حوار مع البروفيسور مهدي إبراهيم

حوار مع البروفيسور مهدي إبراهيم زراعة الفتنة من الجنوب إلى دارفور البروفيسور مهدي إبراهيم عضو المكتب القيادي لحزب المؤتمر الحاكم والخبير الكبير في الشؤون الدولية فقد كان سفير السودان في سويسرا ثم واشنطن وتولى ملف العلاقات الخارجية فترة طويلة وتولى مدير إدارة الشؤون السياسية في وزارة الخارجية لمدة ثلاث..

حوار مع البروفيسور مهدي إبراهيم

“زراعة الفتنة”.. من الجنوب إلى دارفورsize=3>size=3>size=3>

البروفيسور مهدي إبراهيم، عضو المكتب القيادي لحزب المؤتمر الحاكم، والخبير الكبير في الشؤون الدولية، فقد كان سفير السودان في سويسرا ثم واشنطن، وتولى ملف العلاقات الخارجية فترة طويلة، وتولى مدير إدارة الشؤون السياسية في وزارة الخارجية لمدة ثلاث سنوات، ومسؤول العلاقات الخارجية في “الحركة الإسلامية” (1986- 1989م).. وعضو المكتب القيادي لحزب المؤتمر الحاكم ونائب الأمين العام، ومستشار الرئيس السوداني للشؤون السياسية، ووزير الإعلام والاتصالات (2002- 2003م)، ووزير دولة بالقصر الرئاسي. وهو رئيس تحرير صحيفة “الراية” السودانية، التي صدرت عن “الجبهة الإسلامية القومية” (1986- 1989م).size=3>size=3>size=3>

يظهر لنا بعض الجوانب المتعلقة بالسودان وخاصة قضية الجنوب ودار فور من خلال الحوار التالي:size=3>size=3>size=3>

size=3>size=3>size=3>

*سؤال عن جذور الفتنة التي فجرت حرباً استمرت عشرات السنين في الجنوب ثم حرباً مستعرة اليوم في دارفور، وكان من الممكن أن تفجر حرباً أخرى في شرق البلاد؟size=3>size=3>size=3>

 ربما يعود هذا في تقديري للفترة التي حكم فيها البريطانيون السودان منذ سنة 1889 حتى 1956م، إذ تمكن الإنجليز من قراءة الخريطة السودانية خلال تلك الفترة.. وكان الاستعمار البريطاني قد فوجئ قبلها بمقاومة باسلة وشديدة من السودانيين ولا سيما خلال فترة الحكم المهدية في مواقف جهادية مشهودة، ولعلّ أشهرها إبادة الجيش الإنجليزي بقيادة “هكس باشا” عن بكرة أبيه في ولاية “كردفان” في معركة “شيكان” التاريخية في العام 1883م.. ولم يكن الشعب السوداني يملك وقتها غير السيوف والحِراب، بينما الجيش البريطاني مدجّج بأحدث الأسلحة حينئذ، وكانت المقاومة عامة في كل أنحاء البلاد.. وحتى عندما استتب لهم الأمر، خرج الناس في “دارفور” يتقدمهم “السحيمي”، وفي وسط السودان في إقليم الجزيرة كانت ثورة “عبد القادر ود حبّوبة” ضد الاستعمار عام 1908م، وفي العام 1915م انتفضت “كردفان” وثارت بقيادة “علي الميراوي”، وفي العاصمة الخرطوم قامت جماعة “اللواء الأبيض” بقيادة “علي عبد اللطيف” و”عبد اللطيف ألماظ” بانتفاضتهم المسلحة ضدّ المستعمر الإنجليزي عام 1924م.. أي أن الشعب السوداني كله تعبّأ في وجه المستعمر البريطاني، وجديرٌ بالذكر أن كل حركات المقاومة هذه كان باعثها إسلامياً.size=3>size=3>size=3>

وعندئذ، شعر الإنجليز بأن هذا البلد له شخصية مميّزة، وذا نزعة جهادية مرتفعة، لذا فكّروا وقدّروا ثم قُتلوا كيف قدّروا في كيفية إخماد جذوة هذا الجهاد وإطفاء شعلته النضالية، والقضاء على نزعته الاستقلالية.. ومكروا مكراً كُبّاراً؛ فوضعوا خلال الستين عاماً التي حكموا فيها السودان مشروعاتٍ وخططاً تخدم هذا الهدف، فأخضعوا مناطق من البلاد لما سُمِّي بالمناطق “المغلقة” Closed Districts مثل منطقة الجنوب كلها، وجبال النوبة في جنوب ولاية “كردفان”، ومناطق على النيل الأزرق اسمها جبال “الأنجسنا”، وهي مناطق كبيرة ذات كثافة سكانية مرتفعة، ومتاخمة لحدودنا مع إثيوبيا، كل هذه المناطق جعلوها “مغلقة”، فكأنهم قسّموا البلاد.size=3>size=3>size=3>

