‘);
}
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونحمد الله أن زيّننا بأحسن الأخلاق، فجعل أمة الإسلام هي خير أمة أُخرجت للناس، ونهانا عن سيّئات الأخلاق، ونشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
الوصية بتقوى الله تعالى
أوصيكم إخواني بتقوى الله العظيم الكبير المتكبر -سبحانه وتعالى- ولزوم طاعته، وأحذّركم من مخالفة أمره ونهيه، ومنازعته في صفاته التي لا تليق إلا به، واتّعظوا من قوله -عز وجل-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).[١]
الخطبة الأولى
أيها الإخوة الأحبة، ونحن نتفيّأ ظلال شهر رمضان الكريم، شهر تهذيب النفس، وتعريفها بقدرها الحقيقي، نتناول اليوم خُلُقَيْن مذمومين لنحذر من الاقتراب منهما؛ لما فيهما من المقت عند الله -سبحانه وتعالى-؛ ألا وهما الكبر والغرور، وهما خلقان متداخلان، وسنتعرّف -بعون الله تعالى- على أسبابهما، وآثارهما على المتصف بهما وعلى محيطه، وطرق العلاج منهما.
‘);
}
ونبدأ بالتحذير من شرهما، كيف لا والحِرمان يحصل على من اتصف بهما ولو بوزن ذرة، مصداقاً لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ).[٢]
وكيف لنا أيها المؤمنون أن نتجرأ على الاقتراب من الكبر والرب الجليل -سبحانه وتعالى- يقول فيما يرويه عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي: (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ)،[٣] فمن يقف أمام هذا الوعيد؟!
ولقد ذم الله -عز وجل- المتكبرين في كثير من المواضع في القرآن الكريم، وبيّن أنّ عاقبتهم وخيمة، ومن ذلك قوله -سبحانه وتعالى- عن أول معصية عُصي بها الله -تعالى- وكان مرتكبها إبليس -لعنه الله-: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).[٤]
ومن ذلك ما وصف به نوح -عليه السلام- قومه الفجّار الذين ناصبوا الحق العداء ألف سنة إلا خمسين عاماً، فقال الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا).[٥]
أيها الإخوة الأفاضل، اعلموا أنّ أسباب الكبر والغرور ترجع إلى ثلاثة أسباب وبواعث، وهي إجمالاً:[٦]
- سبب في ذات المتكبر
وهو إعجابه بنفسه، وهذا يورث التكبر في الأعمال والأقوال والأحوال.
- سبب في المتكبر عليه
وهو الحقد والحسد، فمن يحقد على إنسان لأي سبب لن تطاوعه نفسه أن يتواضع له وإن كان أفضل منه ويستحق ذلك، فيحمله الحقد على نقيض ذلك وهو التكبر عليه، والحسد سبب للبغض، وسيؤدي لا محالة للتكبر.
- سبب من أجل الآخرين
وهو الرياء، كأن يناقش من هو أعلم منه فلا يتنازل عن رأيه حتى يظُن الناس أنه أعلم، فيقع في أخلاق المتكبرين من خلال تلك التصرفات.
إخواني في الله، إنّ آثار الكبر وأضراره على المتكبر وعلى من حوله كثيرة، ومنها:[٦]
- الحرمان من الاعتبار، ولذلك ستكون عاقبته الخسران المبين، لأنه سيبقى مقيما على عيوبه وأخطائه طول حياته.
- القلق والاضطراب النفسي، وذلك لأن المتكبر يحب الترفع والتعالي على الناس، ويحب أن يحني الناس رؤوسهم له، ولكن أعزة الناس وكرامهم يأبون ذلك، فيصاب بخيبة أمل، أضف إلى ذلك أن اشتغال المتكبر بنفسه يجعله في إعراض تام عن معرفة الله وذكره، فتكون عاقبة فعله القلق والاضطراب النفسي.
- الحرمان من الجنة واستحقاق العذاب في النار.
- الشعور بالعزلة؛ ذلك أن القلوب جُبلت على حبّ من ألان لها الجانب، وخفض لها الجناح.
