حوار مع د. عيسى علي العاكوب

حوار مع د عيسى علي العاكوب اللغة العربية حوار في الشؤون والشجون والتطلعات لا شك في أن اللغة العربية لها مكانة في نفوس أبنائها تلك اللغة التي اختـارها الله العـليم الخبير لتكون لغة آخر كتبه المنزلة إلى عباده لغة القرآن العظيم وكفاها ذلك شرفا وعزا ومكانة بين سائر اللغات وبرغم ذلك لا يخفى على أحد ما تتعرض..

حوار مع د. عيسى علي العاكوب

اللغة العربية : حوار في الشؤون والشجون والتطلّعاتsize=3>size=3>size=3>

 

      لا شك في أن اللغة العربية لها مكانة في نفوس أبنائها ، تلك اللغة التي اختـارها الله العـليم الخبير لتكون لغة آخر كتبه المنزلة إلى عباده ، لغة القرآن العظيم ، وكفاها ذلك شرفا وعزا ومكانة بين سائر اللغات ، وبرغم ذلك لا يخفى على أحد ما تتعرض له تلك اللغة – وللأسف – من أبنائها قبل أعدائها من تهميش وإقصاء وإبعاد ، مما يبعث على الخوف لدى المهتمين خاصة .

والأمل بعد الله عز وجل معقود على تلك المؤسسات والجامعات التي تهتم بهذه اللغة العظيمة ، وتسعى قدر المستطاع من أجل النهوض بها وتحبيب الآخرين إليها .

    ويسرنا في الشبكة الإسلامية أن يكون لنا هذا الحوار مع د. عيسى علي العاكوب، أستاذ البلاغة والنقد في قسم اللغة العربية ورئيس قسم اللغة العربية في جامعة قطر ، حول اللغة العربية :

        size=3>1- في بداية الحوار نستأذن الضيف الكريم في أن يعرف رواد الموقع بنفسه .size=3>   

       بدأت عملي التدريسي في الجامعة في قسم اللغة العربية وآدابـها في جامعة حلب السورية منذ عام 1982م ، وعملت بعد ذلك في جامعة الجبل الغربيّ في ليبيا وفي جامعة الإمارات العربية المتحدة، وأخيراً في قسم اللغة العربية من جامعة قطر . صدر لي عدد من المؤلّفـات منها : العاطفة والإبداع الشعريّ – دراسة في التراث النقديّ ، وتأثير الحِكم الفارسية في الأدب العربيّ ، والتفكير النقديّ عند العرب ، والمفصَّل في علوم البلاغة العربية ، وموسيقا الشعر العربيّ . كما صدر لي عدد من الكتب المترجمة عن الإنكـليزية والفارسية ، تدور حول محورين أساسييّن : النظرية النقدية الأدبية ، وآثار الشاعر الإسلاميّ الكبير المبدع بالفارسية مولانا جلال الدين الروميّ . ويتجـاوز مجموع ما ترجمته عن اللغتين العشرين كتاباً.

   size=3>2- هل لك أن تبين لنا بعض فضائل اللغة العربية ، وما تمتاز به على غيرها من اللغات ؟size=3>

اللغة العربية هي اللغة التي شرّفها المولى سبحانه بأن كانت لغة البيان الإلهيّ إلى الخلق جميعاً . ولديّ يقينٌ في أنها لغة فريدة لا تقف إلى جانبها لغة أخرى في طاقاتها البيانية وفي جمال جرس أحرفها وفي طرائقهـا في التعبير وفي ثراء معجمهـا اللغويّ ، وفيما هيّأ لها الله سبحـانه من أجناس المستخدمين والمعبِّرين الذين استخدموا العربية أداة للتعبير وهم يحملون في أدمغتهم خصـائص جنسيات ولغـات وطرائق تعبير ، لم تتوافر في ظني للغة أخرى من اللغـات . وربّما تنفرد العربية بين اللغات في أنّ جمهرة من استخدموها في التاريخ كانوا يحسّون بأنها روحهم وجنسهم وعبقريتُهم ودينهم . وفي مقدور المرء أن يدلّل في هذا الشأن بما قاله المبدع العربيّ المسلم الكبير المرحوم مصطفى صادق الرافعي الذي يقول :

