حوار مع الدكتورة خديجة النبراوي

حوار مع الدكتورة خديجة النبراوي يطلق على الدكتورة خديجة النبراوي مؤلفة الموسوعات؛ حيث لم تكتف بتأليف موسوعة عن المرأة المسلمة ودورها في الحضارة وإنما لها موسوعة أخرى عن laquoحقوق الإنسانraquo وموسوعة ثالثة عن laquoأصول الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصاديraquo ولكننا سنقصر في حوارنا معها على قضايا المرأة المسلمة..

حوار مع الدكتورة خديجة النبراوي

يطلق على الدكتورة خديجة النبراوي مؤلفة الموسوعات؛ حيث لم تكتف بتأليف موسوعة عن المرأة المسلمة ودورها في الحضارة، وإنما لها موسوعة أخرى عن «حقوق الإنسان» وموسوعة ثالثة عن «أصول الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي».
ولكننا سنقصر في حوارنا معها على قضايا المرأة المسلمة وما يتعرض له الإسلام من طعون وشبهات حول موقفه منها، وتفنيد أكاذيب دعاة التغريب الذين غالوا في تشكيكهم أكثر من الغربيين أنفسهم، ويزعمون أنهم مفكرون إسلاميون مستنيرون. فماذا قالت؟

البيان: في البداية نود التعرف على الأسباب التي دفعتكم إلى تأليف موسوعة المرأة؟

لم يأت هذا من فراغ، وإنما للعديد من الأسباب أهمها: أنها أحد وسائل الطعن في الإسلام الذي يُتهم بأن تشريعاته ظلمتها، وناصرت الرجل لدرجة أن بعضهم وصف الإسلام بأنه «دين ذكوري» نزل في «مجتمعات ذكورية»، واستندوا في هذه الطعون إلى بعض السلوكيات الخاطئة من المنتسبين للإسلام؛ رغم أنه يدينها.

ولم يتوقف الطعن في موقف الإسلام من المرأة على المستشرقين ورجال الدين غير المسلمين، وإنما امتد إلى المتغربين من أبناء الإسلام الذين قادوا المؤامرات الداخلية ضده بل إنهم يمثلون الطابور الخامس، ولهذا كان لا بد من تفنيد ادعاءات وأكاذيب هؤلاء من خلال النصوص الشرعية من القرآن والسنة والأحداث التاريخية، وأقوال المنصفين من أبناء الحضارة الغربية الذين رفضوا أن يكونوا ضمن القطيع الغربي الكاره للإسلام دون أن يفهمه ويعرف موقفه الحقيقي من المرأة.

مفارقة مؤسفة

البيان: في الوقت الذي يجحد فيه بعض أبناء الإسلام تكريم دينهم للمرأة فقد أنصفها آخرون من غير المسلمين، فماذا تقولين في هذه المفارقة؟

أتعجب بوجه عام لكل من يتطاول على الإسلام، ويتهمه بأنه سبب انحطاط المرأة وتخلفها، ويزداد تعجبي إذا كان هذا التطاول من بعض من يعلنون أنهم يدينون بالإسلام، وينتسبون إليه، ويدّعون أنهم مستنيرون يستهدفون تبييض صورة الإسلام أمام أعدائه الذين لن يرضوا عنا أو عن ديننا حتي نتنازل عنه ونعلن تبعيتنا التامة لهم.

منارات نسائية عبر التاريخ

البيان: ماذا تقولين لمن يدعون أنه لن يتم تحرير المرأة المسلمة إلا تحت راية الحضارة الحديثة؟

د. خديجة: أقول لهم: كم من نساء العصر الحديث اللائي ينتسبن للحضارة الغربية الحديثة استطاعت أن تحيى حضارة بأكملها من العدم بدون أي موارد اقتصادية مثل السيدة هاجر التي تركها الخليل إبراهيم في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، وليس معها غير اليقين بالله وتعاليم دينه، ومعها طفل رضيع لا حول له ولا قوة، وأخذت بكل معاني السعي الجاد بين الصفا والمروة موقنةً أن الله لن يضيعهما أبدًا ففجّر لهما الماء، وأوكل إليها مهمة تنشئة نبي وعمران مكة، وهذا أمر خطير لا تقدر عليه العصبة من الرجال في عصرنا الحاضر.

