حوار حول حقوق الإنسان

حوار حول حقوق الإنسان إن حماية إنسانية الإنسان هو مقصد الشريعة وغايتها ذلك أن الشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد في معاشهم ومعادهم وأن مصالحهم لا تتحقق إلا بحماية الضروريات الخمس الدين والنفس والعقل والعرض والمال والتي عني بها العلماء أيما عناية والاهتمام بموضوع حقوق الإنسان على المستوى العالمي..

حوار حول حقوق الإنسان

إن حماية إنسانية الإنسان، هو مقصد الشريعة وغايتها، ذلك أن الشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، وأن مصالحهم لا تتحقق إلا بحماية الضروريات الخمس (الدِّين، والنَّفس، والعقل، والعِّرْض، والمال)، والتي عني بها العلماء أيما عناية .

والاهتمام بموضوع حقوق الإنسان على المستوى العالمي هو موضوع السَّاعة وعلى كافة المستويات، ويوجد العدد من المنظمات والمراكز التي تعتني بهذا الجانب.

ويسعدنا في الشبكة الإسلامية إجراء هذا الحوار مع صاحب الفضيلة الدكتورعبد اللطيف بن إبراهيم الحسين، رئيس قسم الشريعة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الأحساء، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية :

1- وأول ما نبدأ به هو السؤال عن تعريف كلمة الحق ومدلول حقوق الإنسان؟size=3>

حقوق الإنسان  تحمل معنى واسعا؛ إذ هي مركبة من مفهومين هما : (حقوق) في صيغة الجمع، و(الإنسان) في صيغة المفرد، وهي بهذا تأخذ صيغة تجريدية؛ لانتمائها إلى كل المجتمعات البشرية، منذ أن أوجد المولى عز وجل الإنسان على البسيطة ، وإلى يوم يرثها وما عليها  .

وقد اختلف علماء الشريعة والقانون على تعريف الحق، ونأخذ منها بأنه:”مصلحة تثبت لإنسان، أو لشخص طبيعي أو اعتباري، أو لجهة على أخرى، والمصلحة هي المنفعة، ولا يعتبر الحق إلا إذا قرره الشرع والدِّين، أو القانون والنظام والعرف” كما عرفه د. محمد الزحيلي في “حقوق الإنسان في الإسلام” وغيره .

2- هل لك أن تبين لنا أهمية حقوق الإنسان؟size=3>size=3>

حقوق الإنسان ركيزة أساسية، وقاعدة عظمى تستند عليها الحياة البشرية، ودعامة كبرى ترتكز عليها المقومات الإنسانية في بناء المجتمع؛ والمتتبع لحركة المجتمعات المعاصرة وما آلت إليه، يلاحظ أن لحقوق الإنسان أهمية كبرى في الواقع الراهن فهي محور التطور البشري، فبدون حقوق الإنسان لا يمكن أن تكون هناك تنمية حضارية صحيحة، والبديل السلبي عنها امتهان كرامة الإنسان والتخلف والفوضى والاضطراب والفقر والجوع والجريمة .

فالعالم اليوم يعيش في قرية عالمية واحدة بل في كيان واحد مشاهد ومسموع، فالفضاءات مفتوحة بعضها على بعض، من حيث سرعة الاتصال والحصول على المعلومة الصحيحة، فهامش الأسرار أصبح شبه معدوم في هذا العصر، والتطور والنزوع نحو تحقيق حقوق الإنسان أصبح سمة أساسية من سمات هذا العصر، والعجلة تدور بأسرع ما يمكن في هذا الاتجاه .

3- ما هي المنطلقات الأساسية لحقوق الإنسان؟size=3>size=3>size=3>

أولا : التكريم الإلهي للإنسان : كَرَّمَ الله تعالى الإنسان بالعقل، وجعله مناط التكليف الذي يحاسب عليه العبد من لأعماله إن خير فخير وإن شرا فشر، فالعقل هو أداة التفكير في الإنسان، وهو من أدعى الحقوق التي أراد الإسلام بالمحافظة عليه، وتنميته بالعلم النافع، وتزويده بالخبرات اللازمة للعيش بكرامة وأمان .

ويتجلى في عدة أمور منها :

1- الإنسان خليفة في الأرض :

يقول المولى عز وجل : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }size=3> (30) سورة البقرة ، فالإنسان هو خليفة الله تعالى في الأرض لإقامة شرع الله ودينه، وتطبيق أحكامه، والسير على منهجه، ومن ذلك “إقامة الحق، والحكم بالعدل، والقضاء بالقسط، فالإنسان هو المكلف في إمضاء أحكام الله تعالى وأوامره”، يقول ابن جرير الطبري : “إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بين خلقي، وذلك الخليفة هو آدم، ومن قام مقامه في طاعة الله تعالى، والحكم بالعدل بين خلقه” .