” فالعربية قد وصلها القرآنُ بالعقل والشعور النفسيّ ، حتى صارت جنسية ، فلو جُنّ كلّ أهلها وسخوا بعقولهم على مازيّنت لهم أنفسهم من الإلحاد والسياسة كجنون بعض فتياننا .. لحفظها الشعورُ النفسيّ وحده، وهو مادّة العقل بل مادّةُ الحياة . وقد يكون العقلُ في يد صاحبه يضنّ به ويسخو ، ولكن ذلك النوع من الشعور في يد الله ، وهذا من تأويل قوله سبحانه : ( إنا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) ”

يدركها الحس الجماليّ   aestheticsize=3>       وتمتاز العربية زيادة على ما تقدّم بخصائص جمالية أستطيقية

الراقي الخبير ، وهي خصائص يسمّيها العلّامة غلام علي آزاد البلغرامي الهنديّ ( ت 1200 ه ) اللطافة ، وذلك حين يقول : ” فليُعلم أنّ لسان العرب كرامة ظهرت على لسان واضعه ، ولا يقدر أحد أن يضع لساناً آخر مثله ، فكيف الزائد عليه حسنا . نعم ، اللطافةُ التي منحها الله تعالى لسانَ العرب ليست في لسـان  الفُرس ولا في جميع ألسنة الهند ، بل في الألسنة الأخَرجميعـاً . والمخارج التي هي مختصّة بالعربية في غاية اللطـافة ، كالثـاء المثلثة والحاء المهملة والصاد المهملة والضاد المعجمة والطـاء المهملة والظاء المعجمة والعين المهملة ، بخلاف مخارج الألسنة الأخر كالباء الفارسية والزاي الفارسية والثاء الهندية والدال الهندية والراء الهندية والهاء المختفية من الهندية . فأرباب الأذواق السليمة الذين هم واقفون على الألسنة المختلفة ومجبولون على شيمة الإنصـاف ، يحكمون بأنّ المخارج المختصّة بالعرب ألطفُ وأشرفُ من المخـارج المختصّة بغيرهم ” . بل إنه في مستطـاع المتامّل أن يقول إنّ العربية هي لغة الدنيا والآخرة ولغة الشهادة والغيب ولغة الحسّ والعقل والقلب . وهي لغة الأدب والعلم والفلسفة والتصوّف والمنطق والرياضة .

       وهناك منقبة أخرى ربما لا يتذكرهـا كثيرون ، وهي أنّ اللغة العربية داخلـة في لحمة لغـات إسلامية يعزّ حصرها ، كالفارسية والتركية والأوردية والبشتوية والسندية والبنجابية .. ولغات إسلامية أخر كثيرة ، ومن هنـا فهي متفضّلة على كثير من لغـات البشر في إمدادهـا إياهـا بما تعبِّر به عن وجدانات البشر وعقولهم وإبداعهم .

      ولايجد المرء متّسعاً للقول إذا هو مضى يعدّد مناقب العربية ومزاياها ، ويكفيها نبلاً وسموّا أنّها حاملُ مراد خالق البشر إلى البشر ، ولغة سيّد الأولين والآخرين محمّد عليه الصلاة والسلام .

 3- ما سبب تهميش اللغة العربية وفي بعض البلاد العربية نفسها أحياناً ؟size=3>size=3>size=3>

لإهمال اللغة وتهميشها ، كما تقولون ، أسبابٌ كثيرة ، ربّما كان في طليعتها ضعف العـرب والحالـة الصعبة التي يعيشونها . ذلك أنّ قوّة العرب في الاختراع والإبداع والإنتاج العلميّ والفني والاقتصادي تجعلهم سادةً وقادةً وأسوةً حميدةً للآخرين . ولهذه القوة تأثير في أكثر من ناحية واحدة ؛ فمن ناحية من يخترع ويبدع وينتج في المجـال الرّوحي والمـادّي يستخدم لغته في أقصى طاقاتها وقدراتها ، ويوقظ كثيراً من مفرداتهـا النائمـة ويدخلها في الاستعمـال ، ويشتقّ ويركّب صيغـاً تعبيرية جديدة تكافئ المستنبطات الجديدة التي أبدعها ، وهذا كلّه يحيي اللغة وينشّطها ويقوّيها . ومن ناحية أخرى من ينتج ويعطي أسماءً للمنتجـات بلُغته هو، يجعل الآخرين يستخدمون لغته شاؤوا أم أبوا . ويُفهم من هذا أنّ الحركة والفعل والحياة هي المشكّلة لتيّار اللّغة ، وكلّما قويت هذه قوي تيّار اللغة .