وأقول لهم أيضا: كم من نساء العصر الحديث تستطيع أن تقوم بما قامت به أم المؤمنين السيدة خديجة من حماية أمة محمد وهي في محنتها في شعاب مكة، وحماية الدعوة في مهدها بمالها ونفسها وروحها، بل إن الأمة كلها تدين لها بالفضل العظيم في مشاركتها للرسول صلى الله عليه وسلم في أولى تبعات الوحي، وما صاحبه من زلزلة نفسية؛ حيث وقفت تسانده وتشد من أزره وتثبت فؤاده بكلماتها الحكيمة تدل على عمق علمها وسعة خبرتها ودعمت ذلك عمليًّا بالذهاب إلى ابن عمها ورقة بن نوفل لتجمع البرهان النظري مع العملي.
 
ولولا مكانتها الاقتصادية في مكة وعظمة يقينها وإخلاصها لنجحت خطة الكفار في القضاء على الإسلام بالحصار الاقتصادي.

كم من النساء مثل هذا النموذج التحريري سمية بنت الخياط زوجة ياسر، وأم عمار، والتي كانت في طليعة شهداء الإسلام. وكم من النساء مثل أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق راوية السنة النبوية والفقيهة والمفتية في الدين والمشيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة والمشاركة في الشأن العام سياسيًّا واجتماعيًّا وسلمًا، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت لها جهودها في المحافظة على السنة؛ حيث إنها روت (2210) حديثًا بما كانت تمتلكه من موهبة غير عادية لاستنباط الأحكام الشرعية من تلك الأحاديث..ويقال: إن أحد أرباع أحكام الشريعة الإسلامية يعتمد على ما رُوي عنها، وكانت بمقدرتها العلمية وتفقهها في الدين، موضع ثقة الجميع.

حضارتنا ليست ذكورية

البيان: يصفون حضارتنا الإسلامية بأنها حضارة «ذكورية» ليس للمرأة أي دور فيها، فما هو ردكم على هذا الاتهام الباطل؟
د. خديجة: هذا الكلام لا يصدر إلا عن حاقد على الإسلام أو جاهل به وبحضارته؛ لأن دور المرأة فيه بدأ منذ نزول الوحي حين ساندت كل من السيدة خديجة وأسماء بنت أبي بكر في وضع لبنات هذه الحضارة، واستمر هذا الدور من خلال أمهات المؤمنين والصحابيات وغيرهن من التابعيات في مختلف عصور الحضارة الإسلامية.

ولست مبالغة إذا قلت: إن عصور ازدهار الحضارة الإسلامية هي عصور ازدهار دور المرأة فيها من خلال رسالتها كأم وزوجة للحكام، وقادة جيوش الفتح، والجنود البواسل، والعلماء في مختلف العلوم الدينية والدنيوية، وباعوا أنفسهم لله وأخذوا يجوبون الأرض؛ إعلاء لراية الحق وتحريرًا للبشرية مما تكبدته من عبودية الأهواء والأطماع، ونشرًا لتعاليم ومبادئ سامية وعلمًا يقينيًّا خاليًا من الشرك والبدع، وتحرير العقول من أسر الجهالة والضلالة، والوقوف تجاه القضايا العالمية موقفًا عادلاً مبنيًّا على أسس متينة من العدالة والحرية والمساواة.

ويكفي أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر أنه حينما خرج الإمام البخاري لطلب العلم في الرابعة عشرة من عمره، واكتسب كفاءة تعليمية مكّنته من التزود بمزيد من العلم والمعرفة عن كبار العلماء في عصره، وذلك بفضل التوجيه والتعليم الذي تلقاه في مقتبل عمره على أيدي والدته وشقيقه، وكذلك الإمام ابن الجوزي تلقى تعليمه الأولي على يدي عمته.

معلمات وفقيهات ومجددات

البيان: ولكنهم يزعمون أنها كانت بمعزل عن التعليم بمفهومه المعاصر؛ لأن التقاليد تمنعها من الاختلاط بالرجال ولو في مجال التعليم الديني؟

لا شك أن مثل تلك المزاعم تتنافى مع ما أثبتته المراجع التاريخية منذ فجر الإسلام فمثلاً عبد الله بن عباس الذي كان من أكثر أصحاب الرسول غزارة في العلم حتى إنه كان يلقب ب«حبر الأمة» قد تتلمذ على يد أم المؤمنين عائشة، بالإضافة إلى آخرين من الصحابة والتابعين. ويقول أبو موسى الأشعري: “ما أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا”.

