‘);
}

حجة الوداع

الحجّ ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة، وقد جاء الأمر به في قول الله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)،[١] وجاء عند أهل العلم أنّ هذا الأمر الإلهي نزل عام الوفود في أواخر سنة تسع من الهجرة، وبالطبع لم يؤخّر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الحج بعد أن فُرض، بل بادر إلى الامتثال والاستعداد لأداء مناسك الحجّ في العام الذي تلا نزول الآية، وذهب أهل العلم أنّ قول الله تعالى: (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ)،[٢] نزلت بالحديبية عام ست من الهجرة، والأمر فيه بإتمام المناسك لمن شرع بها، ولا تحمل أمراً ابتداءً حتى نزل قوله سبحانه: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)،[١]، وقد كان الحبيب -صلّى الله عليه وسلّم- قد بلّغ الرسالة وأدّى ما عليه من أمانة، فمكّة التي كانت مصدر عداءٍ لرسالة الإسلام قد فتحت، ودخل أهلها في دين الله أفواجاً، وأحكام التّشريع قد بانت وظهرتْ للإمة، والمجتمع الإسلامي قد توثّقت فيه أسس الإسلام وقيمه تحت شعار وحدانية الله تعالى، وكأنّ النبي -صلّى الله عليه وسلم- قد أحسّ أنّ مقامه في الدنيا قد أوشك على نهايته؛ فأخبر معاذاً وقد أرسله لليمن بقوله: (يا معاذُ إنَّك عسى ألَّا تَلقاني بعدَ عامي هذا لعلَّك أنْ تمُرَّ بمسجدي وقبري).[٣][٤]

وبالفعل فقد أعلن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن نيّته بأداء فريضة الحجّ، وكان هذا الإعلان سببٌ في قدوم خلقٍ كثيرٍ من المسلمين الذين توافدوا على المدينة المنورة بُغية مرافقة النبيّ -عليه السلام- في أداء هذه الشعيرة المفروضة، ولم يحجّ النبي غير حجته التي عُرفت بحجة الوداع، وحجّة البلاغ، وحجة الإسلام؛ ذلك أنّه -صلّى الله عليه وسلم- ودّع فيها الناس، ولم يحجّ بعدها، وهي أيضاً حجة البلاغ؛ فقد بلّغ فيها الناس شرع الله وأسس هذا الدين القويم كما حمّلهم أمانة التبليغ، وفي هذه الحجّة نزل على النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)،[٥][٤] وقد ظنّ بعض الناس أنّ -النبي صلّى الله عليه وسلّم- حجّ أكثر من مرّةٍ بسبب تعدّد تسميات هذه الحجة، لكنّ المقطوع به أنّها حجّةٌ واحدةٌ بأسماءٍ متعدّدةٍ.[٦]

وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- قد خطب النّاس في حجّة الوداع، عُرفت فيما بعد بخطبة الوداع، فما هي خطبة الوداع، وهل كانت خطبةً واحدةً أم تعدّدت أوقاتها وأماكنها؟ وما الأمور التي أتى عليها النبي الكريم فيها، وما المبادئ والأسس الشرعية التي تناولها؟