       size=3>      ومن أسباب تهميش اللغة العربية أيضاً عدم توافر الاستعداد لدينا للتضحية والبذل والمعاناة ؛ فإنّ حالنا مع لغتنا ومع اللغات الوافدة إلينا ، نحن العـرب ، كحـال من يريد أن ينتقل من مكان إلى آخر ، وأمـامه للوصول إلى ذلك سبيلان ؛ إما قطع نهرٍ والوصول مباشرة إلى المقصد ، وإمّا سلوك طريق طويل فيه معاناة . فالوصولُ إلى المكان المـراد بقطع النهـر سباحةً يعرّض هذا الراحـل إلى مهالك ، في طليعتها الغرق والموت . وسلوك الطريق الطويل يوصل إلى الهدف ، لكنّ فيه مشقة . وقد ضربتُ هذا المثال لأوضح حالنا مع أسماء الأشيـاء التي تفد إلى ساحتنا كلّ يوم ، فنستخدمها من دون أيّ تفكير بخطرها على لغتنا وثقافتنا ومستقبل أجيالنا . إننا كمن يقطع النهر فيعرّض نفسه للغرق ، ولا يفكر بالطريق الآخر .

       ومن بواعث هذا التهميش كذلك فقدان إحساسنـا بذواتنـا وشخصيتنا وخصوصياتنا وما حبانا الله سبحانه من أدوات تعرّف وتواصل وإنتاج للمآثر . وماأجمل ما يقول شاعر الإسلام الكبير العلّامة محمد إقبال في هذا الشأن من أن قطرة الماء حين تحسّ بذاتها تتحوّل إلى درّة ، وحين لا تدرك ذاتها تبقى كسائر قطرات الماء لا كينونة خاصة لها . ولا أجد متسعاً للإفاضة في هذا الشأن .

 4- هل توجد مخاطر فعلا تواجه اللغة العربية ؟ وما هي ؟size=3>

 لا شك أنّ تهديدات كثيرة تواجه مسيرة اللغة العربية . وفي مستطاع المتأمّل أن يسمّي بعضاً منها في الموقف الذي نحن فيه . فمن هذه المخاطر والتهديدات هذا الفيض الهائل من أسماء المستنبطات الجديدة في الميادين المادّية والفكرية والروحية المختلفة . فإنّ إدخالها في الاستخدام هكذا من دون تحديد وضبط ومن دون إيجاد مقابلات عربية لها سيؤول إلى إساءة لنا أولاً ، ثم إلى إساءة للغتنا . ولسنا نحسب أمةً من الأمم التي تحترم نفسها تفتح الباب على مصراعيه هكذا ليستخدم المنتمون إليها المتحدّثون بلغتها الأمّ كلّ ماوفد إليهم من مفردات لغات الأمم الأخرى .

        ومن هذه المخاطر أيضاً عدم استخدام اللغة العربية لغةً للإنتاج المعـرفي والفكري والثقافيّ . والأمّة التي لا يستخدم المبدعون من أبنائهـا لغتَهم الأمّ في البحث العلميّ والإنتاج الفكـريّ والإبـداع الأدبي ترضى لنفسها أن تسير عمياء في مسيرة الحياة وركب التقدّم ، وتحرم أبناءها من إعمال عقولهم بلغتهم التي نشؤوا عليها وتفاهموا بها وارتضوهـا لغة لهم في هذه الحيـاة . وههنا خسران مبين للّغة نفسها ولأهلها ، والعكس بالعكس ؛ بمعنى أنّ استخدام العربية لغةً للبحث العلمـيّ النظـري والتجريبي يسمح بنماء عقول أبنائها أيضاً. اللغة هنا مجال للنماء العقليّ لدى الجماعة كلّها .

      وأبرز هذه المخاطر أن ينشأ الناشئةُ وفي وعيهم أنّ لغتهم غير جديرة بالاستخدام ، وأنّ غيرها أجدر بذلك منها . وهذا غير صحيح البتّة من ناحيـة ، ويترك تأثيـراً كبيـراً يسيء إلى اللغة وإلى المتحدّثين بها .

