‘);
}

عبد الرحمن بن عوف

هو عبد الرحمن بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة الزهريّ القرشيّ، ويكنى بأبي محمد، وقد كان من أوائل الناس إسلاماً، فهو من أول ثمانية سبقوا للإسلام، وقد أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو من العشرة المُبشرين بالجنة، وقد هاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة المنورة، وآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع رضي الله عنهما، وعمل في التجارة حتى أصبح من أثرى أهل المدينة، وكان رجلاً كريماً كثير الإنفاق في سبيل الله، حيث تصدق في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنصف ماله، وتصدق بأربعين ألف دينار، وتصدق مرة أخرى بأربعين ألف، وتصدق بخمسمئة راحلة، وخمسمئة فرس في سبيل الله، وكان لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه منزلة عظيمة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روي أنه تقاول مع خالد بن الوليد رضي الله عنهم في أحد الأيام، فأغلظ له خالدٌ بالقول فلما بلغ الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيدِه لو أن أحدَكم أنفق مثلَ أحدٍ ذهباً، ما أدرك مدَّ أحدِهم، ولا نصيفَه).[١][٢]

خوف عبد الرحمن بن عوف من الله

ضرب عبد الرحمن بن عوف أروع الأمثلة في الخوف من الله تعالى، ومحاسبة النفس، فقد كان كثير التذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته، وكان يتفقد أحوال آل بيت رسول الله، ويقضي حوائجهم، ويسعى في أمورهم، وفي أحد الأيام أرسل إلى أم المؤمنين عائشة مالاً كثيراً، فقالت: (سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة)، وروت أنّها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنَّ أمْرَكُنَّ مِمّا يُهِمُّنِي بعدِي، ولنْ يَصبِرَ عليْكُنَّ بعدِي إلَّا الصَّابِرُونَ)،[٣] ومما يدل على خوفه من الله تعالى زهده بمنصب الخلافة بعد أن اختاره عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليكون من ضمن الستة المرشحين للخلافة من بعده، بالإضافة إلى كثرة بكائه عندما كان يتذكر حال رسول الله والمهاجرين، فقد روي أن الصحابة -رضي الله عنهم- اجتمعوا عند عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- في أحد الأيام على طعام له، فلما وضع الطعام بكى، فسألوه: ما يبكيك يا أبا محمد، فقال: (لقد مات رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وما شَبِع هو وأهلُ بيتِه من خبز الشَّعير)، وفي آخر أيامه أوصى بألف فرس لجيوش الإسلام، واعتق الكثير من مماليكه، وأوصى بالكثير من المال لأهل بدر، وقبل وفاته بأيام روي أنه كان يبكي ويقول: (استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فلم يُوجد له ما يُكفن فيه إلا بردة إذا غطت رأسه بدت رجلاه، واستشهد حمزة وهو خير مني فلم يُوجد له ما يكفن به إلا بردة، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بُسط، وأُعطينا منها ما أُعطينا، وإني لأخشى أن تكون قد عجلت لنا حسناتنا).[٤]