وقد سبقتها أختها أسماء بنت أبي بكر بالمشاركة في صناعة الأحداث الكبرى والمحورية في تاريخ الهجرة، والدعوة، وبناء الدولة الإسلامية، ولم تكتفِ برعاية منزل زوجها الزبير بن العوام، وإنما كانت ترعى فرس جواده، وتزرع حقله، وتقاتل معه في الغزوات، وتحافظ على مشاعره وغيرته الشديدة، وتتزين بالحشمة وتربي ولده عبد الله بن الزبير على البطولة والفداء والاستشهاد، وتسانده بالمشورة في أحداث ثورته الكبرى، وتتصدى لطغيان الحجاج بن يوسف الثقفي على النحو تُضرب به الأمثال في تاريخ الأبطال والبطولات، وكذلك نسيبة بنت كعب الأنصارية- أم عمارة – التي شاركت في تأسيس الدولة وفي بيعة الرضوان – بيعة القتال – تحت الشجرة في عام الحديبية كما نهضت في ساحات المعارك القتالية بما قصر عنه الكثير من الرجال.

وكذلك أسماء بنت زيد الأنصارية التي كانت خطيبة النساء التي تهز أعواد المنابر ووافدة النساء إلى رسول الله للمطالبة بحقوقها، وحقوق من خلفها من نساء المؤمنين.

تحول إيماني جذري

البيان: يروج بعض الطاعنين في مكانة المرأة في الإسلام أنها لم تختلف كثيرًا عن أوضاعها في الجاهلية، فما ردكم؟

لا يقول بذلك إلا من يجهل مكانتها في الجاهلية والإسلام على حد سواء، ويكفي أن نذكر التحول الذي لحق بأحوال امرأة واحدة في العصرين، وهي الشاعرة الخنساء التي لم تتحمل صدمة مقتل أخوها أيام الجاهلية وهو في عمر الشباب، وقالت في ذلك أقوى أشعار الرثاء والحزن، إلا أنها بعد اعتناقها الإسلام تزودت بالقدرة على التضحية والفداء بأبنائها الأربعة في سبيل الله ثم نصرة الإسلام، وهم في ريعان الشباب أثناء مشاركتهم في حرب القادسية، وقد تلقت نبأ استشهادهم بما يليق بعظمة الرسالة التي تؤمن بها، فقالت قولتها الشهيرة التي كلها إيمان وصبر وفخر: (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم).
وقد فعلت ذلك وهي في سن أحوج ما تكون فيه إلى عون أبنائها!!!

ويكفي أن نذكر أنه إذا كانت الجاهلية قد ساهمت في وأد المرأة جسديًّا بدفنها حية في التراب، أو امتهان جسدها في الأعمال غير الأخلاقية، بل إنها كانت تورَث باعتبارها من سقط المتاع، وكانت تمارس ضدها كل أشكال التمييز والوأد، وهذا ما سجّله لنا القرآن إلى أن تقوم الساعة فقال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } [سورة النحل:58- 59].

ولو أردنا أن نسرد النماذج من النخبة من الصحابيات اللاتي تربين في مدرسة النبوة لوجدنا أن عددهن زاد عن ألف امرأة أطلق التحرير الإسلامي طاقاتهن وملكاتهن في أقل من ربع قرن وهو عمر البعثة النبوية وعشر سنوات هي عمر دولة الرسول في المدينة المنورة.

البيان: هناك من يربط بين مفهوم تحرير المرأة بالغرب وليس بالإسلام، فما ردكم على تلك المزاعم؟

هذا الزعم مخالف تمامًا للحقائق التاريخية التي تؤكد أن ما تتمتع به المرأة من حرية في العالم أجمع تدين بفضله للإسلام؛ حيث امتدت أنواره لتخرج أوروبا من عصور الظلام بفضل مبادئه العظيمة عن طريق جامعات قرطبة وصقلية وكريت. وكانت المرأة في أوروبا وقتها تتمنى من أعماق قلبها أن تحصل على ما حصلت عليه المرأة المسلمة من حقوق وحريات تسبق عصرها.