size=3>size=3>size=3>

*ما معنى منطقة “مغلقة”؟ وهل كان لذلك انعكاساته وتأثيراته السلبية على الهُوية الإسلامية في تلك المناطق؟size=3>size=3>size=3>
معناها أنه “لا يجوز لأي شخص من غير أهالي السودان أن يدخلها ويبقى فيها إلا إذا كان حاملاً رخصة بذلك، ويجوز للسكرتير الإداري أو مدير المديرية منع أي شخص من أهالي السودان من دخول تلك الجهات أو البقاء فيها، وكأنهم في دولة أخرى.. وقد أرادوا إخضاع تلك المناطق لإعادة تشكيل وتكوين وتثقيف حتى تصبح بؤراً لا تشبه الوطن الكبير، وبالتالي يمكن في مرحلة لاحقة أن تنفلت عنه وتخرج عليه وتصبح دويلات مستقلة، وتشكِّل في الوقت نفسه منازعة للثقافة العامة في الوطن.. لذا حاولوا حجب اللغة العربية والثقافة الإسلامية، ثم فتحوا نوافذ للثقافة الغربية البريطانية؛ بلغتها الإنجليزية، وثقافتها المسيحية، قولاً وفعلاً، شكلاً ومضموناً.. وقد تحقق لهم ما أرادوا، إذ أصبح جنوب السودان متمرداً قبل خروج الإنجليز من البلاد، لأنهم أوهموا أبناءه وأوغروا صدورهم بأنهم أي الإنجليز إذا خرجوا فسيأتي أهل الشمال من العرب والمسلمين ليقوموا مقامهم، وسيكونون مستعمرين حقيقيين مسترقِّين لهم.. لذا، ما كادت بواكير الاستقلال تظهر إلا وحدث أول انفجار دموي ضد العرب والمسلمين الموجودين وقتها في الجنوب؛ من معلمين وأطباء وممرضات ومهندسين ومفتشين إداريين، كلّ أولئك تعرّضوا لمجزرة قبل خمسة أشهر من استقلال السودان وخروج الإنجليز في يناير 1956م.
ولمّا حدث الاستقلال، كان بين الجنوب والشمال جراح نازفة لم تلتئم، وقد تمكّنت الريبة والظنون من الجنوبيين نحو إخوانهم الشماليين، فكان لديهم استعداد طبيعي للاستماع للأجنبي، والكنائس الإنجليزية، لأن المستعمر البريطاني أنشأ في هذه المناطق “المغلقة” نظاماً للتعليم مخالفاً للنظام القومي المركزي الذي كانوا يديرونه هم أنفسهم؛ فجعلوا التعليم في شمال السودان العربي المسلم مختلفاً عن التعليم في هذه المناطق “المغلقة”، الذي سلَّموه للإرساليات التبشيرية المسيحية، لتخريج أجيال مغايرة لما عليه الأصل، واستنبات فروع جديدة متمرّدة على جذورها.. وحتى يتم حرمان أبناء العرب والمسلمين من التعليم، كانوا يقولون: “كي تتعلم في مدارسنا، لا بدّ أن يكون لك اسم إنجليزي أو اسم كنسي” “
size=3>Christian Name ” وقد رفض كثير من مسلمي تلك المناطق استبدال أسماء أبنائهم، أو التظاهر بمظهر المسيحيين.size=3>size=3>size=3>

*تاريخياً، هل ظلت مشكلة الجنوب مزمنة ومستعصية على الحل منذ خروج الإنجليز من السودان حتى الاتفاق الأخير أم كان هناك انفراج للأزمة في فترة ما؟size=3>
حقائق التاريخ تذكر أن مشكلة الجنوب استمرت لما يربو على الخمسين عاماً، ولم تحظَ هذه المنطقة بالاستقرار إلا لفترة عشر سنوات في عهد الرئيس “جعفر نميري”، والذي حاول عقد اتفاقية سلام مع الجنوب، وساعده فيها إمبراطور إثيوبيا “هيلا سلاسي”، والذي كان معروفاً بأنه راعي الكنيسة في إفريقيا، وكانت تربطه بالرئيس “نميري” علاقة قوية.. وذلك من قبيل ردّ الجميل والوفاء للسودان الذي أحسن استقباله وأكرم إقامته، عندما غزا الإيطاليون إثيوبيا واحتلوها.. وكنوع من الخدمة لمسيحيي الجنوب.. ودعماً للعلاقة مع القوى الغربية والكنيسة الأوروبية.. وبعد تلك الفترة عادت مشكلة الجنوب إلى سيرتها الأولى، حتى تمّ حلّها من أصولها وجذورها من خلال الاتفاق الأخير في التاسع من يناير 2005م، في عهد الرئيس “عمر البشير”.size=3>size=3>size=3>