 5- ماهي مظاهر الضعف التي أصابت اللغة العربية في نظرك ؟size=3>size=3>size=3>

هناك مظاهر ضعف تعاني منها العربية . وأسمّيها مظاهر ضعف مجاراة لصيغة سؤالكم ، والحقيقـة أنّها محدودة ولكنّها قابلة لأن تتضاعف وتكبر . ولا ترجع هذه المظـاهر إلى اللغـة نفسها ، بل إلى مستخدميها .

وأبرزها فيما نرى إبعادُ هذه اللغـة عن الاستخدام في ميادين الحيـاة العمليـة الحديثـة في الإدارات والمؤسسات ومراكز البحث العلمي . ومثل هذا الإبعاد أنتج ويظلّ ينتج قصـوراً في العربيـة عن أن تكون لغة الحياة . وهذا الذي أشير إليه متفاوت من بلد عربي إلى آخر . والمضيّ فيه سيظلّ يسيء إلى العربية ، ويظهرها في مظهر العاجز عن مواكبة مسيرة الحياة . وفي مقدور المرء أن يقول مطمئناً إنّ ما يبدو ضعفاً في العربيـة ليس هو على الحقيقـة ضعفـاً فيها ، بل هو ضعفٌ في أهلها، ونقص في إحساسهم بالمسؤولية إزاءها ، وعدمُ استعداد لديهم للتفوّق فيها وتقديمها التقديم الجميل . إنّ الارتقـاء بالعربية يستلزم إيماناً بضرورة زجّها في الحياة الحديثة وعدم السمـاح بأن تحلّ لغـة أخرى محلّهـا بدعوى عدم قدرتها على مواكبة سير الحيـاة الجديدة . وينبغي أن يوضع في الحسبـان أنّ مسألة جعل العربية الفصحى لغةً للحياة الحديثة بكلّ مجاريها وتيّارتها ونواحيها مسألةٌ مصيرية يتوقف عليها إبراز الطاقات الروحية والعقلية والوجدانية لأبنـاء الأمة ، وصعود الأمة إلى مسرح الحياة لتؤدّي دورهـا الخاصّ بها بدلاً من أن تكون من النظّارة على مسرح الحياة ليس غير .

 6-كل أمة تهتم بلغتها باعتبارها الوعاء لثقافتها وقيمها ، فهل ترى جهود الاهتمام باللغة العربية كافية ؟size=3>size=3>size=3>

تُبذل بعضُ الجهود هنا وهناك للحفاظ على العربية والارتقاء بها وحمايتها ، ولكنّها على العموم قاصرة عن أداء المهمّة المنشودة . فما نتحدّث عنه من حقوق للعربية على أهلها كبير وضخم ، والحديث عنه يستلزم تفصيلاً لا نحسب أنّ المقام الذي نحن فيه يأذن بمثله . لكنه يمكن القول على سبيل الإجمال: إنّ هناك مهمّات في هذا المجال ينبغي أن تؤدّى على مستويات قطرية وقومية ، وفي اتجاهـات مختلفة . وربما يجد المرء في نفسه ميلاً إلى القول إنّ إصلاح حال العربية ينبغي أن يتقدّم خطة إصلاح شاملة تتناول الواقع العربي في مجالاته المختلفة ، ذلك أنّ أحوال العرب الأخرى ليست على ما يرام لكنّ أهمّ ما ينصر جيش العربيّة هو إعمالها في ميادين الحياة ، ودفع الناس إلى التعبير بها بكلّ ما يستطاع من وسائل .