ويفسر ذلك آية أخرى، وهي قوله تعالى : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }size=3> (26) سورة ص. أي خليفة في الملك، والحكم بين الناس..

2- تفضيل الإنسان على سائر المخلوقات :size=3>

كَرَّمَ اللهُ تعالى الإنسان وفضله على كثير من المخلوقات، فقال : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }size=3> (70) سورة الإسراء، ومن مظاهر هذا التفضيل : أنsize=3> هَيَّأَهُ لحملِ الأمانةِ وخَلَقَهُ بأحسنِ صورة.

3- تكريم الإنسان بالعقل :

فالله تعالى زود الإنسان بنور الفطرة، وأعطاه نعمة العقل، وجعل خلقته قابلة للتكليف، قال تعالى :{ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }size=3>size=3>size=3> (70) سورة الإسراء ، قال القرطبي : “الصحيح الذي يُعَوَّلُ عليه أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يُعرف الله، ويُفهم كلامه، ويُوصل إلى نعيمه، وتصديق رسله؛ إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بُعثت الرسل، وأنزلت الكتب”.

ثانيا : حفظ الضروريات :

الضروريات هي : “الأمور التي لا بد منها في قيام مصالح الدِّين والدُنْيَا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة. وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين”. كما عرفها الشاطبي.

وجاءت الشـرائع لتحقيق مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، وأن مصالحهم لا تتحقق إلا بحماية الضروريات الخمس : حفظ الدِّين، وحفظ النَّفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل أو العرض أو النسب، وحفظ المال .

4-  هل بالإمكان نبذة تاريخية عن حقوق الإنسان؟size=3>size=3>size=3>

إن قضايا حقوق الإنسان موجودة بالفطرة، ومع دعوة الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام، وفي الشرائع السماوية التي قدرت كرامة الإنسان، وما يستحقه من حقوق وواجبات.

وقد شغلت نظريات حقوق الإنسان عقول الفلاسفة والمفكرين كأفلاطون، وأرسطو، وسيسرون، وميكيافيلي، وسبينوزا، ولوك، وروسو، ومونتسكيو؛ الذين أقاموا نظرتهم على أساس الواقع، أو على أساس المنطق .

ففي العصور القديمة، كان المجتمع مبنيا على أساس أن الحق تابع للقوة .

وعند اليونان، كان دستور أثينا قاصرا على مشاركة بعض الأفراد في إدارة شؤون الدولة، وبقية الناس عليهم الخضوع التام .

وعند الرومان، كان ينظرون إلى غيرهم من الشعوب نظرة ازدراء، وعلى الشعوب أن تخدم الامبراطورية الرومانية .

وعند الهنود، كانوا أشد امتهانا في ظل الديانة البرهمية التي قسمت المجتمع إلى طبقات متفاوتة..

5-من وجهة نظرك ما ترتيب تاريخ حقوق الإنسان بالنسبة للأديان والمذاهب الفكرية؟size=3>size=3>size=3>

كما أسلفت بأن حقوق الإنسان موجودة بالفطرة، ومع دعوة الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام، وفي الشرائع السماوية التي قدرت كرامة الإنسان، وما يستحقه من حقوق وواجبات .

ويأتي سبق الإسلام كافة المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية في تناوله لحقوق الإنسان وتأصيله لتلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، وما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية اللاحقة ومن قبلها ميثاق الأمم المتحدة ما هو إلا ترديد لبعض ما جاء في الشريعة الإسلامية الغراء.           

وبرزت فكرة حقوق الإنسان جزئياً بشكل رسمي في القرن الثالث عشر الميلادي. وذلك نتيجة ثورات طبقية وشعبية في أوروبا، ثم في القرن الثامن عشر في أمريكا، لمقاومة التمييز الطبقي، أو التسلط السياسي، أو الظلم الاجتماعي .

وفي عام (1215م) صدرت في إنجلترا وثيقة الحقوق والحريات.

وفي عام (1627م) أصدر الملك شارل الأول، قانون إعلان الحقوق.

وفي سنة (1679) أصدر الملك جان الثاني، القانون المعروف باسم : قانون تحرير الجسد.

وفي 1776م ظهرت فكرةُ حقوق الإنسان خلال إعلان الاستقلال الأمريكي.

وفي عام (1787م)صدر إعلان (الدستور الأمريكي).

ثم برزت حقوق الإنسان نظامًا : في ظل الثورة الفرنسية، ومناداة كُتّاب الثورة بذلك، أمثال: جان روسو صاحب: (العقد الاجتماعي)، ومونتسكيو،وديدور.. وغيرهم، وصدرت في 26/8/1789م، وثيقة حقوق الإنسان والمواطن، ووضع في مقدمة الدستور الفرنسي الصادر عام (1791م) .

