حلب والإنسانية الغربية

حلب والإنسانية الغربية

حلب والإنسانية الغربية حلب ليست المجزرة الأولى ولا الأخيرة في سوريا تتنافس في فظاعتها..

Share your love

حلب والإنسانية الغربية

حلب، ليست المجزرة الأولى ولا الأخيرة في سوريا، تتنافس في فظاعتها مع مثيلاتها، وربما يكون توقيتها أكثر مرارة في إطار المفاوضات التي لم تسمن ولم تغن جوع من بقي على قيد الحياة في سوريا، ولكن هذه المجزرة والصور المروعة منها أطلقت حملة تعاطف شعبي واسعة في العالم العربي، حاولت بعض وسائل الإعلام المأجور أن تصورها بغير حقيقتها من خلال بث أخبار كاذبة حول دور للمعارضة في المجزرة، لم ينجح ذلك، فالشمس لا تغطى بغربال، وارتفع سقف التفاعل الشعبي، الجمعيات الخيرية والفعاليات الثقافية سارعت إلى نجدة المدينة المنكوبة مسلحة بهذا الزخم الشعبي الهائل، رسميا خرجت التصريحات المعتادة، شجب هنا واستنكار هناك، بيانات معبأة بعبارات مثل «يجب على» و»لا بد أن» و»نفد الصبر»، ولكن الواقع على الأرض وتوازنات القوى العالمية تفرض على هذه البيانات حالة من الفراغ في المضمون، روسيا والولايات المتحدة لا تريدان لصرخات الأطفال من تحت الأنقاض أن تؤثر على جهودهم لتحقيق توازن بين القوتين، وفي إطار ذلك فليحترق السوريون، فهم ليسوا إلا أوراق ضغط يستخدمها الطرفان في المعادلة.

الآلاف الذين قضوا في حلب لم يسمع لهم صوت في العواصم الغربية، الإنسانية الغربية إنسانية انتقائية على المستويين الشعبي والرسمي، شعبيا جريح في بروكسل يساوي عند الغربيين آلاف القتلى خارج أسوار العالم الغربي، وليس ذلك تجنيا، انظر إلى التضافر الشعبي والرسمي في الولايات المتحدة والغرب مثلا مع ضحايا تفجيرات باريس، على الرغم من أن الولايات المتحدة تبعد محيطا كاملا عن فرنسا إلا أنها كانت قضية الساعة، وتكلم حولها المشاهير وقادة الرأي، وخرجت من أجلها المسيرات والمظاهرات، لكن القتيل إن لم يكن متوافقا مع شروط التفاعل الغربية فهو لا يحرك الشارع الغربي بهذه الطريقة، وسيأتيك أحدهم يحدثك عن تفاعل غربي مع القضية السورية على المستوى الشعبي، وهذا صحيح ستجده في محطات معينة، ولكن أبطاله هم الأقلية اليسارية الساخطة على الحياة السياسية الغربية، وتفاعلهم وإن كان محمودا فهو يمثل قطاعا محدودا من المثقفين، أما في العموم فلا مقارنة بين التفاعل مع باريس وبلجيكا والتفاعل مع سوريا.

هناك جزء طبيعي من ذلك، وهو أن الإنسان بطبيعته يجنح إلى التفاعل مع أبناء جنسه والأقرب له، ونرى ذلك في مجتمعنا بشكل يومي، حادث يصاب فيه مواطن يأتي بمزيد من التفاعل إذا ما قارناه بحادث يصاب فيه مقيم، وهي بلا شك حقيقة مؤسفة، ولكنها حقيقة، ولكن النقمة هنا ليست على الغربي لتفاعله مع ما يحدث لابن جنسه، بل طبيعة الخطاب الذي يتصدر الإعلام الغربي ويتحدث به الأكاديميون الغربيون والمثقفون هناك، الخطاب المثالي المنافق، هذا الخطاب يجرّم النظام والمعارضة ويدعم التوجه الرسمي الغربي في حجب السلاح عن المعارضة، لا شك أن هناك خطابا مقابلا أكثر قربا من الواقع ولكنه محدود إذا ما قورن بهذا الأول.

غربيا حسب مشاهداتي وقراءاتي على الأقل التفاعل مع مثل هذه القضايا يحمل حيادا مخلا يسوي بين القاتل وضحيته في الجرم، ولا يوفر بديلا لمن يقف في وجه الظلم والطغيان، هذا الخطاب المثالي الذي يقول إن التغيير يجب أن يكون سلميا، وإن أي حمل للسلاح مجرم هو من مسببات البرود الغربي تجاه قضايا المنطقة.

الأكثر مرارة من إنسانية الغرب الانتقائية هو العرب الذي يدينون بهذه الإنسانية، ذلك العربي الذي غيّر معرفه في وسائل التواصل الاجتماعي إلى علم فرنسا بعد أحداثها ولا يكاد يتحكم في غضبه وهو يحدثك عن الإرهاب الذي يستهدف الآمنين في أوروبا. أما إذا صار الحديث عن سوريا حافظ على رباطة جأشه وأخذ ينظر لك حول مساوئ الربيع العربي، وكيف أن المعارضة المسلحة مسؤولة عما يحدث، ويأخذك في رحلة لجلد الذات، الفصائل المسلحة مذنبة، علماء الدين محرضون، الجمعيات الخيرية مشكوك في نواياها، حتى الذين يعملون في إطار الحل السياسي عنده مصلحيون..

ماذا نفعل إذاً لصالح الشعب الذي يذبح في اليوم ثلاث مرات؟ لا حل عنده، هذا العربي سواء اعترف أو لم يعترف هو نتاج مدرسة غربية في التفكير، مليئة بالمثاليات ولكنها انتقائية في التقييم، قتل كلب في شوارع باريس جريمة نكراء، وموت الآلاف عبر البحار مسألة ثانوية، هذه الحقيقة عميقة بعمق التاريخ، فهكذا كان الرومان واليونان، جيوشهم تقتل الأبرياء بدم بارد خارج أسوار مدنهم وهم ينظرون في المدينة الفاضلة والعدالة الاجتماعية، ثم الحملات الصليبية تنطلق لتحرق الناس في منازلهم وتصبغ الشوارع بالحمرة وأوروبا تتحدث عن عصور التنوير، وأخيرا طائرات بلا طيار تقصف المدارس والأعراس والمظاهرات الأميركية تنطلق لقضايا ثانوية مثل الاعتداء على عيادة للإجهاض ولا تهتم لصور الضحايا حول العالم.

الإنسانية الغربية هي حالة يتسم بها المنتصر، لا يريد أن يعترف بتكلفة هذا الانتصار، فالقوة العظمى غالبا لا تكون قوة عظمى دون مجازر، ولكن المستفيد من هذه القوة المواطن العادي، يفضل أن يغمض عينيه عن هذه التكلفة ويتصنع التحضر والتمدن داخل أسوار مدنه المزدهرة، حلب نموذج ولكن المأساة مستمرة والقتلى في تزايد، ولا سبيل إلا بنهضة أمة، ونحن اليوم محرومون كأفراد من دور حقيقي فيما يحدث لذلك يبقى أمامنا سلاحان، الدعاء، وبذل الاستطاعة في التوعية والضغط الشعبي والإغاثة بما نستطيع.

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!