 7- كيف تقييمك لمستوى اللغة العربية لدى طلاب الجامعات ؟size=3>size=3>size=3>

حين نتحدث عن اللغـة العربيـة لدى طلبة الجامعـات العربيـة نتحدّث عن جامعات مختلفة ، وعن تخصّصات مختلفة. لكن يبدو أن المقصود من السؤال طلبة أقسام اللغة العربية في الجامعات العربية . وههنا يستطيع المتأمّل القول: إنّ هناك تراجعاً ملحوظاً في مستوى استيعاب الدارسين لما يُنشد توصيله ليكون أساساً لارتقاء تعليميّ وثقافيّ . وربمـا يمكن تحديد بعض الأسبـاب لهذا التراجع الملاحظ ، ولعلّ في طليعة ذلك ضعف العنصر الأساسيّ للتفوق في اللغـة وهي ” الرواية ” . أي استظهار كلام العـرب الراقي الصافي من أمثلة بيانهم الرّائع . إذ يستلزم التعلّمُ الممتاز للغة ، أية لغة ، التزوّد بقدر كافٍ من أمثلة المستوى الرّفيع من إبداع هذه اللغة وإنتاجهـا . يحتاج من يتعلّمون النحو والصـرف والبلاغة والأدب إلى اختزان قدر كاف من نثر اللغة وشعرها وقصصها وأمثالها المصوغة ببيان عالٍ وأساليب رفيعـة قبل أن يؤخذوا بتعلّم هذه العلوم . لابدّ أولاً من امتلاك اللغـة وهي تتنفّس وتتحرّك وتضطرب وتُنتج للحديث بعد ذلك عن نحوها وصرفها وبلاغتها . ثم إنّ طلبة أقسام اللغة العربية هم نتاج حواضن تعليمية ابتدائية وإعدادية وثانوية منهكة مهشمة محطمة . وهم يأتون إلى الجامعة حاملين معهم عاهات العهود الأولى التي يعزّ البرء منها .

 8- يوجد اهتمام باللهجات العامية في بعض البلاد العربية ، وهي لهجات كثيرة ومتباينة أحيانا في بعض مفرداتها ، فهل لذلك تأثير على اللغة العربية ؟size=3>size=3>size=3>

اللهجاتُ العربية قديمة كما هو معروف ، وقد كان من خير القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف أنهما أسهما إسهاماً كبيراً في توحيد لغة العرب . ولاتزال هذه اللهجـات عاملـةً في البيئات العربية جميعاً . وحين يُتحدّث عن تأثير الاهتمام باللهجات في اللغـة العربيـة الفصحى المبسّطة يُشار غالباً إلى بلدان الخليج العربيّ . وفي مقدور المرء أن يقول:إن الاهتمام باللهجات في بلدان الخليج خاصّة يؤول في النهاية إلى خدمة العربية في مستوياتها الفصيحة . فهذه اللهجات التي تُحيا من خلال تشجيع الإبداع بها تعتمد على رصيد رائع من اللغة الفصحى ، وإحياءُ الإبداع بها يخدم الفصحى ، درى من يفعلون ذلك أم لم يدروا . وقد يبدو هذا الاستنتاج غريباً ، لكنه صحيح بنسبة عالية فيما نحسب . فإنّ إحياء اللهجات بالإبداع بها شعراً خاصّةً ينعش معجماً لغوياً عربيّاً فصيحاً نائمـاً ربمـا كان فاعلاً قبل مئات السنين . وحكمي هنا ينصرف إلى لهجات البوادي في جزيرة العرب خاصة ، ولا يشمل الأقاليم الأخر . أقول هذا وأنا أميل إلى أن تكون مظاهر الاعتناء هذه موجّهة إلى عربّيـة فصيحـة مبسّطـة ، تتجنّب التقعّر والحوشيـة والإغماض .

 9- ماهي أهم وسائل الرقي باللغة العربية من أجل مواكبة التطور العلمي والحضاري ؟size=3>size=3>size=3>