إذلال بلا حدود

البيان: نريد التعرف على مزيد من عظمة الإسلام في تحرير المرأة، والارتقاء بها بإلقاء الضوء على مكانتها قبل الإسلام، سواء في الأديان السماوية والوضعية التي أذلت المرأة.

نعم بضدها تتبين الأشياء، وهذه شهادة دائرة المعارف البريطانية فتقول:” كان وضع المرأة في أثينا قد تدهور لدرجة أنها أصبحت بمثابة أمة تلد الأولاد لسيدها، ويتم حجز الزوجات داخل بيوتهن، ولم يكن يحصلن على قدر من التعليم، كما لم تكن لهن أية حقوق، ولم يكن أزواجهن يعتبروهن أفضل من أثاث البيت.

وكان الوضع القانوني للمرأة في روما القديمة ووضع الحكومة الكاملة للرجل فكانت خاضعة أولاً لسلطة أبيها أو أخيها ثم لسلطة زوجها الذي كان يتمتع بسلطات الأبوة عليها، وكان القانون يعتبر المرأة معتوهة ولم تبادر المسيحية إلى اتخاذ أية خطوة تحسين أوضاع المرأة، فعلى كل المستويات وحتى في مجال الواجبات الدينية عوملت المرأة على أساس أنها كائن أدنى. ويقول بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: “ينبغي للمرأة أن يكون لها سلطان على رأسها من أجل الملائكة “.

وكذلك تبنت المسيحية معتقدًا خاطئًا يقول: إن المرأة مسئولة عن إخراج آدم من الجنة، وكما تقول دائرة المعارف البريطانية: “الديانة المسيحية تنظر إلى المرأة كمغوية ومسئولة عن خروج آدم من الجنة وكائن بشري من الدرجة الثانية”.

أما في شريعة اليهود فإن المرأة تعتبر في منزلة الخادم عند بعض فرق اليهود وتحرم الأنثى من الميراث، سواء كانت أُمًّا أو زوجة إذا ما كان للميت ذكور وهذا موجود في الإصحاح 21 من سفر التكوين وقوانين الأحوال الشخصية للإسرائيليين تقول: إذا توفي الزوج ولا ذكور له تصبح المرأة زوجة لشقيق زوجها أو لأخيه من أبيه ولا تحل لغيره إلا إذا تبرأ منها ورفض الزواج بها.

وفي القانون الصيني: كانت القاعدة أن النساء لا قيمة لهن، ويجب أن يعطين أحقر الأعمال، أما في القوانين الهندية فلا يحق للمرأة في أية مرحلة من مراحل حياتها أن تجري أي أمر وفق مشيئتها ورغبتها؛ لأنها في مرحلة طفولتها تتبع لوالدها وفي مرحلة شبابها تتبع زوجها، فإذا مات الزوج تبعت أولادها. وفي عقيدة “سانتي” يجب على كل زوجة يموت زوجها أن يحرق جسدها على مقربة من جسد زوجها المحروق، ومن لم تفعل أذلها الشعب إذلالاً، ويجعل الموت أكثر راحة لها من الحياة.

وشهد شاهد من أهلها

البيان: قد يقول قائل إن هذا الاحتقار للمرأة كان قديمًا ولكننا نريد التعرف على ما يقوله فلاسفة الغرب الذين يعتبرون قبلة لدعاة التغريب في عالمنا العربي والإسلامي.

المنصفون من الغربيين قليل مقارنةً بالمعادين، ولكن هذا اعتراف صريح من الفيلسوف الإنجليزي هيربرت سبنسر في كتابه “علم الاجتماع” حيث يقول: “إن الرجال كانوا يبيعون الزوجات في إنجلترا فيما بين القرن الخامس والحادي عشر الميلادي. ولقد وضعت محاكم الكنيسة قانونًا يعطي الزوج الحق في أن يعطي زوجته لرجل آخر لمدة محددة بأجر أو بغير أجر. وظل هذا القانون مطبقًا حتى ألغي ولم يكن للمرأة في أوروبا حتي فترة قريبة حق الحضور أمام القضاء أو حق إبرام العقود، ولا تملك البيع أو الهبة بغير مشاركة زوجها في العقد بموافقة مكتوبة.