size=3>size=3>size=3>

*في رأيك.. ما الآثار التي خلّفتها مشكلة الجنوب على السودان بصفة عامة؟size=3>
لقد هزّت مشكلة الجنوب دعائم الاستقرار في كلّ أرجاء السودان، وعطّلت جهود ومشروعات التنمية في البلاد؛ التي تم توجيه معظمها لإيقاف عجلة الحرب الدائرة هناك، والخروج من “دوامة” العنف في “محيط” الجنوب، وحالت عائقاً دون بروز نظام سياسي راشد وتكوين شخصية مستقلة ومميّزة للبلاد.. وأنَّى لها هذا وهي تشهد انقلاباً كلّ سبعة أو ثمانية أعوام، بسبب صراع السياسيين والحزبيين وفشلهم في إدارة شؤون البلاد واحتواء مظاهر التمرّد وتدابيره العسكرية التي انعكست سلباً على استقرار الدولة السياسي والاجتماعي والاقتصادي في آنٍ معاً.. فقد أدّت الحرب في الجنوب إلى عزوف غالبية المستثمرين الوطنيين والأجانب عن الاستثمار في السودان، رغم توفّر كل مقوّمات الاستثمار الناجح فيه، وتمتّعه بالثروات الطبيعية المتمثّلة في مساحات هائلة من الأراضي الخصبة، ومياه الأنهار، والمياه الجوفية، والثروة الحيوانية التي تزيد على 120 مليون رأس، ناهيك عن البترول والمعادن، وسواحل ممتدّة على البحر الأحمر.. وكان نتيجة ذلك أن زاد تأخُّر البلاد، وبدأ ما كان يُعرَف بالمناطق “المغلقة” في التململ والتحرّك.
وفي مطالع ثورة أكتوبر 1964م، التي أطاحت بحكم “الفريق عبّود”، وأفرزت حكومة ديمقراطية منتخبة، أطلّت هذه المناطق وعبّرت عن الظلم الواقع على كاهلها في مجال التنمية، واتهمت الحكومة بتهميشها، وهي تهمة غير موضوعية ومردود عليها بأن مناطق الدولة كلها تقريباً كانت تعاني في ذلك الوقت من التهميش والتأخُّر والتخلف.
size=3>
size=3>
size=3>

*هل كانت الحركة الجنوبية تؤدّي دورها بمفردها على المسرح السوداني أم أن هناك أطرافاً خفية كانت تحرّك المواقف من خلف الكواليس؟.. وما انعكاس هذا على المشهد في “دارفور”؟size=3>
استطاعت حركة التمرّد الجنوبية قبل الاتفاق الأخير تأليب الشعب السوداني ضدّ الحكومة المركزية، واستحوذت على كلّ المناطق “المغلقة” بما فيها “دارفور”، ونجحت في تسويق الوهم وتغذية الحقد العرقي الذي سبقهم إليه الإنجليز ضدّ العرب والمسلمين.. وذلك بهدف إعادة صياغة السودان، وتهميش وإجلاء العنصر العربي والإسلامي، أو تقليص نفوذه إلى أقصى حدّ ممكن، واستبداله بقويً أخرى غيرِ عربية.. وفي هذا السياق، قالوا لقبائل “دارفور” إنكم مسلمون حقّاً ولكنكم لستم عرباً، فغرسوا فيهم بذور الحقد على كل ما هو عربي، ثم درّبوهم وسلحوهم بدعم غربي، وأذكر أنه في سنة 1998م، جاءت إلى “دارفور” بضعة آلاف من القوات الجنوبية كي تُحدِث تحوّلاً في الإقليم.. ويمكن القول إن كلّ ما حدث هناك كان بدعم أوروبي وغطاء أمريكي، وتأييد كنسي ويهودي؛ إذ قيل إن في “دارفور” مسيحيين يضطهدهم المسلمون، أما اليهود فأرادوا كيداً للعرب بقولهم إنهم يؤذوننا في الشرق الأوسط، ويؤذون الأفارقة في السودان، وندعو الله أن يردّ كيدهم إلى نحورهم، وأن يجعل تدبيرهم تدميرهم، ويجعلهم الأخسرين والأسفلين.size=3>size=3>size=3>size=3>
ــــــــــsize=3>size=3>size=3>

المجتمع 1747 بتصرف.size=3>size=3>size=3>

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!