حوار هادئ

حوار هادئ لقي رجل اسمه عبد الله رجلا آخر اسمه عبد النبي فأنكر عبد الله هذا الاسم وقال في نفسه كيف يتعبد أحد لغير الله تعالى ثم خاطب عبد النبي قائلا له هل أنت تعبد غير الله فقال عبد النبي لا لا أعبد غير الله وإنما أنا مسلم وأعبد الله وحده فقال عبد الله إذا ما هذا الاسم الذي يشبه أسماء النصارى في تسميهم بعبد..

حوار هادئ

لقي رجل اسمه عبد الله رجلاً آخر اسمه عبد النبي، فأنكر عبد الله هذا الاسم وقال في نفسه: كيف يتعبد أحد لغير الله تعالى، ثم خاطب عبد النبي قائلاً له: هل أنت تعبد غير الله؟ فقال عبد النبي: لا، لا أعبد غير الله، وإنما أنا مسلم وأعبد الله وحده.

فقال عبد الله : إذًا ما هذا الاسم الذي يشبه أسماء النصارى في تسميهم بعبد المسيح؟ ولا غرابة فإن النصاى يعبدون عيسى عليه السلام، والذي يسمع اسمك يتبادر إلى ذهنه أنك تعبد النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا هو معتقد المسلم في نبيه، وإنما يجب عليه أن يعتقد أنه عبد الله ورسوله.

فقال عبد النبي : ولكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم خير البشر وسيد المرسلين، ونحن نتسمى بهذا الاسم تبركًا وتقربًا إلى الله تعالى بجاه نبيه صلى الله عليه وسلم ومكانته عنده، فنطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة لمكانته عند ربه سبحانه وتعالى، ولا تستغرب فإن أخي اسمه: عبد الحسين وقبله أبي اسمه: عبد الرسول، والتسمي بهذه الأسماء قديم ومنتشر بين الناس، وقد وجدنا آباءنا على هذا فلا تشدد في المسألة؛ فإن الأمر سهل والدين يسر.

فقال عبد الله : وهذا منكر آخر أعظم من المنكر الأول، وهو أن تطلب من غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله سواء كان هذا المسؤول هو النبي صلى الله عليه وسلم أو من هو دونه من الصالحين مثل الحسين رضي الله عنه، أو غيره، وهو منافٍ للتوحيد ولمعنى لا إله إلا الله.

وسوف أعرض عليك بعض الأسئلة ليتبين لك عظم الأمر وتبعات التسمي بهذا الاسم وأمثاله وهذا المعتقد، وليس لي هدف ولا مقصد إلا الحق واتباعه، وبيان الباطل واجتنابه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولكن أذكرك بقول الله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)[النور:51]، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)[النساء:59].

عبد الله : أنت قلت في بداية الحديث إنك توحد الله وتشهد أن لا إله إلا الله، فهل من الممكن أن تبين لي معناها؟

عبد النبي : التوحيد هو أن تعلم وتؤمن أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض وأنه المحيي المميت المتصرف بالكون الرازق…إلخ.

عبد الله : لو كان هذا هو تعريف التوحيد لكان فرعون وقومه وأبو جهل وغيرهم موحدين؛ لأنه ليس هناك أحد ينكر هذه الأمور التي ذكرتها، ففرعون الذي ادعى الربوبية كان يعترف ويؤمن في قرارة نفسه أن الله موجود وهو المتصرف بالكون، والدليل على هذا قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً)[النمل:14] وظهر هذا الاعتراف جليًا حين أدركه الغرق.

ولكن التوحيد هو: إفراد الله بالعبادة، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والإله في (لا إله إلا الله) بمعنى: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له.

عبد الله : وهل تعلم لماذا أرسلت الرسل في الأرض، وأولهم نوح عليه السلام؟

عبد النبي : لكي يدعو المشركين إلى عبادة الله وحده وترك كل شريك له سبحانه.

عبد الله : وما هو سبب شرك قوم نوح؟

عبد النبي : لا أعرف!

عبد الله : أرسل الله نوحًا عليه السلام إلى قومه لما غلوا في الصالحين ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر.

عبد النبي : أتعني أن ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا هي أسماء رجال صالحين وليست أسماء لجبابرة كافرين؟

عبد الله : نعم هذه الأسماء للآلهة التي كان يعبدها قوم نوح وتبعهم العرب، التي ذكرها الله في القرآن في سورة نوح، كانت أسماء رجال صالحين وإليك الدليل مما رواه البخاري عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال بعد أن ذكر هذه الأسماء: “أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومه أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم؛ ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عُبدت”.

عبد النبي : هذا كلام عجيب!

عبد الله : ألا أدلك على ما هو أعجب منه؟ أن تعلم أن خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم قد أرسله الله تعالى إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون، ويذكرون الله كثيرًا، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله؛ يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله، ونريد شفاعتهم عنده، مثل الملائكة، وعيسى، ومريم، وأناس غيرهم من الصالحين؛ فبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السلام، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء لغير الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأن لا يرزق إلا هو، وأن جميع السماوات السبع ومن فيهنَّ والأرضين السبع ومن فيهنَّ كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره، بل حتى الآلهة التي كانوا يعبدونها يعترفون أنها تحت ملكه وتصرفه.

عبد النبي : هذا كلام خطير فهل من دليل عليه؟

عبد الله : هناك أدلة كثيرة منها قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)[يونس:31]. وقوله تعالى: (قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ)[المؤمنون:84-89].

وكان المشركون يلبون في الحج بقولهم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك).

فاعتراف مشركي قريش بأن الله هو المتصرف بالكون أو ما يسمى توحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وإن قصدهم الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم، فيجب صرف الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستعانة كلها لله، وجميع أنواع العبادة كلها لله.

عبد النبي : إذا لم يكن التوحيد الذي دعت إليه الرسل هو الإقرار بأن الله موجود وهو المتصرف بالكون كما تزعم إذًا فما هو؟

عبد الله : التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون هو: إفراد الله تعالى بالعبادة – كما سبق – فلا يصرف شيء من أنواع العبادة لغيره كالدعاء والنذر والذبح والاستغاثة والاستعانة.. إلخ. وهذا التوحيد هو معنى قولك: لا إله إلا الله؛ فإن الإله عند مشركي قريش هو الذي يقصد لهذه الأمور السابقة الذكر، سواء كان ملَكًا أو نبيًا أو وليًا أو شجرة، أو قبرًا أو جنيًا، لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك، وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ “السيد” فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي: “لا إله إلا الله” والمراد معناه لا التلفظ بها فقط.

عبد النبي : كأنك تريد أن تقول إن مشركي قريش كانوا أعلم بمعنى لا إله إلا الله من كثير من المسلمين في هذا الزمان؟

عبد الله : وهذا هو الحاصل والواقع – وللأسف الشديد – فإن الكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلق، والكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه، فإنه لما قال لهم: قولوا لا إله إلا الله؛ قالوا: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)[ص:5]. مع إيمانهم بأن الله هو المتصرف بالكون.

فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب بشيء من المعنى، والحاذق منهم يظن أن معناه لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رجل جُهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله.

————————–

المصدر: كتاب(حوار هادئ/علي الفهد).

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!