والأغرب من ذلك أنه لم يطرح للمرأة شيء من الحقوق – في غير ديار الإسلام – إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بعد أن توسعت النهضة الصناعية في أوروبا فأوجدت – مع توسعها – أسلوبًا جديدًا للحياة اضطر المرأة إلى أن تخرج في المصانع والشركات والمعامل؛ حيث كانت الحاجة إلى عملها أعظم ضاغط على الرجل جعلتها تفتح فمها بالمطالب وتقاضيه بما أسمته حقوقًا للمرأة.

شتان بين التكريمين

البيان: تؤكدين أن التكريم الإسلامي للمرأة فاق كثيرًا ما تناله المرأة الغربية فيما يتعلق بحقوقها في الزواج، فما أدلة ذلك؟

تعد حقوق المسلمة المتعلقة بالزواج جزءًا مما تتمتع به من التكريم الإلهي منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان فمثلاً يدفع لها الزوج مهرًا بعكس الأوروبية التي كانت تدفع لزوجها (الدوطة).

وكذلك في الوقت الذي كانت فيه الأوربية مهانة ومحرومة من حقوقها في الإرث والتعبير عن الرأي، كانت المسلمة تملك وترث، وتتصرف في مالها وتخرج في غزوات الإسلام، وفي معترك العلم والمعرفة تبدو محدثة وناقدة وشاعرة، وهذا لا يتأتى إلا في إطار كبير من الحرية التي نعمت بها المرأة لأول مرة في وجودها.

تقاليد مسيئة للإسلام

البيان: ولكن واقع المرأة في كثير من مجتمعاتنا اليوم يعد سُبّة في جبين الإسلام والمسلمين.. أليس كذلك؟ وما أسباب ذلك؟

من الخطأ التعميم أن وضع المسلمة يرثى له، ولكن بالفعل هناك سلبيات في حقها، وذلك عندما فرطنا في معتقداتنا وغابت عنا شمس الشريعة الإسلامية التي أنارت حياتنا، وأصبحنا أسرى بعض التقاليد الجاهلية البالية التي تسيء للإسلام وهو منها براء. وكذلك تعرضنا للغزو الاستعماري الغربي الذي لم يقتصر على تحطيم المجتمعات الإسلامية سياسيًّا واقتصاديًّا، بل اتجه إلى عمليات التمزيق الفكري والاجتماعي، ومن بينها: إظهار سمو النظم الغربية والانبهار بالحضارة الحديثة والمفاهيم الزائفة؛ حيث نسب المستعمر الغربي لنفسه احترام المرأة وتحريرها في حين افترى على الإسلام احتقار المرأة وتضييع حقوقها.

منصفون غربيون

البيان: تؤكدين أنه من الخطأ الحكم على الغرب على أنه كله كتلة واحدة؛ لأن هناك من المنصفين للإسلام ممن يتحرون الحق والحقيقة..فماذا تقصدين بذلك؟

أؤكد أنه إذا كان هناك من انساق وراء الأكاذيب حتى من أهل الإسلام أنفسهم، فإن من الحقيقة أن نذكر أن هناك رجالاً مهمتهم تقصي الحقائق بعيدًا عن الزيف وأهواء النفس، والله قادر على نصرة دينه حتى إنه سبحانه سخّر أقلامًا غربية أنصفت الحق بعيدًا عن التعصب الممقوت فمثلاً تقول “لورا فيشيافا غليري” في كتابها “دفاع عن الإسلام”:

“إذا كانت المرأة قد بلغت من وجهة النظر الاجتماعية في أوروبا مكانة رفيعة فإن مركزها شرعيًّا على الأقل كان حتى سنوات قليلة جدًّا – ولا يزال في بعض البلدان – أقل استقلالاً من المرأة المسلمة في العالم الإسلامي”.

وقال فولتير في” مقالة القرآن” في معجم الفلسفة:” لقد نسبنا إلى القرآن كثيرًا من السخافات وهو في الحقيقة خالٍ منها. إن مؤلفينا الذين كثروا كثرة الانكشارية يجدون من السهل أن يجعلوا نساءنا في حزبهم بواسطة إقناعهن أن محمدًا اعتبرهن حيوانات ذات ذكاء، وإنهن في نظر الشريعة بمثابة الأرقاء لا يملكن شيئًا في دنياهن ولا نصيب لهن في أخراهن. وبديهي أن هذا الكلام باطل، ومع ذلك فقد كان الناس يصدقوه.

