الدوحة- في الذكرى الـ57 لوفاته، تناولت صحف تركية عدة أبياتا من شعر الأديب التركي والناشط السياسي ناظم حكمت الذي وافته المنية يوم 3 حزيران (يونيو) 1963 في موسكو التي دفن فيها بعيدا عن بلده الذي نُفي منه.
ورغم تنوع أشكاله الشعرية التقليدية والحديثة، اشتهر حكمت بعنايته بالشعر الحر القريب من العامية، وتميز شعره بالبساطة والوضوح والمباشرة، وبسبب تنقلاته وصداقاته العديدة مع أدباء أتراك وروس وعرب وأوروبيين، فقد تغذت كلماته على خلفيات ثقافية متنوعة تأثر بها، مما أهله ليكون شاعرا تركيا ذا شهرة عالمية.
وكان حكمت مؤيدا لحركة مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك في بدايتها، لكنه عارض النظام السياسي الذي بُني بعد ذلك، وقضى أعواما في السجن والمنفى، وإذ منعت أشعاره في بلده الأم، فقد كتب العديد من قصائده بأسماء مستعارة.
واستعرضت صحيفة هابر ترك التركية لمحات من حياته، وقالت إن حكمت ولد في سلانيك (الواقعة شرق اليونان حاليا) يوم 15 كانون الثاني (يناير) 1902، وأمضى حياته في السجون والمنافي، وتوفي في منفاه الأخير بموسكو عن عمر يناهز 61 عاما يوم 3 حزيران (يونيو) 1963.
جده هو نظيم باشا المولوي الذي كان صديقا مقربا من السياسي العثماني المعروف مدحت باشا، ووالده حكمت بك خريج ثانوية غلطة سراي وعضو ديوان القلم الأجنبي وضابط في الخارجية العثمانية، والدته جليلة هانم ابنة المعلم أنور باشا.
وبدأ في كتابة الشعر متأثرا بجده ناظم باشا، وقد دخل المدرسة البحرية في جزيرة هيبلي ادا العام 1917 وتخرج منها العام 1919، ثم عين ضابطا بحريا على سفينة الحميدية، وفي العام نفسه أصيب بالتهاب رئوي فاضطر لترك الجيش العام 1920.
في هذه الأثناء، أصبح اسمه معروفا بين الشعراء الشباب، وأُعجب به يحيى كمال بياتلي المعلم في المدرسة البحرية، وفي العام 1920 فاز بالمركز الأول في المسابقة التي نظمتها جريدة “علمدار”، مما زاد من صيته بين الشعراء.
كتب قصائد تحث على المقاومة خلال الأيام التي احتلت فيها إسطنبول، وانتقل هو وصديقه فالا نور الدين إلى أنقرة العام 1921، وكتبا قصيدة دعت شباب إسطنبول إلى النضال، وقد لاقت القصيدة صيتا كبيرا، وتم تعيينهما معلمين في مدينة بولو التركية الواقعة بين إسطنبول وأنقرة.
وحسب التقرير، بدأ ناظم حكمت ورفيق دربه حياتهما النضالية عندما علما بأن الشرطة في بولو تقتفي أثرهما، وهو ما جعلهما يسافران إلى موسكو، وعندما وصلا إلى هناك التحقا بالجامعة الشيوعية للعمال الشرقيين، وتعلما الشعر الحر.
كتب ناظم حكمت أول قصائده الحرة في العام 1923، ونُشر بعض منها في مجلات عدة مثل يني حياة وأيدنلك، وأنهى ناظم حكمت دراسته الجامعية العام 1924، ودخل إلى تركيا سرا عن طريق الحدود، وبدأ العمل في مجلة “أيدنلك”، وكما حدث من قبل انتقل إلى إزمير عندما أدرك أنه تحت المراقبة.
حُكم عليه غيابيا بالسجن 15 عاما خلال التحقيقات التي بدأت العام 1925 أثناء ثورة الشيخ سعيد الكردية في جنوبي شرقي تركيا، فهرب إلى خارج البلاد مرة أخرى، ثم حُكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر أخرى بتهمة الانتماء إلى منظمة سرية.
وفي العام 1928، نشر كتابه الأول “الأغنية الشعبية لعاشقي الشمس” في باكو، ثم عاد في العام ذاته إلى تركيا، لكن هذه المرة تم القبض عليه ونفيه إلى أنقرة، ثم أُطلق سراحه بعد فترة قصيرة، فانضم إلى كتاب مجلة “القمر المصور” التي كانت تصدر في إسطنبول.
في العام 1933 حُكم عليه بالسجن 5 أعوام، ثم أُفرج عنه فتزوج من بيرايا ألتين أوغلو في العام 1935، ومن بعدها بدأ بالكتابة الهزلية في صحيفة أكشام مستخدما اسما مستعارا.
في العام 1936، أُلقي القبض عليه مرة أخرى بتهمة تحريض الطلاب على معارضة السلطات، ووُضع في سجن أنقرة وحُكم عليه بالسجن 15 عاما، ثم أحضر إلى سجن إسطنبول وحكم عليه بالسجن 20 عاما أخرى في المحكمة العسكرية، وفي العام 1940 نُقل إلى سجن تشانكيري ثم إلى بورصة. وذكر التقرير أن ناظم حكمت استمر في كتابة الشعر وتأليف الكتب على الرغم من عدم قدرته على نشرها، وفي العام 1950 أضرب عن الطعام فنُقل إلى مستشفى جراح باشا في إسطنبول بسبب تدهور وضعه الصحي.
غادر ناظم حكمت السجن مستفيدا من قانون العفو الذي دخل حيز التنفيذ في العام 1950، وانفصل عن زوجته برايا هانم، وتزوج من ابنة عمه مُنفر أنداتش التي كانت تزوره في السجن باستمرار، وعندما أدرك أنه تحت المراقبة قرر السفر إلى خارج البلاد، فوصل إلى موسكو العام 1951 عبر بلغاريا ورومانيا عن طريق البحر الأسود.
سُحبت الجنسية التركية من ناظم حكمت بقرار وزاري في مطلع خمسينيات القرن الماضي، لكنه حظي بتقدير كبير خارج تركيا بوصفه شاعرا وأديبا تركيا؛ إذ حضر العديد من المؤتمرات الدولية وتُرجمت كتبه إلى العديد من اللغات. وأعيدت له الجنسية العام 2009 بقرار رسمي من حكومة حزب العدالة والتنمية.
وفي العام 1959 تزوج من الروسية فيرا تولياكوفا التي كانت تصغره بثلاثين عاما، قبل أن يوافيه الأجل العام 1963 بنوبة قلبية، ودفن في مقبرة نوفوديفيتشي في موسكو.
عندما تم نشر كتابه الشعري “835 سطراً”، حظي بإعجاب العديد من الشعراء. أما أهم مؤلفاته فهو “مشاهد من مسقط رأسي”، فقد بدأ بكتابته في السجن العام 1941، وقدم من خلاله رؤيته لمرحلة حساسة من تاريخ تركيا، تمتد من فترة الحكم الدستوري الثاني في زمن الدولة العثمانية وصولا إلى الحرب العالمية الثانية في زمن الجمهورية التركية، وكان هذا الكتاب الذي يتشابك فيه الشعر والنثر إرثا أدبيا خلّد ذكرى شاعر من طينة العظماء.-(الجزيرة نت)