«حكايا الطين» والسعي للخروج من أيقونة الموروث في الخزف العراقي

■ لسنين طويلة غاب فن الخزف عن واجهة المشهد التشكيلي العراقي، ولم يعد يسجل علامة حضور بارزة في المعارض الفنية التي تقام على مدار السنة، كما كان عليه الحال قبل عام 2003. ومن هنا يكتسب المعرض الجماعي الذي حمل عنوان «حكايا الطين» أهميته، لأنه أعاد الاعتبار لهذا الفن الذي أقامته جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين في […]

«حكايا الطين» والسعي للخروج من أيقونة الموروث في الخزف العراقي

[wpcc-script type=”f535adf60689b62083846438-text/javascript”]

■ لسنين طويلة غاب فن الخزف عن واجهة المشهد التشكيلي العراقي، ولم يعد يسجل علامة حضور بارزة في المعارض الفنية التي تقام على مدار السنة، كما كان عليه الحال قبل عام 2003. ومن هنا يكتسب المعرض الجماعي الذي حمل عنوان «حكايا الطين» أهميته، لأنه أعاد الاعتبار لهذا الفن الذي أقامته جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين في العاصمة العراقية بغداد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وقد شارك فيه 49 فنانا إضافة إلى 4 فنانات.
هذا النشاط يضاف إلى سلسلة طويلة وناجحة تحتويها قائمة الجمعية من المعارض الشخصية والجماعية تتولى تنظيمها على مدار أشهر السنة، منذ أعلان تأسيسها مطلع خمسينيات القرن الماضي.

لحظة التأسيس

من الثابت تاريخيا أن ملامح تأسيس فن الخزف والسيراميك، كانت قد بدأت في العراق الحديث على يد خزاف بريطاني اسمه أيان أولد عام 1954 حينما تولى تأسيس فرن ناري في إحدى قاعات معهد الفنون الجميلة في بغداد، وبدأ في تدريس فن الخزف، إلاَّ أن النقلة الحقيقة في مسار هذا الفن التي يتفق عليها غالبية العاملين في المشهد التشكيلي جاءت مع الخزاف القبرصي فالنتينوس كرالمبو، الذي خَلَف أيان أولد، في تدريس فن الخزف ووضعه على المسار الصحيح، بعد أن كرّس له كل جهده لمدة تزيد على الأربعة عقود، وكانت خطوته الأساسية قد ابتدأت عندما أسس قسم الخزف والسيراميك في كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد عام 1957، وليس غريبا أن يكون فالنتينوس الموجّه الأول لفن الخزف في العراق.
تسمية الخزف تطلق على الطين المزجج والمفخور، ويرجع تاريخه إلى عصور قديمة جدا، حيث كان الطين أول مادة عرفها الإنسان في الحضارات البشرية واستعملها لحفظ مخزونه الغذائي، بعد أن يصنع منه أشكالا مجوفة حسب احتياجاته الحياتية، ومن ثم توصل إلى الفخار المزجج، وهذا يعني أن شبكة محكمة من التجارب قادته إلى تطوير آليات عمله مع الطين، ليتحول في ما بعد إلى أن يكون فن الخزف والسيراميك.

الكثير من النتاج الخزفي العراقي يكاد أن يعيد إنتاج الأشكال نفسها، وهذا ما تم تداوله بشكل لافت في معرض «حكايا الطين» باستثناء عدد من الأعمال التي خرجت عن هذه الاستمرارية.

قالب التراث

ومن المهم جدا عند الحديث عن فن الخزف تأمل الإطار الفكري الذي ينطلق منه الخزافون العراقيون المنشغلون بحكاية هذا الفن، فالممارسة الإبداعية في هذا الحقل تُسجَّلُ عليها ملاحظة جوهرية، من قبل نقاد الفن المعاصر، تتلخص في هيمنة البعد التراثي على النتاج الخزفي، وتكاد هذه النصيّة أن تكون استراتيجية أساسية في السياق العام لمجمل ما يتم إنتاجه في مشغل الخزف والسيراميك، بمعنى أن الفنان العراقي المشتغل في الخزف لم يحاول الخروج من إطار المكونات التراثية ومفرادتها، بذلك يكاد أن يكون عمله قد انغلق على تموضع محدد يتمثل في إعادة إنتاج شبكة مقولات فنية مستلهمة من أبعاد تاريخية وفلكلورية وتراثية في مجمل أعماله، ولم يحاول كسر هذا الجمود والانغلاق والخروج إلى فضاءات جديدة، على عكس ما حصل في ميدان النحت العراقي، بذلك بقي خطاب الخزاف منصبا على أن يكون نتاجه صالحا للعرض في البيوت والفنادق والمطاعم الفخمة، باعتباره مادة تزينية تراثية، وجزءا من الأثاث المتداول والمستعمل، بمعنى أنه لم يغامر في الانتقال إلى فضاءات معمارية مفتوحة كالساحات والميادين العامة، التي اقتحمها النحات العراقي وبنى له فيها رحلة حافلة بالنصب والتماثيل، عكس في العديد منها قيما جمالية استحضرتها مخيلته الفنية فنتج عن هذا المسار تقاطع في خطابه الفني مع ما هو مستنسخ عن الواقع، بينما كان عمل الخزاف يجري وفقا لمعايير تفرضها عقلية مستلبة بأيقونات الموروث المحدودة، التي عادة ما يرمز إليها بمفردة (القارورة) باعتبارها وحدة فنية خزفية بقيت حاضرة في الرحلة التاريخية لهذا الفن، ولم تفقد مكانتها وحضورها.

تقنيات حديثة

بناء على هذه المعطيات يمكننا القول بأن الكثير من النتاج الخزفي العراقي يكاد أن يعيد إنتاج الأشكال نفسها، وهذا ما تم تداوله بشكل لافت في معرض «حكايا الطين» باستثناء عدد من الأعمال التي خرجت عن هذه الاستمرارية، على سبيل المثال أعمال الفنان وليد القيسي، حيث توجّه بمشغولاته إلى منطقة جمالية استلهم فيها جوهر الحداثة، فجاءت قطعه الفنية وهي تحمل تضمينات فكرية أشارت في تمظهراتها الشكلية المهشمة والمتشظية إلى ما يعصف بالعراق من خراب وانقسام. أيضا شكلت أعمال الفنان تراث أمين انزياحا عن الفرضية التراثية، حيث استخدم تقنية (الراكو) في قطعه الخزفية، بما تمنح هذه التقنية للفنان من مساحة واسعة من الحرية، بالشكل الذي يتمكن من خلالها أن يسحب الخزف من حيث الرؤية البصرية إلى منطقة اشتغال جديدة، ليبدو وكأنه مادة أخرى وجنس آخر، ليترك بالتالي لدى المتلقي إحساسا جديدا غير الذي يتركه الفخار، إذ تبدو القطعة الخزفية وكأنها من مادة البرونز مع أنها من الطين المفخور، هذا التجريب أعاد صياغة الأحاسيس لدى المتلقي بشكل بعيد عما يمكن أن تبعثه مادة الفخار من انطباعات.
واضح جدا أن جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، أنجزت خطوة مهمة في سبيل إعادة الخزف إلى بنية المشهد التشكيلي العراقي، هذا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تواجد أجيال مختلفة شاركت في هذا المعرض، ابتداء بأعمال الفنان الرائد سعد شاكر وشنيار عبدالله وماهر السامرائي وأكرم ناجي وغازي السعودي وآخرين، وهنا لابد من الإشارة إلى أن العراق يعد في مقدمة الدول العربية من حيث الاهتمام والمستوى الفني في فن الخزف والسيراميك.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!