اعترافات مؤرخ منصف

البيان: لماذا لم تذكري شيئًا مما قاله المؤرخ الغربي الشهير جوستاف لوبون في كتابه ” حضارة العرب”؟.

لم أذكره سابقًا لأني كنت أنوي عرض العديد من أقواله المنصفة في مؤلفاته ومنها “حضارة العرب ” منها قوله:” مبادئ المواريث التي نص عليها القرآن على جانب عظيم من العدل والإنصاف، ويمكن للقارئ أن يدرك ذلك من الآيات التي أنقلها منه وأن أشير بدرجة الكفاية إلى أحكامها العامة، ويظهر من مقابلتي بينها وبين الحقوق الفرنسية والإنجليزية أن الشريعة الإسلامية منحت الزوجات اللاتي يزعم أن المسلمين لا يعاشروهن بالمعروف حقوقًا في المواريث لا نجد مثلها في قوانيننا”.

وقال لوبون أيضًا: ” إذا أردنا أن نعلم درجة تأثير القرآن في أمر النساء وجب علينا أن ننظر إليهن أيام ازدهار حضارة العرب فقد ظهر مما قصه المؤرخون أنه كان لهن من الشأن ما اتفق لأخواتهن حديثًا في أوروبا، وذلك حين انتشار فروسية العرب وظرفهم وأن الأوروبيين أخذوا عن العرب مبادئ الفروسية، وما اقتضته من احترام المرأة، فالإسلام –إذن- لا النصرانية هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وذلك خلافًا للاعتقاد الشائع فإذا نظرت إلى أمراء النصارى الإقطاعيين في القرون الوسطى رأيتهم لم يحملوا شيئًا من الحرمة للنساء”.

واعترف لوبون بأهمية النساء في حضارتنا قائلاً :”من الأدلة على أهميه النساء أيام حضارة العرب: كثرة من اشتهر منهن بمعارفهن العلمية والأدبية، فقد ذاع صيت عدد غير قليل منهن في العصر العباسي في المشرق والعصر الأموي في إسبانيا”.

وقد نقل لوبون عن مؤرخي عبد الرحمن الثالث قولهم: “إن ذلك الزمن الذي كان فيه للعلم والأدب شأن عظيم ببلاد الأندلس كن محبات للدرس في خدورهن وكانت الكثيرات منهن يتميزون بدماثتهن ومعارفهن”.

ومن الكلمات الجميلة للمؤرخ المنصف لوبون قوله: “لم يقتصر فضل الإسلام على رفع شأن المرأة، بل نضيف إلى هذا أنه أول دين فعل ذلك، ويسهل إثبات هذا ببياننا أن جميع الأديان والأمم التي جاءت قبل العرب أساءت إلى المرأة.

ومما تقدم يثبت أن نقصان شأنهن حدث خلافًا للقرآن لا بسبب القرآن على كل حال، وهنا نستطيع أن نكرر أن الإسلام الذي رفع المرأة كثيرًا بعيد من خفضها، ولم نكن أول من دافع عن هذا الرأي فقد سبقنا إلى مثله ” كوسان دوبرسفال ” ثم مسيو بارتلمي سنت هيلر.

المرأة والربيع العربي

البيان: بعد هذه الرحلة الطويلة في بيان حقيقة موقف الإسلام من المرأة والرد على خصومه، كيف ترين مستقبل المرأة في ظل ثورات الربيع العربي؟

ساهمت المرأة العربية بدور كبير في هذه الثورات، سواء بالمشاركة المباشرة والنزول للميادين والشوارع، بل ووقوع شهيدات منهن، وكذلك شاركت بشكل غير مباشر من خلال تشجيع زوجها وأولادها وإخوانها على التصدي للطغاة والمفسدين الذين نهبوا البلاد وأذلوا العباد، ولهذا فإنها ستجني ثمار ذلك مستقبلاً بعد أن تنهض تلك الدول من الكبوات الطويلة التي عاشت فيها تحت حكم أنظمة فاسدة تحارب شرع الله وتعتقل الإسلاميين، وتستبيح دمائهم وأعراضهم وأموالهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيان 

 

 

 

 

 

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!