وفي القرن العشرين جاءت المؤسسات الدولية، فأعلنت حقوق الإنسان في مواثيقها في عصبة الأمم(1919م) في جنيف، وفي ميثاق الأطلسي-الاطلنطيك-(1941م)، ثم في اقتراحات (دميراتون أوكس) في واشنطن سنة (1944م)، ثم في ميثاق الأمم المتحدة  size=3>(United Nation Organizationsize=3>)size=3>في نيويورك بتاريخ (15/11/1365هـ) الموافق (24/10/1945م)، وقد نصت ديباجته على إيمان الموقعين من الدول بالحقوق الأساسية، وفي عام (1946م) تشكَّلت لجنة من هيئة الأمم المتحدة خاصة، فعملت على صياغتها. فأعلنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 18/6/ 1948م من قبل هيئة الأمم المتحدة في ثلاثين مادة.

وجاء التنظير المعاصر في الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان: في21/11/1401هـ الموافق (19سبتمبر 1981م)، ثم صدرت شرعة حقوق الإنسان في الإسلام من منظمة المؤتمر الإسلامي في اجتماع عام 1409هـ/1989م، بحضور علماء الشريعة والدِّين من مختلف البلدان، وتم إقرار الإعلان في خمس وعشرين مادة .

6- ما هي أسس حقوق الإنسان؟size=3>

أولا- الأساس الإسلامي لحقوق الإنسان :

فحقوق الإنسان جاء بها الإسلام صريحة في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، فمن ذلك :

قوله تعالى : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}size=3> (58) سورة النساء، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع : ((إنَّ دِمَاءَكُم وأَمْوَالَكُم حَرَامٌ عليكم، كحرمةِ يومِكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كُلُّ شيءٍ من أمرِ الجاهليةِ تحتَ قَدَمَيَّ موضوعٌ، ودماءُ الجاهليةِ موضوعةٌ، ورِبَا الجاهلية موضوعٌ، فَاتَّقُوا الله في النِّسَاءِ، فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، واسْتَحْلَلْتُم فُرُوجَهُنَّ بكلمةِ الله، وَلَكُم عَلَيهن أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غيرَ مُبَرِّحٍ،ولهن عليكم رزقُهُنَّ وكسوتُهُنَّ بالمعروف..))size=3> رواه مسلم .

ثانيا- أثر الإيمان في حقوق الإنسان :

من آمن بالله تعالى ربا، وخالقا، ومعبودا ، ومشرِّعا عرف حقوقه، والتزم بها، وحرص عليها، وامتنع من التنازل عنها، وجاهد في سبيلها؛ لأنها منحة إلهية، وأمانة وضعها الله جل جلاله في عنقه. ومن آمن بالله ربا للعالمين، وخالقا للبشر أجمعين أدرك حق الله عز وجل على العباد، وحق العباد على الله سبحانه، كما جاء في حديث معاذ بن جبل (( فَإِنَّ حَقَّ الله على العِبادِ أن يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وحَقُّ العِبادِ على اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذلك أن لا يُعَذِّبَهُمْ))size=3> متفق عليه .

   ثالثا- الأساس الفلسفي والفكري لحقوق الإنسان :

الذي يقوم على ثلاثة مبادئ: العدل والحرية ونظرية العقد الاجتماعي.

7- ما هي اللجان والمنظمات والهيئات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان ؟size=3>size=3>

هناك عديد من اللجان والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، ومنها الآتي :

أ- لجنة حقوق الإنسان : أنشئت في عام (1365هـ الموافق 1945م)، وهي إحدى اللجان المختصة بهيئة الأمم المتحدة(United Nation Organization)size=3>.

ب- هيئة اليونسكو : انبثقت من الأمم المتحدة في (7/12/1366هـ الموافق 4/11/1946م)، وموقعها الرئيس في باريس، وهي إحدى المنظمات المتخصصة التي تهدف إلى صيانة السلام العالمي عن طريق التعاون بين الأمم من خلال التربية والثقافة والعلوم بما يتفق مع مبادئ الأمم المتحدة وحقوق الإنسان . وقد استحدثت –اليونسكو- مؤخرا قسما لتدريس مادة حقوق الإنسان في الجامعات.

ج- منظمة العفو الدولية : أسست في عام 1382هـ/1962م، في لندن .

د- منظمة المؤتمر الإسلامي : أصدرت الإعلان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان في عام (1409هـ/1989م)، بحضور علماء الشريعة والدِّين من مختلف البلدان، وتم إقرار الإعلان في خمس وعشرين مادة .

وختاما نتقدم بالشكر الجزيل إلى فضيلة الدكتور على تجاوبه معنا .

size=3>size=3>size=3>

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!