- تفشّي هذا الخلاف بين الناس قد يجعل المجتمع غير قابل للتصليح، ولن يجدي فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مصداقاً لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول في جزء منه: (بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِّ).[٧]
أيها الإخوة المؤمنون، أما الطرق التي تساعد في العلاج من هذه الصفة الذميمة، فتكون بِـ:[٦]
- تذكير النفس بالعواقب والآثار المترتبة على التكبر، دنيوية أو أخروية، فلعل هذا التذكير يحرك النفس من داخلها، ويحملها على أن تتوب.
- “عيادة المرضى، ومشاهدة المحتضرين وأهل البلاء وتشييع الجنائز، وزيارة القبور”.
- ترك صحبة المتكبرين، والتحول إلى المتواضعين المخبتين، فالصاحب ساحب.
- “مجالسة ضعاف الناس وفقرائهم، وذوي العاهات منهم، ومؤاكلتهم ومشاربتهم”، لأن هذا -إخوتي في الله- من شأنه أن يهذّب النفس.
- “التفكّر في النفس، وفي الكون، وفي النعم التي تحيط بنا، فمن مصدر ذلك كله؟ ومن ممسكه؟ وبأي شيء استحقه العباد؟ وكيف تكون حاله لو سلبت منه نعمة واحدة فضلا عن باقي النعم”؟
- “النظر في سير وأخبار المتكبرين، كيف كانوا؟ وإلى أي شيء صاروا؟ من إبليس، إلى فرعون، إلى هامان، إلى قارون، إلى أبي جهل، إلى سائر الطغاة والجبارين والمجرمين في كل العصور والبيئات، فإن ذلك مما يخوف النفس ويحملها على التوبة، خشية أن تصير إلى نفس المصير”.
- “مداومة حضور مجالس العلم التي لا تزال بالقلوب حتى ترقّ وتلين وتعود إليها الحياة من جديد”.
- “حمل النفس على ممارسة بعض الأعمال التي يتأفّف منها كثير من الناس ممارسة ذاتية ما دامت مشروعة، كأن يقوم الواحد منّا بشراء طعامه وشرابه وسائر ما يلزمه بنفسه، ويحرص على حمله والمشي به بين الناس، فإن هذا يساعد كثيرا في تهذيب النفس وتأديبها”.
- التذكير دوماً بمعايير التفاضل والتقدّم في الإسلام؛ ألا وهي التقوى.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، وادعوه وأنتم موقنون يُجِبْكم، واسألوه يُعْطِكُم، والحمد لله ربّ العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيراً، الحمد لله بكرة وأصيلاً، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، أيها الأحبة الكرام، إن التكبر والغرور من الصفات التي تُبغض صاحبها عند الله -سبحانه وتعالى- وعند خلقه.
وإن التكبر دليل على ضعف النفس وهشاشتها وصِغَرها، فكبار النفوس كانوا أول المتواضعين، ولنا في أنبياء الله -عليهم الصلاة والسلام- أسوة حسنة، وانظروا إن شئتم سيرة نبيّكم خير الخلق كيف كان أشد الناس تواضعاً.
ولكن التكبر مشكلة واقعية، على المسلم أن يجنّب نفسه إياها، ولِيفعل ذلك عليه أن يراقب نفسه، ويُدرك أسباب التكبر للابتعاد عنها، ويتعرف على آثارها على نفسه والمجتمع ليزيد نفسه منها نفرة، ويبحث في طرق علاجها لتكون له حصناً، ولقد قدمنا شيئا من ذلك في خطبتنا، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعنا بما سمعنا.
الدعاء
- اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
- اللهم صل وسلم على سيدنا محمد.
- اللهم حسّن أخلاقنا، وطهّر قلوبنا، وزكّ نفوسنا.
- اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.
- وصل يا رب وسلم على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
المراجع
- ↑سورة البقرة، آية:281
- ↑رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:91، صحيح.
- ↑رواه ابن حبان، في المستدرك، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:5671، صحيح.
- ↑سورة البقرة، آية:34
- ↑سورة نوح، آية:7
- ^أبتمجموعة من الباحثين (1433)، موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 478-482، جزء 2. بتصرّف.
- ↑رواه ابن حبان، في المستدرك، عن أبو ثعلبة، الصفحة أو الرقم:385، صحيح.