في الإجابـة عن هذا السؤال يمكن القول بقدر من الجرأة: إنّ العربيـة راقيـة جدّاً من حيث طاقاتهـا التعبيرية الكامنة وامتلاكها تاريخاً حضاريّاً سمح لها أن تكون لغة الدين والثقافة والحضـارة والإبـداع الأدبي والعلميّ. ولاتزال العربية تمتلك قدرات هائلة على الانطلاق والتقدّم واستيعاب المنجز الفكـري البشري بكلّ تجلياته . لكنّ استثمار كنوزها والانتقال بطاقاتها من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل رهنٌ بإيمان أهلها بضرورة استخدامها لغةً للتعليم في مراحله المختلفة ، ولغةً للبحث العلمي المتقدّم ، ولغةً للإنتاج المادّي ، ولغةً للشارع والجامع ، ولكلّ مجال من مجالات الحياة . لابدّ من إقحام العربية في تيّار الحياة الحديثة المتدفّق باستخدام مفرداتها أسماءً للمستنبطات الحديثة ، وما يعزّ العثور على مقابل عربيّ له يُنحت له مقابل عربيّ ، وليس ذلك بمستحيل حين يتوافر الإيمان والإرادة والعمل . لا بدّ من إلزام وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة باستخدام عربية مبسّطـة تجعل الناس أكثر ألفةً للكـلام العربيّ المتسم بقدر معقول من الفصاحة . إنّ إيمان الرّجال بالقضايا هو الصـانع لمجرى التـاريخ ، والواقعُ في كثير من الأحيان هو عراك إرادات ومقاصد ، ومعظم الإنجازات العظيمة في الحياة كانت فِكَراً في عقول أشخاص حوّلها أولو العزم إلى حياة وواقع وإنجاز . ويمكن أن يقال في هذا المجال الشيء الكثير ، لكنّ المهمّ جدّاً في هذا الشأن هو أن يكون لدى من يتصدّون لمهمّة إنهاض الأمّة الإيمانُ بجدوى خدمة هذه اللغة الشريفة ، وعزيمة الرّجال الميامين الذين يرون الحيـاة كفاحـاً شديداً وضرباً سديداً ، كما يقول شاعر الإسلام العظيم محمد إقبال.

 10- هل ترغب في إضافة شيء آخر يتعلق بهذا الحوار ؟size=3>

اسمحوا لي في ختام هذا الحوار بأن أتقدّم إلى القسم الإعلاميّ في الشبـكة الإسلاميـة بوافر الشكر وجزيل الامتنان ، إذ فتح لي هذه النافذة المباركة التي أطلّ منها على جمهورنا العربيّ والمسلم سائلاً المولى العزيز أن يبارك أيّ سعى يقوم به من شغل أذهانَهم أمرُ الأمة ونهوضُها من وهدتها . كما أرجو أن تسمحوا لي في الختام بأن أهمس في آذان أصحاب الضمائر الحية من أبناء الأمة حكّاماً ومحكومين بهذه الكلمات :

       تذكّروا ، أحبّائـي ، أننا جميعاً سنقف أمام الملك الديـّان وسنحاسب على كلّ صغيرة وكبيرة ، فماذا سنقول إخوتي عندما يقال لنا: إنّكم أهملتم لغة القرآن الكريم ولغة النبيّ العظيم ، هل يتحمّل أحدٌ منا موقفاً يُسأل فيه هذا السؤال : أكانت عربيةُ محمد عليه الصـلاة والسـلام غيرَ جديرة بالاستخدام وغير مؤهلة للاحترام حتّى عزفتم عنها وآثرتم غيرها عليها ؟

     وأقول لأحبّائي من الأكاديميين والمشتغلين بالبحث العلميّ : كيف انطلى عليكم وصدّقتم أنّ العربية لا تصلح لأن يعلَّم بها في الجامعات ومراكز البحث ، ولا تصلح لأن تُكتب بها البحوث العلمية ؟ لا أريد منكم الإجابة ، بل أريد أن يقف كلّ منكم أمام نفسه ويسألها هذا السؤال ممتلكاً شجاعة تقليب الأمر على أوجهه المختلفة ، لكي يصل إلى الإجابة الصحيحة . أذكّركم أيّها الأعزّاء أنّ عشرات الآلاف منكم خرّيجون لجامعات غربية وشرقية مرموقة تستخدم لغاتها القومية . وقد حملتم خبرتكم ولغاتكم الأجنبية ومضت عليكم عقود وأنتم تحاضرون بلغات القوم المتقدّميـن وتكتبـون بحوثكم العلميـة بها ، ويبقى التساؤل هو هو : برغم هذا كلّه لم تحدث النهضة العلمية المنشودة في جامعاتنا العربية ، ويعلم الكثير منا أننا في المجـال الذي نتحدّث عنه ننتقل من سيّئ إلى أسـوأ . لا أشك معكم أن لذلك أسباباً كثيرة ، ولكن أليس إهمال اللغة الأمّ لمتعلّيمنا وعدم التعليم بها جزءاً أساسيّاً من المشكلة . والكلام يطول ، ولابدّ من نهاية . اللهمّ هل بلغت ؟ – اللهمّ فاشهد !

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!