض.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!