شاكر حسن آل سعيد: البحث عن أشياء ضائعة مختزنة فينا

كان أحد الصحافيين قد طالب شاكر حسن آل سعيد التعرّف على بعض معالم في سيرة آل سعيد، بما يضيء تجربته الفنية، أثناء تجوالهما في معرض فني لشاكر، فأجابه حينها، لك أن تكتفي بما تقوله اللوحة، بيقين منه أن اللوحة هي التي تطرح رؤية الفنان وقضيته، وهو يحاول أن يعبّر عن ذلك من خلال البناء والأسلوب، […]

شاكر حسن آل سعيد: البحث عن أشياء ضائعة مختزنة فينا

[wpcc-script type=”c96da9f7e86d41995d4e541a-text/javascript”]

كان أحد الصحافيين قد طالب شاكر حسن آل سعيد التعرّف على بعض معالم في سيرة آل سعيد، بما يضيء تجربته الفنية، أثناء تجوالهما في معرض فني لشاكر، فأجابه حينها، لك أن تكتفي بما تقوله اللوحة، بيقين منه أن اللوحة هي التي تطرح رؤية الفنان وقضيته، وهو يحاول أن يعبّر عن ذلك من خلال البناء والأسلوب، فهي الوسيط الذي يفصح عن لغة الحوار الداخلي الصامت، الذي ينشأ عادة بين رؤيتين، رؤية الفنان، والأخرى رؤية المشاهد.
بدأ شاكر آل سعيد منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، يشغل موقعه بجدارة في الوسط التشكيلي كمنظّر وأستاذ ورسام، يجمع بين الفكر والفلسفة، كاتجاه يعبر عن استقلاليته ونمطه الخاص في أعماله الفنية، في ظل تأثيرات صوفية، وسبق ذلك نزوعه للجمع بين المحلية والعالمية، التي أعلن عنها في مشاركته مع زميله جواد سليم في تأسيس جماعة بغداد للفن الحديث عام 1951.
بدأ آل سعيد يرتاد ميادين جديدة في البحث عما وراء ظواهر الطبيعة، ينظر إلى عالم كوني مليء بالأسرار، ينظر إليه مسحورا يتأمله، يخترق آفاقه ويتجاوز بعض أبعاده، وذهب بعيدا في تفكيك الحرف، وعرف بنظريته (البعد الواحد) وإتسعت حدود معرفته، وراح يتأمل الجدار، حين يعمد الفنان إلى الكشف عن الجوهر في أعماق الأشياء، وهو إنما يقصد البحث عن صفات الخلود فيها، كما يسعى إلى إسقاط الكثير من التفاصيل التي لا تخدم غرضه الفني، ولا توصله إلى إقتناص لحظات الإيمان في ولادة الحقيقة.
شاكر حسن الاستثنائي، غيّر المسارات بحثا عن أغراض أخرى في الفن، لأنه يريد أن يمنح المشاهد رؤية جديدة ومثيرة، ذات معانٍ وصفات مغايرة للأشكال والرموز والتركيبات التعبيرية التي استنفدت معناها، وفقدت سحرها بسبب شيوعها المفرط، واستعمالاتها المتكررة، لذا عليه أن يجد تركيبات جديدة للمفردات التشكيلية، تمتلك تأثيرا جديدا ومرادفا في الأهمية لما يريد أن يقول.
ولعل هذه الخصيصة هي التي جعلت آل سعيد في نجاة من الضياع في متاهات الاساليب، إذ حدد منهجه التأملي، كأولى حالات التسامي بالقدرات الروحية للفن، على خطى الرسامين الكبار، يقول مايكل أنجلو في هذا السياق: إن الذي أريد أن أريه في عملي، هو الفكرة التي تكمن وراء ما يسمى بالحقيقة، فأنا أبحث عن الجسر الذي يصل المرئي باللا مرئي، لذا اعتمد شاكر حسن في أحد كشوفاته ما يعرف بتجربة (فن الحقيقة المحيطية) كشكل جديد في التعبير عن البعد الواحد.
على أساس هذه النظرة التأملية، يصبح من الصعب على المشاهد فهم العمل الفني، إذا لم يكن قد اكتسب ثقافة معادلة لرؤى الفنان، أو في الأقل عاش إلى درجة ما في محيط الخبرة التي مرّ بها، ليتمكن من الوصول الى درجة التواجد والانفعال بما أبدعه، ويستعيد كل تلك الرموز والإيحاءات، الرافدينية، والموروث، والأساطير، والحكايات، والتجارب الحروفية التجريدية الخالصة.
إن تواترات الأعمال والكشوفات والتقــــنيات، والريــــادات والبحث في الزمان والمكـــان، والتجارب الفنية التي تراكمت عبر مسيرة آل سعيد الفنية، عززت دوره الريادي، الطليعي في المساهمة بصنع تاريخه الفني المضيء بالأفكار، كما لو كان يمارس طقسا مقدسا من طقوس الحياة.
يوقظ شاكر حسن فينا مشاعر جديدة، في لحظة تأمل لعمل ما من أعماله، نبحث فيه عن شيء ضائع لكنه مختزن فينا، لأنه تحمل مشاق الحث الفكري لأعماق ذاته، ومساءلته الطويلة في الظاهر والباطن، في العلاقة بين الجسد والروح، المنظور واللامنظور، الوعي واللاوعي، الخيال والواقع، هكذا بدأ آل سعيد رحلته الفنية، وهو يستنطق كل هذه الأشياء بحوار خفي نلمس فيه الصدق، بدون خيلاء أو ادعاء بقدرة الفنان الواهب لاكتشاف المنابع الخفية للإبداع الإنساني. غامر شاكر ليؤكد أن الإنسان لا يستطيع أن يحقق الأمتياز، إن هو أرضى الجهلة بدلا من أن يكون متفردا أو بعيد المنال، كما يقول أنجلو.

٭ كاتب عراقي

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!